Tahawolat

ما كاد خريف العازبات يولي الإدبار حتى فاجأتنا الدكتورة نضال الأميوني دكاش بربيع المطلقات ونحن لم نحظ بعد بشتاء اللائي هربن من متع الحياة بين الربيعين !
وتشدّنا الى الكتاب الذي وضعه المؤَلِّفُ « المثنّى « الذي تمّ توحيده بقدرة قادر ، وبسحر ساحر ، بين نضال والروائي نزار دندش ، تشدنا إليه كلمة ربيع التي تردَّدت على كل شفة ولسان في فصل شتائي متقلّب قارس لم يشهد العالم له مثيلا منذ عشرات السنين . فربيع لبنان واللبنانيين ومن حولهم من جيران ، لم يبقَ فصلا من فصول الطبيعة لا بتصنيفه ولا بمناخه ، فكيف بحضوره المشبوه وما يحمله هذا الحضور من توقّعات تصنعها قوى العالم من الخارج والداخل ومن كل صوب !
ربيع المطلقات هو أحد هذه الربيعيات المبتورة من موات فصولنا لكنّه ، وبتعدد محطاته ، يكدِّس الفصول بعضها فوق بعض ليخلق من المطلقات مولودا انثويًّا جامعا وموحدا يثور على التقاليد وقوانينها البالية ويحتلُّ عرش الذكورية بقوة مواهبه التي يخضع لها كلّ عاتٍ جبّار مهما كانت فتلة شنبه وقوة عضلاته ورجاحة عقله .
ربيع المطلقات هو ربيع زينه ، الضحية الأولى التي تماسكت على الرغم من التقاليد الموروثة التي كانت تجرُّها الى شفير الهاوية ، واستطاعت ان تتربع أخيرا على عرشها قائدة ورائدة بعد وصولها الى شاطئ الأمان سالمةً مع مصير  مطمئن ٍتحلم به وتطمح للوصول اليه كلّ أنثى في مجتمع ذكوري ظالم مستبد.طلقت زوجها الأول « شاكر « الذي يشخّص  مثال فئة كبيرة من رجال الأعمال كانوا قلة في المجتمع المحافظ قبل هبوب الربيع المسموم  ، ليس في لبنان فحسب بل في الأقطار العربية جمعاء . هذه الشخصية تخضع دائما وتُذلّ عند الإحتكاك بمواهب أنثى  تعرض جمالها وتوظف إغراءها  كوسيلة لبلوغ الهدف فلا يعود للإمتحان أي أهمية للوصول والقبول . ففجأة يقال للأنثى صاحبة المواهب : « مبروك لقد نجحت ! وتبدأ عملها في اليوم التالي ... «
حكاية زينة مع زوجها شاكر ومع صديقتها سهام تتكرر دائما وخاصة في بيروت والأرياف اللاصقة والمندمجة اندماجا كاملا بببيروت أو بغيرها من مدن الساحل . دقائق قليلة وبزيارة قصيرة تتحول الأنثى الريفية الى امرأة « كاملة الأوصاف « وهي لم تبلغ سنّ الرشد بعد وهذا أحد الأسباب التي أباحت الطلاق في ربيع المطلقات .
هنا لا اجيز الدخول في تفاصيل الرواية حتى لا تضيع على القارئ لذة اكتشاف مهابطها وما ابدع فيها المثنى نضال دكاش  من دسٍّ حول تشاوف النساء الذي يودي بهنّ غالبا الى الهاوية وحول تشاوف رجل الأعمال الذي ينزع عنه كل صفات  الرجولة والإنسانية في علاقاته وتعامله مع النساء . لكن ، لا بد من إبداء ملاحظات حول حبكات الرواية ومبناها وطلة ربيعها المميز بطبيعته عن ربيع العرب .
إنّ من شروط الرواية وحنكة الروائي تواتر الإثارة التي تشدّ القارئ وتمتّعه وتثير فضوله أو غرائزه حتى في سرد حكاية لا تستوي حبكتها منطقيا مع حلّها . فزينة ، بطلة الرواية ، تتعرض لانهيار عصبي يدخلها مستشفى الأمراض العقلية وبعد نجاح الطبيب بإعادتها الى حالتها الطبيعية ، تعود الى ممارسة التدريس « عادت طبيعية كما بقية النساء في القرية ... « . هذه « الخبرية « من المستحيل حدوثها لا في الأر ياف ولا في المدينة الاّ إذا كان لربيع المطلقات توقعاته للزمن الآتي !
 وعلى الرغم من ذلك ، تبقى الرواية واقعية بشخوصها ويمكن أن نتوقع لها تطورا تصاعديا لصدقية احداثها مع فلتان الحريّات في مجتمعنا . فالبطلة زينة تضع يدها على فم داني، فارسها الأخير في القفص الذهبي وتمنعه « من متابعة الكلام لأنها شعرت بأنه سيكشف أمورا يمنع كشفها . ثمّ ترفع يدها عن فمه ليتابع حديثه في « وجهة مختلفة « وهو الإنسان الخلوق المتواضع المموّل والمحامي عن حقوق المطلقات ، يفتح صدره ويمد يده بسخاء للمساعدة « فتصفق المطلقات لمبادرته الخيّرة وعلى دعمه للمرأة ومناصرة حقوقها . «
داني المنقذ الأخير ليس لزينة فحسب بل لكلّ المطلقات ، بلغ قِمّة الإبداع في اختيار « البخور» اسما لمطعمه . فالبخور الذي تطرد رائحته الشياطين في عرف الدين ويتيح للأرواح الطاهرة أن تحلّ محلها ، هذا البخور يصبح بمشيئة « المؤلِّف المثنَّى « شعارا مقدسا لحركة نسائية جديدة.
يفاجئ داني « حضورهن « ، قائلاً :
 « عندما كنت في إيطاليا سمعت عن مطعم يعود ريعه لمصلحة حركة الدفاع عن النساء المظلومات ، وأنا أقترح اليوم أن يكون مطعم « البخور « بتصرفكن ، في خدمة نشاطاتكن واجتماعاتكن ، وأن تخصص نسبة من أرباح المطعم لدعم صندوق الجمعية التي تعملنّ على تأسيسها .
هنا صفقت المطلقات لداني على مبادرته الخيّرة وعلى دعمه للمرأة ومناصرة حقوقها . «
ولكن ، وبعد طرح الحلم كحقيقة ملموسة بتأسيس الجمعية وإنهاء معاملاتها بسرعة قياسية بدعم غير مسبوق من وزير الداخلية الذي رحّب ترحيبا حارا بالرئيسة زينة ، كان لا بد من سماع الحقيقة كما هي وكما وردت في خاتمة الرواية : « أن ينام مشروع القرار في أدراج المجالس فذلك روتين ، وتلك سياسة ، وذلك شيء من تلاوين الأقدار في بلد زينة وزميلاتها ، أما مشروعهنّ فقد أصبح حلما على حافة الحقيقة ، فرحن به وكأنه قد تحقق فوضعنَ أنفسهنّ في قارب النجاة وصفقن لخروجهن ّ من الظلمة . ومع أن فرحهنّ لم يخرج من دائرة الوهم والتخيّل فقد كان فرحا بكامل بهجته وصرحا تطلّ نوافذه على المستقبل لا على الماضي . فرحن به بالإجماع ، وفرحت كلّ واحدة على طريقتها وبالإسلوب الذي يروي عطشها أكثر ... أمّا زينة فقد حملتها أجنحة السعادة إلى أبواب المحكمة لتعقد زواجها على داني ... «
 هذه الأحلام التي طرحتها الخاتمة على صفحة مكشوفة قد تتحقق يوما ما ، أمّا زواج داني بزينة في» ربيع المطلقات « فصموده وبقاؤه من المستحيلات .
أخيرا ، لا بدّ من إشارة الى اسلوب الرواية الذي توحّدت وتيرتُه ولم تظهر عليه علامة واحدة من ثنائية  « المثنى « وهذه شهادة على براعته في الدمج والتوضيب فشكرا له على هذا العطاء المثير وهنيئا للمطلقات ببشاراته .

آراء القراء

1

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net