زهرة مروة ، تنثر وريقاتها الطرية بسخاء وإسراف ، متحررة من الموانع ، غير آبهة بزخات الأمطار وطوفانها ، وبهبات السَموم اللافحة ، وبعيون الرقابة . تدخل جنّتها الجاهزة وهي على عتبة بين الطفولة والنضوج لكن نسلها يتكاثر رغم بتوليتها كما تتكاثر برمية حجر دوائرُ المياه الراكدة الصافية "وتنفلش على وجهها متحولة الى ذهب" ثم تعود الى صفائها من جديد وقد "ارتخت الأرض ... ولم تعد بخيلة . "
ليس في شخص زهرة علامات تؤكد وجود هذا البوح الجريء يتغلغل في نصوصها العبثية سوى نظراتها البريئة تتنقل مع حركات محرورة لا تجد مرسى لها، تحمل هواجس يقظة مفاجئة لم تكن بعد قد وعَتها. انه الدمار الروحي يبحث عن النجاة فتمتد "صرختها من فراغ الى فراغ" .
حتى انها تخيلت الوجود ينصهر في جنس واحد، كما الحال في فرس النهر. والفرق أنه يُنجب وهي لا تُنجب بل ترفض الإنجاب. اخيراً تلجأ الى الشر وكأنها تبنته من قبل وبكل رمية اصابت الهدف او لم تصبه/ جلستُ في الزاوية أنتظر اليوم الذي ستستقيم فيه الموازين. انتظر متى يظهر وجه الشر من جديد ، ذلك الوجه البشوش ، ينبوع الينابيع/ . هذا الوجه ، وان هلّ ببرقع عذراء ، فان رغبة الوصال تلاحقها لتنقلها دائماً من فراغ الى فراغ كأنه يدور معها على ارصفة مجهولة وهي تظن انها تحمل ورقة اخيرة رابحة تنتظر في الظلمة ولا بد من الانتظار. لكن القفلة تبقى عصيّة ومحيّرة مهما حاولنا تمويه حلها فتقول / اشتهي من يشتهيني/ . والسؤال ، هل ستبقى واهمة تبحث عن فك القفلة لتطل على وليمة جديدة !
قد تتحول الوليمة الى اعراس تغريها بألوان غريبة لكنها لن تركع ولن تخضع للشهيّات لانها لن تجد ذلك الحبيب المفترس مهما طالت " الاقامة " ولأن الانسان العادي لا يستطيع ان يطفئ عطشها فهي / جائعة جوعا مطلقا ... والحافة معلومة: امرأة تبحث عن ذئبٍ آخر الليل ، عن ذئب ينصفها / .
ففي ديوانها الثاني اللاصق بباكورتها ، كان الأحرى بزهرة ان تختمه بلوحتين ، لوحة الفراغ تليها لوحة التمهيد فتكون قد مهدت لنتاج اكثر احكاما واكثر تكثيفا لان نبراتها تؤمل بفتوحات جديدة وداخلها مشحون
برائيات تسخو بالغرائب في عالمنا الغريب .
تقول في لوحة " فراغ ""الفراغ اكثر امتلاء من الامتلاء لأنه يصوّر لي كل الاحتمالات" .
وفي لوحة "التمهيد " كلما تحفز هجومي عاد وانطوى .لعنة هذا السباق ، لعنة شخص جلس يلملم عمره . لا اقيم الا في التمهيد .
