Tahawolat
شاعرة تُقيم مدماكاً جديداً، مختلفاً ومميَّزاً  لأصولية الشعر بنثريّات ممغنطة تَلُفُّ "برهان الخائف" بأسلاك فولاذية وقد ظهرت في عينيه وتقاسيم وجهه وانتفاخ جسده صورة إنسان مسكون ببلاهة معاق وخبث شيطان.
شاعرة ترميك في قذارة عادات روتينية لتخلص الى حكمة تصعد من القُمّة الى القِمّة: / حوضٌ تبصق فيه مراراً، تشتله بعيدان الزوفى التي قال فيها شاعر التوراة: إغسلني بالزوفى فأطهر ثمّ / تتمثَّلُ الإساءة وردة خضراء في مرج أخضر فتنزل حوض السباحة فتطهر في مائه من الأحقاد والأدران /.
جديد منغانا، ليس في مرامي القصائد ورموزها فحسب بل في لغة مختلفة تعتمدها شاعرة أنثى وتتفرد بها بعيداً عن لغة المحدثين والمحدثات، بكل ما لديهم ولديهنّ من غرابات ومشوّقات وغموض.
"تَفكَّر"!، وأنت في أولى صفحات الكتاب، بكوابيس نسجت لأشباحها هالات من بقايا مهملة جمعتها بتأنٍّ واحتراز لتصنع منها أسلاكا ممغنطة تربط بها الماضي بالحاضر والمستقبل، وهي مصنوعة بفتات أشياء مبتذلة وبهلامياتٍ كخيوط عنكبوت أضاع فريسته.
تفكّر: كيف أنّ "مرض الألزهايمر الذي أصاب جارك ويصيبك ربما إن غاليت في صمتك. وتفكَّرْ... بتركيب دماغك المعقَّد الذي يحبك كوابيس مرعبة بآخر أمنية أضرمتها فوق قالب حلوى وآخر حديث شيّق أجريته مع صديق وآخر قبلة طبعتها بشغف عاشق".
ثمَّ تطمئنك، وأنت مقزّز مما يدور في رأسك من تخيّلات مخيفة،: "ان الموت لن يستطيع العثور عليك وأنت لاهٍ في غمرة انشغالاتك، وعبثًا يحاول.." ... فلها الشكر!
ومع عناوين لوحاتها ترقى وتهبط، متعثرة أحياناً بخطوات قد يَشْكَلُ فهمها على المتلقي. ففي لوحة عنوانها: "إغواء" تطرح علينا إشكاليةً في تفسير مموّهٍ بما يوحيه الرسم الأصولي الجميل  وقد سمَّـته "البورتريه"، أمّا الرسم التجريدي، وهو الأقرب الى عمر الفتوة  بحيوية ألوانه وتحرّر خطوطه فتعتبره شيخوخة تغويها بتجاعيدها وتصرّ على أن السحنة هي هي لا تتغير وإن كان القلب قدشابته عضة!
تعابير غير مألوفة ورموز لم يعرفها الشعر الأنثوي من قبل في تقليعاته الحديثة عندنا.  فشاعرتنا  تمرّدت على الصياغات العادية فجاءت صياغاتها متماهية مع عاديّات الحياة المألوفة التي تراها كل عين وتلمسها الأيادي وتشمُّها الأنوف قسراً. صياغات جمعتها من فتات وبقايا مهملة وعبّرت عنها بدقة وأمانة بعيداً عن الهلوسات الغامضة المبرّرة بالوحي واللاواعي، هذا للقول أن الشاعرة وإن كانت قد اعتمدت طريقة تعبير قد تكون مستوردة، ولا بد للإيضاح بعود آخر إليها، إلاّ ان مضامينها لا تنتمي الى أحد، ولا شك بأن شعرنا الحديث كان يفتقر الى هذه التقليعة التعبيرية كي يضمن وجوده في تحوّله الكيميائي من الحرية التي ربطتها صياغة شعراء الحداثة بفلتان لا محدود، إلى قفزة جريئة في صناعة العبارة يكون لها دورها الخلاّق المبدع والمشارك في مقاصد القصيدة.
فإذا اخترنا لوحة أخرى من لوحاتها على سبيل المثال، نجد في تشكيل كل عبارة على حدة صورة متكاملة توشِّيها الألوان وتندمج بأبعادها وحواشيها. ففي لوحة بعنوان زاد تتجرأ على بسط وليمة تحُـَظـِّرُ إقامتَها قوانينُ البيئة وفي كل جملة منها بعدٌ مستقل بمكوِّناته:
"كانت الحقول تتفرّس أطباقنا، قانعةً بما يفيض عنّا. /  كنّا نفقش البصلة الحرة / ما الذي تركناه على أعقاب شجرها غير السماد والظلال المسمومة، أعشاشاً زانخا بيضُها / وأغصاناً تحاول أن تتذكر آخر حشرةٍ تركت معقوصاً على زندها.
 وهكذا تتواتر العبارات المسلوخة من عاديّاتها المبتذلة في صياغة بوح من الرؤى يأخذك الى أجوائها الغريبة فتقرأ:
"وذات صباح / ستفتحين عينيك على الشباك لتري جناح عصفور متيبس / فتنتبهين أنّ الطـَرْقَ الذي كنت تسمعينه لم يكن لمسطرة الخشب". هكذا يولد عنوان لوحتها بعد إرشاد للأنثى لتدرك "انه في الحب، عليها أن تكون أقلّ ضراوة بعد سحق المالوش تحت كاحلها المتشقق وذبح الديك الرومي بسكين المطبخ وحرق ريش العصافير على سيخ الشواء".
عناوين قصائدها تعطيها القصائدُ شرحاً أو تفسيراً أو رسالة ملغومة كأن تعطي لدقات الجرس الحزينة القدرة على كسر رتابة الحياة بنداءات كاذبة.
وبعد، أليس الحصاد ثمرة بطن الجنينة بفعل مزاجها الغامض!
وهكذا نقرأ مع منغانا في تراكيبها المختلفة بما يفسر عنوان لوحتها الشعرية أو يتركها في غموض خلطتها العجيبة. تقول في "عتب":
فوق أسطح البنايات / تعلو المرايا / والصحون اللاقطة الشمس ما عادت تضيء برفق / ثمَّـةَ من يسرق دفئها ويهدره في القساطل والبواليع .
 أروع ما نقرأ في شعر منغانا، وفي ختام لن يكون الأخير معها، تحرير الأطلال التي كانت متمرجحة بين وقوف وجلوس، بتحليق لبرهان الخائف يعبر به عبور الوروار  بشارات حرٍّ أو بللٍّ وهو العارف وحده، يبكي من على بساط الريح البيوتَ التي كانت مأهولة!

آراء القراء

1
26 - 6 - 2012
Good to see real expertise on display. Your contribution is most welcome.

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net