Tahawolat
مع إيناس مخايل تتحرّر الكلمات من الغموض  والحشو . وكما في كل واحة صحراوية تحت شمس لاهبة ، يهبّ نسيم عليل يطري الأجواء  بين الحين والحين ، أو كما في  معركة تفوح منها رائحة الموت يتسرّب بصيص من نور المحبة يُنهِضُ الهمم في القلوب الضعيفة ويعيد الأمل بالحياة وببعث جديد ، هكذا تقرؤها وتسمعها وتحضر وليمتها على ضوء شموع العشق ، وتحت مظلّة محملة بالأطياب تجود بغيثها ، وتهمي برذاذها على كل مطرح بائس حزين ، فتحييه ، وعلى « عرس دائم الشوق «  فتزيده بهجة  وفرحا .
وإذ تتمادى»  بموسيقاها الحالمة  وهمساتها الدافئة « ، وببوح بريء فالتٍ من مكانه وزمانه ، تشعر معها كأنك بجوار بحيرة ملهمة أو روضة غنّاء حالمة بأمداء لا حدود لها .
  تتوِّج ديوانها الأول « نار لا تنطفئ « * بكلمة السيّد في إنجيل لوقا : « جئت لألقي نارا على الأرض . فما أريد إلاّ اضطرامها « . هذه النار أنّى لها أن تنطفئ  وفيها قوة جعلتها تمتلك الدنيا وتخترق ضبابيتها وسوادها بفعل إيمان برسالتها صامد وصادق !. هذه الرسالة التي تحاول فيها ، وفي / وسط البشاعة التي تحيط بنا / أن تشيل القارئ من غيبوبته وتنقذه وتنقله ، بإصرار ، الى حياة مفعمة بالجمال والخير والحب . لكنّ نارها تتعبها بدخانها الرمادي الأسود وتجعل  فضاءها مشحونا بالأشباح ومغمورا بعتمة النهاية التي لا عودة منها الى الحلم الكبير ، /  فتقول : / أصبح كلّ شيء في متناولنا / حتى أصبحنا نتوق لنهاية كلّ شيء /
هل خضعت أو ستخضع لهذه النهاية  والأمل المفعم بالحب قد تماهى بإيمانها ، إيمان العجائب الذي ُيقيمُ صَلاتهَا لخالق تجده وتلتقيه في كلّ إنسان ، إله خير وعطاء ، وهبها رغبة الحياة ولذة الحياة حتّى في  « الألم والبكاء « وجعلها ، منذ البداية ، خاضعة لسلطان الحبّ . فهل تعود إلى ثوابها فتكره الكرهَ وتمحو الزمان من ذاكرتها وترسم لما تمنته في البداية من توق الى السلام والجمال والفرح !
إنّ لذة الحياة التي يشعر الإنسان بها في الفرح والألم معا ، عاناها ويعانيها كثيرون من الشعراء وقد عبّر عنها جبران في عديد من رسائله التي كان يعتبرها بأهمية مقالاته كما صرح لماري هاسكل والتي جاء في إحداها لمي عشيقة روحه : « لقد وجدت في المرض لذّة تختلف بتأثيرها عن كلّ لذة أخرى ، بل وجدت نوعا من الطمأنينة يكاد يحبّب إليّ الإعتلال ... ( جميل جبر – حبيب سماحة )
شاعرتنا لم تصبها حلولية جبران بعد ، لأن عشقها عالق بمأساة جنوبها في وطن معرَّض للهزّات في كل آن ، ولأنه عالق برباط روحي مع إلهها :
/ آه إلهي ! ماذا أقول لك ؟ / علمتني أن أحبّ في عالم لا يحبُّ / لا تنتظر ارتقائـي لأن للأرض جاذبا / طيّرني إليك / لأجثو أمامك إلى الأبد /
وتلقي مرساتها ، بعد إبحارها ، في  عطش مزمن بينما تشاهد قطرات الماء تتدفّق مسرعة فتقول :
/ امتطيت خيالي ليقودني الى دنياه ... / الى معبد الطيور ... / في هذا المعبد أجنحة من ريح / وأسهم من ريش النور / تخبئ الارض وما عليها / في انشودة تعبر الموت بأجمل أنغام الحياة /
ديوانها الثاني  ** « هكذا نملك الدنيا « لم يف لتوثير طريقها المتعثرة في صعودها الى القِمم وهي ما زالت تدور في الحياة دورانا لا يعنيها بشيء « لأنّ هويتها مهجَّرة وحلمها سرابي «  فهل تخضع لهذا الحلم  وفي توقها عزيمة لا تتزعزع ولا تنهار  : / سأعتبر أنّي في كلّ لحظة في عالم جديد إلى أن أصل إلى عالمي  . /
 تربكنا في ديوانها هذا ، وهي تُـمَرجح حبّها بين الأرض والسماء : / يحار الحبّ في أمره معي / وأحار انا في  أمرك أيها الحب / 
أرادت أن تمتلك الدنيا فتناثر حصادها في جولات لا حدود لها ، لكنّها مع جنوبها وتراب جنوبها  / وبأرقِّ من دمعة / ستتحدى كلّ وهن وتبقى / أصلب من صخر / .
بعض التركيز المكثف يظهر في قصائد ويغيب عن قصائد أخرى في دواوينها الثلاثة وأحيانا في مقطوعة أو مقاطع في القصيدة الواحدة ، يرقى بإشاراته الإبداعية ، تقول في بعضه ومن قصيدة بعنوان  « لتكن ربيعا « :
في الليل عند وسادتي / تبدأ أوتار قلبي بعزف وجهك / أمحوها بيدي / حتّى لا يكون لي حلم ولا يقظة .. /
ويهذي الحبُّ كبلبلٍ يزرع فوق الصمت أنغامه / عاشقة أنا / ومركبي / قطرات شوق ٍ أسكبها على قلبك / على وجهك / عليك / لتبقى في ربيع ٍ دائم .
وهكذا ، وفي ديوانها الأخير *** « رسالة فرح « ، تكثف أيضا عباراتها برموز واضحة . ففي قصيدتها الأولى على لسان وردتها تَـعْـبُرُ ببعض هذه الرموز ، وبجدارة ، الى كثير من التألق الإبداعي :
همست الوردة / العالم من حولي صقيع / أرتجف من البرودة  / وترقص أوراقي بثوبها الناري .
 / أصبح نقطة من الضوء على صفحة حياة تتقلَّب من مهبٍّ بارد الى مهبٍّ دافئ / من مهب عاصف الى مهب هادئ / ولا أَتِـيْه / أعرف اني خلقت للربيع / وأني هدية الحب وكلمة الصمت وامتنان الفقير وذوق الغني / ...
هذه هي رسالة الحب البهيج تشلحها أحيانا كموج البحر الهادر وأحيانا كرقرقة ساقية تجرف حبيبات ترابها القابع تحت حجارتها البلورية الوديعة وبأسلوب لا يخلو من الخطابية استطاعت من خلاله أن تطلق الأشرعة في كل صوب غير عابئة بما للأسرار من خصوصية .
بوح فضفاض جريء ، موغل بأبعاده ، يكشف عن شكوك التساؤل وحلِّها بفعل الإرادة والصمود . فالتضحية تذلل كل الصعاب وهي هدفها ، لذا ، تقول : / أعرف أن دروبنا عثرات ومشقّات وفيها من كلّ شيء . / لا أخشى شيئا ما دمت حبيبتك / ... سأقف مؤمنة قوية / سأقف ضعيفة / لكنني سأقف .
وعن لغز المصير ، تربط الحلّ بشيء من الغموض في وقفتها القصيرة مع الروح : / الهواء يلف طريق الوصول الى كواكب جوّالة تسكنها الحياة / وليست الروح سوى نفحة من الهواء .
وأخيرا أتمنى ألاّ تتركنا الشاعرة في حيرة بين الجسد والروح وبين الحبِّ والمحبة فتفصل وتوضح  في ديوان جديد ما نحن بانتظاره ليريحنا من الشكوك الوسواسة .
 
 
من اصداراتها:
نار لا تنطفئ صدر عام 1998
هكذا نملك الدنيا  صدر عام 2002
رسالة فرح صدر عام 2009

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net