Tahawolat

لأول مرة تنسا ب الكلمات في كتاب يحمل أهمّ مواصفات الشعر الطليق، بتجرده من الابتذال وبمقاطعه التعبيرية
 
العفوية المسجّعة كهدير الجداول، والموّاجة بموسيقاها، الكاشفة عن مكنوناتها دون تصنع او اسفاف. نحن مع شاعر أعطى ديوانه عنواناً متواضعاً حشره بين قوسين حتى لا يعرّف عن نفسه بالشاعر ولا عن رسائله انها
شعر. لكن، وكما قيل، لا خفي إلا ويظهر، ومهما كان التستر مموّهاً بالتعمية، فلا بد أن نشهد بأن علي عباس في عناوين كتابه وكل عبارة من عباراته هو بكلّ امتياز شاعر رهيف الأحساسيعشق موسيقى الطير والغيم والماء”. وهو متيّم يفرّ من الحقيقة إليها.. مهما كان الحبر مراً.. مهما كان الماء جمراً.. فلا يغرق ولا يحترق ولا يسفّ.
على صراط العشق أمداء من الإداع والإدهاش ممهورة بالصدق
 
 
والعفوية ولا تخلو من الاستعلاء: يا ساقي! هل يسعدك ظمإي؟!.. / كيف تملأ كؤوس المتعبين في حانات العشق ولا ترتوي! /
من أين يؤتى بالارتواء؟! / أخالك تائهاً بين جموح السراب!؟ / إقرأ كتابي.. ودع عنك كلّ كتاب/ وتوسّد ترابي.. فكلانا من وجع التراب.. /... تعال واسكب آخر صبابة عشق من نحر الظما.. فإني مفتون باللظى.. /
 
رموز واضحة مجردة من الابتذال والإسفاف وبعيدة عن رموزموجودة سلفاً في التراث، كما ورد على لسان جبرا ابراهيم جبرا في مقال له في مجلة الآداب  عدد 3 سنة 66  وفي قوله ما ينطبق على شاعرنا علي عباس الذي نقول فيه ما جاء على لسان الناقد في مقاله: “لن يستطيع خلق رمز جديد إلا من كان ذا ذهن شديد النمو، شديد التوق والتحرق...”.
علي عباس الشديد التوق بصوفية صريحة واضحة صادقة ومباشرة: /أسألك حبك وحبَّ من يحبُّكَ وحبَّ كل عمل
يوصلني إلى قربك / يا أرحم الراحمين/ وعلي عباس الشديد التحرق يبدأ خطواته الى اهل الصراط واهل العشق بحرف/ يلملم بعضاً من الحب وبعضاً من الحزن وكل الكبرياء/ ويحيله زيتاً في قناديل الأمنيات علّه يمسح جبين الضوء ببعض من قطراته وببعض من خطراته وبكلّ ما ادخره من رجاء/.
 
 
علي عباس ليس الوحيد في خلق رموز جديدة، لكنه في تعابيره يخطو الى صراطه بصفاء الذهن ويرقى في صوره
 
الى جلال العقل وهمسات الروح: /رحت اطلب صباحاً تدثّر بأحداق تنحّى النعاس عنها../ وبلغت انجماً غار المسك في عبيرها / فدَلِفْنَ الى سفح الامنيات.. ساجدات./ إني من غدٍ لا يرتجف يقينه... هيهات ان يركن الى الغياب توسلي او توجّعي. هيهات”.
 
وبعد، يمكن القول إن علي عباس يسجل قفزة في مدرسة الشعر الحديث بتجرده من الابتذال في صناعته ومن الإسفاف في مضامينه وبصياغة رموزه. فالشعر الطليق، سواء جاء باستعارات تحتية واضحة او غامضة مبتورة او باستعارات
 
فوقية كما فيصراط العشق، يبقى الاقرب الى ما يسمى بشعر الحداثة. وعلي عباس، ومهما أفاض في ابتهالاته الصوفية، يبقى للحبّ في قصائده نزّة مروق دافئ بين الله والانسان تختصر بقصيدتهامّا بعد”: في خضمّ الماء/ تكويني نار الغياب.. / وأسافر في الصمت لأسمع ترانيم المطر.. /
وحين يحضر المساء أسكن في الخيال.. /
إن قصائدي التي تركتها عند حافة الشمس.. / ما زالت تنوح في العتمة.. / ويا أيها الموغلون في التيه.. / هذا البحر يغفو على ندى أصابعي../ وسيتعبكم الانتظار!
أخيراً، ومهما حاولنا أن نسلخ الشاعر من صوفيته لنخطو به ومعه الى صراط ترابي ارضي فعبثاً نحاول وعبثاً نستطيع أن نحرفه عن صراطه السماوي. فالعشق في تأملاته والعشق في صلواته والشوق الالهي معبر صراطه المستقيم: / يا كعبة الروح.. / لك سجدت نغمات عشقي المديد.. / وعلى ضفاف هيامك تقطعت اوتاري.. / يا بارئ الحب....
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net