Tahawolat
تطلُّ نسرين بديوانها الصادر 1998 بشعر طليق مطبوع باحتراف مقتِّر على غلاف باهت واوراق صفراء كعناقيد تشرين وبعنوان منزوع من زلال الكرمة يذكرنا ببيتٍ خالدٍ أغرى النؤاسي فسطا عليه
وكان وفيّا في التذكير بصاحبه :
إذا متُّ فادفني الى جنب كرمة  تروِّي عروقي بعد موتي عروقُها
إنه  " زمن العناقيد " وقد تجرأتْ على تسمية لوحاته بالشعر المسرحي وهي تسمية لم يسبقها اليها أحد من قبل .
هذا الديوان ، بطبعته المتواضعة لا يلفت النظر ولا يغريك أن تصمده في مكتبة مزينة بالكتب الموشّاة بزخارف مصقولة بالخطوط والحروف المذهبة ، لكنه قد يغريك بأن تقلِّب صفحاته باهتمام فضوليّ فإذا بك تفاجأ وكأنك تهيم في مسرح ضبابي لا حدود له ولا علامات تشير الى فواصله .
ديوان طليق لا يحمل على غلافه اسم عائلة الشاعرة وقصائده لا عنوان لها ، قصائد لامنتمية ، عبثية الهيكلة ومنثورة كأوراق الخريف .
ديوان كتبت نسرين بعض قصائده في عمر عنفوانها الأنثوي المتمرّد على الذكورية . تفاجئنا لوحاته ببثٍّ حروريٍّ جديد الصياغة ، بعيد الأمداء ، رجراجٌ متوتِّرٌ صادق الإنتماء الى تسميته بالشعر المسرحي :
/ ليلٌ هدوءٌ سكينةٌ / جالسة أنا وحيدةً / قلبي منفطرٌ وروحي مشلوحة أمامي شهيدة / لم أجد تلك الليلة رفيقا سوى شمعةٍ وكأس ِ نبيذٍ وجريدة /
وفي نظرة مفاجئة يتراءى لها وجه رقيق يوقظ في أعماقها تلك الحوَّاء العنيدة فتخاطب شمعتها الحزينة بعنفوان أنثويٍّ :
/ لا تسأليني ان كنت أرغب ... أن يعود إلي /
قد يخالجك الشك وأنت تحلل شوق الشاعرة واشتياقها الى موعد معهود ، الى مقعد وبحر وسماء والى صوت واصابع تلامس اوتار العود وهي تعاتب الحبيب لغيابه الطويل ، هذا الشوق الهادر يخرج من قلب لا يؤمن بالعشق بل يؤمن بالصداقة التي هي أشد حرارة وثباتا وانتماء الى سبب وجود الإنسان على هذه الأرض وهي التي تبقى صامدة على مرّ الأيام والسنين . لكنّ هذه الصداقة لا تستطيع أن تلطّف من ثورتها على الذكورية التي لا تلين بفراق الحبيب أو غيابه . لقد طال الغياب فاشتاقت الى الموعد المعهود ، الى صوته وأصابع تلامس أوتار العود لكنّ الزائر يبقى ذاك الشبح الخفي سليلَ العراء فتعنفه قائلة :
اشفق على من تماهت بوهجك الغريب / واملأ وجودها بوجودك السرابيّ اللاموجود .
وتناديه برموزها الغامضة :
كفّ عن مطاردتي / لستَ من كنتُ أنتظر /
أمامك الكون بنسائه / والحبّ بقصائده / والجنس بأبوابه المشرّعة / ... دعني وشأني /
وبذكورية فاضحة مشبوبة متمردة تدعوه بها الى الرحيل :
هيّا ارحل / لا يمكنك احتلال فراغ روحي / ولا اجتياح كل قطعة من جسدي /
لا يمكنك أن تكون رجلاً . / الرجل .. رجلي / لأني أنا كلُّ النساء /
وبعد هدوء عاصفة التمرد ، تعود الى البحث عن الرجل بصمت وهمس وحنين :
أبحث عنك / أبحث في أعماق روحي / في بريق عينيك ... / أهمس اسمك في أذنيك /
عساه حبيبي يبلسم جراحي / وتستسلم روحي بين ذراعيك /
وبين لوحة وأخرى تتنازع حبّاتُ العناقيد ِ مراحلَ عواطفها فتعبر قفزاتُها متصارعة كهبّات ضائعة برموز لا تعرف مرسى لها . فقد يكون السبب في ذلك تقلبات تتلاعب بها مؤثرات من إيحاءات التمثيل التي تسقط على الشعر المسرحي كسقوط الوحي عادة على الشعراء !
إنها الأنثى الخارقة التي تشتعل مع بزوغ كلّ فجر . تقول :
لا يخيفني غروب الشمس ولا صقيع السماء / فأنا بركان ! / أبعث النار منّي .. الى القمر فأشعله /
إذا جاورني الفقر طحنت الحجر / إذا أحسست بالجوع أكلت أسود الغاب وأفاعي الجبال / ... قلبي لا يدقًّ على هواه / بل يعزف لحني ويغنِّي موالي /
غريبُ ديوانها إستهلالٌ جاء فيه :
أحبُّ الظلام / أشتاق اليه / أشتاق الى موعده المعهود في محطتي الأخيرة .
هذا الإستهلال يربط الشاعرة بحبٍّ لا ينتمي بوحُه الى لوحات الكتاب سوى بلونه الأسود الذي يوشِّح بعضَها بالحزن والبكاء ويبدو جليًّا في أول لوحة من لوحاته :
تمنَّعت عيناي عن البكاء / لكنّ دمعتي خانتها .. / طقوسٌ طقوسٌ ...
موائد بلّوريّة من صقيع . /
أخيرا ، هل هي من نوع النساء اللآئي يخضعن للعشق !
حاشا للعشق أن يجد مطرحا له في قلب انثى تصمد في مواجهة طويلة حتى يعرف الرجل الى أيّة سريّة تنتمي من سرايا جيش النساء . عندها يصبح هذا العشقُ أسيرَها وإذا ولدت طفلا فطفلها سيبزّ جميع الأطفال لأنه سيكون ثمرةُ رحم ٍ علّم الكون صناعة الرجال !
هذه السطوة الأنثوية التي تلغي كل هيبة ذكورية لا بد للشاعرة ان تعيد النظر بها حتى لا تشعل فتيل حرب شعواء اين منها حرب الطوائف والأديان وهذه ليست دعوة لإخفاء معالم الكتاب وحرمان القارئ من طبعة جديدة له يستحقّها بهويته الشعرية التي تعطيه إجازة في ما لا يجوز .

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net