Tahawolat
يمكن إعتبار فعل المقاومة باشكالها كافة فعلٌ ثقافي لا مجال لفصله عن التربية، لكن في مجتمع متنوع تختلف الرؤيا ويصبح تبادل التخوين أمر بديهي بين طرف يدعو لمنطق "السلام" على قياس القبول بالأمر الواقع وآخر يؤمن بأن العدالة لا تتحقق إلا برفع الظلم ومواجهة المغتصب ودحره، وبين الأثنين نزاع مستمر.

يتساءل البعض عن امكانية فصل المقاومة العسكرية عن رديفتها الشعبية بحيث يصبح الرهان على أن أزيز الرصاص ودوي المدافع لا يعني من هم بعيدين عن الجبهة، فما علاقة "محبو الحياة" بذاك الذي يحمل بندقية في وجه عدو مفترض!! وهذا البعض يرى أن ما فرقته الحروب يجب أن تجمعه الفنون على سبيل المثال لا الحصر، حيث أن الانفتاح على الآخر في الاطار الفني على الأقل هو دليل حضارة، وإلا فإن مواجهة أي مبدع يؤيد الكيان الاسرائيلي الغاصب يصب في خانة الارهاب الثقافي.. وفي ذلك مفارقة غريبة لكنها باتت واقعاً لبنانياً إن لم نقل عربياً في ظل إندماج المؤسسات الاعلامية والانتاجية العربية مع شركاء عالميين لا يرون أن "اسرائيل" كيان غاصب.

في ظل الانقسام الواضح والتراشق الاعلامي والدعاوى القضائية ماذا يقول الناشطون في حملة مقاطعة داعمي اسرائيل في لبنان وكيف يقييم الشباب اللبناني هذه الحملات في المقابل؟

المقاطعة.. حالة شعبية

اكد أحد الناشطين في حملة مقاطعة داعمي اسرائيل في لبنان أسعد غصوب أن المقاطعة يجب أن تخرج من الاطار الفئوي والحزبي لتكون شعبية ومدنية رغم الصعوبات التي تواجههم كناشطين في هذا الاطار، معتبراً أن "الحملة يجب أن لا تكون تقليدية في الاطار التنظيمي كجمعية ذات علم وخبر، بل من المفترض أن تكون حالة شعبية لا تنفصل عن الثقافة والتربية، ونحن لا ننكر صعوبة الأمر لكن واجبنا العمل على تحقيقه".

واشار إلى اختلاف الاراء حتى ضمن الناشطين أنفسهم في الحملة كونها تضم خليطاً من مختلف التيارات والمعتقدات ومستقلون، وقال: "عام 2005 كان هناك تحرك ضد مقاهي "ستارباكس" في بيروت وبيننا من ناقش في الأمر على قاعدة أن هذه الشركات تمنح فرصاً للعمل ويعتاش منها الكثير من العائلات بالاضافة الى أنها تشكّل متنفساً للبعض، لكن بالنسبة لي ولكثيرين غيري نحن نرى أنه يمكن الاستعاضة عن هذه المقاهي بسواها ويبقى التمسك بمبدأ المقاطعة لكل من يدعم الكيان الصهيوني هو الاساس. برأيي ما يتم فرضه على الناس هو مقصود وهذا امر يطول بحثه، وبالعودة الى الحملة فقد

توقفت بعد مقتل الرئيس الحريري لتعود بعد العدوان على غزة في مواجهة "بلاسيبو" وهو الذي كان قد أعلن خلال أيام العدوان على غزة "أن من يريد ركوب البحر عليه أن يدعم إسرائيل" وفي ذلك إساءة كبيرة للفلسطينيين ولكل الشهداء. حينها لم أكن هنا لكن الحملة دعت لمقاطعته ووزعت بيان في هذا الخصوص وأعتصم الناشطون فيها أمام "البيال" حيث كان سيحيي حفلته لتوزع بيانها على الناس".

لكن الى أي مدى تجاوب الناس مع تحركهم في حينه، اجاب: "هناك أشخاص تقبلوا تحركنا وسعوا لمعرفة المزيد وآخرين لم يعنهم الأمر والمؤسف أن البعض قال وبكل صراحة أنه سيحضر الحفلة لان بلاسيبو داعم لاسرائيل".

وعن فرضية فصل الفن عن الموقف السياسي، قال غصوب: "شخصياً أنا لا أعترف بمقولة أن الفن للفن وبرأيي هناك نوع من فرض لثقافة معينة تسعى لتهميش الذات واستغباء العقل تحت مسميات فنية لا تمت للفن والرقي بأي صلة وعلينا التنبه لذلك ومواجهته بالوعي والرفض ضمن إطار المنطق والقانون".

ويؤكد غصوب أن "التحركات الرافضة للتطبيع تزعج اسرائيل كونها ليست محصورة بلبنان وحسب بل هي حركات عالمية ناشطة في كندا واميركا بقوة ويمكن الاطلاع على نشاطها من خلال موقعها الالكتروني:/http:/www.bdsmovement.net. لكنها غائبة عن معظم الدول العربية حيث أن السياسات التي تنتهجها بعض الحكومات العربية تناقض حركات من هذا النوع".

وعن الضجة التي أثيرت حول حفلة "لارا فابيان"، قال: "نحن لم نهددها كما أدعت وكل ما قمنا به هو بعث رسالة لرئيس الجمهورية ولفابيان نوضح فيها وجهة نظرنا ورؤيتنا وهناك من سعى لتكبير الأمور بشكل يتهمنا فيه بالارهاب الثقافي وسعى لتسويق افكاره اعلامياً ولا أفهم كيف يمكن إسقاط صفة الارهاب الثقافي عن شخص يدعو فنانة صهيونية بافكارها وأعلنت جهاراً أنها تحب اسرائيل للغناء في بلد عانى الكثير من جرائم هذا العدو ووصفنا نحن الرافضين الاعتراف به والداعين لمقاطعته بممارسة الارهاب الثقافي؟!".

وختم غصوب قائلاً: "المقاومة المدنية لا تنفصل عن قرينتها العسكرية، وان ناشطي الحملة لا يرتبطون بجهة معينة في مواجهة جهة اخرى، بل هم أشخاص يرفضون الظلم والعنصرية والقتل الذي يمارسه الكيان الصهيوني الغاصب بحق الشعوب العربية عموماً والشعب الفلسطيني خصوصاً".

الصليبي

من جهته اشار وسام الصليبي الى وجود صراعين، "نحن أمام نوعين من الصراع، الاول بمواجهة التطهير العرقي وجدار الفصل العنصري وما تمارسه اسرائيل بحق الفلسطينيين، وآخر يرتبط بمواجهة نمط الثقافة والانتاج الهوليودي الذي يتم تصديره للعالم بهدف السيطرة على العقول. وهناك شركات عالمية اليوم تشير الى اسرائيل في كل مكان منها شركات الطيران على سبيل المثال ونحن علينا البدء من نقطة محددة نؤكد فيها على ضرورة المقاطعة كي ننجح في إضعاف هذا الكيان والعمل على إيصال صورته الحقيقية للعالم وهذا فعلٌ مقاوم بحد ذاته".

واضاف: "نلمس خلال جولاتنا على السياسيين والجمعيات المدنية تأييداً كبيراً لتحركنا على الرغم من أن بعض وسائل الاعلام لا تعطينا المساحة الكافية لكننا قادرين على ايصال صوتنا ضمن إطار المنطق وأظن أننا نخطو خطوات ثابتة. ولعل البعض يرفض منطقنا لغايات ربحية وتجارية وحسب".

أما في ما يتصل بهوس البعض عندنا بالفنان العالمي، فقال: "مشكلة البعض تتمثل بعقدة النقص تجاه الغرب حيث أنه يعتبر قدوم أي فنان من هناك إنجاز مهم وحضاري، ولعل البعض نسي أن الانترنت قرب المسافة بين دول العالم، ويمكن لأي شخص الحصول على أعمال كبار الفنانين العالميين دون عناء. والمؤسف أن سعر بطاقة حفل لارا فابيان في "كازينو لبنان" تخطى 250 دولاراً اميركياً وأنا اتحداها أن تتقاضى هذا المبلغ في أوروبا أو أميركا. من هنا اؤكد أننا في موقع القوة إذا ما ارتبط الأمر بالمال حيث يمكننا دعوة أي فنان عالمي شرط أن لا يكون داعماً لاسرائيل وهناك فنانين كثر كذلك".

وعن مفهوم الحضارة، يقول صليبي: "الحضارة تكون بالتمسك بمصالحنا وكرامتنا وعدم التنازل للاخرين بحجة أننا يجب أن نكون حضاريين. منذ حوالي ستة أشهر تناولت وسائل الاعلام خبراً مفاده أن اسرائيل دفعت امولاً طائلة لعشرات الشركات التسويقية والاعلانية للتسويق لها وتبييض صورتها في العالم لذا فحين تعلن لارا فابيان أنها تحب اسرائيل وتغني لها في عيدها الستين فهذا جزء من التسويق ومنح الشريعة لهذا الكيان، هل تنبه دعاة الحضارة عندنا لذلك يا ترى؟".

وعن المقارنة التي يتبناها البعض بين لارا فابيان أو غيرها من امثالها وبين بعض الفنانين العرب الذين غنوا لانظمة معينة وتحديداً للنظام السوري، يتدخل غصوب مقاطعاً: "نحن كحملة حددنا توجهنا وقلنا أننا ندعم كل من يقاطع اسرائيل وإذا أراد غيرنا إنشاء حملات داعمة لمقاطعة الرئيس السوري مثلاً أو النظام السوري أو سواه من الأنظمة العربية وكل من يهلل لهؤلاء فهذا شأنه، وإذا كان القصد من السؤال ما حصل أخيراً مع جوليا بطرس والاشارة الى أنها غنت "للجيش السوري" مع العلم أنها ردت على ما قيل بعد حفلتها الأخيرة في بيروت، فنحن لسنا مع هذه المقارنة ومن المعيب مقارنة فنانة كجوليا بطرس مواقفها واضحة ومعروفة بفنانة مثل لارا فابيان تفخر بحبها لكيان مجرم".

أما صليبي فيقول: «لست مع منطق المقاطعة لمجرد المقاطعة، فحين يغيب المنطق والوعي تصبح الصورة غير واضحة. هناك من يستعمل هذه المقارنة للتعطيل وحسب، نحن نتحدث عن هدف محدد ولسنا في وارد تشعيب الأمر تحت توصيف الحفاظ على حقوق الانسان، علينا مقاربة المشكلة من منطلق مواجهة العدو ورفض التطبيع معه أما المطالبة بحقوق الانسان في العالم فهذا أمر آخر».

ويشير صليبي الى أنهم كحملة لبنانية جزء من حملة عالمية وهم يحققون نمواً لا يُستهان به على الصعيد المدني والاجتماعي وهذا أول الغيث.

أما عن كيفية متابعة نشاطات حركات المقاطعة في العالم يقول صليبي أن هناك موقع الكتروني وحيد ناطق باللغة العربية وموضوع بتصرف الجمهور العربي وهو:

/http:/bdsarabic.wordpress.com

وتبقى اشكالية القانون مثار جدل حيث يعتبر صليبي أنه لا يمكن إقرار قانون يشمل كل من يعلن أنه يحب اسرائيل في العالم كما يُصعب وضع بند المقاطعة الثقافية في قانون من هذا النوع. لذا يجب أن يكون التحرك شعبي ومدني ولا يتم حصره بمواد قانونية.

أهمية ترسيخ المقاطعة قانونياً

دعا الدكتور عبد الملك سكرية رئيس الجمعية اللبنانية من أجل مقاومة التطبيع الى تعديل القانون الصادر في 23/6/1955 (قانون مقاطعة اسرائيل) مشيراً الى الأسباب الموجبة لتعديله وهي: "إن قانون مقاطعة "إسرائيل" قد وضع سنة 1955 وأصبح اليوم قديماً ولا يغطي المجالات المستجدة في المجال التجاري. أن نشاطات أخرى غير تجارية يمكن أن تسمح لمؤيدي العدّو والمروجين له أن يمارسوا نشاطاً فنياً أو رياضياً أو أكاديمياً أو تقنياً في لبنان دون أن يطالهم القانون المذكور. والى هذا، فإن العقوبات الملحوظة لجرائم التعامل مع اسرائيل، لاسيما في جانبها المالي أصبحت بسيطة، لذا كان لا بد من تعديل القانون، بحيث يمنع أنواع النشاطات المستجدة من جهة، ويشدد العقوبات الحالية لتساهم في الردع من جهة أخرى".

ويتحدث سكرية عن آلية المقاطعة وأهميتها، فيقول: "حملة مقاطعة اسرائيل وحسب معلوماتي، بدأت نشاطها في لبنان عام 2002 ثم مرت بفترة جمود لتعود للتحرك بعد فترة الى أن بلغت ذروة حماسها بعد الدعوى التي أقامها جهاد المر على سماح إدريس، هذه الدعوى شجعت الكثيرين للتمسك بثقافة المقاطعة وترسيخها والعمل على نشر التوعية بين الناس في هذا الخصوص ويمكن القول أنها خدمت الحملة مع أني أثق أن المرّ لم يسع الى ذلك".

وهل استطاعت هذه الثقافة تغيير واقع ما؟ يجيب سكرية: "يمكنني الجزم أنه خلال الاشهر الماضية لمسنا تغييراً كبيراً وأحدث تحركنا كدعاة لمقاطعة الكيان الصهيوني المحتل ضجة لا بأس بها في البلد وشخصياً أنا راضٍ عنها".

وعن بعض تفاصيل التحركات التي يقومون بها كمعنيين بالمقاطعة، يخبرنا: "خلال شهر كانون الاول تحركنا ضد المغني الهولندي آرمان فانبرن Armin Van Buuren سبق وأقام حفلات في اسرائيل وأعلن دعمه لها في أكثر من مناسبة، نحن قمنا بتوزيع المناشير أمام البيال حيث كانت مقررة حفلته في 30 كانون الاول 2011 في بيروت وتمنينا على الناس مقاطعته وحينها غطت وسائل الاعلام تحركنا وهناك من انتقدنا مما أغنى الحوار والفكرة. بعدها أحتدمت الأمور أكثر مع لارا فابيان التي قررت عدم المجيء وقيل في حينه أننا نمارس نوعاً من الارهاب الثقافي على الناس، ومع فابيان أنقسم البلد الى معسكرين بين طرف مؤيد لموقفنا وآخر يرفضه جملة وتفصيلاً. وقصدنا مكتب المقاطعة اللبناني في وزارة الاقتصاد وقدمنا كل الوثائق التي تثبت أنها داعمة لاسرائيل وقانونياً لا يجب أن تحصل على تأشيرة دخول الى لبنان”.

لكن لماذا منحوها هذه التأشيرة؟ اجاب: "نحن قدمنا الاوراق لمكتب المقاطعة والوقت الضائع الذي مرّ قبل وصول المستندات الرسمية الى الأمن العام لعب دوره لتحصل فابيان على التأشيرة، وهنا الاشكالية في الروتين الرسمي، حيث أن الأمن العام لا يمكنه الاتكال على بيانات اعلامية أو تحركات مدنية بدون مستند رسمي وأقول ذلك للامانة فقط".

ويرى سكرية أن من واجبنا جميعاً كمجتمع ممانع ورافض للظلم والقتل والاحتلال إيصال رسالتنا الى كل العالم، لكنه يأسف لوضع الاعلام العربي الذي يبحث عن الربح المادي ولو على حساب القضية.

ننتقل الى التراشق الاعلامي ورؤية بعض الكتاب الصحافيين للحملات المناهضة للكيان الصهيوني وكل من يدعمه وفرضية مقارنة جوليا بطرس بلارا فابيان ليقول سكرية: "بالفعل لقد تم تناول تحركنا في وسائل الاعلام، وبالاشارة الى مقال بيسان الشيخ في جريدة "الحياة" حين قارنت بين جوليا بطرس التي وبنظر الكاتبة غنت لبشار الاسد والجيش السوري ولارا فابيان اؤكد لك وللجميع أنها مقارنة خاطئة بكل المقاييس لانه من المعيب جداً مقارنة النظام السوري بالكيان الاسرائيلي المحتل. ونحن لسنا في وراد الدخول في معارك ثانية الان حيث أن هدفنا الاساسي دعوة كل أحرار العالم لمقاطعة اسرائيل. أما إذا أردت رأيي بما يحصل الآن في سوريا أجيب باختصار ووضوح أن الأمر شبيه بما جرى عام 2006 في لبنان، فكما كان هناك حرب عالمية عليها في حينه اليوم هذه الحرب العالمية تُشّن على سوريا بنفس الادوات ولو أختلف الأسلوب".

وفي ما يتصل بالغزو الثقافي للمجتمع اللبناني والعربي، يقول سكرية: "نحن بالفعل نعاني من اشرس غزو ثقافي وهو أصعب من قرينه العسكري بكثير، هذا الغزو يسوق لأفكار تخدم العدو الذي يملك الامكانيات المادية والدعائية الهائلة في مقابل امكانياتنا الضئيلة، اليوم نعيش عصر الفضائيات وثورة الاتصالات والانترنت المفتوح وهذا الانفتاح له ايجابياته وسلبياته أيضاً، والسلبيات تؤثر بشكل قوي خصوصاً على المراهقين وجيل الشباب. لذلك يجب أن يكون هناك جهد جبار يبدأ من البيت ثم المدرسة ليصبح حالة عامة في المجتمع لمواجهة الأفكار الهدامة التي تأتينا من الخارج وبذلك يمكن أن نحمي مجتمعنا ولو بقي بعض الثغرات في بلد تكثر فيه الانقسامات".

وهل من صعوبات تعترض عملهم؟ يقول سكرية: "طبعاً هناك صعوبات ولكننا نسعى للتغلب عليها وفي النهاية نحن نقوم بما نستطيع، اولاً للفت الانتباه وثانياً نشر التوعية وصولاً لتعميم ثقافة المقاطعة وهذه المعركة طويلة دون شك. أهم شيء أن يكون الانسان متصالح مع نفسه ويمارس قناعته، وقد يكون هناك اشخاص غير متنبهين ونحن نلفت انتباههم فهذا واجبنا وأظن أننا سنحقق هدفنا كوننا نثق أن ثقافة المقاومة لغة حياة"

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net