Tahawolat
ما إن تفتحت دماء النعمان أواخر آذار (25 منه)، حتى أنس قلب صديق أسرة "تحولات"، الشاعر والناقد والمثقف الكبير أنطوان زكا، إلى أن الجمال ما زال يأنس بلبنان، فآثر الرحيل ليترك لنا وجع الغياب وعطش الانتظار.
والشاعر زكا، ميزان شعر، بل كتاب شعر وموسوعة فكر، جلّى في منابر القول والكلم، لم تخلُ من مساجلاته المنابر والندوات والمناظرات. هو واحد من أعمدة مركز الدراسات العلمية ومؤسسيه.
حضر تشييعه حشد غفير من أصدقائه واهالي مزرعة يشوع ومنطقة المتن الشمالي، منهم الدكتوران منير رحمة ويوسف خليل، ورثاه بقصيدتين رقيقتين صديقاه الشاعران طليع حمدان والياس فرحات.
"تحولات" إذ أوجعها غياب صديقها الناقد زكا، تعزي زوجته نايلة، وأولاده منصور وسماح ووسيم، وإخوته هادي، الدكتور نجيب، الدكتور هكتور وهيام. وترجو له الرحمة وسكنى السماء ولذويه السلوان والصبر.
 
.. وجناز الأربعين
وفي 11 أيار الماضي أقيم قداس الأربعين حضره ذوو الراحل واهله وحشد كبير من أصدقائه وأهالي مزرعة يشوع. ترأس الجناز كاهن الرعية، وتقبل ذوو الفقيد التعازي بعد الجناز.
وتحدث في الأربعين قريب الراحل المفكر منصور عازار، منير رحمه، فيكتور مرزا، ونبيل فرحات. ننشر هنا كلمة منصور عازار بعنوان "انطون زكا.. حياة جلجلة" وقصيدة "دمعة صداقة عقدين" للشاعر فيكتور مرزا:
"انطون زكا.. حياة جلجلة"
والقى المفكر القومي منصور عازار، قريب الراحل، كلمة قال فيها:
ما كنت اظن يا حبيبي أنطون، أنه سيأتي يوم أقف فيه بين أسرتك وأصدقائك ومعارفك مؤبِّناً صديقاً غالياً وقريباً عزيزاً مثلك، وأنت ما أنت تليق بك الحياة ويليق للحياة أن تكون من أعلامها.
وإذ خانك قلبك في شوط مبكر من ميدان السباق بين نهاية متوقعة او بداية مؤملة، فإن لا موت بل موتى ولا حياة بل احياء. وقيمة كل من الموت والحياة هو في معنى الإنسان منه وما يعزز هذا المعنى في سموّ بهيّ.
حياتك يا أنطون كانت عاصفة بمعارك الرأي ومواقف النقد، بما أنت موهوبٌ به من سعة اطلاع ونظر ثاقب وفكر جامع وعقل حصيف وثقافة عميقة وأدب ونقد نادرين. أهلّك كلُّ هذا لتكون ناقداً مراً ورأياً سليطاً، لا يجانبه الحق مرات وقد تعيبه الحدة. لكنك في الحالين أديب مجلٍّ وشاعر مكين وواحد من شهود الحرية التي لم تتخلّ عنها في أي لحظة من حياتك الجلجلة. فكنتَ تتمرّس بحريتك في أي موقف وفي أي ظرف وفي كل مكان وفي كل زمان ولم تُعرف عنك أيّ ممالأة تعيب الرجل، بل الرجل المثقف بخاصة.
وُهبتَ قلماً نبيلاً إذا كتبتَ نحتَ حروفَهُ آياتِ دهشة ونظم كلماته عقودَ ابتكار. نادراً ما تركتَ المعنى مُنهَكاً حتى لا يحتملَ المزيدَ من الفضاحة والمزيد من الكشف، لأنك في ما تنحتُ كنتَ مقلاً، لكنك تنحت في صوانِ تعجنُه سيمفونيةً بليغةً أو أوابدَ كلامٍ لا يُمحى.
لأسرتك المصابة كلُّ العزاء والسلوان، زوجةٍ كريمة، وأبناء وأخوة أحباء شدّهم التوقُ إليك، إذ كنتَ الأبَ والأخَ والرفيقَ والعونَ والرايةَ التي لا تُنزَلُ عن الجباه.
لأهلِ بلدتك... وأهلِ منطقتك المتنِ وأصدقائِكِ وفاءُ أربعينِكَ يحصدونَ على بيادرِ ذكراكَ بعضَ ما زرعتْ روحُك وما فاضَ به وجدانُك في سنيٍّ نضالٍ عصيٍّ على النَّسيان.
لروحك الرحمة وسكنى السماء، ولفكرك المجلّي ريادة الحضور. والحياةُ الأبدية لنفسك، وأنت في أثيرها تركتَ الفراغَ ومن ترابِها الخلاق عدتَ إلى ترابها الكامنِ لوحاً لأبجدية إبداع لنْ يتوقّفَ بسقوطِ جسدٍ بالٍ، قيمتُه أنه تمكّن من حَمْل هذه الروح الوثابة دائماً نحو قيم الحق والخير والجمال.
حبيبي أنطون
آمل أن أكون قد وفّيتُ بوعدي لك الذي قطعناه معاً، بأن يقول أحدُنا كلمةً في رثاءِ مَن عجَّل بالرحيل، وللأسف الشديد، كنتَ السبّاق ونحن اللاحقون. ولا شكّ عندي في أن مقامَك حيثُ أنتَ إلى جانبِ مَنْ أحببتَ وبه آمنت. وإلى اللقاء حين يستحقّ.
 
دمعة صداقة عقدين
وألقى الشاعر فيكتور مرزا "دمعته" المعبرة، وقال:
وينك يا بومنصور، مرزا وين
وين الصداقه العمرها عقدين
لو غبت عني كثير هالمره
بالقلب رح شوفك مش بالعين
منك قبل شهرين ما تبرّى
قلبي وزرت أفريقيا شهرين
ومن فرنسا أمنا الحُرّه
لعندك إجو خيين دكتورين
ودّعوك ودمعة الحَرّه
عم تحرق الخدّين والخيّين
ومتلن حياتي بغيبتك مُرّه
حكيتك قبل يومين من برّا
وتا ودّعك ما نطرتني يومين
 
حملتْ القلم مجد القلم طاعك
ونحنا منشهد عا مدى باعك
نثر وشعر نهجك تغنّى فيك
ومشيو بذات النهج أتباعك
قديش قلتلي إنت ما فيك
تحكي بدفني وكبر اوجاعك
يمكن بجنّاز السنة تخلّيك
تحكي وتتغلّب عا أوضاعك
مرزا بأربعينك إجا يبكيك
مرزا صديق محبّ ما باعك
وجايب قصيدة شعر تا إرثيك
وكيف بتساعك قصيدة شعر
وكل الشعر ما بيقدر يساعك
 
وبرغم ما صارت الصحه مهدوره
ظلّيت إلنا كتاب شعر بينقرا
وجودك من الحفلات مش رح يختفي
وجودك متل وجودك حقيقه مسطّره
ما شفت ناس معلّمي ومثقفي
متلك بتحكي كل كلمة جوهره
تعرّفت عا سعاده ويا نِعم المعرفه
بوقفات عز مشرّفه ومكتّره
دماغك شمس لا بتختفي ولا بتنطفي
بتبقى شمس عالدنيتين منوّره
غبنك يا أستاذ الشعر والفلسفه
عليكن قليله الأستذه والدكتره
بزر الزهر بالأرض لما بيختفي
بيوعى حقول مزهره ومعطره
ولما بعتم المقبره دماغك غفي
شفنا الشعر زهّر بحيط المقبره
 
وبيتك الكنت مزيّنو بزهور
منو شو قطفو زهور إيدينا
وكلما من زهورو يفوح عطور
عطرن وعطرك يوصلو لينا
تركت الورد بجنينتو مقهور
عنك سألنا، دموع ردّينا
تخمين شو صابو أبو منصور
عطّشنا وطوّل غيبتو علينا
وصار الورد عا غيبتك زعلان
دبلان ما سقيتو بشهر نيسان
ولا يوم كنت تدشّرو عطشان
الكانو بحضورك يشربو التحنان
عم يشربو دمعات عينينا
 
وما شفت نايله وطوفة بالدمع الغزير
وبكل دمعة تندهك يا أنطوان
غبنك حبيبي شو طلع عمرك قصير
وما عاد عمري يحتمل جور الزمان
دخلنا الضمان وعمرنا ضحى كثير
بقينا لآخر يوم نحنا وبالضمان
نخدم العايز والمعتر والفقير
وكنا الضمان لكل شخص منخدمو
بس العمر ما لو امان ولا ضمان
إستاذ زكا العز والإكبار
يا كبير هالعيله العصاميه
بدقات قلبك دقّة الأوتار
سكتت طلوع الضو غدويه
وتركت نايله دمعها مدرار
تقلك غيابك شهّل عليي
ولو غبت عنّي وعن الأنظار
بتبقى قصيدة عايشه فيي
وتركت منصور بهموم كبار
وترك سماح يدوب حنّيه
ودمعة وسيم عليك عم تنهار
وكل دمعة آخ يا بيّي
وثلاث أخوة بغيبتك عا نار
هادي حمّلك دمعتو هديّه
وطكتور نجيب الكنز منو طار
وطار من أرضو الفرنسيه
ودكتور هكتور بمماتك صار
يغمر نجيب ويدمعو سويه
وتارك هيام من الهيام الحار
تبكي غياب الخي يوميّه
بنوّار سلّم عا قمر نوّار
عا بوعصام كثير يا خيّي
وبمزرعة يشوع اهلي كتار
وروحي على الغياب مضنيه
عا بو صفا سلّم بهالمشوار
وقلو اشتقنا لهالشبوبيه
اشتقنا نشوف الفرد عالزنار
وللكاس، للسهرات الليليه
يا مدرسي وميزان للأشعار
يا جبين غار ونهج حريّه
حفظوك أهل الفكر استظهار
بأبيات شعريه ونثريه
وإنت وأنا كنّا بهالمضمار
نتناقش بأبيات شعريّه
واليوم جايي والظرف قهّار
بس شو طالع بإيديي
وجبت باقة شعر مش أزهار
انكتبت قصيدة بحر عينيي
قلّك يا شيخ الشعر والشعّار
هي آخر المرات رح زورك
وآخر قصيدة بسمّعك هيي
 
قديش كان العمر عا سنينك بخيل
تا بكّر عليك وعلينا الرحيل
ولولا بإيدي العمر والأمر المهاب
عطيتك الصحة ونعمة العمر الطويل
معوّد تقلّي الشعر ديمومة عذاب
وحرّضتني عالشعر عالفن الأصيل
وجاهرت فيي شاعر بلا ارتياب
وهديتني برشدك على خير السبيل
وبالموهبه قديش مفضل عا شباب
وقديش خالق واقع من المستحيل
ويا ما نبوغك لبّس الكلمه تياب
ومهما حكينا فيك رح يبقى قليل
وبالشعر كنت كتاب نحسبلو حساب
وطلاب كنا بمعهدك مرزا وخليل
ربحنا ثقافه وإطلاع واكتساب
منك ومن دكتورنا يوسف خليل
ومن جهّتي خسرتك المنجد والكتاب
ولولا انتهى عمري ورجع جسمي تراب
بدّو التراب يضلّ يربحلك جميل

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net