Tahawolat
صباح زوين.. تمازج جميل بين المكان والروح بين الزمن والعزلة
 
رحلت الشاعرة صباح زوين عن حياتنا اليومية، لكنها لن تغيب من حياتنا الثقافية ولا تغيب عن ذاكرتنا التي اعتادت عليها، فهي الكاتبة والشاعرة والمترجمة والصحافية، ولدت العام 1955، من أب لبناني وأم أرجنتينية. عملت ناقدة أدبية في جريدة "النهار" بين 1986 و2004. ونشرت في الدوريات اللبنانية والعربية والأجنبية عشرات المقالات.
 
تابعت دراستها الثانوية في لبنان وأكملت الدراسة الجامعية في فرنسا وكندا. هاجرت إلى كندا وعادت إلى لهفة المكان واللغة والصداقات. شغفت باللغة والشعر منذ بدايتها وأصدرت 12 مجموعة شعرية أولها «على رصيف عار» (1983)، وآخرها كان هذا العام عن دار نلسن «عندما الذاكرة، وعندما عتبات الشمس»، حسمت فيه ذلك الصراع بين الماضي والمستقبل. صعوبة التواصل وقسوته في الحاضر المؤلم. كما ترجمت قصائدها إلى الفرنسية والاسبانية. وترجمت العديد من الكتب من الفرنسية والانكليزية والاسبانية .
 
حملت صباح الخراط زوين للحراك الشعري والثقافي في لبنان لوناً مختلفاً وأفقاً مغايراً فيه من عالم لبنان وفرنسا والأرجنتين واسبانيا ذاك التمازج الجميل والمرونق وفيه ذلك التوتر الحاد بين المكان والروح وبين الزمن والعزلة. حملت حساسية الأمكنة العابرة والظلال.
وبعد، هل انتهت عزلة الوقت؟ هل آن أوان الرحلة؟ وماذا عن المشاريع والقصائد المعلقة فوق النوافذ وفي الوقت الذي راح؟ ماذا عن الخيبة والانفعال من وضع لا شفاء منه. ولماذا عصفت الروح بالجسد واستنزفته مثل بلل الأمطار تدلف حتى الغرق. جمد الوقت وجمدت الشمس ولم يبق سوى الحزن والكلمات والأوهام.
 
شهادات وآراء
 
وأن تنتبه الأجيال
شوقي أبي شقرا*
 
كانت صباح زوين السيدة التي كانت، وأكثر مما هنالك من صورة لها لا تحيد عن البال. هي التي كنا نصادفها في أي ملعب، أي باحة، أي مقهى، وأي بيت، وتطل ضاحكة، أو في يقظة العصفور ليلتقط حبة، ليحمل قشة، ليركض إلى العش. وتطل عابسة، ومعي تفكّر في موضوع لها، في صواب حدث ذات مرة، وفي مقالة تشع ذات لحظة، وفي قصيدة ليست باهتة وليست لها صفة، لتكون في المرصاد وفي نافذة البقاء المديد.
 
 
 
مأساة نهايتنا
محمود شريح*
 
لعلها بين شاعرات جيلها في الصف الأول لجهة صلابة عبارتها، وشفافيتها في آن واحد. فلصباح ثقافة عالية ومراس عنيد، أحدثت في نص الحداثة تحولاً جذرياً. جاءت بصمت وغادرت بصمت، لكن تبقى قصيدتها على مدى ثلاثة عقود مرجعاً أساسياً لرسم اتجاه سهم الحداثة منذ الخمسينيات من القرن المنصرم.
 
جاءت من مروج المتن، وإليها اليوم تعود ملائكية في نبرة عبارتها وقديسة في عناوين قصائدها. رأت الكون مائلاً، ومنحازاً، فأسهمت بدقة في رسم تفاصيله من بؤبؤ عين رائية.
كانت معي في «النهار» مع شوقي أبي شقرا، وكانت معي في «البناء» مع سليمان بختي، وبقيت معي في الحركة الشعرية مع قيصر عفيف، وهي أبداً معي ومع الصحب، وغداً إلى وداع صباح في تلك المروج من حيث جاءت، ولكن تبقى كما كانت معلّقة مذهبة في الذهن.
لم ندر أمس ونحن في المستشفى مع سليمان بختي، وأمثل اسماعيل، أن النهاية كانت على هذه السرعة.
مأساة غيابها لا تختلف عن مأساة نهايتنا.
 
* كاتب وباحث فلسطيني
 
 
 
صباح زوين تدخل في «بياض الغياب»
اسكندر حبش
بصمت رحلت صباح زوين، من دون أن تثير صخبها المعتاد وراءها. لم يمهلها المرض الذي أصابها فجأة، وقتاً طويلاً كي تلملم ما تبقى لها من حياة وكتابة، من ترجمات ورحلات، لتترك الشعلة تنطفئ بسكوت، وهي على فراشها، بعد أن كان الهامش ضيقاً إلى أقصى الدرجات.
 
 
لعبة الصدق الخطرة
سليمان بختي
 
كل هذا الألم، كل هذا الأسى الشفيف، لمن؟ لكي تشرق العبارة كالأمل فلا خلل في المكان، ولا معطوبية في الروح. كل هذا الفيض الغزير في الشعر والكتابة والترجمة والذي ينقل التوتر من الجسد إلى الروح وبالعكس.
ركضت صباح زوين في العراء طويلاً، رأت بلل الأرصفة، رأت الجدران المتـهالكة، والنـوافذ التي يعبر منها الوجود، رأت الأشياء الهاربة والوجوه والغيم الكثيف، ورأت الحياة التي كلما تقدمت بنا أخذتنا إلى الحافة وإلى الأودية وإلى المغاور.
 
 
 
الحرية القصوى
سلمان زين الدين
 
كأن قدر المبدعين أن يبتعدوا حتى نراهم على حقيقتهم! خَلَلَ هذا التنوّع المعرفي، كان للشاعرة حضورها الأبرز في صباح زوين، فشكّلت علامة فارقة في المشهد الشعري المعاصر. كتبت قصيدتها الخاصة. تركت بصمتَها على النص. لعبت بالكلمات والتراكيب كما يحلو لها. مارست حريّتها القصوى في الكتابة. ولم تتورّع عن انتهاك «المقدّس»، النحوي والصرفي، في إطار ممارسة هذه الحرية.
 
 
صباح زوين شاعرة القلق الإبداعي
عبده وازن
 
كانت صباح زوين شاعرة قلقة، وكان الموت أكثر ما يقلقها، الموت كفعل خارجي وكحدث في الجسد والحواس وليس كحتمية وجودية وكحقيقة ميتافيزيقية وروحية. وكانت صارمة في مواجهة الموت الخارجي، وصارمة في احترام سلامة الجسد على طريقة البوذيين والمتصوفة، لا تقرب اللحوم ولا المشروب ولا التدخين. كانت شاعرة نباتية، تكره الشراهة إلا في الكتابة والترجمة. لكن مسلكها السليم هذا لم يخفف من حماستها وحميّاها وتوترها الدائم ومزاجها المتقلب.
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net