Tahawolat
يُعد لبنانياً كل مولود إذا ولد من أب مجهول التابعية، إذا تجنست والدة القاصر بالجنسية اللبنانية بعد وفاة زوجها الأجنبي، إذا لم يكتسب المولود بالبنوّة عند الولادة تابعية أجنبية ولو أهمل والده قيده على خانته.. إذا اتخذ الأب التابعية اللبنانية بموجب قرار من رئيس الدولة، أو بموجب بيان إختبار، أو بيان إحصاء، تنتقل هذه التابعية الى أولاده القاصرين.
هذا النص القانوني ينفي فرضية المساواة بين الرجل والمرأة في مجتمع يتباهى أبناؤه بتميزهم عن جزء كبير من محيطهم العربي، حيث أن إثبات الهوية يرسخه العنصر الذكوري وتصبح المرأة تابع خارج إطار الفعل.
كثيرة هي الحكايات التي تخبئها جدران المنازل حين تقترن أي لبنانية بأجنبي ومنها ما لا يقبله المنطق... هنا تصبح الأنثى متفوقة على شريكها فالجهات المعنية تمنحه حق الأقامة كزوج فقط ثم تمنح الاولاد أقامة مجاملة مدتها ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
لعل هاجس التوطين هو العامل الاول الذي يحول دون تعديل هذا القانون، إلا أن المفارقة تكمن في تفضيل الأجنبية على اللبنانية الأصل حين تتمكن الأولى من إعطاء جنسيتها اللبنانية المكتسبة لاولادها. فهل المطلوب تجنيس الاجنبيات لتحقيق مبدأ المساواة بين الجنسين؟ أم يجب على كل لبنانية أن تكون أما عزباء كي ينال اولادها جنسية البلد الذي اختارته لهم وهم اليه ينتمون؟
هذا الوطن لنا...
تلقي كارول غلام الجيزاني (اعلامية) باللوم على القيادات السياسية كافة وتؤكد أن هذا الوطن لابنائه رغم كل النزاعات القائمة والخوف المبالغ فيه من قبل الجهات المعنية التي تستعمل كلمة توطين كفزاعة، أما عن تجربتها فتقول: في السابق كانت الأمور أصعب عليّ لكن الآن تغير الوضع نسبياً، كوني لبنانية وزوجي أجنبي ولا يحق له العمل في لبنان إذا لم يكن لديه عقد عمل مما يستدعي أن أكون معيلته وهذا يتطلب ورقة من كاتب العدل تثبت أنني كذلك. وقد كان التحري يأتي باستمرار الى مكان إقامتنا ليسأل الجيران إذا ما كان زوجي يعمل أم لا وعن الوقت الذي يغادر فيه المنزل ومتى يعود وهل أننا فعلاً متزوجين ونعيش كعائلة، وهذا أمر مزعج للغاية فتصوري أن يستفسر جيرانك منك عن سبب مجيء التحري للسؤال عنا.
وتضيف في اطار متصل: في وقت سابق كانت الأقامة مكلفة ويجب تجديدها كل سنة، لكن الآن تحسن الوضع حيث باتت أقل كلفة ولثلاث سنوات وأسموها إقامة مجاملة وبرأيي عدم منح الجنسية لاولاد اللبنانية المقترنة بأجنبي خلفيته سياسية وطائفية لا أكثر ولا أقل، والمفارقة أن الأجنبية التي تقترن بلبناني وتحصل على جنسيته ثم إذا ما انفصلت عنه أو توفي يمكنها أن تمنح الجنسية اللبنانية لاولادها ولو تزوجت من أجنبي لاحقاً. أين المنطق في هكذا قانون؟ حيث أنيأم اللبنانية الأصل نشأت في هذا البلد وأنتمي إليه ولا يحق لي منح جنسيتي لاولادي فيما زوجة خالي الأجنبية إذا توفي زوجها لا سمح الله واقترنت بغيره يمكنها أن تمنح جنسيتها اللبنانية المكتسبة لولد قد تنجبه من رجل آخر.
وتضيف:في رأيي كل الطاقم السياسي الذي يدّعي المواطنة لا يستحق هذا الوطن والشعب هو من يدفع الثمن، ثم ما هي التقديمات والضمانات التي  قد تتأتى لاولادي من جنسيتي اللبنانية؟ زوجي يحمل الجنسية الأميركية ومستقبل أبنتي في بلدها الأم وسيأتي يوم نترك فيه لبنان سعياً للأفضل وليتمسك أهل السياسة بقوانينهم... شخصياً لا أرى أن أي حل لهذه المشكلة مهما طالبت جمعيات المجتمع المدني بتعديل القانون ولست متفائلة على الاطلاق.
وتختم بالقول: ابنتي لا تزال صغيرة لكن يؤسفني أن تواجه واقعاً يميز بينها وبين أطفال آخرين لاحقاً حين تدخل المدرسة ويكون التعريف عنها ببطاقة إقامة وليس بهوية كغيرها وقد تتعرض لمواقف مزعجة حين تكتشف مع الزمن أنها كلاجئة في بلد من المفترض أنه بلدها.
مطلوب تغيير الواقع..
تبدو اليسار زين (ناشطة اجتماعية) متحمسة وواثقة من قدرة الجمعيات المدنية على تغيير الواقع وتعتبر أن الوعي يلعب دوراً كبيراً في إبراز حقيقة المشكلة الاجتماعية فتقول: التفاؤل موجود ونحن كناشطات اجتماعيات نثق بقدرتنا على تحقيق  نتيجة من حراكنا الذي بدأ ضمن إطار محدود لمجموعة من النساء المثقفات والمتعلمات ثم توسعت دائرته ليشمل شرائح المجتمع كافة ومن هنا فجرنا أزمة إجتماعية تعيشها عائلات وبتنا قوة ضاغطة ومؤثرة خصوصاً أن دولتنا العظيمة لا تخضع الا تحت الضغط.
لكن هل الضغط الاجتماعي يتفوق على الواقع السياسي الضاغط بدوره على القوانين؟ تجيب زين: نحن في حراكنا نركز على مسألة التمييز، فالدستور اللبناني يقول أن كل لبناني له حق في الجنسية ولم يحدد إذا كان ذكراً أو أنثى ومن المعيب العمل على أساس أننا في مجتمع ذكوري واللعب على التعابير بشكل يخدم مصلحة سياسية ما. في نظام ديموقراطي من حق كل مواطن اكتساب جنسية بلده وعلى المعنيين التعاطي مع هذا الواقع بجدية وإلا لتعلن دولتنا أنها ليست دولة ديموقراطية، وإنها دولة طائفية بامتياز ربما قد نناقش بشكل مختلف. منطقياً وبحكم القانون لا يجب أن يكون نظامنا طائفياً لكن الواقع يخالف القانون وعلينا تغيير هذا الواقع، وعلينا محاسبة الجهات التي جنست الكثيرين لاغراض انتخابية وتغاضت عن حق الأم اللبنانية بمنح جنسيتها لاولادها.
وتؤكد زين أن القانون مسيّس وزعماء الطوائف متفقين على ذلك خدمة لمصالحهم التي تخالف القوانين فتقول: للاسف نحن محكومين بالطوائف والسياسيون عندنا متفاهمين على الوطن وليس معه، وكل طرف يلقي باللوم على الآخر ظاهرياً أو ينأى بنفسه وينتظر أن يقوم طرف آخر بخطوة تسبق خطوته كي لا يتحمل أي لوم مفترض وحده. لقد اعتدنا في لبنان على اعتماد الضغط الشعبي لنحصل على جزء من حقوقنا وأنا متفائلة في هذا الخصوص.
وتختم زين بالقول: لن أدخل في متاهة المعاناة التي تتكبدها العائلات الساعية لاكتساب حقها بالجنسية اللبنانية من خلال الأم وكل ما أريد تأكيده أن للمرأة حقوقها في مجتمع يعلن أنه غير ذكوري وهو بالفعل يجب أن يكون كذلك لا بالقول وحسب. وأرى أن دور الاعلام مهم في هذا الاطار ويجب أن يكون فاعلاً بشكل كبير.
تعديل القانون..
لا ينفي المحامي إيلي الشرتوني الانحياز الواضح في قانون الجنسية اللبنانية حيث أن الزوجة الأجنبية لها الأفضلية على المرأة اللبنانية المقترنة بأجنبي ويؤكد:هناك مشكلة فعلية في ما يتصل بقانون الجنسية اللبنانية ويجب العمل بجدّ كي يتم تعديله بشكل ينصف المرأة التي يحق لها منح جنسيتها لاولادها ولو اقترنت بأجنبي خاصة إذا كانت مقيمة في لبنان وملتزمة بواجباتها كمواطنة لبنانية. المفروض دراسة الحالات الاجتماعية بشكل جيد وكما يحصل في كل البلدان المتحضرة يتم التحقق من صدقية الارتباط الاسري وحين يكون الزواج هدفه تأسيس عائلة وليس لاي هدف آخر فيحق لجميع أفراد هذه العائلة أن تكتسب جنسية البلد الذي اختارته خاصة في ظل نظام ديموقراطي.
ويرد الشرتوني سبب عدم تعديل القانون للسياسة وأربابها: الجهات السياسية المتحكمة بالبلد هي التي تقف حائلاً أمام أي إمكانية لتغيير الواقع، ويجب السعي بشكل جدي لتعديل هذا القانون بعيداً عن اي حسابات طائفية ومذهبية. لكن بالمقابل يجب الانتباه الى نية البعض لتمرير مشروع التوطين بغطاء حل المشكلة الاجتماعية.
لعل السؤال الأبرز هو على أي أساس تكتسب الجنسية في بلد تهجره الكفاءات بحثاً عن مستقبل أفضل وينهمك أمراء الطوائف فيه بالتراشق الاعلامي، وما الذي قد تضيفه الجنسية اللبنانية للاجيال القادمة من ضمان إجتماعي وصحي وتعليمي؟ وهل من الممكن أن تنال المرأة اللبنانية أبسط حقوقها في هذا الإطار أم أن هذا الحق سيقترن بالاهواء السياسية؟!



آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net