Tahawolat
الفساد وتشريع الخيانة يسيطران على المشهد الدرامي
الدراما السورية مربكة والمصرية تكرر ذاتها واللبنانية تحاول...



ينطوي المشهد الدرامي على الكثير من علامات الاستفهام والتشعب في الخطوط لكن دون أن تكون الرسالة المأمول منها واضحة، حيث أن بعض القصص بدت خيالية وغير مرتبطة بالمنطق.
لعل الحوادث التي عصفت بالشارع العربي أرخت بظلالها على إبداع كتّاب الدراما لتأتي الانتاجات الدرامية مربكة في مكان ما وتحديداً السورية، أما المصرية فسيطر عليها التكرار والتهريج فيما حاولت قرينتهما اللبنانية خوض المنافسة ولو أتى طرحها متبايناً الى حد الفئوية في الفرز على قاعدة أن لكل قناة محلية لبنانية انتاجها الدرامي الشبيه ببيئة جمهورها...
نحاول في التحقيق الاتي استعراض جزء من الصورة الدرامية سعياً لتدارك بعض الهفوات في المواسم المقبلة.

رمادية الولادة من الخاصرة (ساعات الجمر)

شكّلت الاوراق التي رمتها سماهر (سلاف فواخرجي) من نافذة الرقابة في نهاية الجزء الاول لمسلسل «الولادة من الخاصرة» مادة مشبعة بالنماذج الفاسدة لتستمر رحلة المخرجة رشا شربتجي مع «ساعات الجمر» جزءاً ثانياً للعمل الذي هلل له النقاد لما فيه من جرأة حسب تعبيرهم، إلا أنهم نسيوا أو ربما تناسوا عناوين كثيرة بارزة للدراما السورية تناولت الفساد بشكل واضح نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر»لعنة الطين» و»غزلان في غابة الذئاب». ونعود الى رؤوف (عابد فهد) الذي تتم محاسبته على جريمته بحق زوجته ووالدها لنراه خلف القضبان ولكن الى حين، حيث تنجح ابنته في اللعب على جهاز أمني من المفترض أن يكون باطشاً ومتنبهاً ليخرج والدها من السجن بسجلٍ نظيف لكنه ليس الشخصية الرئيسة هذه المرة فهناك المجرم»أبو نيبال» (باسم ياخور) المحمي من الكبار وعقيل «عبد المنعم عمايري» الشخصية التي تخطي غياب علام « مكسيم خليل» بالاضافة الى وجوه نسائية من عالم المال والاعمال. تشعب القصص يستحضر العديد من الاحتمالات مما يبقي الملفات مفتوحة دون أي أمل بنهاية واضحة وبالتالي لا يبقى أي مجال للخير في النفوس إلا عند الفقراء والمهمشون ليس لانهم طيبون بل لعدم استطاعتهم، فهل القصد من الطرح التأكيد على إقتران الشر بالقوة؟ ثم لماذا كل هذا الشر، فالبديل للولد العاق «علام» الذي لم يتعظ بعد انتحار والده شخص يفوقه سوءاً وفي ذلك غياب لأي رسالة إنسانية، ويبدو أن الهدف الوحيد من العمل الاشارة الى الأزمة الأخيرة التي تعصف بسوريا من خلال قصة منزل «ابو حسام» (عبد الهادي صباغ) وخلافه مع نائب المحافظ ليستعين «بأبو الزين» ( محمد حداقي) ويبدأ العرض بالمواجهة بين المواطن المغلوب على أمره والجهات الرسمية ليحسم الوزير الموضوع بوعود المحاسبة كي لا تتطور الامور أكثر.. لكن الوعود تذهب ادراج الرياح حين يقرر الأمن مقاصصة كل من تسّول له نفسه التطاول وتقع الواقعة بين عناصره و»الشعب» الذي يسلبه اسلحته ثم يقرر الاستغناء عنها على قاعدة «التظاهر السلمي» وايصال الشكوى للجهات العليا وبدا وكأن الهدف من العمل برمته ايصال إشارة محددة مفادها أن فرضية المؤامرة على نظام ممانع في شرق أوسط معتدل غير صحيحة ولكن لربما تناسى منفذو العمل أن هذا النظام الذي يصفونه بالقمعي سمح لهم بإنتاج وعرض رؤيتهم! كل هذه المشهدية تبدو رمادية وكأن الكاتب والمخرجة يقفان في الوسط بانتظار لمن ستكون الغلبة كي تتكون مادة الجزء الثالث وفقاً للمتغيرات السياسية الناجمة عن انقشاع غبار المعركة، فهل سيتم تعديل النص إذا بقي النظام أم سيكتفيا بما قدما ويبقى الجزء الثالث معلقاً باحتمال «ثورة» مقبلة ولو بعد حين؟

رفاهية بنات العيلة
حين تتابع «بنات العيلة» تشعر بأنك في عالم مختلف ولا يقترن بالواقع الآني ويبدو لك أن الرفاهية هبطت على المجتمع السوري، فتيات جميلات وانيقات وناجحات ولكن هذا لا يلغي الحسد الخفي بينهن ولكل منهن قصتها ولكنها قصص عادية، باختصار يمكن القول أنه مسلسل خفيف بلا أي تعقيدات، مجرد حوارات لتعبئة الهواء في ما عدا بعض المبالغة في قصة الفنانة «ميرا» (هويدا) والمعجب المهووس بها وهي مشاركتها الاولى في عمل تمثيلي والمؤسف أنها لم تكن موفقة في ادائها على  الاطلاق، ويُحسب للممثلة نظلي الرواس التي أدت دور «ميرفت» قدرتها الكبيرة على ايصال الشخصية المغرورة والحسودة والمؤذية للناس بصدق. «بنات العيلة» مسلسل يعبر أمام العين بحوادثه ذات النهاية المعلقة، لكنه لا يرسخ في الذاكرة ولا يضيف شيئاً الى الأرث الدرامي المعاصر.

أرواح عارية وتبرير الخيانة

الخيانة هي الفكرة في مسلسل «أرواح عارية» رغم أنه يتم تغليفها بالحب، منذ الحلقة الاولى يكتشف «سامر» (عبد المنعم عمايري) خيانة زوجته «ربى» (سلاف معمار) له ويبدأ الشجار لتهرب الزوجة بعد منتصف الليل على مرأى ومسمع سكان المبنى فتجمعها الصدفة مع «صلاح» (قصي خولي) فيستضيفها في منزله وتنشأ بينهما قصة حب والمفارقة أن محيطه يتقبلها وبدوره يبرر لها خيانتها وكأن مجتمعنا الشرقي تخلى عن تقاليده واعرافه بسحر ساحر، في المقلب الآخر يصبح هاجس الزوج المخدوع معرفة غريمه، لكن هل عقل المتلقي صغير لدرجة تجعله يقتنع بواقعية القصة ولماذا الاصرار على تبرير الخيانة بالاشارة الى سوء اخلاق الزوج. الخيانة وسيلة الانتقام الوحيدة في العمل والحب قارب الابتذال وبدا أن الغزو الدرامي التركي أثر بشكل سلبي على خيال كتّاب الدراما مما جعلهم يغردون خارج سرب المنطق.. خاصة في ما يتصل بقصة الممثل الباحث عن النجومية ولو أتت من كومبارس تتكل على الدعارة لبلوغ الهدف المنشود فهل القصد تشويه صورة جيل كامل من الممثلين السوريين الشباب أم مجرد خيال كاتب؟؟

رفة عين.. صراخ بمضمون فارغ

لم نفهم ما هي الرسالة التي ارادت أمل عرفة إيصالها من خلال «رفة عين» المسلسل الذي كتبته واخرجه المثنى صبح، حين جسدت فيه دور «هدية» الفتاة التي تولد في السجن من أم مغلوب على امرها طعنت الوالد السكير دفاعاً عن نفسها. لكن الاب يخرج من قبره ويغير اسمه ويترك زوجته لمصيرها بقصد معاقبتها، ثم يختفي لسنوات ليعود ويبحث عن ولديه «مهدي» و»هدية». المفارقة أن الأم تموت مظلومة بعد وقوعها في مجرور للصرف الصحي دون أن تستعيد حقها والأخ يسلب أخته مالها الذي تجنيه من عملها وهو المقامر والسكير الذي يعمل اخيراً في التزوير لكنه يمارس ذكوريته عن اخته بحجة الحفاظ على شرفها!! مفارقات كثيرة في مسلسل «رفة عين» وصراخ ومضمون فارغ حيث أننا لم نفهم ما الذي حققه الأب بعد أن ترك زوجته وولديه للقدر ليعود الى نفس الغرفة التي عاشوا فيها نادماً وغير قادر على مصارحتهما بالحقيقة..

 البيئة الشامية

في مكان آخر أتى «زمن البرغوت» بصورة شعبية خفيفة وجميلة دون الغوص بتفاصيل مقارعة المحتل بل التركيز على العادات الاجتماعية وشهامة أهل الشام وأهمية الحفاظ على الشرف ومواجهة الفتنة ويُسجل لسلوم حداد تميزه في دور البخيل «أبو نجيب» الذي فاق التوقع وهذا أمر ليس بغريب على ممثل بمستواه.
أما «حارة الطنابر» فشكّلت مادة كوميدية بارزة تغمز من قناة العديد من الاعمال المستهلكة التي غصت بها المواسم الرمضانية وفي ذلك دليل صحوة تبشر بالخير.
ولا ننسى «بقعة ضوء» الذي لامس معاناة المواطن العربي بجرأة واضحة ولم تغب عن لوحاته الصور النقدية التي تناولت الواقع السوري الآني.

الغالبون وتأطير المجتمع

الايمان بالفعل المقاوم يجعلنا نحترم مجهود الجهة المنتجة لمسلسل «الغالبون» الذي نجح في استقطاب أكبر عدد ممكن من الممثلين اللبنانيين باختلاف مشاربهم وقناعاتهم حيث يتم استكمال السيرة المقاومة في الجزء الثاني من العمل، انها مرحلة السيد عباس الموسوي القائد الذي واكب المقاومين على أرض المعركة حتى استشهاده، لعل رمزية السيد عباس هي السبب الوحيد ليؤدي دوره نجله ياسر وفي ذلك مغامرة فعلية فالمطلوب منه ان يقنع من عاصروا والده من جهة وإقناع نفسه أنه قادر على تقمص الشخصية دون أي تعب روحي ونفسي، العمليات العسكرية أيضا تأخذ مساحة لا يستهان بها من العمل والممارسات الوحشية في المعتقلات وتجنيد العملاء من كلا الطرفين. لكن يبقى التأطير مسيطراً على الفكرة بحيث يقدم العمل صورة نمطية موحدة قد يكون مبالغ فيها فنحن لا ننكر الصحوة الدينية في تلك المرحلة ولكن هذا لا يعني أن كل الجنوبيات التزمن بالحجاب بالشكل الذي عرضه المسلسل ولنسلم جدلاً بهذه الصورة للمجتمع لكن هل يصح الاعتقاد بأن كل محجبة مقاومة وكل سافرة مشكوك بأمر ولائها لوطنها.. من هنا يصبح العمل فئوياً بنظر جزء من اللبنانيين الذين لهم وجهة نظر مختلفة في أسلوب المقاومة!

ديو الغرام... قصة مستهلكة

برنامج فني يستحضر فكرة عمل درامي فيدخل «ديو الغرام» المنافسة الرمضانية، النجمة المشهورة «داليا» (ماغي أبو غصن) والفنان المغمور «سامر» (كارلوس عازار) والحب المحظور كونها متزوجة وهو مرتبط أيضاً. القصة مستهلكة الى حد كبير وعادية كباقي المسلسلات اللبنانية التي تكثر فيها الازياء الجميلة ويتم تبرير الخيانة الزوجية على قاعدة أن الزوج يستغل زوجته مادياً ومعنوياً، العمل هو على قياس فئة أخرى من اللبنانيين يرون في هذه المشهدية صوراً من بيئتهم ربما.

تهريج كيد النسا

تعود فيفي عبده في جزء ثانٍ من «كيد النسا» لتستكمل صراعها ضد الحاسدات وتخرج «صافيا» (سمية الخشاب) من العمل بعد حريق السجن الذي تفتعله «كيداهم» ولكنها لن تشعر بالامان على زوجها الذي ولمحاسن الصدف لم يمت رغم مراسم دفنه في الجزء الاول، فقد ظهرت «حلاوتهم» (نبيلة عبيد) منافسة جديدة قديمة لها. ما تقدم ليس سرداً هزلياً بل هو عمل درامي مصري أقل ما يمكن القول عنه أنه نوع من التهريج المبالغ فيه.

ماذا يريد ناجي عطالله؟

«فرقة ناجي عطالله» عنوان كبير لعمل يمكن وصفه بأنه يدخل ضمن سياق تشويه صورة المقاومة في أي مكان وزمان، ولن أدخل في تفاصيل الاخطاء التقنية للعمل ولكن ما الهدف الذي يسعى اليه «ناجي عطالله» (عادل إمام) حين يشير الى العلاقات الدبلوماسية بين مصر واسرائيل كونه الدبلوماسي المقيم في تل ابيب ويغطي تطبيعه بانتقادات يوجهها لاصدقائه الاسرائيليين، إذا هو عميل بزي دبلوماسي، وبعدها يقع الخلاف بينه وبين اصدقائه يصبح سارقاً ويؤسس فرقته لغزو مصرف في تل ابيب وتبدأ رحلته على الدول العربية ليعبر انفاق غزة فهل يريد إمام القول أن هذه الانفاق للعملاء واللصوص؟ ثم لماذا العبور الى جنوب لبنان واقحام مقاومته الاسلامية في المشهد؟ لعلها ثمار التغيير في مصر بحيث يستمر فعل التطبيع فنياً وثقافياً واجتماعياً.
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net