Tahawolat
اختارت الجمعية اللبنانية للفنون "رسالات" بالتعاون مع المركز الدولي في هيئة الاذاعة والتلفزيون الايراني خوض تجربة الانتاج السينمائي من خلال فيلم "حبل كالوريد" العمل الذي ينقل مشهدية الصراع مع المحتل بعيداً عن النمطية التي ألفتها العين المتلقية لاعمال ضمن هذا الاطار.
والفيلم مقتبس عن قصة حقيقية كتبها عبد القدوس الأمين وصاغ حوارها جعفر حسني يذكر أن حصد جائزة تقديرية وثلاثة مسكوكات ذهبية من مهرجان الفجر السينمائي الدولي الثلاثون الذي أقيم في طهران أخيراً. وقد شارك فيه نخبة من الممثلين اللبنانيين هم: جورج شلهوب وفادي بحسون ومنى كريم ومنى مرشد خليل ومحمد حسن كريم وآن ماري سلامة ومحمد علاء الدين.
قمح وحجر...
في الصورة تكثيف لمرحلة عانى منها أهل الجنوب أبان الاحتلال الاسرائيلي بشكل مغاير لما عهدناه كمتابعين للاعمال السينمائية والدرامية التي تناولت هذه القضية حيث تم التركيز في العمل على الجانب الاجتماعي والشعبي المقاوم.
تجاوزت عدسة المخرج الايراني مسعود أطيابي الشعارات والعبارات الانشائية المكررة. الخروج  من الرتابة رهان يستحق المغامرة، هي القصة نفسها حيث صدى الألم الرافض لفعل الاحتلال يتردد في الارجاء كافة، لم يكن "علي" مقيداً بزمان أو مكان فهو أبن هذه الأرض، يحق له ان ينسج العابه بين سنابل القمح ويتسلق التلال القريبة، لكن عين الطفل التي رصدت جريمة المعتدي اخافته الى حد تفاقم فيه الغلّ. “علي” يلتحف قمح قريته ويصبح جزءاً منها حين يحترق الحقل بفعل فاعل ويبقى صوت الطفل مرتسماً على تفاصيل الحجر الذي رمته “سلمى” شقيقته فأقتلع عين “يعقوب” الضابط الاسرائيلي (محمد علاء الدين). “سلمى” تهجر قريتها قسراً وحرب النظرات تستعر أكثر بين الأب “أبو هاني” (جورج شلهوب) و”يعقوب”، الأول عيناه ترقبان ذاك المقر المقابل الذي كان بيته والثاني يبحث عن طيف لقبضة صغيرة غاضبة...
أتقن شلهوب إيصال الروح الحقيقية للمقاومة دون أي مؤثرات تفجيرية لم تظهر بنادق المقاومين وهذا يُحسب خطوة إيجابية حين يرتبط الأمر بصناعة السينما الهادفة. صورة سينمائية تحاكي العين وتحث على التساؤل وذاك الحبل وسيلة تخاطب استعان بها الأب الذي لا زال يسمع صوت ولده ويلقاه ويسأله عن ألعابه، كل “كلة” فيها شيء منه “الكُلل” تستريح بين يدي “أبو هاني” و"علي” يزوره كل مساء ونهاراً يخبره كيف تتنفس الحقول رغم شعورها بالقهر. لكن تبقى بعض نقاط الضعف بالخطاب الذي يحمل الكثير من السرد الانشائي في رسالة الأبنة لوالديها وهنا كان من الضروري الانتباه كي لا يسقط العمل في فخ التقليد الممل حيث أن “سلمى” الصغيرة كانت مقنعة بادائها أكثر من “سلمى” الكبيرة ولعل السبب العفوية التي أظهرت ارتباط الابنة بوالدها واصراره على حمايتها ولو اضطر لابعادها عنه حيث يمسك بها بقوة ممزوجة بالعاطفة يهزها ويأمرها بالرحيل. في المقابل تأتي عودتها مشهداً بارداً دون أي إنفعال عاطفي مقنع بين أب وأبنته التي غابت عشر سنوات واشتاق الى حضورها وهنا يكمن الخلل في السياق الدرامي كرمى للمحظورات الدينية ولا يمكن لوّم الممثل بالكامل ولو أن شلهوب بدا مقيداً في مشهد اللقاء، لكن باقي الحوادث تشفع له رغم كل شيء.
بانتظار قشة الكبريت
سيجارته التي تنتظر قشة الكبريت تبقى عالقة بين الاصغاء والترقب حين تصله أصواتهم، يدرك أن بيته المستباح سيصبح رماداً وحجارته ستنتقم ممن قتلوا ولده. يلتحف السماء ليبقى قريباً من همسهم كمن يرنو الثأر ويحفظ أسماؤهم وقصصهم، هم أناس عاديون يدركون معنى الحياة والحب والانتظار والفرح والشوق والحزن لكنهم يسعون لترسيخ ادراكهم دون اسلاك شائكة وتهديد قائم. بين أزميله الذي يحفر عبارات مرافقة لفعل الانتصار واللحظات الأخيرة يصله ارتباكهم لغياب من يرصد لهم تحرك الهدف ليخرج عن صمته ويخاطبهم بالقول: “انا هنا أسمعكم وأدعوكم لتقبلوا أن أكون عيونكم، أدعوكم لتدمروا بيتي على رؤوسهم”.. دخان سيجارته يمتزج مع بريق القنابل فقد اشعلها حريق السنوات الماضية. “أبا هاني” كان واثقاً أنهم سيرحلون عن هذه الأرض وسيتمكن من قطف ثمار المواسم، حيث سيسلمه “علي” المقاوم الذي أعاره مكانه الامانة، وهو بالمقابل سيمنحه جزءاً من قلبه (...) ثقته تفاعل معها جمهور كبير حضر حفل افتتاح الفيلم في قاعة “رسالات” وبدا شلهوب بين الحضور وكأنه يشاهد واقعاً مصوراً يُظهر مدى حرفيته كممثل.
نجحت الجمعية اللبنانية للفنون “رسالات” في إيصال الرسالة ولكن ضمن إطارها المعروف بولائه لهذا النهج وهنا يكمن السؤال، متى يمكن أن تصل هذه الافكار الى الجميع؟ خصوصاً أن الافلام السينمائية يجب أن يشاهدها المتلقي في صالات السينما وليس في المراكز الثقافية فقط وفي ذلك وجهة نظر تستحق من المؤسسة المعنية الالتفات لها بشكل جدي لتكون هذه الثقافة التي تتبناها شاملة!!


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net