Tahawolat
يرفع الفلاح الجنوبي معوله إيذاناً بأن هذه الأرض تنبض بالحياة لكن اعداء الحياة المغتصبين للارض يطلقون عليه رصاص حقدهم فيسقط شهيداً قابضاً على حفنة تراب امتزجت بدمائه، من هنا يدخل المخرج عادل سرحان الى قلب الوطن ليحاكي واقعية التاريخ القريب قبيل اندحار المحتل الاسرائيلي تحت جراء الفعل المقاوم شعبياً وثقافياً وعسكرياً.
"خلِّة وردة" هو عنوان الفيلم السينمائي الذي اراد مركز بيروت الدولي للانتاج دخول عالم الفن السابع دون الابتعاد عن الرسالة الفنية المقاومة للجهة السياسية التي يحتسب عليها هذا المركز مع مراعاة الاعتبارات اللبنانية كافة.
لا يمكن الاستهانة بالحضور الاعلامي الذي واكب ليلة العرض الاولى للفيلم حيث ضجت القاعة بأهل الصحافة منهم من اعتاد مواكبة هذا النوع من الاعمال ومنهم من رغب بالاستكشاف لكن المميز في المشهد هو لقاء الاطراف المتناقضة كلها تحت سقف المقاومة بشقها الثقافي والفني.

حمدان: ترسيخ سينمائي لثقافة المقاومة

يعتبر الممثل سعد حمدان أن العمل يرسخ ثقافة حقيقية لفعل المقاومة الاجتماعية دون أي صبغة فئوية فيقول:" ما يميز "خلة وردة" أنه لم يشر الى حزب أو فئة بعينها بل يروي تفاصيل مقاومة شعبية يومية كان يعيشها أهل القرى الجنوبية، ولا نرى فيه عمليات عسكرية منظمة بل سعي شعبي لمعاقبة العملاء الذين جندهم المحتل وباتوا يحاربون الناس بلقمة عيشهم ويمنعونهم حتى من زراعة أرضهم، والمحور هنا هو الأرض التي تحمل اسم "خلة وردة" حيث يسقط كل من يفكر باستصلاحها زراعياً شهيداً رغم أنها ملكه".
وعن دوره يقول: "انا أديت دور عبدالله الابن الاكبر للعائلة التي شكّلت مادة العمل، وكنت العميل المزدوج ولعل ما أضاف الحيوية الى العمل هو الاسلوب الكوميدي في التعبير وتفوق "أبو عبدالله" (احمد الزين) على العملاء رغم أسرهم له حيث أظهر مدى ضعفهم واستطاع التحايل عليهم ليفلحوا ارضه في الخلة. لم يكن من السهل أن أظهر كعميل أمام الجميع لكني تحمست للدور خاصة أن النهاية ترسخ الرسالة التي هدف اليها العمل".
ويؤكد حمدان أن عنصر التشويق ضروري في العمل السينمائي وهذا ما اعطى الفيلم صورة مختلفة أما عن التسمية وارتباطها بعملية اسر الجنديين الاسرائيليين قبيل عدوان تموز عام 2006، فيقول: "بصراحة اعترف بتقصيري في ما يتصل برمزية "خلة وردة" حيث أني لم أكن أعرف أن عملية اسر الجنديين الاسرائيليين تمت هناك بالتحديد، وأشعر بالخجل جراء جهلي بهذا الأمر رغم أني حين اشارك بأي عمل أدقق بتفاصيله كافة".
وعن رأيه باداء باقي الممثلين في الفيلم يقول: "جميعنا نخطىء في مكان ونبرع في مكان آخر، لذلك لا أحكم على ممثل زميل لي من خلال مشهد معين أو دور لم يكن اداءه مقنعاً فيه. شخصياً لم أكن راضياً عن ادائي في المشهد الذي آتي فيه الى والدتي واقول لها "اشتقت لخبزاتك" وهي رمتني بالمال الذي اعطيتها اياه، في هذا المشهد تحديداً انتقدت نفسي ورأيت اني بالغت ولم أكن مقنعاً ربما لاني اعتمد التعبير بملامح الوجه وليس بالحركات وكذلك الأمر في المشهد مع والدي (احمد الزين) وهو يعبر عن غضبه صارخاً في وجهي".
اما عن احتساب الممثل او المخرج على فئة معينة لمجرد التعاون مع جهة قد تناقض سياستها ورؤيتها الاخرين في بلد تحكمه العصبيات الطائفية يقول حمدان: "الانقسام السياسي المتحكم بالبلد يحث الناس على التفكير الغلط، من جهتي أتشرف بمشاركتي باعمال تتناول تجربة المقاومة التي يجب أن تعني الجميع. شخصياً عملت مع الجميع ولدي مسلسلات كثيرة تم عرضها على القنوات المحلية كافة فليس لدي مشكلة مع أحد، الممثل او الفنان بشكل عام لا يجب احتسابه مع فئة ضد فئة اخرى وهذا معيب لو حصل، انا اعمل ضمن قناعاتي الوطنية، واحترم كل شخص اشتغل في "الغالبون" واخالف كل من توجه باللوم لاي ممثل شارك في العمل المذكور واقول لكل لائم او معترض ان يفكر لمرة واحدة في ما لو كان من الجنوب ومقيماً هناك ابان سنوات الاحتلال كيف سيكون شعوره وكيف سيتعامل مع واقع من هذا النوع ربما حينها سيدرك قيمة هذا المسلسل وأي عمل فني سواه يتناول المقاومة، كفنان لبناني يعنيني كل ما يحصل على امتداد هذا البلد ولا افرق بين منطقة واخرى، علينا الخروج من هاجس الطائفية والفن يجب أن يكون مادة للتواصل بعيداً عن التسييس وزواريب الفئوية".
اما في ما يتصل بالتعاون مع كاتب سوري وفرضية ابتعاد الكتّاب اللبنانيين عن تناول تجربة المقاومة يقول حمدان:" صحيح أن من كتب "خلة وردة" و"الغالبون" ايضاً كتّاب سوريون لكن هناك نفس لبناني يُضاف الى النص بعد مشاورات مع الكاتب والمعنيين هنا ولكن في المقابل من الصعب إنكار قدرة السوريين على صياغة سيناريو سينمائي او درامي بشكل قوي كونهم تفوقوا علينا بمراحل متقدمة ولا أرى أي مشكلة في التعاون".
ويشير حمدان الى اهمية المشاركة في عمل سينمائي الى جانب احمد الزين قائلاً: "عملت في السابق مع الفنان القدير احمد الزين في المسرح لكن فكرة أن أقف أمامه في فيلم سينمائي يحمل رسالة واضحة ومحددة مؤدياً دور أبنه فهذا أمر ممتع الى أبعد الحدود. ثم لا يجب إنكار مقدرة الفنان حسن فرحات الذي لعب دور "أبو جميل" مسؤول العملاء وأظن أن هذا الثنائي قدم صورة متناغمة وبرع فيها مما يمنح الفيلم عنصر إضافي ليحقق النجاح المرجو".
ويختم حمدان بالقول: "رغم كل الجهد والتعب الا أني أرى أن فيلم "خلة وردة" سيواجه مشكلة في ما يتصل بالمنافسة السينمائية والسبب سياسي ربما، هناك من يرفض الاشارة الى الكيان الصهيوني وتناولها في الاعمال الدرامية أو السينمائية من هنا أقول أن الأعمال التي تحمل هذا التوجه لها جمهورها في مقابل جماهير مأخوذة بالدعاية الاعلامية للانظمة الداعمة لكل ما هو سطحي وترفيهي ولا يشير الى العدو الحقيقي وهذا مؤسف لكنه واقع قد يحتاج الى وقت طويل كي يتغير".

 عساف:  العمل قادر على المنافسة

من جهتها رأت الممثلة عايدة عساف التي أدت دور "مريم" في الفيلم أن الخطوة بحد ذاتها مهمة وقالت لـ"تحولات": "مشاركتي في هذا العمل قوامها خلفيتي الثقافية المقاومة التي تلاقت مع توجه الجهة المنتجة وأهمية "خلة وردة" أنه يحاكي معاناة كل أنسان يسعى لرفع الظلم والاحتلال عن أرضه وأجزم أنه الفيلم السينمائي اللبناني الأول الذي نقل صورة واقعية للشعب الذي قاوم الاحتلال بصموده وصبره وتجذره في هذه الأرض لذلك كان لا بد من مشاركتي فيه".
وتضيف عساف: "شخصياً أرى وبكل تجرد أن هذا الفيلم سيحقق نجاحاً كبيراً وسيتمكن من المنافسة خصوصاً في وقت بدأت السينما اللبنانية تنفض عنها غبارها وتعود لترسخ حضورها، ولعل عدسة عادل سرحان نجحت في تجسيد الروح الحقيقية للقرية الجنوبية من خلال تفاصيل بسيطة لكنها تحمل الكثير من المعنى والرمزية كونه أبن هذه البيئة ويدرك مكامنها".
وتأمل عساف أن ينال الفيلم حقه اعلامياً في مقابل الاعمال التي تسبقها الدعاية وتواكبها وصولاً لترسيخها في ذهن المتلقي فتقول: "السياسة الدعائية ضرورية في زمن التطور حيث أن الميديا باتت العنصر الاكثر تحكماً لذلك يجب الا تتأخر وسائل الاعلام بقطاعاتها كافة للاضاءة على هذا العمل واعطاءه حقه كونه يحاكي واقعاً راسخاً لا يمكن لاحد الغاؤه".

سرحان: الفن لخدمة المجتمع

يتحدث عادل سرحان بحماس عن العمل فيقول: " "خلّة وردة" هو فيلمي الروائي الطويل الأول بعد مسيرة قدمت خلالها ثلاثة أفلام قصيرة الى جانب عدد من الأغنيات المصورة التي بدأت فيها مشواري، ومن خلال هذا الفيلم بدأت أحقق أهم أمنياتي كمخرج ينطلق من لبنان بإنتاج لبناني خاص ويزور العالم بأعماله".
اما عن قصة الفيلم فيؤكد سرحان انها مستوحاة من واقع عاشه اغلب الجنوبيون حيث يقول: "قصة الفيلم واقعية حصلت في فترة بين 1984 و1986، وهو يتحدث عن عائلة اختلف أبناؤها على قطعة الأرض والميراث، فتفرقت إلا أن الإحتلال الذي منعها من زرع أرضها والعيش من رزقها جمعها في النهاية، ليسجل افرادها موقفاً مشرفاً في الدفاع عن حقه المتمثل بأرضه ورزقه، ولا نشاهد في الفيلم مسألة عمليات إنتحارية أو شعارات بل أهل قرية يدافعون عن أرضهم في ما بينهم دون إعانة خارجية. وهدفي في هذا الفيلم إيصال رسالة توضح أننا دافعنا عن أرضنا ولم يأتِ أحد لمساعدتنا وهكذا بدأنا المقاومة، الفيلم لا يتضمن المعارك الطاحنة بل أمور حسية ومشهدية جميلة ورسائل. لأن الفن لخدمة المجتمع خاصة في السينما، والمميز في "خلة وردة" تلك الكوميديا الساخرة، فكما لعبنا على وتر الحركة والتشويق لعبنا أيضاً على وتر الكوميديا والدراما ".

زعرور: قضية شعب ووطن

اما بلال زعرور مدير مركز بيروت الدولين قال في دردشته مع "تحولات": "هذا العمل هو تجربتنا الاولى ونحن لسنا خبراء في عالم السينما لذلك أقرّ بأن معطياتي عن هذا العالم ليست كاملة لكننا حاولنا العمل بحرفية على أمل تعزيز هذه التجربة والمضي قدماً فيها من خلال اعمال أخرى تصب في الاطار نفسه. أما لماذا "خلِّة وردة" فذلك لاننا أردنا تجسيد قضية وطن وشعب عانى من الاحتلال وظلمه وممارسات اتباعه لفترة طويلة، هذا الشعب الذي استحق لقب "أشرف الناس" ومن وجهة نظرنا لم ينل حقه في الاطار السينمائي والدرامي بما يليق بتضحياته وصموده وقد حرصنا على عدم إثارة الحساسيات الداخلية حفاظاً على التوازن الاجتماعي اللبناني. أما في ما يتصل بالخارج العربي أجزم أن الأمر يستحق المحاولة خاصة أننا ننقل صورة بيئة حقيقية بما فيها من تفاصيل ولا انكر وجود العقبات السياسية لكننا سعينا للحفاظ على وحدة الجميع وفي النهاية لا يستطيع أي طرف إنكار الانجاز الذي تحقق على إيدي المقاومة الاسلامية في لبنان سواء في عام 2000 أو في العام 2006 ولكل طرف حقه في إبراز إنجازاته، مع الاشارة إلى أننا لم نلغِ الآخرين".
ويرى زعرور أن فيلم "خلِّة وردة" قادر على جذب نسبة عالية من الجمهور كونه ينقل صورة اجتماعية لا تخلو من الواقعية ويشير الى تحضيرات سينمائية مقبلة في الاطار المقاومة المدنية للابتعاد قليلاً عن الجانب العسكري.
 ولا يلغي زعرور فرضية المنافسة فيقول: "نحن ندخل القطاع السينمائي حاملين رسالة واضحة ولا نعلن حرباً على أحد إنما نحاول أن نكون في موقع المنافسة مع الكثير من الاعمال وإذا ما تفوقنا عليها بالمادة التي نقدمها أو كنا بموازاتها فهذا أمر جيد".
وفي ما يتصل بامكانية مشاركة الفيلم في المهرجانات السينمائية يؤكد زعرور أن هناك توجهاً فعلياً ليكون فيلم "خلِّة وردة" على قائمة المهرجانات السينمائية العربية والعالمية رغم بعض العقبات السياسية المتوقعة.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net