Tahawolat
يشاركنا الدكتور سماح إدريس الإستغراب حيال قبول القضاء اللبناني دعوى قوامها محاسبة من يدعو لمقاطعة "الكيان الصهيوني" في بلد نجحت مقاومة جزءاً لا يستهان به من شعبه من تحقيق الانتصارات.
إدريس إعتبر الدعوى المرفوعة ضده وساماً يرسخ حضوره الثقافي والفكري المقاوم ويتمنى أن تنجح الحملات المناهضة للتطبيع التي ينظمها في إلغاء الحفلات الفنية كافة للفرق الأجنبية الصديقة للعدو الاسرائيلي والتي يستضيفها بعض حاملي الهوية اللبنانية على قاعدة ثقافة السلام والانفتاح على الآخرين.
"تحولات" التقت الدكتور سماح إدريس بحثاً عن الأجوبة المنطقية في زمن اللامنطق فكان النقاش بمستوى حضوره الرافض لأي إنكسار بحيث تبقى الحرب مستمرة للحفاظ على هويتنا القومية والفكرية والثقافية من الحالمين بالتطبيع والمهرولين والمعتدلين، وكان معه هذا الحوار:

نبدأ من المفارقة القضائية التي تدعو للاستغراب، فكيف يقبل القضاء اللبناني بدعوى من هذا النوع؟ لنجد أن الاستغراب متبادل حيث يجيب إدريس: "كما تستغربين أنا أيضاً استغرب. هذا السؤال يجب توجيهه للقضاء وللمحكمة التجارية التي تعاملت مع القضية وكأني انافس جهاد المرّ وأضر بمصالحه التجارية واعطلها، لو أن القضية كانت في اطار محكمة المطبوعات كقدح وذم لكان الوضع منطقياً. برأيي التوجه الى المحكمة التجارية أمر غريب، هو ومحاموه يعتبرون أننا نحن الجهة المدعى عليها لاننا خالفنا قانون المقاطعة".
لكن بأي معنى؟ يقول: "في الصفحة الثالثة استخدموا التعريف الضيق لقانون المقاطعة عام 1955 وهذا القانون صدر في 22/6/1955 وكان لديه الجرأة ليضعه في الدعوى، وهو يحدد بشكل موضوعي الهيئات والاشخاص المحظر عقد الاتفاقات معها وهم حصراً الهيئات أو الأشخاص المقيمين في اسرائيل أو المنتمين اليها في جنسيتهم أو الذين يعملون لحسابها أو لمصلحتها. وهو يعتبر أن هذا الوصف لا ينطبق إطلاقا على فرقة "بلاسيبو" البريطانية. كيف لا ينطبق اطلاقاً عليها وهي فرقة تقصد اسرائيل وتقيم فيها الحفلات وتتغاضى عن الجرائم التي تحصل في فلسطين، وهذه الحفلة جلبت 7000 الاف متفرج في 5 حزيران 2010 واذا حسبنا المعدل الوسطي للبطاقات كما حسبها جهاد المر اي 50 دولاراً يكون الرقم 350 الف دولار ذهب جزءاً من هذا المبلغ لبلاسيبو وجزءاً لمنظمي المهرجان الاسرائيليين أضف إلى ذلك تحسن وضع المطاعم والفنادق والمنتجعات وتذاكر السفر الى تل ابيب تحديداً إذا بحسب التعريف الضيق للقانون الذي استند اليه المرّ نجد أن "بلاسيبو" خدمت مصلحة اسرائيل التجارية والمالية. من جهة ثانية المعيار الاساسي لمبدأ مقاطعة اسرائيل هو انه بمجرد ان اي نشاط يخدم اسرائيل ولا يكون هدفه خدمة الشعب الفلسطيني او محاربة الفصل العنصري والاحتلال ففي ذلك تغطية على جرائم اسرائيل، فحين يتعامل من يدّعى المقاطعة مع كيان يقتل الناس على قاعدة التغاضى عن اقامة الحفلات والمؤتمرات والمهرجانات فيه فهنا يكون مبدأ المقاطعة منقوص. المقاطعة يجب أن تكون في كل شيء ومبدأ المقاطعة يكون بمحاسبة السلطات المحتلة والتشهير فيها والطلب من كل العالم عزل هذا الكيان كلياً ومن جميع النواحي بما فيها الفنية والثقافية والاجتماعية وحتى ما تسمى بالخيرية".
لكن هل يعتبر المرّ أنه مستهدف بشكل مباشر؟ يجيب إدريس:" هنا يظهر الغباء لديه فنحن لم نركز عليه كشخص وهو حين اتصل على إذاعة "صوت الشعب" خلال اللقاء الذي اجرته معي أعتبر أن الأمر شخصي، حملة المقاطعة التي نطلقها ليست جديدة وحينها قلت له أنه لا يقرأ ولا يسمع فنحن نقيم المؤتمرات على الدوام وأنا شخصياً كتبت مقال ضد دعوة جاد المالح للغناء في بيت الدين وغيرها من التحركات".
ونسأل إدريس إذا ما فكر أحد بمقاضاة القناة التي يملكها المرّ (أم. تي. في) كونها تتعامل مع منتجة يهودية لاحد أبرز برامجها؟ فيقول: "هذا السؤال مشروع، ولكن نحن كحملة مقاطعة مقاربتنا تقوم على قاعدة التوعية والإقناع وليست قانونية، والسبب أنه لماذا كان هذا القانون ناجحاً على امتداد العالم العربي إلى أن اختار البعض التطبيع وتبيّن مع الوقت أن جزءاً من الناس يقبل به والمقاطعة كانت مفروضة عليهم. انا لا أحبذ الفرض لذلك لم استخدم سلاح القانون، لكن هذا لا يمنع أن نلجأ اليه في حالة من هذا النوع حيث يبلغ بأحدهم الجرأة ليواجهنا بالقانون وهو الذي يجب محاسبته، هدفنا العمل على إقناع الناس ولاحقاً قد نلجأ الى القانون".
لكن ما الذي يحول دون إقتناع بعض الناس برفض التطبيع طالما هناك مقاومة؟ يجيب: "هذا بحث آخر يتطلب نقاشاً تفصيلياً، لكن بالاجمال المجتمع العربي فيه قوتين اساسيتين تتحكمان ببوصلة القضية الفلسطينية التي هي الاساس، اولاً السلطات الاستبدادية التي قمعت الناس ومنعتهم من التعبير بصوت عالٍ وثانياً الأحزاب التي يدعي أغلبها أنه مع المقاطعة والمقاومة ولكن عملياً لا يحرك ساكناً، وهنا يأتي دور المثقفين حيث أن الوعي يجب أن يكون عبر المثقفين أو الأحزاب الوطنية".
من هنا نسأل إدريس عن مشهد الثورة المصرية والسبب الذي منع الناس من الغاء وجود السفارة الاسرائيلية في مصر منذ اللحظة الاولى؟ ليرد: "هذا موضوع مختلف، ربما لانهم ركزوا في البداية على الهدف الاساس المتمثل باسقاط النظام واليوم هم يخطون نحو قطع العلاقات نهائياً وتفجير انابيب الغاز خير دليل. برأيي أي حراك ديموقراطي في أي بلد عربي إذا استلم السلطة فيه أناس ديموقراطيين ووطنيين حكماً سيجدون الرابط بين التحرر الوطني الداخلي والتحرر القومي، الأنظمة المستبدة الزائلة كانت مرتبطة باميركا واسرائيل ولا مجال للتحرر منهم فعلياً إذا بقيت العلاقة قائمة مع اسرائيل وكذلك التبعية الاقتصادية لاميركا".
وعن نظرته لما يعيشه العالم العربي يقول: "برأيي أن كل التحركات التي تقوم بها الشعوب العربية قائمة على مطالب حقيقية ومشروعة وشعلتها التونسي محمد بوعزيزي من تونس الى البحرين ومصر وليبيا وسورية. هناك اماكن دخل فيها الاميركي ويؤسفني دخول السلاح على خط هذه الثورات، كنت اتمنى أن تبقى الانتفاضة سلمية في ليبيا حيث ان استخدام السلاح يعني دخول الاجنبي وهذا ما حصل للاسف، لذلك أرى أنه لا يجب تكرار المشهد في سورية كي لا يدخل الاجنبي على الخط، أما البحرين فلم يك حرياً بدرع الجزيرة التدخل وجعل المشهد يبدو مذهبياً فمن يطالب هناك هو شعب البحرين بغض النظر عن طائفته".
بالعودة الى لبنان ومبدأ حماية حرية التعبير دستورياً نسأله أين هو هذا الدستور من القضية المرفوعة ضده؟ فيجيب: "هذا هو السؤال المنطقي للقيمين على الدستور، جهاد المرّ يرى أننا نحن من نهدد حرية التعبير حين ندعو لمقاطعة من يدعم اسرائيل ثقافياً وفنياً واجتماعياً واقتصادياً وقيّدنا حريته. وهو قال ما حرفيته "يا استاذ سماح من لا يريد هذه الفرقة ويرفض توجهها السياسي يمكنه أن لا يحضر الحفلة ولكن لا يحق له منع الاخرين من الحضور؟". لماذا هذه المقاربة، وهل يحق له دعوة الناس ودفع المال للدعاية والاعلان كرمى لهذه الفرقة وأنا لا يحق لي منع الناس من حضورها حيث أني أملك الوثائق التي تثبت علاقاتها باسرائيل وكيف تدعمها. هل إذا كتب ناقد ما نصاً ينتقد فيه عملاً سينمائياً لناحية أداء الممثلين وركاكة السيناريو فهل يأتي المنتج ليقاضي الناقد؟ أين حرية التعبير والديموقراطية المأخوذة أساساً من الغرب الذي لا يخجل بابداء رأيه في ظل حماية الجهات الامنية له".
لكن كيف سمحت دولة تقرّ بعدائها لاسرائيل أن تدخل فرقة صديقة للاخيرة الى أراضيها؟ يرد: "هنا يكمن اسلوب التحايل على القانون والدولة، حين تأتي فرقة ما أو مطلق شخص الى تل ابيب تقوم السلطات هناك بوضع ختمها على ورقة جانبية وليس على جواز السفر وبعدها يأتي هذا الطرف الى مصر أو الأردن ثم يدخل لبنان، والأمن العام لن يعرف كونه لا وجود لختم اسرائيلي على جوازات سفرهم فيدخلهم. لذلك يجب تفعيل القانون بشكل أفضل والتأكيد على منع أي شخص يحتمل ولو بنسبة واحد في المئة أنه دخل اسرائيل من الدخول الى لبنان إلا بعض الاستثناءات التي أقصد بها فلسطينيو 48 الذين فرض عليهم واقعهم هذه الهوية والاختام".
منطق محاربة العدو ثقافياً وفنياً لماذا لم نتحرك كعرب مسرحياً ودرامياً وسينمائياً ومن المسؤول عن هذا التقاعس؟ يجيب: "هناك تقاعس فعلي في هذا الاطار حيث أن صيغة العالمية محصورة بسعي الكثيرين لكسب رضى هوليوود ونوبل والجوائز العالمية ولو على حساب المضمون، هذا موضوع كبير ولكن المطلوب ان نجد وسيلة للعب دور مؤثر في العالم من خلال السفارات والجمعيات والمؤسسات الاهلية والقانونية".
ويشير إدريس إلى أنهم كتحرك لم يمارسوا العنف ضد الناس بل قاموا بحملات توعية محاولين اقناع الناس بمقاطعة الفرقة مبدياً تفاؤله تجاه تجاوب الكثيرين ومتمنياً أن لا يأتي إي شخص في المرات المقبلة التي ينوي فيها المرّ إستضافة هذه الفرقة.
ليس إدريس وحده الذي يضعه المرّ في قفص الاتهام بل آخرين: "تصوري أني لست المستهدف الوحيد في الدعوى بل مجلة الآداب وحملة مقاطعة اسرائيل في لبنان ومركز حقوق اللاجئين في لبنان، وحملة مقاطعة السلام، وهذا معيب المحامون عندنا سألوا من هم هؤلاء المقاطعين؟ هل يمكن حصرهم بعدد؟ نحن لم نعتدِ عليه فليجد غريمه إذاً".
ولا يستغرب إدريس موقف القضاء اللبناني حيث يقول: "انا لا اعمل ضمن الاطار القضائي، في العام 2007 كتبت مقالاً إنتقدت فيه جلال الطلباني الذي أتى على متن الدبابات الاميركية الى الحكم في العراق وحينها رفع عليّ دعوى قدح وذم وقبلها القضاء عندنا فماذا تتوقعين منه في قضية المرّ".
من هنا نسأله هل كان القضاء سيقبل دعوى مرفوعة من شعبه ضد الذين قدموا الشاي للاسرائيلي في ثكنة مرجعيون خلال عدوان 2006؟ فيجيب: "أين هو المجتمع المدني اللبناني والجهات الرسمية المعنية بالمقاومة بشكل مباشر ولماذا لم يحركوا ساكناً في حينه، بعيداً عن أحمد فتفت وما فعله، نحن اليوم أمام قضية تقاضي الرافضين للتطبيع هل لديهم صيغة لتعديل هذا القانون وحماية هؤلاء الرافضين، ليس هناك شعب او بلد في العالم انتصر على محتله مثل لبنان وشعبه لذلك يجب ان يكون هذا المجتمع رافداً للمقاومة المسلحة وللاسف المقاومة في لبنان لا تتبنى المقاطعة بالشكل الكافي، علينا مقاطعة الشركات المتعاونة مع اسرائيل، هل نتوقف عن ارتياد المقاهي التي تجاهر بعلاقاتها مع هذا الكيان مثل "ستارباكس" هل نقاطع المنتوجات التي تستفيد منها اسرائيل والمهرجانات التي تستحضر فرقاً مؤيدة لاسرائيل؟ واللائحة تطول".
ويضيف: "الى جانب المقاتلين والشهداء يجب أن يكون هناك مثقفين مستعدين للمواجهة، الثقافة ليست ترفاً وشهادة دكتوراة، بل هي مسؤولية قوامها نشر الوعي بين الناس سواء ضد المستبد الداخلي والمحتل الخارجي وعدم مجاراة التيار السائد وتقبل اخطاؤه أياً كانت".


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net