Tahawolat

طرح الأب الروحي لشؤون الجيوبوليتك، نيوكولاس سبايكمان، تحليله الشهير منتصف القرن الماضي، والذي قدر له أن يكون قاعدة متبعة من جانب الكثير من الاستراتيجيين، وهي أن "من يحكم رملاند يحكم أوراسيا، ومن يحكم أوراسيا يسيطر على مقاليد العالم"؛ ورملاند هي المنطقة التي يطلق عليها حافة اليابسة، وحافة اليابسة هي قوس الأزمات عند بريجنسكي وهي العالم العربي الإسلامي وتسمّيه الولايات المتحدة الشرق الأوسط الكبير، والذي لا زالت تشكل السيطرة عليه نقطة السيطرة على العالم.
 وهي نقطة الارتكاز الجغرافي حيث يعتبر الجغرافي البريطاني هالفورد ماكندر أول من نبه إلى أهميتها في محاضرته في الجمعية الجغرافية الملكية البريطانية في يناير 1904 ولقد وضع إصبعه على أن شرق أوروبا نقطة الارتكاز الجغرافي والتي أطلق عليها العام 1919 قلب اليابسة في أوراسيا، التي كان الاتحاد السوفياتي يسيطر عليها، وطرح نظريته المشهورة التي أثرت في الفكر الاستراتيجي في أوروبا وأميركا خلال القرن العشرين وحتى الآن بأن "من يسيطر على شرق أوروبا يسيطر على قلب اليابس ومن يسيطر على قلب اليابس يسيطر على جزيرة العالم ومن يسيطر على جزيرة العالم يسيطر على العالم"؛ ويقصد ماكندر بجزيرة العالم القديم آسيا وأوروبا وأفريقيا، ولقد فهم نابليون أهمية قلب اليابس قبل ماكندر عندما توجّه إلى روسيا، وكذلك تأثر قيصر ألمانيا وليم الثاني وهتلر وموسوليني بأهمية قلب اليابسة للسيطرة على أوروبا والعالم.. ويبدو أن أوراسيا التي تراجعت أهميتها بعد الحرب العالمية الثانية. تعيد الصين اكتشاف أهميتها مجدداً، كما أنها تعمل لإعادة تنظيم الشؤون الجيوبوليتيكية لكل آسيا وليس لوسط آسيا فقط.
وفي التاريخ الصيني تقليدان يبعثان على التفاخر ويؤشران إلى توسيع مدى عظمة حضارتهم، التقليد الأول، هو التجارة، ونظام الجزية، وكانا تحت سيطرة الأدميرال زهانج الذي قاد الأسطول الضخم لسلالة منج، حيث ضم مئات السفن التي تقوم بسبع رحلات تجارية سنوية منتظمة إلى أندونيسيا، والهند، وأفريقيا، والجزيرة العربية قبل 600 عام للتبادل التجاري والثقافي.
أما التقليد الثاني، فتمثل في دور الصين المهم في تطوير طريق الحرير القديم الذي ربط شرق وجنوب وغرب آسيا، مع أوروبا، والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا. وكان هذا الطريق يمتد إلى سبعة آلاف ميل، كما كان طريقاً رئيساً، للتجارة، وبعثات التبشير، والجنود، عبر أوراسيا لأكثر من ثلاثة آلاف عام.
حين ندرس الصين اليوم، بعد الثورة الاقتصادية العالمية التي أحدثتها منذ تسعينيات القرن الماضي حتى الآن اذ حققت نسبة نمو مستدامة لا تقل عن 10%. وبعد انتقال مركز الثقل الاقتصادي والسياسي العالمي (على أثر هذا النمو وهذه الثورة) من الغرب الى الشرق وتحديداً الى جنوب آسيا، وبعد بروز الحاجة الصينية الملحة للطاقة لتحريك عجلتها الاقتصادية ولتحافظ على نسبة النمو هذه. فإن استراتيجية الأدميرال زهانج هي التي تحافظ على هذا التقليد، وتستحق الاحترام، بقدر ما يمكن أن تبعث الخوف عند الغرب. وقد ظل الغرب ينظر باهتمام كبير إلى آسيا البحرية ضمن اهتماماته الاستراتيجية منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم، وتعزز هذا الاهتمام الآن بعد ان وضعت اميركا اولويتها الاستراتيجية مواجهة العملاق الاقتصادي الصيني المتوقع أن يتساوى مع الاقتصاد الاميركي العام 2016 ويتجاوزه العام 2020. وقد صرحت هيلاري كلنتون وزيرة الخارجية الاميركية السابقة (انه اذا كان القرن الماضي هو قرن المحيط الأطلسي فإن هذا القرن هو قرن المحيط الهادي). حيث 60 % من حاويات العالم تعبر المحيط الهادي و75% من الطاقة التي تصل الصين أيضاً تمر عبر هذا المحيط وتحديداً عبر مضيق ملقا.
ولتكمل أميركا استراتيجية تطويق الصين نشرت اساطيلها في المحيط الهادي وسيطرت على المضائق التي تنقل الطاقة الى الصين وهما مضيق هرمز بعرض 22 ميلاً، ويسيطر الأسطول الأميركي الخامس عليه مع منافسة ايرانية كبيرة، وكذلك مضائق ملقا بعرض 1.6 ميل، حيث يتولى الأسطول الأميركي السابع السيطرة عليه خاصة بعد التحالفات الاميركية مع اندونيسيا وماليزيا اللتين تحدان المضيق المذكور. وأيضاً باب المندب واليمن الموقع التاريخي الاستراتيجي بعد ان خسرته بريطانيا العجوز لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية التي أصبحت اللاعب الأول بالملف اليمني وباب المندب، عبر هندسة هذا الملف ليصبح اليمن ما بعد العصيان الشعبي عضواً في النادي الأميركي، وكذلك تهندس الملف الصومالي المهم لها جيواستراتيجياً، ولا يُستبعد أن يكون هنالك تواجد أميركي ذكي في سلطنة عُمان قريباً، وبهذا تُعتبر واشنطن قد حققت نصف الطريق الذي سيوصلها نحو أحلامها البعيدة المدى وهي: الهيمنة على طرق ومضائق إمداد الطاقة العالمية في أبرز وأخطر وأهم منطقة في العالم!!... هذا اضافة الى القواعد الاميركية المنتشرة في وسط آسيا واستمرار الاحتلال الاميركي لأفغانستان الذي يندرج تحت هذه الاهداف.
الخطط الصينية لكسر الحصار الاميركي
يوضح المسار الأخير لعلاقات الصين السياسية ومبادراتها الاقتصادية وموقفها العسكري بأن "المملكة الوسطى" قد وصلت إلى "الشرق الأوسط الأكبر". وكانت الصين تعتقد أن أمن الطاقة أهم بكثير من أن يترك لقوى السوق وحدها، ومن ثم جعلت هذه المسألة أولوية من ناحية الأمن القومي. لهذا انشأت الصين موطئ قدم لها في وسط آسيا ومنطقة "البحار الأربعة" والشرق الأوسط، من خلال الضلوع ببدء مشاريع مد خطوط أنابيب وإقامة بنى تحتية جديدة للطاقة وإلى إنشاء العديد من الموانئ البحرية في العالم. كما تزيد البلاد أيضاً من علاقاتها العسكرية لحماية تلك المصالح. وعلاوة على ذلك، أن الطريق لهذا التوسع يشبه كثيراً "طريق الحرير" القديم وطرق بحر العرب التي أوصلت الصين لأول مرة إلى الغرب.
لقد كان جزء كبير من هذا النشاط متجذراً في ميل الصين لرؤية أمن الطاقة من وجهات نظر جغرافية سياسية واستراتيجية بدلاً من مجرد وجهة نظر اقتصادية خالصة. وتحديداً كانت بكين معنية بمواجهة مبادرات الطاقة الغربية في المنطقة. وفي العام 2009 على سبيل المثال، أكملت "شركة البترول الوطنية الصينية" التابعة للدولة خط أنابيب غاز طبيعي عبر "وسط آسيا" إلى تركمانستان على الشاطئ الشرقي لبحر قزوين، في اللحظة نفسها التي كانت تعمل هناك مجموعة شركات مدعومة من قبل الاتحاد الأوروبي على خط أنابيب نابوكو للوصول إلى احتياطيات الغاز في تركمانستان من الغرب. وفي حزيران/يونيو 2010، أعلن رئيس تركمانستان قربان قولي بيردي محمدوف عن مشروع بتكلفة 2 مليار دولار لربط خط الأنابيب الشرقي مع الصين، بموارد تركمانستان الغربية، مما يهدّد قابلية تطبيق خط أنابيب نابوكو.
وقد واجهت خطط الطاقة في مسرح "الناتو" في أفغانستان المجاورة منافسة من الصين أيضاً. فقد دعت الشركات الأميركية و"بنك التنمية الآسيوي" كثيراً إلى إنشاء خط أنابيب غاز من تركمانستان يمرّ عبر أفغانستان إلى المستهلكين في باكستان والهند، وقد تُوّج في مشروع مقترح يدعى "خط عبر أنابيب الغاز تركمانستان - افغانستان - باكستان - الهند" ["تابي"]. غير أن المشروع يجب أن يكون على مستوى الاقتراح المنافس لباكستان والهند بالحصول على الغاز عن طريق مد خطوط أنابيب من إيران. وفي آذار/مارس 2009، أبرمت طهران وإسلام أباد عقداً لبناء نصيب إيران - باكستان من "خط أنابيب إيران – باكستان - الهند" بهدف جلب إما نيودلهي أو بكين إلى المشروع. وفي أماكن أخرى في المنطقة، دخلت الصين مسرح الطاقة العراقي، وهي الآن أكبر مستثمر للنفط والغاز في تلك البلاد.

تحوّل استراتيجي

منذ أن أصبحت الصين دولة مستوردة للطاقة العام 1993، تبنت استراتيجية "الخروج" لشراء أصول الطاقة في الخارج، محولة الطرق التاريخية القديمة إلى شبكة خطوط أنابيب حديثة وطرق وسكك حديدية لإمدادات الطاقة الخاصة بها. وينبع هذا النهج من مخاوف بكين من الحصار الأميركي على الإمدادات البحرية في حال نشوب عداءات بسبب تايوان، فضلاً عن طلب الصين المتزايد للطاقة.

وقد أظهر تقرير في آب/أغسطس 2010 أن الصين قد أصبحت أول مستهلك للطاقة في العالم متخطية بذلك الولايات المتحدة. وبالإضافة إلى ذلك، تمتعت البلاد بنمو سنوي عشري لمعظم العقد الماضي، تأججت ليس بسبب طلب المستهلك، ولكن بفضل بناء البنية التحتية والصناعات الثقيلة التي تستهلك الطاقة، وكذلك النمو المتزايد في قطاع النقل.

وبمرور السنين بدأ العديد من الصحافيين وصناع السياسة والعلماء في الإشارة إلى هذا المنهج على أنه استراتيجية "طريق الحرير". وفي المقابل، فضّل المسؤولون الصينيون هذا التصور من أجل استحضار الروابط التاريخية المشتركة على طول "طريق الحرير"، في الوقت الذي يسعون فيه إلى توسيع العلاقات مع دول في وسط آسيا والقوقاز والشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، ففي كانون الثاني/يناير 2010، أعلن مجلس الدولة بالصين إقامة "لجنة الطاقة الوطنية" برئاسة رئيس الوزراء وين جياباو مما يعكس المخاوف العميقة لدى النظام تجاه أمن الطاقة.

ولمعالجة تلك المخاوف انضمت بكين إلى "منظمة شانغهاي للتعاون" التي تم تأسيسها في العام 2001، وتتكوّن من الصين وروسيا ودول وسط آسيا الأربع كازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، إلى جانب أربع دول مراقبة (وهي إيران وباكستان والهند ومنغوليا). وقد استخدمت الصين المنظمة لتحقيق تكامل اقتصادي تدريجي مع منطقة "وسط آسيا/بحر قزوين" وذلك لتلبية ثلاثة أهداف رئيسية:
1-  تهدئة مقاطعة شينجيانغ الملتهبة وهي موطن قوى "الأويغور المسلمين" الانفصالية الكبيرة حيث يبلغ تعدادهم 250 مليون مسلم ويتكلم معظمهم اللغة التركية.
2-  تنويع مصادر الطاقة من الخليج العربي.
3- إظهار الهيمنة الصينية عبر أوراسيا. وقد ركزت هذه الاستراتيجية بشكل كبير على استخدام الوسائل المالية لخلق تبعية بين الحكومات الإقليمية، والبناء على التعاون المتزايد في المجالات السياسية والعسكرية والنفط والغاز.
 وكما تقوم شركة الطاقة الروسية غازبروم المملوكة للدولة باستخدام الطاقة كسلاح عن طريق قطع إمدادات الغاز لاستهداف دول معينة إذا رفضت سياستهم الخارجية، ترى بكين الطاقة سلاحاً يجب استخدامه للاستيعاب الزاجر.

أثر متزايد

امتدت استثمارات الطاقة الصينية المنتشرة على نطاق واسع إلى كل ركن تقريباً في "الشرق الأوسط الأكبر"، ولا سيما في "حوض بحر قزوين" وأطراف أخرى مثل إيران وتركيا واليونان. وفي الكثير من الحالات تُرجم هذا التمدد الاقتصادي المتنامي إلى موطئ قدم عسكري أيضاً، نظراً إلى المشاركة الواسعة النطاق لأفراد الجيش الصيني في مشروعات الطاقة و"الشراكات الاستراتيجية" التي شكلتها بكين مع دول رئيسية.

إيران: بين العامين 2005 و2010، وقعت الشركات الصينية عقوداً بقيمة 120 مليار دولار مع قطاع النفط والغاز الإيراني. ولإيران أهمية خاصة لدى الصين لأن لها حدوداً مع بحر قزوين والخليج العربي. وفي الخليج ترى بكين إيران كوسيلة لتحقيق توازن أمام الدول العربية المدعومة من قبل الولايات المتحدة، بتصورها أن البحرية الأميركية غير قادرة على إغلاق مضيق هرمز تماماً، طالما تسيطر إيران حليفة الصين على الجانب الشرقي منه. كما أن طهران هي أيضاً طرف رئيسي في "طريق الحرير" البري والبحري للصين، حيث تتطلع بكين إلى زيادة الروابط بواسطة خطوط السكك الحديدية، بل وربما إنشاء قاعدة بحرية في إحدى الجزر الإيرانية.

السعودية: يتدفق أكثر من نصف النفط السعودي حالياً إلى آسيا مقارنة بـ 14 بالمئة إلى الولايات المتحدة. وتملك شركة أرامكو السعودية مصفاة في مقاطعة تشينغداو في الصين وأخرى في مقاطعة فوجيان، في حين بدأت الشركات الصينية في الاستثمار في الصناعة والبنية التحتية السعودية. وفي الوقت نفسه، لا تزال المملكة شريك الصين التجاري الأكبر في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الصعيد العسكري، في الثمانينيات من القرن الماضي، قدمت الصين إلى السعوديين صواريخ ذات قدرة نووية من طراز "CSS-2"، وواشنطن قلقة الآن من أن الرياض ربما تسعى لخلق رادع ضد إيران باكتساب المزيد من الأسلحة التي صممتها الصين، فضلاً عن الرؤوس النووية ذات الاستخدام المزدوج من باكستان. ورغم أن الولايات المتحدة ما تزال هي الضامن الرئيسي لأمن السعودية إلا أن المملكة تحقق التوازن بمراهناتها في وجه إيران التي ربما تصبح نووية من خلال تعاطيها مع بكين، حليفة طهران الرئيسية.
العراق: زادت بكين بالفعل من حجم استثماراتها في العراق، وهي الآن أكبر مستثمر للنفط والغاز فيها، حيث وقعت على عقود تطوير وخدمات طويلة المدى لحقول نفط الأحدب والرميلة وحلفاية وميسان إما بصورة مباشرة أو من خلال الشركات الأجنبية التي تم شراؤها مؤخراً. كما أنها تدفع الملايين لحماية استثماراتها هناك. وهذا الأمر ليس مدهشاً لأن العراق لديه أكبر احتياطي نفطي معروف في العالم. كما أبدت الصين نيتها الحسنة بإسقاط ما بين ستة مليارات إلى ثمانية مليارات دولارات وهي ديون عراقية تراكمت خلال عهد صدام حسين. كما أن بكين قد نجحت في إبرام صفقات بيع أسلحة تتجاوز قيمتها 100 مليون دولار دولار أميركي إلى الحكومة في بغداد. وبالنظر إلى إنتاج النفط العراقي الذي ما يزال محدوداً بسبب المشاكل الأمنية وعدم وجود قانون للنفط والغاز، تستمر الصين في الاعتماد بقوة على مصادرها الكبار الحاليين وهم السعودية وأنغولا وإيران.
تركيا: بالإضافة إلى حدودها مع كل من البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط فإن تركيا هي عضو قديم في منظمة حلف شمال الاطلسي ["الناتو"]، وتستمتع بوحدة جمركية مع الاتحاد الأوروبي، وتمثل منفذ العبور الرئيسي لاثني عشر مشروعاً لخطوط الأنابيب متعددة الجنسيات. إن الموقع الجغرافي الاستراتيجي للبلاد يشكل أيضاً موقعاً مثالياً لشبكات السكك الحديدية التي تربط أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا. وبناء على ذلك، عندما زار رئيس الوزراء الصيني وين جياباو أنقرة في تشرين الأول/أكتوبر 2010، رفعت الصين مستوى علاقاتها الثنائية مع تركيا إلى "تعاون استراتيجي".

وقد جاءت زيارة وين جياباو في أعقاب مناورات "نسر الأناضول" القتالية الجوية المشتركة (التي قامت بها القوات الصينية والتركية) ومهمة السلام 2010 لـ "منظمة شانغهاي للتعاون" (وهو تدريب عسكري لمكافحة الإرهاب جرى في كازاخستان). وتقليدياً كانت مناورات "نسر الأناضول" تدريباً لحلف "الناتو" بين تركيا والولايات المتحدة وأعضاء آخرين في منظمة حلف شمال الأطلسي، وإسرائيل؛ لكن يبدو أن أنقرة قد فضلت أن تحل الصين محل إسرائيل.

اليونان: في حزيران/يونيو 2010، تولت شركة الشحن العملاقة "كوسكو" المملوكة للصين، الإدارة والتحكم العملياتي الكامل على الرصيف الرئيسي في أكبر ميناء يوناني وهو بيرايوس بتكلفة 2.8 مليار جنيه استرليني في عقد مدته خمسة وثلاثين عاماً يشمل توسيعاً مخططاً له. وبالنظر إلى أن اليونان تتحكم في خُمس أسطول التجارة العالمي، وهي أكبر زبون لأحواض بناء السفن الصينية، يهدف هذا الجهد إلى تعزيز التجارة الصينية مع الأسواق الناشئة حول إطار البحر الأسود والمتوسط. وتخطط الصين أيضاً لشراء حصة في شبكة السكك الحديدية المثقلة بالديون OSE وبناء مطار في كريت وبناء مركز لوجيستي في شمال أثينا.

أبعاد عسكرية
تتمحور استراتيجية بكين الحالية حول تحقيق موطئ قدم صيني من خلال النفوذ العسكري أو الجيوسياسي على طول الشريط الساحلي للمحيط الهندي، وإلى الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط -- في "سلسلة من اللؤلؤ". وتقع اللآلئ التي أقامتها بكين في السنوات الأخيرة على طول طرق البحار المستخدمة منذ قرون لربط الصين بحوض البحر الأبيض المتوسط. وهناك لآلئ معينة تشمل مرافق مطورة في [مدينة] بور سودان بين مرافق أخرى.

كما أضافت الصين أيضاً ميناء بيرايوس اليوناني كلؤلؤة جديدة في البحر المتوسط. وفي آب/أغسطس 2010، زارت القطع البحرية الصينية بيرايوس عندما التقى رئيس أركان القوات الجوية اليونانية فاسيليوس كلوكوزاس مع وزير الدفاع الصيني ليانغ قوانغ ليه في بكين في الشهر نفسه لمناقشة التعاون العسكري المتزايد. وفي أماكن أخرى تأمل بكين في إقامة قاعدة بحرية دائمة في خليج عدن/البحر العربي. والخيار الأرجح هو ميناء عدن اليمني ذلك أن البدائل الأخرى - سلطنة عمان وجيبوتي - لها علاقات وطيدة مع حلف "الناتو" وواشنطن.
كما تزيد الصين أيضاً من وجودها العسكري برَّاً من خلال نشر أفراد الجيش والشرطة لمراقبة مشروعات الإنشاء الخارجية. فعلى سبيل المثال يقال إنها نشرت آلافاً عدة من الجنود في كشمير مما يثير مخاوف هندية حول الجهود الصينية لربط مشاريع الطرق والسكك الحديدية في "جبال كاراكورام" بميناء جوادار في باكستان.

استراتيجية "البحار الأربعة"

البداية كانت في التسعينيات حيث ملأت الصين فراغاً في سوريا خلفه الاتحاد السوفياتي المنهار إذ زودت الدولة السورية بعدد متنوع من الصواريخ. واليوم يوفي الرئيس السوري بشار الأسد بوعده الذي قطعه على نفسه في 2004 بــ "الاتجاه شرقاً" نحو آسيا للهروب من القبضة الغربية التي تمسك بخناق الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى العمل كمصدر مستمر يمكن الاعتماد عليه للأسلحة، استثمرت الصين بقوة في تحديث قطاع الطاقة القديم الطراز في سوريا.
في الوقت الذي تسعى فيه بكين في استراتيجيتها لتطوير "طريق الحرير" عن طريق "النظر إلى الغرب" تهدف سياسة "النظر إلى الشرق" التي تتبعها سوريا إلى مقابلة الصين في بحر قزوين. فمنذ 2009، يعزز الأسد استراتيجيته لـ "البحار الأربعة" لتحويل بلاده إلى محور تجاري في البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربي/البحر العربي وبحر قزوين، بالاصطفاف مع تركيا وإيران وأذربيجان في هذه العملية. وبرزت تركيا كأهم مستثمر وشريك تجاري لسوريا قبل انقلابها الاخير على سوريا تماشياً مع الإملاءات الاميركية، وحيث تبقى إيران هي الضامن لأمن سوريا، كانت استراتيجية الاسد قبل الانقلاب التركي أن يصبح ثلاثي أنقرة - دمشق- طهران نواة لمنهج يهدف إلى ضم العراق والقوقاز في سلسلة متصلة جغرافياً تربط "البحار الأربعة".

وبينما يرى الغرب سوريا وإيران ودولاً مماثلة بأنها عوائق استراتيجية ودولاً مارقة، ترى الصين هذه الدول كأصول استراتيجية. ومنذ غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة العام 2003، تخشى بكين من أن استراتيجية واشنطن لـ "الشرق الأوسط الأكبر" تنطوي على تطويق الصين وخلق نموذج للإطاحة بالأنظمة غير الديموقراطية. ورداً على ذلك، زادت بكين من روابطها الاقتصادية والدبلوماسية مع بلدان في المنطقة لها علاقات إشكالية مع الولايات المتحدة والغرب.
إن أحد المكونات الرئيسية لاستراتيجية "البحار الأربعة" هو التركيز على البنية التحتية للطاقة وتطوير السكك الحديدية. وعلى صعيد الطاقة يتخذ الرئيس السوري بشار الأسد خطوات لتوسيع "خط أنابيب الغاز العربي" لنقل الغاز من مصر والعراق عبر سوريا، والعمل في الوقت نفسه مع أذربيجان وروسيا حول مقترحات لربط هذا الأنبوب بخطوط أنابيب غاز بروم وصولاً إلى أوروبا. وعلاوة على ذلك، ومن خلال الربط مع إيران، يمكن أن يتصل "خط أنابيب الغاز العربي" في نهاية المطاف بخط أنابيب تركمانستان - الصين وخطوط أنابيب النفط المستقبلية بين كازاخستان والصين. وقد عقدت سوريا اتفاقا مع ايران العام 2011 على مد انبوب غاز من ايران الى العراق الى ساحل سوريا الى لبنان بتكلفة 10 مليارات دولار يبدأ ضخ الغاز فيه العام 2013.
 
وفي الوقت نفسه، تتسق خطط سوريا لبناء سكك حديدية من موانئها في البحر الأبيض المتوسط إلى جنوب العراق مع مصالح الصين في بناء شبكة سكك حديدية تربطها بآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا. إن بكين مهتمة بوجه خاص بتوسيع السكك الحديدية العالية السرعة، وذلك بالتفاوض مع سبعة عشر بلداً من ضمنهم سوريا والعراق وايران حول هذه الخطوط، بالإضافة إلى توسعها الداخلي السريع. وتلعب السكك الحديدية دوراً مهماً في النقل وخدمات الإمداد والتجهيز العسكرية في نطاق جهود الصين لإظهار القوة والتنافس مع الغرب عبر شبكة المواصلات هذه التي تصل الصين بشواطئ سوريا على المتوسط.
اعلن وزير خارجية سوريا وليد المعلم (ان سوريا ادارت ظهرها الى الغرب ووجهها الى الشرق ولم تعد تعتبر ان اوروبا والغرب موجودان على الخارطة). ويبدو ان تكامل استراتيجية الرئيس الاسد (البحار الاربعة وطريق الحرير) مع استراتيجية الصين قد قضت على احلام اميركا والغرب في تطويق الصين والسيطرة على طريق الحرير ومناقسة روسيا على سوق الغاز في اوروبا التي هي اكبر سوق ناشئ للغاز في العالم. لذلك صدر امر العمليات الاميركي لأزلامها في المنطقة لإسقاط سوريا مهما كان الثمن. فسوريا بحكم موقعها الجيو استراتيجي باتت بوابة طريق الحرير الآسيوي الى اوروبا وبالتالي اصبحت في قلب الامن القومي الصيني والروسي والايراني، وباتت قطب الرحى في هذا الصراع الكوني الدائر فيها وعليها، وعلى نتائجه يتوقف من سيتحكم في القرن الجديد اقتصادياً وسيآسياً.
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net