Tahawolat
اجمعت اكثر التحاليل السياسيةعلى ان الاحداث العاصفة في الشرق الاوسط تنتظر انجاز الانتخابات الاميركية كي تلج باب الحلول وفق التفاهمات الاميركية الروسية التى اسس لها في القمة الاخيرة التى جمعت الرئيسين الاميركي والروسي منذ اشهر ,وربط البدء بهذه التفاهمات بعد انتخاب اوباما لولاية ثانية . اما وقد فازالرئيس الاميركي اوباما بولاية ثانية,فان من اولويات  الملفات المطروحة امام الادارة الاميركية الجديدة بالاضافة الى الملف الاقتصادي الداخلي حيث تجاوز الدين العام 16 تريليون  دولار ,وملف التحدي الاقتصادي الصيني ووضع جنوبي ووسط اسيا ,ملف الشرق الاوسط المتفجر والذي لم يعد يتحمل التأجيل .وينقسم هذا الملف الى تلاثة اقسام متفاعلة مع بعضها البعض وهي:
-  الملف النووي الايراني والتهديد الاسرائيلي بضرب ايران مما يهدد باشعال المنطقة.
- الصراع على وسوريا وفيها وخطورة تحوله الى حرب اهلية وتمدده الى دول الجوار .
- ملف الصراع العربي الاسرائيلي الذي كان ولا يزال الملف الاكثر تفجرا وبوصلة الحرب والسلام في المنطقة الذي دون تسويته تبقى المنطقة على فوهة بركان.
في الوقت الذي يزور الرئيس الاميركي الشرق الاقصى,تطلق المقاومة الفلسطينية في غزة صاروخ كورنت على دبابة اسرائيلية فتوقع ثلاث اصابات في جنود الاحتلال .وتغتال اسرائيل نائب القائد العسكري لحركة حماس احمد الجعبري وتقصف طائراتها مخازن الاسلحة ومنصات الصواريخ في غزة لمدة 24 ساعة مدعية انها قضت على 90%من قدرة المقاومة الصاروخية .فترد المقاومة بقصف تل ابيب وعسقلان واسدود والقدس بصواريخ فجر 5 وفجر 3 والقسام ,حيث اسقطت  المقاومة تفوق الردع الاسرائيلي ورسمت قواعد اشتباك جديدة ابرزها غزة مقابل تل ابيب .سنحاول في هذا المقال استقراء السياق الاقليمي الجديد لهذا العدوان الاسرائيلي على غزة في ضوء المتغيرات الاقليمية والسياسية لدول المنطقة وتحالفاتها بعد الهدنة بين المقاومة الاسلامية والكيان الغاصب ,وتبيان الخاسرون والرابحون من هذه الحرب.
يأتي العدوان الاسرائيلي على غزة بعد ضرب اسرائيل لمصنع الاسلحة في السودان منذ اسابيع,واعلانها ان الاسلحة التي تصل الى غزة مصدرها ايران حيث تشحن من مرفأبندرعباس في ايران الى السودان وهناك تفرغ وتشحن بعد تفكيكها الى مصر وسيناء ومنها عبر الانفاق الى غزة.وبالتالي تعرف اسرائيل نوعية الاسلحة الايرانية وذاقت مرارتها في حرب لبنان عام 2006وبات من المعلوم لدى القيادة العسكرية الاسرائيليةانه رغم تفوقها الجوي الكاسح لا تستطيع حسم المعركة العسكرية ضد حركة حماس وايقاف صواريخها  من الجو.واسرائيل التى خبرت حرب تموز عام 2006 ضد حزب الله ,وحرب غزة عام 2008و2009مع حركة حماس تدرك ان حسم المعركة بحاجة الى اجتياح بري لغزة المكتظة بالسكان ولاسابيع عدة وبتكلفة بشرية ومادية باهظة لاتستطيع دولة الاحتلال تحمله هاذا اذا ما اصابها الفشل كما اصابها في مجزرة الدبابات في وادي الحجير في لبنان في حرب تموز. لماذا إذآ تخوض  اسرائيل مغامرة جديدة وحرب معلومة النتائج بالضرورةومحكومة بالفشل ؟ . هل فعلآ حاجة نتنياهو لتعزيز حظوظه  للفوز بالانتخابات  دفعته الى هذا العدوان كما تروج وسائل الاعلام؟,ولماذا منذ اليوم الاول للعدوان بدأ الحديث عن هدنة  وليس عن وقف اطلاق النارفي العواصم العربية والاقليمية والدولية؟.ام ان مكيدة ما نصبت للبدء بالحل في المنطقة بدءا من الهدنة الفلسطينية  وصولا الى سوريا ثم الى الملف النووي الايراني؟.
اعتقد ان ثمة كمين اميركي نصب لنتنياهو في هذه الحرب فوقع فيه .حيث لم تسمح اميركا والغرب لنتنياهو ان يخوض المعركة البرية رغم استدعائه 75000 جندي من الاحتياط واخذ موافقة مجلس وزرائه عليها.بالاضافة الى جهوزية المقاومة وبروز الكورنت المضاد للدبابات والخوف من الثمن الذي سيدفعه الجيش الاسرائيلي ان دخل المعركة البرية. فاخذ نتنياهو يستجدي الهدنة من اميركا ومصر واتصل اوباما ثلاث مرات بالرئيس المصري لانجاز الهدنة التى انجزت ببنودها التالية:
1\أ-تقوم اسرائيل بوقف كل الاعمال العدائيةفي قطاع غزة برا وبحرا وجوا,بما في ذلك الاجتياح وعمليات استهداف الاشخاص .
ب-تقوم الفصائل الفلسطينيةبوقف كل الاعمال العدائية من قطاع غزة تجاه اسرائيل بما في ذلك اطلاق الصواريخ والهجمات عبرالحدود.
ج-يتم فتح المعابر وتسهيل حركة الاشخاصوالبضائع وعدم تقييدحركة السكان او استهدافهم في المناطق الحدودية.ويجري التعامل مع اجراءات تنفيذ ذلك بعد 24 ساعة.
د- سيتم مناقشة قضايا اخرى في حال استدعت الحاجة.
2-الية التنفيذ.
أ-تحديد ساعة الصفر لدخول بنود التهدئة حيز التنفيذ.
ب-ينبغي ان تحصل مصر على ضمانات من كل طرف للتنفيذ.
ج-يلتزم  كل طرف بعدم القيام بأي افعال من شأنها نقض هذه التفاهمات وفي حال وجود اية ملاحظات يتم الرجوع لمصر باعتبارها راعية التفاهم كي تتابع التطورات.
فبمقتضى هذه الهدنة يكون نتنياهو قد خسر الحرب (رغم انجازه الوحيد باغتيال احمد الجعبري) بخسارته تفوق الردع الاسرائيلي ,وبتسليمه بسيطرة حماس على غزة .وبمنع اجتياحها والتعدي عليها لابرا ولا بحرا ولا جوا والتزم بعدم استهداف الاشخاص فيهاوبقواعد الاشتباك الجديد.فنتنياهو الذي طالب الناخب الاسرائيلي بتأييده لانه قويويحمي امن اسرائيل وسيقضي على حزب الله وسيضرب ايران النووية,عجز واستسلم امام حماس ,فمن عجز امام غزة هو حكما عاجز امام حزب الله وايران .فكيف سينتخبه مجددا الناخب الاسرائيلي .وبالتالي يضمن اوباما خسارة نتنياهو في الانتخابات المقبلة,وازاحته عن قيادة الكيان الغاصب لانه رافض للتسوية ولانه دعم رومني للوصول الى البيت الابيض وحقر اوباما في الانتخابات الاميركية الاخيرة.لقد انغلقت منذ سنوات وبعد حرب تموزتحديدا  الفرص العسكرية امام اسرائيل فلم تعد تقاتل جيوشا عربية كلاسيكية تنتمي الى العالم الثالث فتنتصر عليه بتفوقها العسكري باحدث تقنيات الاسلجة الاميركية .بل اصبحت تقاتل مقاومة مسلحة تسليحا متوسطا مع صواريخ تطال عمق الاراضي المحتلة لكنها معقدنة محتضنة شعبيا وتمتلك حب الشهادة مما يجعل اسرائيل خاسرة  سياسيا دائما رغم تفوقها العسكريفبل ان تبدء القتال .ورغم خسارة نتنياهو حرب غزة الا ان دولة الاحتلال تستريح بمقتضى الهدنة من وطأة الكتلة السكانية لقطاع غزة فتنفتح امامها سيناريوات عدة لقضم ماتبقى من اراضي الضفة الغربية ,اوتقديم الخيار الاردني لترحيل فلسطينيي 48 ,وقد تكون تظاهرات الاردن الاخيرة والمطالبة باسقاط الملك تاتي ضمن هذا الخيار.
وبمقتضى الهدنة ربحت حماس توازن الرعب والردع مع العدو ووضعت قواعد اشتباك جديدة (تل ابيب مقابل غزة).وربحت  نجاح مشروعها في دولة غزة , حيث تتجسد القضية الفلسطينية  فيها ونالت اعترافاً دولياً بقيادتها لها لان وزيرة خارجيةاميركا رعت الاتفاق وايدته روسيا ومعظم الدول .وانكسر الحصار عن غزة وفتحت المعابرالى مصر بمقتضى الهدنةوبرعاية مصرية.ولكن وبكل اسف لم يعد الافق السياسي للفلسطينيين ممثلآ في تحريركل فلسطين ولا حتى  قيام دولة على حدود1967  خاصة بعد سيطرة حماس على غزة والخلاف مع فتح والفصل الجغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة.اصبحنا امام فلسطينين, واحدة في غزة كرست وجودها بجدارة وصمدت امام الحصار والغزو طيلة ست سنوات وحققت هذا الانجاز الاخير .وفلسطين اخرى في الضفة الغربية بقيادة محمود عباس يديرها اداريأ دون سيطرة او حكم فعلي .لقد خسر محمود عباس كل رهاناته السياسية وبات لزوم ما لايلزم .وكي لايتبدد الحلم الفلسطيني وتتفرغ اسرائيل لقضم ما تبقى من الضفة الغربية بسياسة الاستيطان, وكي لا تذبح قضية فلسطين على مذبح الحسابات الاقليمية . يجب ان تترسخ الوحدة الوطنية الفلسطينية تحت عنوان المقاومة ويجب تبني هذه الوحدة والعمل لانجازها لاان تبقى شعارات يحكى بها لرفع العتب لان الوحدة الفلسطينية تحت عنوان استمرار المقاومة حتى تحربر كامل تراب فلسطين هي  قدر لا خيار.
وبمقتضى الهدنة ايضا بات محمد مرسي هو اكبر الرابحين,فاعطي لمصر (الاخوان المسلمين)رعاية هذا الاتفاق وضمان تنفيذه واحتضان غزة وحمايتها,وبهذا يسحب ملف فلسطين من ايران ومحور الممانعة ويسلم لمصر التى كانت تعير من عرب الممانعةلانها هي وتنظيم الاخوان المسلمين تؤجل تنكب دورها العربي والاقليمي حتى تتمكن من الحكم. لم يعد خيار محاصرة غزة مطروحا امام الحكم الجديد في مصرلان حماس هي الفرعالفلسطيني للاخوان المسلمينوانتصار مشروعها في غزة هو انتصار لمشروع تنظيم الاخوان يستطيعون تسويقه بانهم انتزعوه انتزاعا من اسرائيل وهو يؤمن الحرية لسكان غزة ويلغي عنها الحصار.والرئيس مرسي بحاجة الى تسويق الهدنة في داخل مصر نظرا الى تزايد المخاوف الشعبية من فقدان السيطرة على سيناء والوعي بعدم قدرة مصر على الدخول في مواجهة عسكرية نظرا لعدم جاهزيتها ولوضعها الاقتصادي الصعب واعتمادها على المساعدات الاميركية.ويستطيع ايضا الرئيس مرسي ترجمة هذه الهدنة الى مكاسب خارحية عبر شراكة متميزة مع اميركا عبر تقديم نفسه (عرابا للحل وعرابا للهدنة ) رغم علمه ان التحالف الاقليمي المشكل معني باجتراح حل سياسي لغزة فقط وليس للقضية الفلسطينية لهذا كان استعجال امير قطر واردوغان لزيارة القاهرة ولقاء مرسي لاخراج الحل بشكل يضمن تسوية تعطي الحرية لسكان غزة ضمن هدنة طويلة بين حماس ودولة الاحتلال.
 يصب ما يجري في غزة في السياق الاقليمي الاوسعارادت حماس ام لم ترد.والمنطقة يتجاذبها محوران ,محور الاعتدال العربي الذي راهن على منطق الحوار مع العدو لاستجداء التسوية السلمية  بعد ان اسقط خيار المقاومة ووضع كامل اوراقه في السلة الاميركية ووضع العداء للفرس اولوية تتقدم على اسرائيلالتي اقاموا التطبيع الكامل معها .ومحور الممانعة والمقاومة الذي رفض منطق الحوار مع العدو لتحرير الارض وابقي خيار المقاومة  وقد نجح في لبنان والعراق وغزة.وبات واضحا ان فشل محور الاعتدال العربي في الوصول الى حل للقضية الفلسطينية من اهم العوامل التي اعطت محور الممانعة بقيادة ايران هذا الدفع الكبير.وبالتالي يصبح اجتراح تسوية اوهدنة للوضع في غزة برعاية اخوانية اولوية اقليمية تلتقي عندها مصالع كل محور الاعتدال من الخليج الى تركيا وصولا الى واشنطن.وفي هذه الحالة ستسمح هذه الهدنة بتصميم ترتيبات افليمية جديدة وتعويم سياسات مغايرة .ما يعطي محورالاعتدال المواجه لايران زخما افتقده طيلة السنوات الماضية.فمع خروج حماس بمقتضى الهدنة من معادلة المقاومة الفعلية لاسرائيل سيفقد محور الممانعة امتداده العسكري والسياسي والتحالفي مع الاراضي الفلسطينية ,وقد ضعف كثيرا بعد خروج حماس من سوريا في السنتين الاخيرتين . وعلى الرغم من ان حرب غزة الاخيرة قد خيضت بصواريخ وسلاح ايراني وبهذا تصبح ايران شريكة في النصر . الا ان سحب حركة حماس من المواجهة مع اسرائيل  سيسهل  محاولة دمغ محور الممانعة الذي تقوده ايران بصبغة طائفية زائفة واستغلاله لاضعاف التعاطف معه في العالم العربي.وبالقراءة السياسية للمنطقة في العقدين الماضيين نستنتج انه كلما ارادت اميركا عزل ايران وتحالفاتها في المنطقة ,كلما اطلقت عملية السلام بين الفلسطينين واسرائيل بغض النظر عن نتائجها .وكلما تعنتت اسرائيل ورفضت التسوية, كلما ارتفعت اسهم حركات المقاومة ومحور الممانعة وتراجع محور الاعتدال وتردى النفوذ السياسي والمعنوى للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.
تبقى ايران الرابح الاكبر بهذه الحرب لانها خيضت بسلاحها ,فلولا الصواريخ الايرانية لما تحقق هذا النصر ولما استطاعت المقاومة ان تقيم توازن الردع والرعب مع العدو .واختبرت ايران القبة  الحديدية الاسرائيلية واظهرت  هشاشتها واثبتت عبرهذه الحرب ان اسرائيل هي نمر من ورق. لقد كانت حرب غزة حرب اختبار لما ستكون عليه الحرب المقبلة ان حدثت بين اسرائيل وايران ,واستطيع ان اجزم ان حرب غزة الغت حتى التفكير بها. لقد حجزت ايران موقعاًكبيراً لهاعلى خريطة الشرق الاوسط الجديد وبات حضورها ساطعاً بقوة من العراق الى سوريا الى لبنان الى غزة والى الخليج , واصبحت الحاضر الاول في اي تسوية او ترتيبات قد تحدث في المنطقة.
لقد ارجأت هيلاري كلينتون وزيرة خارجية اميركا اعلان التهدئة 24ساعة حتى وصلت الى المنطقة كي تعلن التهدئة بحضورها للدلالة على ان اوراق الحل والربط السياسي في المنطقة لاتتم بدون اميركا .فهل تكون التهدئة في غزة برعاية اميركية  بداية في سياق اخراج الحل الاقليمي والتسوية في المنطقة وفق التفاهمات  الاميركية الروسية التي كتب الكثير عنها,بعد ان اصبحت الحرب في سورية لاتحتمل التأجيلوتهدد استقرار المنطقة برمتها.
                                            رياض عيد

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net