Tahawolat
يتساءل البعض عن الموقف الروسي، مما يدور في سوريا وما هو السر الذي يدفع موسكو إلى هذا الدعم الكبير ومعاداة العالم دعماً للنظام السوري. ولماذا استعملت روسيا حق النقض «الفيتو» ثلات مرات مع الصين ضد أي قرار غير مقنع لروسيا ، ويبدو أن غير المقنع لروسيا هو ما يرفضه النظام السوري. فما هو شكل هذا التحالف بينهما وهل يمكن بأي تسوية دولية أن تتخلى روسيا عن النظام السوري إذا أخذت المصالح الروسية بعين الإعتبار؟....
التحالفات بين الدول تقوم على المصالح ، فلا بد من معرفة المصالح الروسية في سوريا وموقع سوريا والشرق الأوسط في الإستراتيجية الروسية حتى نستكشف مبررات الموقف الروسي الثابت بدعمه سورية في أزمتها الراهنة.
  يُحكى أن القيصر الروسي بطرس الأكبر ( وهو من أعظم القياصرة الروس) قال منذ 400 عام : إذا أرادت روسيا أن تبقى أمة قوية عظيمة، عليها أن تحقق ثلاثة شروط في سياستها الخارجية :
1- عليها أن تصل إلى المحيط الهادي حتى لو اضطرت إلى الصراع مع الإمبراطورية الفارسية.
2- عليها أن تصل إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط حتى لو اضطرت إلى تقويض الإمبراطورية العثمانية.
3- عليها أن تقيم أفضل العلاقات والتحالفات مع سوريا ( الهلال الخصيب في ذلك العصر) نظراً لموقع سوريا الجيواستراتيجي كعقدة طرق بين ثلاث قارات ، آسيا ، أوروبا، وأفريقيا.
أ-  تعتبر سوريا أهم حليف استراتيجي لروسيا في المنطقة نظراً لحجم مصالحها فيها خصوصاً أن روسيا تدير جزءاً من سياستها الخارجية في الشرق الأوسط من خلال سوريا وهي لن تسمح بخسارة هذه المصالح وترك الساحة للمخططات الأميركية الأوروبية. فخسارتها لسوريا خسارة لا تعوض وتمثل نهاية لوجودها في الشرق الأوسط مما يحولها من دولة عظمى إلى دولة إقليمية أو عادية.
ب- تمثل سورية قاعدة مهمة للمصالح الإقتصادية والعسكرية الروسية ، فهي أكبر مشتري للأسلحة الروسية في المنطقة حيث تأتي في المرتبة الخامسة بين 80 دولة تشتري السلاح الروسي. وتمثل الأسلحة الروسية ثلثي تسليح الجيش السوري. واستطاعت روسيا إعادة بناء وتطوير علاقاتها مع سورية خلال السنوات العشر السابقة من خلال قطاعات الطاقة والتعاون العسكري والتعاون التقني في المجالات الصناعية والتنموية ، حيث بلغت قيمة الصادرات الروسية إلى سوريا 1.2 مليار دولار عام 2010 ووصل الإستثمار الروسي إلى 20 مليار دولار في نفس العام بالإضافة إلى 4 مليار دولار في مجال التسلح.
فموافقة الرئيس السوري “على تحويل ميناء طرطوس لقاعده ثابتة للسفن النووية الروسيه” كلفت روسيا شطب معظم الديون السوريه، اضافه لصفقه اسلحه روسيه الى سوريا تتمثل في شراء سوريا “بالتقسيط او الدين” : “طائرات ميج 29
 مقاتلة ونظم بانتسير اس1 اي الدفاعية ونظم صواريخ SMT
اسكندر الدفاعيه، وطائرات ياك 130، وغواصتين من طراز امور 1650
 هذا بالإضافة إلى العقود الموقعة مع سوريا في مجالات التنقيب عن النفط والغاز. فخسارة سوريا تعني خسارة هذه العقود.
ج- تخشى روسيا أن سقط النظام في سوريا من خسارة القاعدة البحرية في مدينة طرطوس الساحلية. وهي القاعدة الوحيدة على المتوسط وخارج أراضي الإتحاد السوفياتي في السابق. ولهذه القاعدة بعد استراتيجي كبير لأنها محطة التموين الوحيدة للأسطول الروسي في المتوسط ، وخارج روسيا. ولأنها كما وصفها الأميرال الروسي أيغور كاساتونوف بأنها تمنح القوات الروسية الوصول السريع إلى البحر الأحمر والمحيط الأطلسي. وفي احدث تصريحات المسؤولين الروس في 25 يونيو الماضي، قال القائد العام للقوات البحريه الروسيه الفريق فيكتور تشيركوف في تصريح لوكاله الانباء الروسيه “نوفوستي” ان روسيا لا تعتزم التخلي عن قاعدتها البحريه العسكريه في ميناء طرطوس السوري، مؤكداً ضروره استمرار عمل هذه القاعده التي تقوم بامداد وصيانه السفن الروسيه الموجوده في البحر الابيض المتوسط والبوارج الحربيه التي تشارك في مكافحه القرصنه في خليج عدن او المحيط الهندي.
من جهه ثانيه ذكرت صحيفه “نيزافيسيمايا” الروسيه يوم 18 يونيو 2012 في تقرير لـ سيرغي كانوفالوف بعنوان “الجيش الروسي سيحمي القاعده البحريه في الشرق الاوسط”، “ان القياده الروسيه ارتكبت الكثير من الاخطاء في السابق عندما تركنا القاعده البحريه في فيتنام للامريكيين، وتركنا كوبا، ومنشات عسكريه في البلقان خاصه المطار العسكري في “يوغوسلافيا”، كما خسرنا القدره على الحصول على قاعده عسكريه في ميناء طرابلس بليبيا رغم اننا لم ندعم نظام معمر القذافي في ليبيا، لذا على الاقل يجب ان تبقى لنا قاعده طرطوس !! (نقلا عن الدكتور في علوم التاريخ والخبير العسكري فلاديمير بوبوف).
 وقد زادت أهمية هذه القاعدة بعد نشر أميركا والأطلسي للدرع الصاروخي في تركيا واذي تعتبره موسكو موجها ضدها وأحد هواجس أمنها القومي. فقاعدة طرطوس تصبح خلف الدرع الصاروخي الأطلسي في تركيا وتفقد مفعوله.
د- موقع سوريا الجيواستراتيجي في المنطقة ودورها الإقليمي حيت تنظر روسيا بجدية  واهتمام كبيرين إلى هذا الدور وموازين القوى في الشرق الأوسط بشكل عام وترى أن دمشق تلعب دوراً كبيراً وفعالاً في حفظ هذه الموازين ، وترى أن السياسة الخارجية السورية على المستوى الإقليمي والدولي هي من أفضل السياسات وأكثرها اعتدالاً في المنطقة، وهذا ليس لمصلحة روسيا فقط ، بل لمصلحة الجميع. وإن أي تغيير في هذه السياسات سيحدث اضطرابات وتوترات وقلاقل حادة في المنطقة على مختلف الجبهات. وترى موسكو أن الجميع متأثروخاسر من سقوط النظام في سوريا لأن الفوضى ستعم المنطقة. لذلك طلبت من مجلس الأمن التعامل مع الأزمة السورية بحذر شديد ودون تسرع كي لا يتدهور الوضع وتعم الفوضى.
ه- تخشى روسيا إن وصل الوضع في سوريا إلى الحرب الأهلية سيدفع سوريا والمنطقة إلى التقسيم وهذا ما تعمل عليه إسرائيل والغرب ودول الخليج نظراً لوجود أقليات كثيرة في سوريا ودول الجوار وتأثر هذه الدول بما يحدث في سوريا  ، وبالتالي سقوط النظام سيفتت سوريا والمنطقة إلى كيانات مذهبية متنافرة.
في روسيا 20 مليون مسلم من أصل 120 مليون نسمة متواصلين ومتحالفين مع 22 مليون مسلم في الجمهوريات المسلمة المحيطة بروسيا التي تورد لها اليد العاملة الرخيصة. روسيا بوتين تعمّق تحالفها مع الكنيسة الارثوذكسية مما يرفع منسوب المعارضة الإسلامية.
وانتصارما يسمى الربيع العربي الإسلامي في سوريا سينقل عدوى هذا الإنتصار إلى الجمهوريات الإسلامية في الإتحاد السوفياتي سابقاً  (أذربيجان وأوزبكستان وقزغيزيا) في القوقاز ، وقد يحفز الإنفصاليون للإنفصال عن روسيا كما حصل في الشيشان. وتفيد بعض المعلومات في الآونة الأخيرة أن تنظيمات أنشأها مبعوثو «الإخوان المسلمين» قد تم اكتشافها في 49 منطقة من روسيا ، وكذلك في بلدان رابطة الدول المستقلة. أما الهدف الرئيس لهذه التنظيمات في روسيا فهو تأجيج النزعات الانفصالية في « المناطق الإسلامية»  وحشو رؤوس العامة بأفكار تدعو إلى إقامة كيانات من النمط الإسلامي ضمن ما يسمى «الخلافة الإسلامية الكبرى». ويقدم مبعوثو «الإخوان المسلمين» دعما إيديولوجيا وعسكريا وماليا للمسلحين في شمال القوقاز. ولا بد من الإشارة إيضا إلى أن هذه العمليات كافة تفضي إلى إخراج روسيا من الجنوب الذي وجدت فيه منذ بضعة قرون سعيا منها  للحصول على منفذ إلى البحار الجنوبية.
 القيصر بوتين أبلغ كل مَن التقاه أنّ على الجمعيات والمجموعات الإسلامية خصوصاً من الدول العربية وعلى رأسها قطر وقف كل مساعداتها الى الشيشانيين وسياسة بناء الجوامع والمدارس الدينية في الجمهوريات في اطار وقف تمدّد التشدّد والتطرّف الإسلامي الذي يهدّد الأمن القومي الروسي.
 و-  التحالف السوري الايراني ومعاهدة الدفاع المشترك بين سوريا وإيران تجعل 
 من سقوط نظام الرئيس الأسد سقوط ورقة قوة خارجية إقليمية مهمة لإيران مما سينعكس سلباً على حزب الله وبالتالي ستخسر إيران نفوذاً هاماً في منطقة الشرق الأوسط بوجه أميركا وإسرائيل ويضعف إيران في المنطقة والخليج العربي. وستكون إيران هي التالية بعد سقوط سوريا ، وهذا يفقد روسيا حليفاً قوياً ويؤثر على العلاقات والتفاهمات الروسية الإيرانية نظراً لدور إيران الإقليمي في الخليج العربي وبحر قزوين وسط آسيا.
س-  الموقف الروسي تجاه سوريا ليس من أجل المصالح فقط وليس تكفيراً عن ذنب 
ارتكبته موسكو بعدم رفضها القرار 1973 ضد ليبيا إذ خرج الأطلسي عن مضمون القرار وأسقط ليبيا ودمرها ، إنما يعكس بالفعل توجهات السياسة الخارجية الروسية على مختلف الأصعدة.
هذه السياسة التي عبر عنها وزير خارجيتها  سيرغي لافروف التي ترفض رفضا ً تاماً التدخلات الأجنبية في النزاعات والمشاكل الداخلية في الدول الأخرى ، وتعتبر هذا التدخل انتهاكاً وخرقاً لسيادة الدول ، كما ترفض روسيا سياسة فرض العقوبات التي يستخدمها الغرب تجاه الدول الأخرى وتعتبرها سياسة سلطوية مستبدة تمارسها الدول الكبرى الغنية تجاه الدول الفقيرة.
يبقى عامل أخير يعد مفصلياً لدفاع روسيا عن سوريا وهو أن الغاز بات يشكل مادة الطاقة النظيفة الأساسية لهذا القرن لأن نسبة تلوث الغاز للبيئة تشكل 10% مما يلوثه النفط. وأوروبا اتجهت إلى إعتماد الغاز كطاقة بديلة للنفط وسيتضاعف استهلاكها اكثرمن خمسة أضعاف في الأعوام القادمة, وهي تشتري 41% من استهلاكها للغاز من روسيا. وبعد أن بدأ مخزون  روسيا من الغاز يخف. وبعد محاولة أميركا محاصرة روسيا والصين بإبقاء السيطرة على مصادر الطاقة ( وهذا سنبحثه لاحقاً) ، أصبح الصراع على الغاز هو السمة التي تحكم التحالفات والعلاقات الدولية الراهنة، وبعد الإكتشافات النفطية الواعدة في حقلي ( ليفياتان وتامار) على الساحل الفلسطيني المحتل ، ومحاولة إسرائيل وأميركا وقطر والسعودية منافسة غاز بروم الروسي على الطاقة في أوروبا  باقتراح بناء خط أنابيب غاز العابر للأناضول(غاز نابوكو)؛ وهو ممر مخصص لنقل الغاز الطبيعي من أذربيجان عبر جورجيا وتركيا وصولاً إلى أوروبا مجانباً روسيا، طبيعياً. كبديل لغاز بروم. على ان يتصل به انبوب الغاز القطري المتصل  بانبوب الغاز الاسرإئيلي المصري ويمر عبر سوريا ليصل الى نقطة التجمع في تركيا.
  وبعد اكتشاف هيئة المسح الجيولوجي في اميركا  USGS  ان الساحل الشرقي للمتوسط، أي الساحل السوري اللبناني الفلسطيني يحتوي على مخزون هائل من الغاز تقدر قيمته ب 700 مليار  متر مكعب إضافة إلى النفط ، وبعد اكتشاف حقل غاز في منطقة قارة قرب حمص وتقدر كمية الغاز فيه 437 مليار متر مكعب ( وقد أخذت روسيا عقود التنقيب فيه). وبعد أن رفضت سوريا مرور خط غاز قطر الذي يحمل الغاز الإسرائيلي والمصري إلى تركيا لوصله بأنبوب نابوكو من أراضيها واستعاضت عنه بأنبوب غاز يمر من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان ليصل غاز هذه البلدان بالإضافة إلى غاز بحر قزوين بأنابيب السيل الجنوبي في غاز بروم، أصبحت سوريا هي عقدة أنابيب الغاز التي  تعتبر شرايين دماء القرن الحالي وبالتالي فإن من يسيطر على سوريا يتحكم بالقرن الواحد والعشرين إقتصادياً وسياسياً.
  لقد أصبح الصراع على سوريا صراعاً مصيرياً بالنسبة لروسيا وفرصة ذهبية لعودة روسيا للعب دورها كقوة عظمى في حلبة الصراع الدولي وفرض إيقاعها السياسي على العالم. وسوريا باتت في صميم الأمن الإقتصادي الروسي. فمن يراهن على تغير الموقف الروسي تجاه سوريا هو واهم ويراهن على سراب.
 لقد أيقظت معركة سوريا روسيا من سباتها العميق فاستفاق الدب الروسي ليعيد لروسيا مجدها ودورها القيادي على المستوى الدولي.  واستعجلت معركة سوريا دخول الصين حلبة المنافسة الدولية مع أميركا المفلسة العجوز  بعد أن كان متوقعاً عودة الصين إلى ساحة المنافسة الدولية إلى ما بعد 2015.
 لقد ربحت روسيا والصين المعركة الإقتصادية عبر حلف شنغهاي ودول البريكس. وتسعى الآن من خلال سوريا لكسب معركة كسر نظام الأحادية الإستقطابية في العالم لإقامة نظام عالمي جديد متعدد الاستقطابات، يرفض التدخلات الأجنبية في النزاعات الداخلية للدول، يرفض تسلط القوي على الضعيف ويحفظ سيادة الدول.
فهل ستنجح في ذلك؟
 

آراء القراء

1

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net