Tahawolat
ينشغل العالم منذ سنة وعشرة أشهر بالحرب الدائرة في سورية وعليها, وتتصدر الازمة السورية عنوان اي لقاء دولي او اقليمي يعقد. وتحتل هذه الازمة الخبر الاول في كل وسائل الاعلام بأنواعها المختلفة محلياً واقليمياً ودوليا. يتساءل المتابع لماذا هذا القدر من الاهتمام والاصطفاف الاقليمي والدولي في الازمة السورية, هل هذا الاهتمام نظراً لموقع سورية والهلال الخصيب الجيواستراتيجي كنقطة التقاء ثلاث قارات وعقدة طرق برية وبحرية وجوية تربط العالم، ام لان الدور الذي تلعبه سورية بهذا الموقع الاستراتيجي بات الحاجز الذي يفصل تركيا عن العالم العربي, ويقف عقدة كأداء بوجه ما يُسمى الربيع الاسلامي الاخواني وكيل المصالح الاميركية في العالم العربي, والذي تخوض اميركا عبره حربها على المجتمعات العربية وحرب المجتمعات العربية على نفسها, والذي بدلاً من العداء لإسرائيل بالعداء للشيعة انصياعاً للاوامر الاميركية بتمويل وتوجيه وكلائها في الخليج وتركية، ام لان سورية باتت خط الدفاع الاول عن الامن السياسي والاقتصادي الروسي والصيني والايراني, خاصة بعد ان اعتمدت سورية استراتيجية البحار الاربعة وطريق الحرير التي تلاقت مع استراتيجية الصين لكسر الطوق الاميركي عليها في مضيق ملقا, وبعد اكتشافات الغاز المؤكدة في سورية ولبنان ومياههما الاقليمية والتي أسالت لعاب المتصارعين على امتلاك الطاقة للتحكم بالقرن الحالي, ام لان سورية عقدة مواصلات الغاز وعليها يتوقف مصير غاز (نابوكو) وتركية واميركة وقطر لتحرير اوروبا من قبضة غاز (بروم) الروسية ومنافستها على امتلاك هذا السوق الكبير؟... لكل هذا, ولان سورية لم ترضخ لمشيئة اميركة والغرب, بل عملت مع ايران على تقويض السياسة الاميركية والاطلسية والاسرائيلية وافشلتها عبر دعم المقاومات في لبنان والعراق وفلسطين، استهدفت سورية بهذه الحرب الكونية التي تخاض على أرضها لإسقاطها وتفتيتها والمنطقة الى دويلات عرقية طائفية عبر تقسيم المقسم (سايكس بيكو) وبقية العالم العربي الى دويلات طائفية على اساس المذهب والعرق والطاقة لا على اساس سياسي، كما وصفها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل, وذلك لإكمال فرض هيمنة اميركا على المنطقة وإقامة الشرق الاوسط الجديد.
ولأن العالم يمر في لحظة تاريخية فاصلة بين نظامين, نظام عالمي جائر أحادي الاستقطاب (سقط الى غير رجعة) قادته اميركا والحلف الاطلسي بعد انهيار الانحاد السوفياتي السابق للسيطرة على الكون, أورث العالم كوارث وحروباً ودماراً هائلاً وازمة اقتصادية مالية بالغة الدقة أوصلت أميركا إلى حجم دين عام مقداره 16.330 تريليون دولار، أي بنسبة 109.6% من ناتجها الإجمالي وافلست العالم الرأسمالي ولا تزال تداعياتها ماثلة من دون حل، ونظام عالمي جديد قيد التشكل تقوده روسيا والصين ومن خلفهما منظمة شنغهاي للتعاون ودول مجموعة البريكس التي تمثل نصف سكان العالم, مدفوعة بقوة اقتصادية واحتياط نقدي هائل وبمعدل وسطي للنمو تجاوز الـ8%. وقد اتخذ هذا المحور الازمة السورية منصة لإسقاط نظام الاحادية القطبية وفرض حضوره وإيقاعه السياسي بقوة على المسرح السياسي العالمي عبر ثلاثة فيتوات مزدوجة في مجلس الامن حماية لسورية من التدخل الخارجي ودفاعاً عن مصالحه في المنطقة.
ولأن ثمة انتقالاً لمركز الثقل الاقتصادي والسياسي من الغرب الى الشرق وتحديداً الى جنوب آسيا, وما سيترتب عن هذا الانتقال من تبعات اقتصادية وسياسية وعسكرية، ولان موقع سورية الجيواستراتيجي كبوابة آسيا الى اوروبا, وهي واحدة من أهم مناطق التداخل بين القوى البرية والبحرية، والقوى الجوية في العالم بل تشكل جزءاًً حساساًً للغاية من منطقة مصير العالم التي طرحها المارشال الكسندر دوسيفرسكي عن القوى الجوية عندما قال: «إن المنطقة العربية هي المعبر الذي يربط قارتي آسيا وأفريقيا وأوروبا، وهي مفتاح الدفاع الجوي عن قارتي أفريقيا وأوروبا»،
لهذا تداخلت كل الملفات المحلية والعربية والإقليمية والدولية في سورية وبات الحل معقداً ومركباً. وإن أي تفسير مبني على أن ما يجري الآن من أحداث في بلاد الشام بأنه نتيجة ثورة أو بسبب القمع الديناميكي الداخلي الموجود في سورية, ليس فقط تفسيراً خاطئاً بل هو تحريف حقيقي لما يجري على الأرض ويحمل في طياته مغالطات وتجاذبات سياسية متشعبة.  الأزمة السورية هي أول وأهم واخطر أزمة من نوعها في العصر الحديث وتشكل مرحلة متقدمة في مشروع "الشرق الأوسط الجديد" لرسم خرائط جديدة للمنطقة على أساس اثني مذهبي تفتيتي لإشعال الفتنة السنية الشيعية والسيطرة على منابع ومسارات الغاز، وقد تؤدي ايضاً إلى نشوب أول حرب غاز في العالم التي على نتائجها يتقرر من سيتحكم بمصير هذا القرن. وتسير باتجاه القضاء على محور المقاومة عبر إسقاط (واسطة العقد سورية) بما تمثل كحاضنة وداعمة وكعمق استراتيجي للمقاومة. في الواقع الشيء المهدد بالخطر في سورية ليس كيف سيستطيع الرئيس بشار الأسد إحلال مبادئ الديمقراطية وتداول السلطة في المؤسسات التي ورثها أو هل سينجح أمراء الوهابية في الخليج ومن خلفهم اميركا والغرب في القضاء على آخر حكومة علمانية في المنطقة ونشر الاسلام الوهابي, بل الخطر يكمن في تحديد الخطوط الفاصلة والمصالح بين ]منظمة شنغهاي للتعاون SCO [ بقيادة الصين وروسيا من جهة, واميركا والحكومات الجديدة التي شكلتها مع حلف الناتو في المنطقة العربية بعد ركوبهما حصان الاخوان المسلمين من جهة اخرى.
 ولكي نفهم ماذا يجري في سورية والى اين مآل هذه الازمة, علينا ان ندرس التداخل الدولي والاقليمي والعربي فيها وعليها, فالمنطقة يتجاذبها صراع عالمي على الطاقة منذ بداية القرن الماضي والقوى الكبرى المتنافسة على الموارد لا تهتم لحريات الشعوب ولا للديمقراطية وتداول السلطة بل تستغل هذه الشعارات لنهب خيرات الامم وتقسيمها والسيطرة عليها. وسورية اصبحت ساحة صراع عالمي، كما وصفها بان كي مون الامين العام للامم المتحدة والذي اعترف فيه ان الاحداث في سورية هي معركة بالنيابة بعد تداخل أخطر ملفات عالمية بها وحولها.
وهذه الملفات هي كالتالي:
 الاول: ملف الطاقة العالمي (الغاز) مصادره وطرق إمداده.
الثاني: معركة التحدي بين روسيا واميركة على الغاز والقواعد العسكرية, والصراع على القرن الجديد وملف النزاع على المناطق الاستراتيجية العالمية كوسط آسيا والبحار الاربعة والمضائق والبحر الابيض المتوسط والدول المطلة عليه.
الثالث: معركة التحدي الصيني - الاميركي على الاقتصاد والطاقة وطريق الحرير والنظام العالمي الجديد والمحيط الهادي.
الرابع: الملف النووي الايراني ودور ايران الاقليمي وامن الخليج ومسارات الطاقة.
الخامس: التدافع بين ايران وحلفائها والسعودية وقطر وحلفائهما على دور ومستقبل المنطقة.
السادس: ملف الصراع التركي - السوري (حزب العمال الكردستاني) و"الأحلام" العثمانية المتجددة.
السابع: ملف الصراع بين سورية وحزب الله من جهة وإسرائيل من جهة اخرى.
الثامن: الربيع الاسلامي العربي الاميركي والنزاع الطائفي في العالم العربي والاسلامي وتحدياته وملف القاعدة والجماعات المتطرفة .
 هذه الملفات المفصلية والمعقدة والمستعصية اصبحت كلها لاعبة وحاضرة ومطروحة على نسب مختلفة في كل ابعاد الازمة السورية وتداعياتها بطريقة لم يشهد لها مثيل في العالم منذ انتهاء الحرب الباردة بين القطبيين العالميين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الاميركية حتى الآن. والتي على حلها يتوقف مصير سورية والمنطقة ورسم خرائطها الجغرافية, ومصير القرن الـ 21.
سنحاول في هذا المقال الإضاءة على ملف الطاقة العالمي (الغاز) مصادره وطرق إمداده ودوره في الحرب الكونية التي تدور في سورية عليها.
بعد انعقاد قمة الارض في ريوديجينيرو العام 1992 وبحث اسباب الاحتباس الحراري وثقب طبقة الاوزون, اعتبر المؤتمرون ثاني اوكسيد الكربون مسؤولاً عن حوالي 45% من هذه الظاهرة بسبب استعمال النفط والفحم  (CO2) ودقوا ناقوس الخطر وطالبوا العالم بوقف التلوث الناتج عن استعمال النفط كوقود للمصانع والسيارات ولتوليد الكهرباء وطالبوا بالتفتيش عن طاقة نظيفة صديقة للبيئة. وبعد اشهر من العام نفسه عقد مؤتمر كيوتو في اليابان وأخذ بتوصيات قمة الارض واتفق المؤتمرون على استبدال استعمال البترول بالغاز الطبيعي والطاقة المتجددة, لأن الغاز يكاد ان يخلو تماما من ثاني اوكسيد الكربون (3%) . في العام 1994 حين قرّر الاتحاد الأوروبي إلزام نفسه باتفاقية كيوتو ونتائج قمة الأرض في ريوديجينرو التي عُقدت قبل عامين من هذا التاريخ، وبسبب التطور الصناعي الهائل في الصين والهند واعتمادهم على الغاز كطاقة بديلة. بدأت تتغيّر خرائط الطاقة في العالم. فالطلب العالمي على مصادر الطاقة الأولية من المتوقع أن ينمو بقوة على مدى العقدين المقبلين نظرا لتوقعات زيادة النمو الاقتصادي بنسبة 3% وزيادة تعداد السكان في العالم بحوالي 1,700,000,000 نسمة. ومن المتوقع أن يلعب الغاز الطبيعي دوراً مهماً في تلبية جانب مهم من هذا الطلب المتزايد على الطاقة. وفي هذا الجانب أصدرت وكالة الطاقة الدولية العام 2011 تقريراً خاصاً عن توقعات الطاقة العالمية بعنوان ''هل نحن ندخل العصر الذهبي للغاز؟''، ويرتبط التقرير تحديداً بالاستخدامات الحالية والمستقبلية للغاز الطبيعي .
ووفقاً لسيناريو وكالة الطاقة الدولية الجديد، يمكن أن يصبح الغاز الطبيعي ثاني أكبر مصدر للطاقة في العالم، حيث إن الطلب العالمي على الغاز من المتوقع أن ينمو بنسبة تزيد عن 60 % بحلول العام 2035 وسيكون هذا النمو على حساب النفط والفحم. هذا بالإضافة الى تحسن تكنولوجيا توربينات الغاز وارتفاع كفاءة الدورة المركبة في توليد الكهرباء بالغاز الطبيعي الذي جعل منه المصدر المفضل لتحسين الكفاءة ووصولها الى 60% بالمقارنة بأعلى كفاءة لتوليد الكهرباء اعتمادا على الفحم والبالغة 47%. وسيزيد الطلب على الغاز كثيرا حين يتوسع استعماله فى قطاع النقل, رغم ان التوسع في استهلاك الغاز في هذا قطاع لا يزال بطيئا جدا الآن على الرغم من مزاياه المفضلة بالمقارنة بالغازولين والديزل, حيث هناك فقط 12 مليون سيارة في العالم تستعمل الغاز وتستهلك 20 (ب.م.م) في السنة اي اقل من واحد في المئة من مجموع استهلاك وقود النقل, والتوقعات ان يصل عدد السيارات التي تستعمل الغاز العام 2035 الى 70 مليون سيارة.
فالتزام اوروبا باتفاقية (كيوتو) جعلت أهمية الغاز الطبيعي تسير بسرعة لأنه "مصدر نظيف للطاقة" وهو الأمثل لاستبدال محطات توليد الكهرباء العاملة على الفحم والطاقة النووية في الإتحاد الأوروبي، وخاصة بعد القرار الألماني بالتخلص من المحطات النووية بعد كارثة فوكوشيما. ولأن الغاز مصدراً أكثر صداقة للبيئة من جهة إنبعاث الكربون. اصبح استعماله السبيل الواقعي الوحيد أمام حكومات الاتحاد الأوروبي، من ألمانيا إلى فرنسا إلى إيطاليا إلى أسبانيا، لتلبية شروط تخفيض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون الإجبارية بنسبة اقلها 20% بحلول العام 2020 وفق توصية منظمة الطاقة العالمية. وهو تحول كبير نحو استهلاك الغاز بدلاً من الفحم, اذ يقلل الغاز من انبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50-60 % مقارنة بالفحم. ونظراً لكون التكلفة الاقتصادية لاستخدام الغاز بدلاً من طاقة الرياح أو أي مصدر بديل للطاقة هي أقل بكثير، يرتقي الغاز بشكل متسارع ليصبح مصدر الطاقة الرائج في الاتحاد الأوروبي، أكبر سوق ناشئ للغاز في العالم.
وكذلك زاد الطلب على الغاز لأن استراتيجية خطة تنمية الطاقة في الصين للأعوام 2011 - 2015، تعكس تحولاً في السياسة يهدف إلى إعطاء دور أكبر للغاز الطبيعي في مزيج الطاقة في الصين. والخطة الصينية الخمسية الـ 12 لتطوير قطاع صناعة الطاقة تركز على التنظيم الهيكلي لقطاع الطاقة، تحسين كفاءة استخدام الطاقة, وخفض الانبعاثات وبذل مزيد من الجهد في تطوير الطاقات النظيفة، وهذا ينطوي على زيادة نسبة الغاز في مزيج الطاقة إلى 8.3 في المائة بحلول العام 2015 مقارنة بـ 5.3 في المئة في الخطة السابقة. في هذا الجانب تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يصل استهلاك الصين من الغاز إلى 247 مليار متر مكعب بحلول عام 2015 وإلى 634 مليار متر مكعب في العام 2035 من 85 مليار متر مكعب في العام 2008.
 وستستمر الصين في استيراد أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي بحلول العام 2035، على الرغم من أنها من المتوقع أن تصبح واحدة من أكبر منتجي الغاز في العالم.
وفي هذا الجانب يشير تقرير وكالة الطاقة الدولية إلى أن تجارة الغاز في العالم ستنمو أكثر من الضعف، وإن الزيادة في الطلب على الغاز بمقدار 620 مليار متر مكعب سيتم تزويدها بصورة متساوية تقريبا عبر خطوط أنابيب الغاز وعن طريق شحنات الغاز الطبيعي المسال. وإن الإنتاج السنوي العالمي من الغاز الطبيعي من المتوقع أن يزداد بمعدل 1.8 تريليون متر مكعب بحلول العام 2035، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف الإنتاج الحالي من الغاز الروسي.

ولأن النفط اصبحت مادة مستنفدة، حيث تشير توقعات وكالة الطاقة الدولية الى أنها ستبدأ بالنضوب العام 2040 وستنتهي العام 2065 . ولان احتياطات الغاز الحالية تكفي لـ120 عاما في مستوى الاستهلاك الحالي, اما جميع الاحتياطات القابلة للانتاج قد تزيد على 250 سنة وهذا وفق الوكالة نفسها. ولان اوروبا تعتمد على الغاز الروسي كمصدر اساسي للطاقة بغياب اي مصدر بديل منافس, ولان الترتيب العالمي للغاز كان يتأرجح بين روسيا وتركمانستان واذربيجيان وجورجيا وإيران وقطر، وباتت الدراسات تتحدث عن ترتيب جديد يقرّه واقع المخزون الاستراتيجي الجديد حيث أولاً روسيا: (في حوض غرب سيبيريا باحتياطي يُقدّر بـ643 تريليون قدم مكعب) وثانياً الربع الخالي (426 تريليون قدم مكعب) + حقل غوار الكبير شمال شرق السعودية (227 تريليون قدم مكعب)، وثالثاًً غاز البحر الأبيض المتوسط 345 تريليون + 5.9 مليار برميل من الغازات السائلة + 1.7 مليار برميل من النفط، وجلّ ذلك في سورية، حيث تتحدّث دراسات أخرى عن أن ما يُرى في البحر المتوسط مركزه في سورية وأن اكتشاف حقل "قارة" قرب حمص بما يحقق 400 ألف متر مكعب يومياً وبمخزون يقدر بـ(437 م م مً) قد حسم أمر واقع ثراء سورية بالطاقة وصولاً إلى إعطائها المرتبة الأولى، ورابعاً حزام حقول الغاز على امتداد الخليج العربي (حزام زاغراوس) من إيران إلى العراق (212 تريليون قدم مكعب) .
ولان انتقال الغاز إلى البحر المتوسط يستوجب المرور عبر سورية كما أن اختيار إيران طريق العراق ثم سورية فالبحر المتوسط لنقل الغاز وفق الاتفاقية التي عقدتها مع الرئيس الاسد العام 2011 بتكلفة 10 مليارات دولار ويبدأ ضخ الغاز بعد ثلاث سنوات, قد أطاح مشروع الأميركيين (غاز نابوكو العابر للأناضول وهو ممر مخصص لنقل الغاز الطبيعي من أذربيجان عبر جورجيا وتركيا وصولاً إلى أوروبة مجانباًً روسيا), وأطاح ايضا ربط مشروع الغاز العربي الذي ينقل الغاز القطري والمصري والإسرائيلي من الاردن عبر سورية الى تركية لوصله بانبوب نابوكو. وثبت مشروعي السيل الشمالي والجنوبي الروسيين مع ما يضاف لهما من استثمارات في شرقي المتوسط كأولوية على حساب الأميركيين والغرب في تنافس على قسمة دولية سيتعين على اساسها من يتحكم بالقرن الـ21 سياسيا واستراتيجيا، حيث ينحسر الاستثمار الأميركي في اسرائيل وقبرص وهم يلهثون وراء الغاز والنفط اللبنانيين بعد ضياع فرصة الغاز السوري.
 ولان الغاز فعلياً مادة الطاقة الرئيسة في القرن الواحد والعشرين سواء من حيث البديل الطاقي لتراجع احتياطي النفط عالمياًً أو من حيث الطاقة النظيفة. ولهذا، فإن السيطرة على مناطق الاحتياطي (الغازي) في العالم يعتبر بالنسبة للقوى القديمة والحديثة أساس الصراع الدولي في تجلياته الإقليمية.
فالنفط والغاز العربي حلم أميركي قديم ـ جديد. واميركا مسيطرة كلياً على نفط الخليج عبر قواعدها العسكرية واساطيلها المتواجدة في المنطقة, وحروب العراق وأفغانستان وليبيا وسورية تندرج تحت عنوان تحقيق هذا "الحلم".
وللتأكد من ذلك وبعد التفتيش في ملفات المسؤولين الأميركيين ندرك الأسباب الكامنة وراء الحروب الطويلة التي خاضتها واشنطن على امتداد العقدين الماضيين. وفي عودة سريعة إلى تصريحات من كانوا في سدة القرار الاميركي إبان الحروب، نرى ان سببين يتكرران دائماً في اسباب كل حرب، سراًً وعلناًً وهما: (النفط والغاز الطبيعي).
الحرب الأميركية على العراق كان سببها النفط. كلام آلان غريسبان وجون ماكين وجورج بوش وسارة بالين ومسؤولي مجلس الأمن القومي وغيرهم يثبت ذلك. ديك تشيني، نائب الرئيس الأميركي السابق جورج بوش، اعتبر حقول النفط العراقية أولوية في مجال الأمن القومي الأميركي حتى قبل أحداث 11 أيلول. وتؤكد «صنداي هيرالد» نقلاًً عن مسؤولين أن واشنطن كانت تحشد قبل خمسة أشهر من 11 أيلول لاستخدام القوة ضدّ العراق بغاية تأمين حقول النفط.
 وتؤكد «بي بي سي» نقلاً عن مسؤول باكستاني رفيع المستوى كشف أن مسؤولين أميركيين أكدوا له في منتصف تموز العام 2001 أن الحملة على أفغانستان ستبدأ في منتصف تشرين الأول من العام ذاته. وهو واقع أثبتته قناة «أن بي سي» الأميركية نقلاًً عن مسؤولين أميركيين أكدوا أن بوش كان يخطط للمصادقة على خطط مفصلة لخوض حرب عالمية ضدّ «القاعدة» قبل يومين من اعتداء 11 أيلول. ووفقاً لمسؤولي استخبارات فرنسيين، كانت أميركا تستعد للسيطرة على خط إمداد يمر عبر أفغانستان لنقل النفط من آسيا الوسطى بشكل أسهل وأقل تكلفة. ويلفت هؤلاء إلى أن الأميركيين قالوا لـ«طالبان» آنذاك «يمكنكم إما الحصول على بساط من الذهب أو بساط من القنابل»، الخيار الأول إذا سمحوا للأميركيين بحرية التصرف مع خط الإمداد والثاني في حال العكس. وتثبت هذه الحقيقة وثائق نشرها كتاب، طبع في فرنسا العام 2002، يفضح خفايا المفاوضات السرية بين واشنطن وطالبان.
وصل الأميركيون والاطلسي إلى ليبيا لأجل النفط أيضاً. ويقول عضو الكونغرس الاميركي إد ماركي في حديث إلى قناة «أن بي سي» الأميركية «حسناً، نحن في ليبيا لأجل النفط. وأعتقد أن هذا الاعتماد على واردات النفط عوامل سلطت الضوء على حاجة الولايات المتحدة إلى اعتماد أجندة جديدة للطاقة». بدوره، وافق السيناتور ليندسي غراهام على أن وجود الأميركيين في ليبيا مهم، حيث هناك مال كثير لصناعة مستقبل ليبيا، كما هناك الكثير من النفط للإنتاج.
ولكن المعركة ليست متعلقة بالنفط فحسب، بل بالغاز الطبيعي كذلك. وبالقدر ذاته. وكما قال «مهندس الحرب» جون بولتون العام الماضي عن منطقتنا إنها «منطقة إنتاج النفط والغاز الطبيعي، المهمة والحساسة، التي حاربنا فيها لأجل حماية مصالحنا من التأثير السيئ للعدو الذي يجعلنا إما نخسر إمداد النفط والغاز الطبيعي أو نحصل عليه بأسعار باهظة التكلفة».
وفي تقرير مطوّل نشرته مدونة «واشنطن بلوغ» المعروفة، مرفقاً بالوثائق والمستندات والخرائط، ربطاً بالأزمة السورية. وبعد استعادة تفصيلية لحروب سابقة ارتبطت بالنفط والغاز الطبيعي، وصل التقرير إلى سورية ليؤكد أن ما يجري فيها مرتبط بصراع دولي مرتبط بدوره بموقع سورية الحيوي بمشروع خط الغاز العربي الممتد على 1200 كلم. يُذكر أن خط الغاز العربي هو خط لتصدير الغاز المصري لدول المشرق العربي ومنها إلى أوروبا. وتتضمن الخطة إنشاء خط من مدينة العريش في شمال سيناء إلى العقبة في جنوب الأردن والجزء الثاني من المشروع يصل بين العقبة والرحاب في الأردن، والتي تبعد 24 كلم عن الحدود السورية. أما الجزء الثالث للخط فطوله 324 كلم من الأردن إلى دير علي في سورية، ومن هناك سيمتد ليصل إلى قرية رايان الى تركيا. وفي العام 2006 تم الاتفاق بين مصر وسورية والأردن ولبنان وتركيا ورومانيا على توصيل خط الغاز إلى الحدود السورية - التركية ومن هناك سيتم وصله بخط غاز نابوكو ليوصل بالقارة الأوروبية. وكانت سلطات مصر والأردن ولبنان وسورية قد اتفقت في العام 2004 مع العراق على توصيل خط الغاز العربي مع العراق لتصدير الغاز العراقي لأوروبا أيضاًً.
ما سبق يوضح أن تغيير النظام السوري كان مخططاًً له، كما الحال مع العراق وليبيا ولبنان والصومال والسودان وإيران، منذ 20 سنة مضت. وبالطبع إن الدور المركزي لسورية في خط الغاز الايراني عبر العراق اليها, وخط الغاز العربي يفسر لماذا أصبحت اليوم مستهدفة. وكما تمّ وضع «طالبان» على لائحة الاستهداف الأميركي بعدما طلبت الكثير مقابل خط إمداد «يونوكال»، هكذا يتم استهداف الأسد لأنه «لاعب غير جدير بالثقة» بنظرهم. وما يعزز هذا الاستهداف هو أن تركيا وإسرائيل وأميركا وقطر يريدون تدفقاً آمناً للغاز الطبيعي عبر سورية، ولا يريدون نظاماً سورياً لا يدين بالولاء الكامل لهم مهدداً بقطع الطريق على الإمدادات أو بطلب مقابل باهظ التكلفة.
اخيرا يبدو ان الحرب الكارثية في سورية مقبلة على مفترق خطير بعد تعذر الحسم ضد القوى التكفيرية, وقد تفجر المنطقة برمتها ان لم تحسم بتسوية تحفظ وحدتها وتأخذ بمصالح القوى اللاعبة على الساحة السورية وتحديدا ملف الغاز ومساراته لانه مسألة حياة او موت بالنسبة لروسيا والصين وايران, والتسوية معقدة وصعبة رغم ما يحكى عن توافق اميركي روسي على الحل. اميركا واتباعها حولت سورية الى مطمر لتنظيم القاعدة عبر تجميعهم للقتال فيها بواسطة تركيا ودول الخليج, مستهدفة تدميرها وتفتيتها فإن سحقه النظام تكون اميركا تخلصت منها وانهكت النظام ودمرته. وان انتصرت القوى التكفيرية وهذا مستحيل تكون اميركا قد تخلصت من نظام ممانع يعطل مشاريعها في المنطقة. ما اشبه ما يجري الآن في سورية بما جرى بداية القرن الماضي ابان الحرب العالمية الاولى يوم استغلت قوى الاستعمار ممثلة ببريطانيا وفرنسا في ذلك الوقت سياسة التتريك التى اتبعها حزب الاتحاد والترقي الذي كان يحكم الامبراطورية العثمانية, وما جلبه من مظالم وقتل وتجويع على شعوب المنطقة, لتبرير تدخلها لتحقيق مطالب الشعوب المظلومة فقسمت المنطقة عبر اتفاقية سايكس بيكو العام 1916, وزرعت اسرائيل في المنطقة عبر وعد بلفور العام 1917 خدمة لمصالحها لتفتيتها وللسيطرة على ثروات المنطقة من النفط، متناسية ومسقطة مطالب الشعوب بالحرية والاستقلال. ويبدو ان معاهدة سايكس بيكو قد استنفدت اهدافها والصراع على الغاز (منابعه ومساراته) يستدعي سايكس بيكو جديدة لتقسيم المقسم الى دويلات اثنية عرقية تخدم توزيع منابع الغاز ومساراته بين القوى العظمى الجديدة فلا يمكن فهم المشاريع السياسية التى تحاك على سورية والمنطقة دون الاحاطة بخلفياته التاريخية والسايكس بيكوية. ولا يمكن للتحليل السياسي الا ان يربط بين تأجيج النزاعات الطائفية في سورية وجوارها والحرب الدولية الاقليمية المحتدمة على اراضيها واكتشافات الغاز في سورية وشرق المتوسط مع المصالح الدولية للسيطرة مجدداً على ثروة الغاز.
 مشكلة شعوبنا انها تنسى او تتناسى استغلال الغرب الاستعماري وتأجيجه للحروب للطائفية والمذهبية في المنطقة منذ العام 1840 حتى الآن لتبرير تدخله فيها لنهب خيراتها. ففي تاريخ امتنا الكثير من العبر من تجاربنا الكارثية مع الاستعمار، ولكن للأسف المعتبرون قلائل.



 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net