تعرض الفنانة ريم الجندي في غاليري جانين ربيز حتى نهاية تشرين الأول (أوكتوبر)، مجموعة أعمال موضوعاتها متنوعة الهويات الثقافية، لكنها متوحدة في الطابع والعنوان: "شجرة عائلة”، عنوان يجمع بين أصول الولادة الأولى منذ حواء وآدم، إلى أصول الحياة وتوارثاتها.
اللوحات مزيج من الوجوه والشخصيات التي تكاد تنطق، لكن في جو أيقوني، صناعة، وموضوعا. يتفاعل المشاهد مع أشخاص كأنهم ينتمون إليه أو ينتمي إليهم. إنها الروح العائلية الكامنة في ألوان اللوحات، يلمسها المرء في الصور العائلات القديمة التي ما زالت تزين جدران المنازل التقليدية.
اللوحات تكاد تكون منقولة عن لوحات حقيقية، لكن ريم الجندي استطاعت أن تجتهد في التأليف الفني، وتبقي روح العائلة، وأفق العاطفة الإيمانية في اللوحات، بحيث تمنع تحويل العمل من نسخة منقولة إلى عمل فني مبدع شكلا وألوانا وابتكارات.
كانت ريم الجندي تبحث عن واحة ترتاح لها وهي مهددة المصير. وهي لم تستطع الرحيل عن مدينتها المفضلة بيروت، فكان الترحال حليف لوحاتها. لوحة عائلة آل سماحة في الاغتراب تركت خلفها صورتها الأيقونية الطابع، وهذه عائلة سورية مهاجرة للتو، تنتقل بين الأمكنة، وهنا عائلة موسيقية عراقية يهودية، وأخرى أرمينية في لوس أنجلوس. الكل مهاجر على ترحال، إلا ريم ملتزمة المكوث في المدينة.
وتنتقل إلى مجموعة من اللوحات الصغيرة التي تخلط بين الأيقونة والتشكيل الأقرب إلى الانطباعي، تستوحي الكثير من عناصر مادتها من الأساطير التوراتية وسفره التكويني، فهنا شجرة صناعة شجرة العائلة (تلقيح وتوليد)، وشجرة تلتف الأفعى حولها تذكر بإغواء حواء لآدم، ولوحة شجرة عائلة يحرسها شبيه القديس جاورجيوس طاعنا التنين، وشجرة العائلة والحظ الكبير، كأن الشجرة رابط بين حاضر البشر وماضيهم أينما كانوا، ومن أية حضارة اتوا. فتحت الشجرة ولد الكون الاسطوري حيث تلاقى آدم وحواء، ومن تحتها انتقلا من الجنة الموعودة إلى الأرض الكونية.
وتنتقل اللوحات لتروي قصصا واقعية في إطار نصف واقعي شكلا، حيث تتمثل الشخصيات بوقائع عادية في الحياة، ومنها القبلة الأولى، وسهرة تلفزيونية في المنزل، ووراثة الصبي لزعامة الامبراطورية حيث تتدرج السلطة من الجد بالطربوش إلى الوالد بالغمباز فالولد الأكبر-الوريث بالثياب الحديثة مع شعار السلام في حركة “وودستوك” تختزل تحولات متسارعة لقرن من الزمن.
وتحضر رحلة عائلية إلى غزة توحي بصعوبات الحياة هناك، في ظل قلة التسهيلات وفي ظل الحصار، فتنتقل العائلة في سيارة يجلس أبناؤها في صندوق السيارة مع أكوام أغراض من كل الجهات، بينما تسير السيارة في وهم غابة من الكفافي. وفي هذه اللوحة يتجلى التأثير الأيقوني المتمثل بأوراق الأشجار المتساقطة بكثافة لكنها بلون الذهب.
وتدخل المنمنمات في اللوحات، وكذلك الأشكال المؤشرة لانتماء أصحابها الديني، ففي عيد النيروز الكردي، أزهار بلون أزهار الربيع وأم تمسك بطفلها على طريقة مريم وعيسى، وفي عرس اليهود في حلب ظهرت الزهور السداسية الأوراق كنجمة داوود، بلون أزرق وفي كل اتجاه.
معرض ريم الجندي يزخر بأسرار غير مكشوفة، تحتاج لروية تفحص، وعين ناقدة، لكنها بلا شك تفتح آفاقا للبحث والحوار.
