Tahawolat
بعد تجربة طويلة في الهندسة الداخلية والرسم، ونيلها إجازتين بهما من الجامعة الأميركية في بيروت، أطلت الفنانة ريما الشاعر بمعرضها الفردي الأول تحت عنوان "طليق" (Unguarded).

المعرض الأول للفنانة، الذي يوحي باهتمام وأصاله واحتراف فني واعد، يُعتبر مفاجأة فنية لريما التي بقيت سنوات في الظل.

أظهر المعرض نضجاً احترافياً غير متوقع للفنانة في عرضها الأول باستخدام متناسق للألوان والأشكال، ما جعل اللوحات متزنة لكن بصيغ مختلفة. وأكثر ما يبرز ذلك في لوحتي الهجرة حيث تسود مناخات لونية متشابهة لكن بتغيير في توزيع الألوان والشخصيات، ما ينم عن قدرة تعبيرية جمالية لافتة. ففي الهجرة الأولى، يطغى نوع من البني على خلفية باج لكن الأشخاص يتجمعون في زاوية وهم قادمون مهاجرون، بينما يلوح آخرون كخيالات في الزاوية الأخرى إعلاناً للرحيل.

مساحة ضوئية منيرة تغطي جزءاً من اللوحة تقابلها، مساحة مشغولة بالشخصيات ما يعطي للوحة اتساقاً وجمالية مميزَين.

بينما في الهجرة الثانية، تتركز الإضاءة اللونية على الأطراف وتتجمع الشخصيات في الوسط، بلون باج أقل لكنه مطعم ببعض احمرار فيبدو المشهد متكاملاً باتساق العناصر وتوزيع الألوان لتصبح اللوحة متماسكة بمشهدية متكاملة.

اللوحتان تعبران عن الهجرة، وكل واحدة منهما تبدو استكمالاً لأختها، في الأولى بدأ الرحيل، وبدأ وصول الراحلين، بينما في الثانية، بدأ المهاجرون يحطون رحالهم في الساحات، وآخرون يفدون.

ولوحة "البقايا" لرجل عجوز متكئ على عصاه تكمل رواية الهجرة، فهذا المشهد مر على إحدى الشاشات أثناء العدوان الاسرائيلي على غزة، واللوحة تشبه إلى حد بعيد ذلك المشهد، لكن في إطار فني تعبيري متجدد يوفق بين الكلاسيكية والتجريدية.

الأبعاد الانسانية في لوحتَيْ "الهجرة" و"البقايا" تتكرر مع الفنانة الشاعر في لوحة الأمومة، بتعبير يعتمد اللون بجرأة على حساب الشكل. يطغى الظلام في الخلفية ليضيء خافتاً في الوسط حيث تشكل الأم الملجأ للأبناء بتعبيرية شمولية في غياب التفاصيل، فالفنانة آثرت الميل للتجريد تاركة للمشاهد تحسس المعاني بتوزيعة متوازنة مرهفة.

في لوحتي "مهجورة"، و"عين المريسة" تنتقل الفنانة إلى مناخات فنية أخرى، تحذر فيهما من المصير البائس الذي ينتظر المدينة بتراثها، وبناها التقليدية، وذاكرتها التاريخية. عين المريسة على المحك، لكن المصير الذي ينتظرها هو في المدينة المهجورة، في لوحة جريئة الألوان، وتوزيع الموضوع، حيث تطغى الإضاءة على غالبية القسم الأعلى، وتتجمع الأشياء والبيوت في القسم الأسفل منبئة بالزوال.

ولوحة متطاولة بعنوان "فراق" يعبر فيها شخص في طريق عميق، مغادراً، لا نعرف السبب، لكن بصيغة رفيعة التعبير مع طغيان التجريد.

اللوحة الأخيرة أشبه بجدارية، بانوراما كاملة التجريد، لم تترك الفنانة لمشاعرها فيها أي مجال من الانضباط. أفلتت من عقالها، واستخدت الألوان والأشكال بحرية مطلقة، لا نعرف ما الذي قصدته، لكن الأجزاء المتبعثرة تنم عن خوف من تفرقة وتكسُّرٍ ما. هنا شكل أشبه بسيناء، وهناك بعض من فلسطين، وبعض شبه جزيرة العرب، وطغيان لألوان قاتمة خائفة. ربما تعبر الفنانة فيها عن هواجس المرحلة المفعمة بالتفرقة، ومخاطر التجزئة في ظل الحراكات العربية الجارية.

توافقت إقامة المعرض مع افتتاح غاليري "بلاتفورم" في التباريس ببيروت، حيث تقدم الشاعر معرضها، وفيه ثماني لوحات من الحجم المتوسط والكبير، من الكولاج على قماش الرسم العادي، لكن خالياً من أعمال الريشة لأن الفنانة آثرت تقنية شفرة السكين لطلي رسوماتها مما يدل على خبرة طويلة واثقة، احترافية كانت حتى اليوم في الظلال.

أعطى استخدام شفرة السكين معنى متجدداً في اللوحات، حيث لا يستطيع الفنان ضبط كل ضربة بحدود زمانية ومكانية في اللوحة، ما يقدم تنوعاً غير مضبوط ولا مقنن. تتيه شفرة السكين في مساراتها، حرة طليقة، مفلتة من أي رقابة، ومن هنا أطلقت الشاعر على معرضها عنوان "طليق" .

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net