Tahawolat
متلازمات الوجود ومستلزماته وضروراته ، هي جميعها ثقافية ، من تصنيع وإيجاد المجتمع ، ومن ثم إستقراره وشبعه ومنعته ، حتى إستمراه ومستقبله ،لا يمكن العمل لها بالتدريج والمرحلة  ، بل على الفعل الثقافي مهما كان تكتيكيا أن يكون متضمنا في استراتيجيا ورؤية ، فالمسألة  هنا ليس عرض وإستعراض معلومات وإستخدامها كمرجعية  نظرية  تعبيرا عن حقيقة ما  وليست محاولة لتطبيق  مفاهيم وضعها بني البشر كمعايير للأداء الفعلي في أرض الواقع، هكذا اصبحت المعلومات ثقافة ، لا تقدم وربما تؤخر  فعل منظومة المصالح  التي ينبني عليها أي مجتمع ، وهذا ما نراه ونلمسه في التجمعات الشرق أوسطية  السكنية التي لم تنجح بأي إستحقاق طبيعي ناهيك عن التحديات المدمرة التي هي من طبيعة الأشياء الأرضية وعلى رأسها التنافس الأممي على الحيازة ، فحتى البترول الذي  يعتبر" المنجز" الأكبر لهذه الشعوب  ، لا يستطيعون إكتشافه وإستخراجه وتسويقه  لا وحدهم ولا بالشراكة ، ومن ينظر الى شركات النفط ولو بنظرة عابرة يكتشف هذه الحقيقة ، التي لا يمكن وصفها بالمرة أو الحلوة ، البيضاء أو السوداء ، إنها مجرد حقيقة واقعية يجب التعامل معها .
الكارثةالكبرى ، وهي أيضا بالمعنى الواقعي ، أنه ليس هناك من مسؤول ، فالمسؤلية من صفات المجتمع الناجز ، ومن هنا لا يمكن  إدانة أو محاسبة أحد ولا حتى المثقفين من حكام ومحكومين ، فالقبطان ليس مسؤولا  عن طباع البحر  ولا الركاب أيضا ، ولكن البحر لم يخفي طباعه على أحد ، وركوبه يحتاج الى أكثر من الطالع الجيد أو المغامرة الجسورة ، والسؤال البحري المعتاد هو الوصول الى الشاطىء وليس مجرد البقاء أحياء فيزياءيا على ظهر السفينة !!! المسؤلية  (بمعنييها  الفعل والمحاسبة ) هي ما يميز  المجتمعات الحديثة عن غيرها ( المشافهة والكتابة مثالا ) ، لابل عن الجمهرات الجماعية  من نمل ونحل ودبابير ، وهي  ليست فعل إداري تراتبي يختص به  مجموعة من الأفراد ، بل هي إجبار المجموع البشري وبالتساوي  على الخضوع للمفاهيم المعرفية وممارستها ( مشاكل  المهاجرون الشرق أوسطيون  في أوربا تحديدا  مثالا ) بشكل ويفضي بشكل مضمون الى الإنتاج ، أي البقاء والإستمرار الإرتقائي التنافسي ، وهذا برمته أمر ثقافي تربوي استراتيجي  بالضرورة قد لا يمنع الإنسدادات  ولكنه يتحضر لها  كي يحسن أداؤه في إزالتها ، ومن هنا أيضا هذا الإنسداد الشرق أوسطي  الهائل ، الذي لم يتربى أحد أوتثقف أو حصل على معرفة وجوده( إلا حفنة من الشهداء الأحياء منهم والأموات ) وكيفية التعامل معه ، ليتمظهر الواقع كما هو ، وليلتفت المثقفون الى إكتشاف المتهمين بصنع هذا الواقع  ، ليبدأوا بسلسة  إتهامات لا تنتهي للآخر  الذي يكرهنا ويريد الإنتقام منا !!!... الغربي تحديدا ومن ثم سوف يتوسع شمالا وجنوبا ، لتصبح مسؤلية الآخر عن تخلفنا وهزيمتنا هي الموضوعة الأكثر تداولا في الفعل الثقافي التربوي وبالتالي البحث عن أية ( أية طريقة )  لمعاقبته والإضرار به  ، لنحصد وعاى التوالي والدوام ما زرعت أيدينا في بيئة من الهزال المعرفي تؤدي حتما الى  حمامات من دماء لن تنتهي إلا بفنائنا كي ترتحاح هذه التجمهرات السكانية من عبىء الحياة  .
المسألة هنا ليست بصدد محاكمة ، ولا إدانة ، ولا ندم وعض أصابع ، ولا جلد ذات  كما يحلوا للفارين من الإستحقاقات تصوير الأمر ، الموضوع هنا بإختصار هو النظر في معنى التخلف ونتائجه ،حيث يبدو علينا تجاوز الأسباب والمسببين  والتخلي عن مطاردة أشباح الغزو الخارجي التي صنعت سقوفا جزافية ورهابية  للثقافة والمعرفة (إستمرار الغزو الصليبي مثالا )  ، والتركيز على القضية الأساسية وهي صناعة مجتمع ، فالسنديان لا ينمو في فنجان قهوة ، وهي بدهية لا تحتاج الى تفاؤل وتشاؤم ، ولا الى حب وكره ، ولا إلى إستقطاب  من أي نوع ، فالمجتمع معرفة  والمعرفة مصلحية تنافسية محايدة معايرة ، لا تكره ولا تحب ،لا تسامح ولا تمزح ولا تعطي فرصا أخرى أ وإستراحات ولا براءات ذمة  ، إنها الأرض التي ينمو فيها السنديان بالعناية والمتابعة ، إنها الممارسات التي تقود السفن الى شواطىء الأمان أو تنتج تلك الشواطىء إنتاجا  ، وخارجها يباب وجوع ودماء ، إنها سمفونية الكون الذي يعيش على إيقاعها .
لذلك هو إنسداد ثقافي هائل ، إما أن نراه هكذا ، أو نلعب برمال الثقافة صانعين تماثيل هشة لا تصمد أمام النسمة ، لم تصمد شعوب الشرق الأوسط أمام  أتفه المعضلات الحياتية ، حتى تلك الخبيرة بها للآلاف السنين  ، مثل الزراعة والري  وتربية الدواجن ، فكيف بالمعضلات المعاصرة التي تحتاج الى معارف جديدة تنتج قيما جديدة لإنسان جديد ، أذكروا أي إستحقاق  نجحت في تسديده هذه الجماهير ؟؟؟ أي إستحقاق على الإطلاق ؟؟ حتى من الإستحقاقات الجانبية أو الثانوية  التي تحافظ على مجرد العيش ( الخلاص الفردي ونزح المواردا فسادا  مثالا ) أو حتى  ( الحروب الأهلية  مثالا ) ، لم يستطع عاقل ( إلا فيما ندر ) في هذه الأقاليم على فرض قيمة معرفية  حديثة مكتملة واحدة ( الكثيرون حكوا وكتبوا ) ، هل هناك من جدل حول كارثية الطائفية ؟ ها نحن نرفل فيها فخورين  لا بل ونصدرها  لدول المهجر كمنتج ثقافي شرق أوسطي بإمتياز . هل هناك إختلاف على سوء نوعية التعليم في هذه البلاد؟   ..طبعا لا  ؟ ومع هذا نبني مدارس وجامعات  تنتج جثثا معرفية  تفسد رائحتها حضور أية معرفة . هل هناك رفض لوجود علماء إجتماع وضرورتهم ؟.....  طبعا هناك رفض ؟ أين هم وما هي صلاحياتهم ومجالاتهم ومكتتشافات أبحاثهم...؟ لا شيىء البتة ، وإلى ما هنالك من الأسئلة التي تشير أجوبتها الى وجود مجتمع  ، وليس مجرد تجمع بشري ، يتحلل متعفنا ببطىء  ، وهو يصدر بفخر لا مثيل له  أكثر القيم إنحطاطا  من خلال ديالوغ ( ديالكتيك / تفاعل ) معكوس ومغلوط وذو نتائج كارثية ، إذ  يبدو هذا الديالوغ  كعلاقة إنجازية بين  رهائن ومختطفين ( وليس صراع طبقات مثلا )، بإعتبار الغلبة وحدها  شأن إنجازي باهر  ليس له علاقة لا بالمعرفة ولا بالحضارة ولا بالتجربة الإنسانية  ،لتبدو الحروب الأهلية ، أو غزوة البرجين  ، أو إجبارية الإحتشام ، كحاصل طبيعي لهكذا نوع من التفاعل ، الذي يغفل القيمة الأساس في  المجتمع الحديث ، وهو قدسية الحياة البشرية ، التي يصدر بسببها كل  ترتيب معرفي لتنظيم الحياة البشرية  في مجتمعات .وعليه وبعد هذا الزمن الطويل من حلول عصر الأنوار البشري ( وليس الأوربي فقط ) وعبر معايرة المنجزات ( وليس مقارنتها ) نرصد ذلك الإحتقار الهائل للحياة الإنسانية كما وتنوعا ينعكس فوضى  عميمة وعمياء تعكس  إخصاء  ثقافيا  يصعب (يستحيل ) إنعاشه ، لإنه مؤسس وقائم على  رفض  قدسية  الحياة  والحياة الفردية منها بشكل أخص ، إلا بشروط معجزة  تقضي على الحياة نفسها ، بحيث يمكن الإتكال على التعفن  كرمز أو مؤشر على إستمرار هذه التجمعات السكانية في العيش  والتنفس .
فكرة التعفن والتحلل ، ليست فكرة  رمزية أو نظرية ، بل هي واقع جار  يمارس على أرض  الواقع في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ، يبدأ من  رغيف الخبز وشربة الماء الذان يشكلان حد أدنى للعيش  ، وهذه مسائل بدهية وتأسيسية في الوجود البشري ، وهي أيضا مسائل ثقافية بالضرورة ، فإذا استطاع أهالي الشرق الأوسط  ( وهم المزارعون تراثيا )  الحصول على دقيق لصناعة الرغيف وهذا بحد ذاته مأزق كبير وله تفاصيل  معرفية كثيرة  ، فإن المشكلة الكبرى التي تنتظرهم ( ألأدهى أنهم يعرفونها ) هي صناعته  وتوزيعه  بطريقة  وجدانية تصنعها ثقافة متماسكة  إذا لم نقل راقية ، وكذلك شربة الماء التهديد  الأكبر لهذه الشعوب ( على بدائيته ) هناك  صعوبات  كبرى في تأمينها ، وهي في جوهرها حالة عطالة ثقافية جماعية  ، فكيف لأقاليم فيها  نهر النيل ( مثالا ) أن تعاني العطش ، هل يمكن لإحد أن يجيب على هذا السؤال ؟ إنها نتيجة  لبيئة جمعية معاقة ، فيها تشوه أصلي لا يريد أحد أن يراه أو أن يشير إليه كرمى للتفاؤل الثوري ، أو كرمى  لخصائل المفاخرة والإعتزاز التي نهلع من فكرة فقدانها ، لإنها الوهم الأقصى  الذي يمكن لمجموعة بشرية أن تبنيه  كثقافة تمارسها صباحا مساء ، وتدافع عنها بالدماء  ( دمائها هي ودماء الآخرين سواء ) حتى وإن لم يلزم الأمر .
يمكن لإي من مجتمعات المعمورة أن تقع في الحروب الأهلية ( المثال الأكثر وضوحا عن الإنسداد الثقافي ) ولكن أن تكررها  وبكل الأشكال  الممكنة  وبشكل مستمر  ..  وللأسباب نفسها ؟ فهذا يتجاوز الغباء الى سؤال الجدارة بالحياة ... هل تريدون النظر الى  سكان الأقاليم التي " نجح " فيها " الربيع  العربي " ؟ كيف تجلت ومورست  الثقافة  بمعناها الجمعي " الجمهري "  ؟ أم ندع النظر لعلماء الإجتماع إن وجدوا !!!
 
 
 
 
 
الإنسداد الثقافي  8
المرايا ـــ
من المؤسف أن يتم الاداء الثقافي على أساس أن هناك مجتمع ، ربما بسبب اللغة الذي أطلقت على هذه التجمعات البشرية أسم مجتمعات ، وهذا يتضمن وأيضا القبول بسايكس بيكو على الأقل ، بمعنى تأسيس ( دولة ) تم التدرب عليها في عصر الإنتدابات وبإشرافها ، وما لبثت هذه الدولة أن تفككت ولم يبق منها إلا السلطة  للمحافظة  على هدوء وتسالم  هذا الشكل اللاجتماعي  من التجمع البشري ، فالدولة كتكنولوجيا حديثة  تحتاج بالضرورة  الى مجتمع وبالمعنى الحديث أيضا ، ومع وصول الراية الى أيدي المثقفين استطاعوا صنع قطيعة معرفية حقيقية مع طوري النهضة والتنوير معتبرين أن المجتمع موجود فعلا مع العلم أنهم لم يجرؤوا على تعريفع تعريفا  ولو تكتيكيا ، وهكذا  ورثوا  الأمة / المجتمع / الطبقات  ( السورية ـ العربية ـ الإسلامية ـ الأممية  ) وراثة  من التنويريين  ودافعوا عنها في إنتاجهم الثقافي  كوجود فعلي  ، ولكنها وفي حقيقتها كانت وهما بوهم  على الرغم من الصراخ والعويل والخطب والمعارك ، إلا أن الحقيقة  وخلال أكثر من قرن ونصف  ، لم يوجد مجتمع ، والمنتجات الحضارية لهذه التجمعات تشهد بذلك ، وبدت إستحقاقات  بدهية وبسيطة  صعبة المنال وتحتاج الى قرون  لتسديدها ،كما تحتاج إلى أفعال وممارسات حقيقية ، لا ينفع معها إستبدال المكان أو النوع ، فتصرف ( المجتمع ) مع الثأر أو جرائم الشرف أو العرف والتقاليد ، لا يحتاج الى معركة مع العولمة ، وتأمين  المستشفيات والكهرباء وماء الشفة لا يحتاج إلى إدارة أزمة ، وهي إستحقاقات بسيطة في حال وجود مجتمع ، فعلى الأقل يمنع التراكمات الإنسدادية في حركته وأدائه ، حيث استقرت الثقافة الجماعية في ممارستها  على  ما ورثت بالتناسل وبدأت التطبقات التكنولوجية  تعطي عكس ما هو مطلوب منها ، والمثقفون يحتجون ( خليل حاوي مثالا ) ، فبدلا عن تحرير فلسطين  (وربما غيرها ) احتل الصهاينة بيروت ، وبدلا من  التصرف المعرفي الحضاري  مع مياه نهر النيل وهو شريان الحياة أو الموت في مصر أصبح هو نفسه مصدرا للتلوث والأمراض ناهيك عن تهديد الصهاينة بقصف السد العالي ،  وهكذا دواليك مع كل شيىء كل شيىء ، حتى ليبدو الأمر  وكأن المسألة جينية  لا يقو حاملو هذا الجين على تحمل  ثقافة  جديدة أو متجددة  تستطيع مواجه الإستحقاقات في مكانها وزمانها وموضوعها ، لتبدو المؤسسات الثقافية  قد تغلغلت في المنتجات الثقافية ( نهضة أو تنوير أو تثقيف ) وأعطبتها ، تماما كما الفيروسات الكومبيوترية ، فالفسططة ، ( قسم العالم الى فسطاطين ) هي في عمق التلقي  الثقافي الذي لا يلبث حتى يشكل ردة فعل أولى وأساسية تجاه أي طرح أيدولوجي أو تكنولوجي يريد بالبلاد والعباد التوجه لتأسيس مجتمع على الطريقة الحديثة ، ولعل البرلمانات والمؤسسات الحكومية  كانت أولى ضحايا هذه الثقافة التي تعتمد  الفسططة كجزء مؤسس من مكوناتها ، والتي تمتلك مواهب موروثة كثيرة أخرى أدهى من الفسططة  ، كعدم المقدرة على التجريد ( السيارة وقوانين المرور مثالا تبسيطيا )،تعريف الذات على أنها عكس الآخر فقط وهذا ما يجلب المشاكل الوهمية ( الإعتماد على العواطف وليس المصالح في الصراعات ) ، الخلط بين التكنولوجيا والإيديولوجيا ومحاربة الإثنين معا لإنهما يؤديان الى تغير القيم بالضرورة ( الشيوعية والقومية كأيديولوجا ، والقوانين  ، والعالمانية  كتكنولوجيات )، عدم المقدرة على التنافس  وتصنيفه عداء مهما كانت البيئة  العالمية صريحة وواضحة ، تغيير معاني المسميات والمصطلحات وهي مشكلة ثقافية أرخت على اللغة بظلالها ...  العلم والمعرفة والعلاقة بينهما ، الفخر بمنجزات تجاوزها  الإنجاز الإجتماعي  إلخ .. ويا للأسف  يمكن تعداد الكثير من  المبدأيات الثقافية التي شكلت حواضن إتلافية  عبر إيقاف تحول العلم الى معرفة وبالتالي منع البشر من ممارسة  الثقافة التطورية الإرتقائية ، وبالتالي  إستحالة الوصول الى الهدف بسبب هذا الإنحراف المبكر ، حيث تتأبط هذه الحواضن الثقافية  أجوبتها القامعة  جاهزة للإشهار ، فالمفهوم فلسفة ومن  تفلسف تزندق حتى ولو كان المفهوم  يشكل خشبة خلاص أولى تجاه ممارسة العلم أي تحويله الى معرفة ، فما بالنا  بالقانون أو الأحزاب أو الدولة بدستورها ، أو المرأة وحقوقها وأيضا الخ .
لم تنجح  تجمعات الشرق الأوسط البشرية  في تأسيس مجتمعات ، لإنها لم تنجح في الصدق مع ذاتها ، في تشخيص العلة الدالة على إنهزامها في معركة الإستمرار ، بل وضعت معادلات وهمية لحلم النهضة الذي تحقق  في نظرها عبر  توهم هذا الكم من العداء الذي يكنه العالم لنا بسبب  إنجازنا ( هذا ) بإعتبار أن الجواب على السؤال المؤسس ( من نحن ) قد تم تسديده  نظريا وعمليا ... نحن عكس الآخر .... أي آخر .
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net