Tahawolat
لم يعد مقبولاً بعد عصر الأنوار، النظر الى المجتمعات (بالمعنى الحديث للكلمة) على أنها نتاج طبيعي للتجمع البشري، الذي ينتج عادات وتقاليد وأخلاقاً وفولكلوراً متشابهاً أو حتى متجانساً، فالمجتمع أصبح قضية جديدة تماما ومختلفة عما ورثت البشرية من تجمعات بشرية تحكمها المصالح البدائية وأهمها التسالم (القاعدة المؤسسة للوجود الإنساني)، والتسالم هو قوة فيزيائية جماعية تخضع للتراكمات الحقوقية الاستنسابية التي تميز هذه التجمعات اللاإرادية التي تحكم بها، حيث هي الآن لا بالسيئة ولا بالجيدة بل مجرد مادة تاريخية يمكن التعريج عليها في سبيل العلم والإطلاع، وأصبح من الضروري تجاوزها إلى رحاب (المجتمع) بالمعنى العلمي الحديث للحصول على التسالم كقيمة بدئية مؤسسة للمجتمع، فالمجتمع بالمعنى الطبيعي الذي يوجد بالتناسل والتجاور إلخ قد تجاوزته البشرية، الى المجتمع المصنع ليس حسب الوصفات العلمية بل حسب الضرورات التكنولوجية، فالمجتمع نفسه أصبح تكنولوجياً (أداة) الوجود الجماعي الواعي، ومن دون هذه التكنولوجيا التي عليها أن تكون متسقة مع مستلزمات الإنتاج، لن يكون هناك إنتاج، وبالتالي ليس هناك لا لزوم ولا ضرورة ولا إمكانية لحضور (مجتمع) واضح المعالم ومتمايز، ومن هنا يبدو فقدان التسالم بأي شكل من الإشكال مقنناً كان أم فوضوياً، فإن وجود المجتمع مشكوك بأمره سلفاً، وبالتالي ليس هناك كلام عن إنتاج واستمرار بل بحث في شكل الفناء المرغوب أو المجبر عليه هذا التجمع البشري الذي يسعى إلى تسالم بدئي، ولكن لا إنتاج لديه يستحق وجود مجتمع ومن ثم دولة يمكنها حماية هذه الثروة وحماية توزيعها.
من السذاجة توصيف تجمع بشري بالمجتمع (في القرن 21)، ما لم يرشد ويهيكل هذا التجمع قصدياً، وبالإرادة كي يتحول الى شبكة مصالح متوازنة، وتنافسية في آن معاً، حيث لم يوجد علم الاجتماع على تطوراته الباهرة (كمثال)، كي يتحول الى مجرد كتب للقراءة والتلذذ بالمعلومات، ولم يوجد علماء الاجتماع كي يصبحوا نخبة ثقافية يشار إليها بالبنان، بل أنوجد هذا العلم وهؤلاء العلماء، كي يمارسوا دوراً إنتاجياً تطبيقياً في الواقع له وقعه وآثاره واستشرافاته، بحيث يمكنهم تكنولوجياً (بالمعنى الجماعي التساندي) أن يقوموا بتصنيع مجتمع حسب ضرورات المرحلة الإنتاجية التي تحاصرها التنافسات، وعدم الاستفادة من علم الاجتماع وبشكل واضح وملموس، يمكن اعتباره إحدى علامات الفشل العضوي للمجتمعات، خصوصاً تلك التي تبحث عن التسالم كمرحلة بدئية قبل الإنتاج.
اليوم وبعد كل هذه الإنهاكات التي تتعرض لها وتعرض نفسها لها (المجتمعات) الناطقة بالعربية، هل يمكن اعتبارها مجتمعات بالمعنى الحديث والعملي للكلمة؟ سؤال لا بد من طرحه أمام هذه "الخلطبيطة" التاريخانية التناسلية لهذه التجمعات البشرية، التي تريد قسراً أن تصف نفسها بالمجتمعات، فعلى الرغم من وضوح وعلانية وعمومية المستلزمات الصناعية اللازمة لإنتاج مجتمع، إلا أن هذه الشعوب لا ترضخ ولا تقتنع بها لا بل تعتمد على عكسها تماماَ وتتوهم أن هذا التجمع البشري مجتمع، ثم تتحايل على فنائها المتكرر بمزيج من عقد الإضطهاد والكذب على الذات، وتوهم الاكتمال بدلالات تاريخانية يستحيل إعادة إنتاجها حتى في المختبرات، معتبرة أن تجريب هذا الشكل أو ذاك من حقها (كمجتمعات) مستقلة ذات كرامة أو خصوصية إلخ، وكأن التجريب بالإنسان مباح ومستحسن ومجاني!!!
هل يمكن اعتبار وجود هذه الكتل السكانية وجوداً مجتمعياً؟ وبالتالي يمكن التعويل عليه في حياة طبيعية متسقة مع تكنولوجيات العصر ومتعاضدة معها؟ سؤال على كل لبيب طرحه وهو ينظر الى أحوال العالم العربي هذه الأيام... هناك عطب مؤكد في مؤسسات وجود هذه التجمعات، التي لا تنتج إلا المشاكل القاتلة في سعيها لمعالجة نفسها.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net