Tahawolat
من المؤسف ان يتم الاداء الثقافي على اساس ان هناك مجتمعا، ربما بسبب اللغة الذي اطلقت على هذه التجمعات البشرية اسم مجتمعات، وهذا يتضمن وايضا القبول بسايكس بيكو على الاقل، بمعنى تأسيس (دولة) تم التدرب عليها في عصر الانتدابات وبإشرافها، وما لبثت هذه الدولة ان تفككت ولم يبق منها الا السلطة للمحافظة على هدوء وتسالم هذا الشكل الاجتماعي من التجمع البشري، فالدولة كتكنولوجيا حديثة تحتاج بالضرورة الى مجتمع وبالمعنى الحديث ايضاً، ومع وصول الراية الى ايدي المثقفين استطاعوا صنع قطيعة معرفية حقيقية مع طوري النهضة والتنوير، معتبرين ان المجتمع موجود فعلاً، مع العلم انهم لم يجرؤوا على تعريفه تعريفا ولو تكتيكيا، وهكذا ورثوا الامة/ المجتمع/ الطبقات (السورية ـ العربية ـ الاسلامية ـ الاممية) وراثة من التنويريين ودافعوا عنها في انتاجهم الثقافي كوجود فعلي، ولكنها وفي حقيقتها كانت وهماً بوهم رغم الصراخ والعويل والخطب والمعارك، الا ان الحقيقة وخلال اكثر من قرن ونصف، لم يوجد مجتمع، والمنتجات الحضارية لهذه التجمعات تشهد بذلك، وبدت استحقاقات بدهية وبسيطة صعبة المنال وتحتاج الى قرون لتسديدها، كما تحتاج الى افعال وممارسات حقيقية، لا ينفع معها استبدال المكان او النوع، فتصرف (المجتمع) مع الثأر او جرائم الشرف او العرف والتقاليد، لا يحتاج الى معركة مع العولمة، وتأمين المستشفيات والكهرباء وماء الشفة لا يحتاج الى ادارة ازمة، وهي استحقاقات بسيطة في حال وجود مجتمع، فعلى الاقل يمنع التراكمات الانسدادية في حركته وأدائه، حيث استقرت الثقافة الجماعية في ممارستها على ما ورثت بالتناسل وبدأت التطبقات التكنولوجية تعطي عكس ما هو مطلوب منها، والمثقفون يحتجون (خليل حاوي مثالاً)، فبدلاً عن تحرير فلسطين (وربما غيرها) احتل الصهاينة بيروت، وبدلاً من التصرف المعرفي الحضاري مع مياه نهر النيل وهو شريان الحياة او الموت في مصر اصبح هو نفسه مصدراً للتلوث والامراض ناهيك عن تهديد الصهاينة بقصف السد العالي، وهكذا دواليك مع كل شيء كل شيء، حتى ليبدو الامر وكان المسألة جينية لا يقوى حاملو هذا الجين على تحمل ثقافة جديدة او متجددة تستطيع مواجه الاستحقاقات في مكانها وزمانها وموضوعها، لتبدو المؤسسات الثقافية قد تغلغلت في المنتجات الثقافية (نهضة او تنويرا او تثقيفا) وأعطبتها، تماما كما الفيروسات الكومبيوترية، فالفسططة، (قسم العالم الى فسطاطين) هي في عمق التلقي الثقافي الذي لا يلبث حتى يشكل ردة فعل اولى واساسية تجاه اي طرح ايدولوجي او تكنولوجي يريد بالبلاد والعباد التوجه لتأسيس مجتمع على الطريقة الحديثة، ولعل البرلمانات والمؤسسات الحكومية كانت اولى ضحايا هذه الثقافة التي تعتمد الفسططة كجزء مؤسس من مكوّناتها، والتي تمتلك مواهب موروثة كثيرة اخرى ادهى من الفسططة، كعدم المقدرة على التجريد (السيارة وقوانين المرور مثالاً تبسيطياً)، تعريف الذات على انها عكس الآخر فقط وهذا ما يجلب المشاكل الوهمية (الاعتماد على العواطف وليس المصالح في الصراعات)، الخلط بين التكنولوجيا والايديولوجيا ومحاربة الاثنتين معاً لأنهما تؤديان الى تغير القيم بالضرورة (الشيوعية والقومية كايديولوجا، والقوانين، والعالمانية كتكنولوجيات)، عدم المقدرة على التنافس وتصنيفه عداء مهما كانت البيئة العالمية صريحة وواضحة، تغيير معاني المسميات والمصطلحات وهي مشكلة ثقافية ارخت على اللغة بظلالها... العلم والمعرفة والعلاقة بينهما، الفخر بمنجزات تجاوزها الإنجاز الاجتماعي الخ.. ويا للأسف يمكن تعداد الكثير من البدايات الثقافية التي شكلت حواضن إتلافية عبر إيقاف تحول العلم الى معرفة وبالتالي منع البشر من ممارسة الثقافة التطورية الارتقائية، وبالتالي استحالة الوصول الى الهدف بسبب هذا الانحراف المبكر، حيث تتأبط هذه الحواضن الثقافية اجوبتها القامعة جاهزة للإشهار، فالمفهوم فلسفة ومن تفلسف تزندق حتى ولو كان المفهوم يشكل خشبة خلاص اولى تجاه ممارسة العلم اي تحويله الى معرفة، فما بالنا بالقانون او الاحزاب او الدولة بدستورها، او المرأة وحقوقها وايضاً الخ.
لم تنجح تجمعات الشرق الاوسط البشرية في تأسيس مجتمعات، لانها لم تنجح في الصدق مع ذاتها، في تشخيص العلة الدالة على انهزامها في معركة الاستمرار، بل وضعت معادلات وهمية لحلم النهضة الذي تحقق في نظرها عبر توهم هذا الكم من العداء الذي يكنه العالم لنا بسبب انجازنا (هذا) باعتبار أن الجواب على السؤال المؤسس (من نحن) قد تمّ تسديده نظرياً وعملياً... نحن عكس الآخر.... أي آخر.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net