Tahawolat
فُجع الوسط الثقافي  بوفاة عضو الهيئة الاستشارية في المركز الاستشاري
للدراسات والتوثيق المفكّر الإسلامي الدكتور سمير سليمان سليمان الذي نال شهادة الدكتوراة في مادة علم الاجتماع الثقافي من جامعة السوربون،  أشرف على اعداد الكثير من أطروحات الماجستير والدكتوراة التي تمحورت حول موضوع الحضارات، كما انضم إلى هيئة التعليم في عدد من كليات الجامعة اللبنانية وفي كلية بيروت الجامعية (BUC) والجامعة الإسلامية. كما قام مؤخراً  بإصدار مجلة Le Débat التي تركز على التقريب بين الأديان والمذاهب والثقافات. هذا وله العديد من الكتب والمقالات التي تناقش العديد من المسائل الحضارية  والاجتماعية والسياسية وغيرها.«تحولات» وإذ تتقدم بالتعازي من عائلة الفقيد وأصدقائه تنشر مداخلة قيمة قدمها الفقيد خلال توقيع كتاب « إيران والمشرق العربي ، مواجهة أم تعاون؟ « للأستاذ سركيس ابو زيد:
 
 لعل أمتع ما في قراءة كتاب رصين ، عدا التزخيم المعرفي الذي تُحدثه إضافةً ، أو تذكيراً ، أو انشداداً الى فضائه ، أو انسيابه فيه ، هو استثارتها – تلك القراءة -  للذهن والأسئلة من جهة واستدراج سجال صامت مع فكرة خطرت هنا وهناك في تضاعيف الكتاب ، أو مع رأي أو موقف سنح ، استقام عندك أمْ لم يستقم..
تذاهن متعب هو أحياناً ، إلا أنه – على صمته – حفر من غير ضجيج مستبعث فيك حراكاً وأخيلة هي نظر الإرتقاء الى لحظة حالة وجدانية هي في الشعر أطرب وأقرب ، حتى ولو من غير انتشاء الإنفعال .. إنه الوصل .. لكنه وصل من نمط مختلف .
وفي الأمر ، من بعد أيها الأعزاء ، مفارقة : إذ يتحول الكلام أو الكتابة عن هذه القراءة عن الكتاب الى مستوى آخر تتقدم فيه العقلنة على حميمية الذاتين : ذاتك والكتاب .. وكل عقلنة على جمال ، لكنه جمال القسوة .
أقول هذا وقد مسّني إبان قراءة هذا الكتاب ذاك الاتصال /الوصل المعرفي ، وتلك الحجاجية في الإيديولوجيا وفلسفة التاريخ وفهم السياسات والاستراتيجيات ، كما في احتمالات ائتلاف الرؤى والمواقف حينما تنادت واستجابت . غير أنني ، أمامكم والدور ، مدفوع بما يتجاوز التطوع ، للإنتقال الى المستوى الثاني النائي الى قراءة معقلنة مرتجاة للكتاب ... ولكن أي قراءة ، يا أخي سركيس – ولا أخفيك – ليس فيها  من الذات قبس إذ تبعث بين القارئ والمقروء دفئاً ما .. وهو عندي  بجرعة  زائدة . جعلتني أُصادق كتابك /فكرك ، حتى أحببتك الى درجة شكرك من المهجة على ما بذلتَ . وحتى أُصْدقك و أُصدّقك ، ولكي أصْدِقَكُم أيها الأصدقاء، أقول :
هذا كتاب إضافة في موضوعه ومنهجه وتوقيت صدوره ، وفي مقاصده :
أولاً –في الموضوع : فعلى كثرة المقالات والمؤتمرات والندوات واللقاءات  التلفزيونية التي انعقدت عندنا وعند غيرنا حول علائقية إيران بالعرب ، فإن النوع فيها والموضوعي النادرين لبثا متواريين خلف (أو تحت) اللحظة الحديثة أو الإستهلاك الإعلامي  الذي غالباً ما نجده تائهاً بين ذرائعية الاستقطاب العصبوي أو العُصابي – لا فرق -  (وهو في الذروة هذه الأيام) والضخ التعبوي المحترف والتسخير السياسي من جهة ، وبين بلادة التكرار الذي يُسطَّح الوعي ولا يصنعه ، على طريقة ما يذهب إليه بعض المنظرين لحرب الكلمة ، أو الصورة الناعمتين.
بعض الفوائد ، إنْ رصدت في بعض المؤتمرات في الموضوع ، سرعان ما تصبح تاريخاً ، أو تبتلع أكثر مفاعيلها التحولات والتطورات المتسارعة ، حتى تحوّلها الى أرشيف بمادة معرفية قابلة للنقاش . أما الكتب التي أُلفت في تلك العلائقية  فهي من الندرة بحيث لا يعاتب فيها حاسب ، ناهيكم بالنوعي منها خاصة...
ها هنا تبدأ الإضافة في كتاب سركيس أبي زيد «إيران والمشرق العربي ، مواجهة أم تعاون؟» ، تبدأ بالتشكّل موصولة بمقاصد صاحبة في التعريف بتاريخ العلاقات الإيرانية – العربية ، وبحقائقها والمآلات من موقع العارف ،المتابع ، والمستقرئ الاستراتيجي والباحث الحذر الذي لشدة تعلقه بتظهير تلك الحقائق ، لا يتوانى عن زرع مفاعيلها بالاحتمالات الذكية على طريقة الأكاديمي الناظر الى كل جهات بحثه ، والأركيولوجي الذي يحفر تحت الصفائح  المعرفية والسياسات و الإستراتيجيات المتلاطمة ليكتشف ويكشف ما خفي من أسرارها ، ويُفكك رموز ما استعصى من شيفرتها . والأهم عندي في مقاصد المؤلف ، ما لا يجهر به كل كاتب عادة وإنما للقارئ الدور في تقصيه واستخلاصه ، وهو منظومة القيم التي ينضبط فيها الناصُّ في القول والخطاب والرؤية والموقف ، وفي إدارة الندوات الموصولة الى الحقائق الصحيحة . ولعل هذه القيميّة وتقلّدها هما أصعب وأخطر ما في الدور العالم أو الناقل المعرفي ، أنّى تكمن أداة تعبيره : مسموعة ، أو مقروءة ، أو مرئية . فالدنيا ملأى  بجفاء القول والضلالات وبمغاسل العقول . وبمعميات الابصار ، وهي في جوهرها وأصل وظيفتها ليست سوى معميات القلوب أو العقول ، تبعاً لما يلفت إليه قوله تعالى : { فإنها لا تعمى الابصار ، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}(سورة الحج الآية : 46) . ولعل أخصب حقول»العمى» هذه الأيام ، حقل إيران والعرب ، بل حقل «إيران والعالم» كما تُكابر في إظهاره على هذا النحو إيديولوجيات بث الكراهية ومثيرات الفتن الدولية والمحلية والإقليمية الناشطة على قدم وساق ، وبالوسائل كافة هذه الأيام ، بل على مدى الأيام . معتنقاً قيم العقلانية ،وقول الحق والانصاف المتوازن فيما يرتجيه من المشرق العربي و إيران و استقرار المنطقة بأسرها والعالم وسوية العلاقات فيها ، شهدت سركيس أبو زيد في كتابه ، وهو لا ينفكّ يكرر في تضاعيف الكتاب دعوته لتكون «مقاومة مشاريع الهيمنة الخارجية وتحديات النهضة من الداخل وتفعيل القيم والمثل الحضارية لكل أمة ، هي القاسم المشترك للتعاون والتساند بين الأمم المتجاورة المتقاربة ، من أجل بناء واقع جيوسياسي جديد ، نموذجاً لحضارة إنسانية أكثر عدالة وأقدر على بناء إنسانية جديدة تجمعها مثل الحق والخير والجمال وسعادة الإنسان  «(ص10) . وهذه أخلاقية داعية إنساني يسْتكن عاقلة باحث علمي لا يرى بعين حسيرة شوفينية أو  أنانية أو قطرية أو قومية ، وإنما يرى بعين المتبصر في شؤون العالم وسلامه . وليس هذا جنوحاً الى مثالية قد يتوهمها البعض ، و إنما هو وعيٌ منه  بحقيقة أمست مسلّمة قوامها أن شرر الشر الصادع من أي بقعة في العالم اليوم ، لا منجاة لأحد من امتداد حريقه الى باقي البقاع والأصقاع.
الى إضافة الموضوع والقيم في الكتاب ، ثمة إضافة توقيت الصدور عشية انفجار الحراك الشعبي العربي وتدافع حجراته واحداً إثر واحد . وما محاولات الاستيلاء عليه والعبث بوجهته إلا وتصب في المزيد من التخريب في العلائقية العربية – الإيرانية ، ما ينذر بالأدهى من العواقب التي ما كان كتاب سركيس أبو زيد إلا نذيراً بها في بعض أهدافه ، بل هو حجة قاطعة ضدّها يصعب على عاقل ردُّها.
ثانياً: الإضافة في المنهج : يهتدي مؤلف الكتاب بفرضية منهجية قوامها ان التجاوز الجغرافي بين الدول والمجتمعات والحضارات محكوم بقانون «التحدي و/او الإستجابة» فالعلاقة هي إذاً خيار بين الحرب والعداوات والأطماع من جهة ، وبين التعاون والمشاركة والتكامل من جهة أخرى (ص/7). قانون التحدي و الإستجابة هذا ، هو – كما المعروف -  مُستند النظرية الحضارية لمؤرخ الحضارات البريطاني أرنولد توينبي التي طوّرها ، أو شوّهها تطبيقاً ، الإستراتيجي الأميركي المعروف صامويل هانتنغتون من خلال مقولته بـ»صدام الحضارات»
يعتبر أرنولد توينبي (1889-1976) أحد أبرز المنظرين في الغرب للتفسير الحضاري للتاريخ ، إذ رأى أن المجالات المعقولة للدراسة التاريخية ليست العصور والحقب ، ولا الدول ، إنما هي «المجتمعات» ويعني بها «الحضارات»  . وقد تسنى له في كتابه الشهير «مختصرات التاريخ» أن يُحدد إحدى وعشرين حضارة رئيسية عرفتها البشرية . إلا أن أكثرها اندثر ، ولم يتبق منها سوى ست، إضافة الى الحضارة الغربية وهي : الأرثوذكسية البيزنطية ، الأرثوذكسية الروسية ، الإسلامية ، الهندوكية ، الصينية ، والكورية ، واليابانية.
وما كان للحضارات المندثرة ملاقاة هذا المصير لولا أنها فشلت في مواجهة التحدي – الاستراتيجي-  الذي اعترضها . أما الحضارات التي استجابت للتحدي وانتصرت عليه فهي التي كُتبت لها الديمومة والبقاء.
حسناً فعل سركيس أبو زيد ، إذْ اعتمد المنهج الحضاري في وعي وتفسير علائقية الجماعات ودينامياتها وتطورها ، فهو المنهج عندي من أنجح المناهج في فهم التاريخ وعلاقات البشر وصيغ العيش ومنظوماته ، إن لم يكن الأنجح قاطبة .
إضافة أبي زيد المنهجية تتجلى ، في هذا السياق ، في تنزيله القانون الحضاري (التحدي والإستجابة) في الانساق والسياسية لعلاقات البشر ، أي أنه سيّس التحدي والاستجابة ووظّفه في محاولته إدراك الحقائق والمآلات (السياسية داخل الإجتماع الإنساني بكليته اي بما هو متَّحَد عالمي وكوني) (العبارة للمؤلف –ص 8) ، أو بما هو جُماع متّحدات تتدرج من الأصغر الى الأكبر تبعاً لأبعادٍ ودوائر مركبة وفق دورة الحياة وفعاليتها وقدرتها ومداها الحيوي (ص8).
وتظهير هذه الإضافة المنهجية في الكتاب عندما عَطَف المؤلف على قانون التحدي والاستجابة ، التحولات المستجدة في عالم اليوم وما أفضت إليه ثورة المواصلات والاتصالات من تعزيز مفتوح على مصراعيه للتفاعل الإنساني ، ما يجعل الإنسان يعيش في «متحد متداخل مرب ، يجمع بين الهوية الخاصة والعلاقات القطرية والإقليمية والعالمية»(ص 7و8) . وبذلك ما عادت المجتمعات أو الحضارات متنائية ، كل منها تتفرد بـ»تحديها» وبـ»استجابتها» وتجربتها الحضارية وحدها كما هي عند توينبي ، وإنما غدت متفاعلة علائقياً ومتبادلة التأثر والتأثير كما لم تكن في أي زمان مضى.
هذه الإضافة المركبة المنوه بها والتي اندفع الكاتب الى تطبيقها في دراسته العلاقات الإيرانية – العربية ، تشكل في رأيي اختباراً منهجياً في علم الإجتماع السياسي وفي علم اجتماع الحضارات يمكن اعتباره تجربة معبّرة ومفيدة ، على ما في هذا الإختبار أو التجربة من كمائن ومنزلقات في التطبيق والإستنتاجات . لقد ارتضى سركيس أبو زيد أن يخوض مغامرة منهجية أسعفته فيها شجاعة الملتزم بالحقيقة ، بل بحقائق التاريخ وبمزيد من الفهم لمندرجاتها وتعقيداتها والسنن التي تحكمها . فأصاب في جوانب ، ولما يصب في أخرى . والحكم هنا يقع على تطبيق المنهج لا على المنهج ذاته ، إذ لا يكفي أن تحسن اختيار /اعتماد المنهج الصحيح لتصل بالضرورة الى المحصلات الصحيحة دائماً . وهذه تجربة صامويل ما فتئت ماثلة في تنكبها الصوابية العلمية حتى طاشت نتائجها فأوصلت الى التبشير بحروب دينية وثقافية ، أين منها حروب الأطماع والمصالح الاستعمارية!!.
موفقاً كان سركيس أبو زيد في تجربته المنهجية هذه ، وهو يتناءى كلياً في استخلاصاته عن بدعة هانتنعتون ، بل إن ما توصل إليه من نتائج حاسمة لمصلحة سويّة ممكنة للعلاقات العربية – الإيرانية ، وامتداداً الى سوية ممكنة وضرورية للعلاقات الدولية ، هي نقيض حتمية الصدام التي نظّر إليها الاستراتيجي الأميركي.
وها هو أبو زيد في الباب الثالث من الفصل الثالث (عنوان الباب : تكامل المصالح  الإقتصادية والاستراتيجية) (ص239-251) ، يقدم مشروعاً عقلانياً وبراغماتياً فيما هو مطلوب لإقامة تلك السويّة في العلاقات من الطرفين: الإيراني والعربي ، وذلك بصرف النظر عمّا يُمكن أن يوافق عليه هذا الطرف أو ذاك من «مقترحاته» ومن تنازلات مشتركة هنا أو هناك .
أيها الإخوة والأخوات:
إن القول بموفقية الكاتب المنهجية ، لا يعفينا من تسجيل بعض الملاحظات المنهجية الإجرائية والترشيدات البحثية والفكرية التي يجدر خدمة جهود المؤلف ومشروعه بها ، وأكتفي هنا بالإشارة البرقية الى بعضها:
لم يأت ربط المنهج الحضاري بجميع فصول الكتاب محكماً دائماً ، حتى بدا النص أحياناً مقطوعاً عن التنظير المنهجي والتأسيسي الوارد في المقدمات.
قدّم الكاتب نفسه في بعض الكتاب مفكراً سياسياً واستراتيجياً بامتياز .
ثمة ضرورة لإضافة هوامش توضيحية لبعض المعطيات والوقائع الواردة في الكتاب ، مما يحتاج إليه القارئ غير اللبناني ، ، أو غير الخليجي ، أو غير الإيراني ، باعتبار الكتاب موجّهاً الى القارئ بالعربية أنّى يكن انتماؤه القطري.
احتشاد الكتاب بالمعلومات لم يأت في الغالب موثقاً بالمصادر والاسانيد ، فلو استوثق المؤلف بها ، لاتخذت معلوماته المكثفة حججاً مرجعية وعلمية ، إضافة الى حجيتها العقلية و السياسية و التاريخية.
في معرض توصيفه التاريخي للعلاقات اللبنانية – الإيرانية (قبل الثورة الاسلامية وبعدها) ، فات الكاتب ذكر الحراك الاستنهاضي و السياسي للسيد موسى الصدر في لبنان.
لم يربط الكاتب ربطاً واضحاً المصالح السياسية والاستراتيجية للجمهورية الاسلامية بالإيديولوجيا الاسلامية ... وهذه إشكالية فائقة الأهمية في فهم السياسات الايرانية في شتى الجوانب.
 
اعتمد أبو زيد المنهج الحضاري
في وعي وتفسير علائقية الجماعات ودينامياتها وتطورها
 
الكتاب هو اختبار منهجي
في علم الإجتماع السياسي وفي علم
اجتماع الحضارات يمكن اعتباره تجربة معبّرة و

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net