Tahawolat
كانت وفي أوقات مضت وعصور ولّت، مهنة ليست كباقي المهن، كانت المهنة الرسالة، كما كان الطب، كما كان التعليم، وكان الناس كل الناس يتطلعون إلى أهل الصحافة، وكأنهم رسل هداية ودعاة إصلاح، وسلطة سميت الرابعة للصلة الوثيقة التي تربطها بالشعب وقدرتها على جعل قدرته، أي الشعب، نافذةً، كما الفيصل، كما القول الفصل، تماماً كما حكم القضاء والقدر والحق.
أهمية الصحافة أنها نتاج فكرٍ وقلم، تنفتح عليها عيون عشاقها كل صباح، تتلقفها أيادي العمال والموظفين والمدرّسين والمثقفين ويأخذ بها نساء البيوت والعاطلون عن العمل وهم يرتشفون قهوتهم على بلكونات بيوتهم وحدائقهم الصغيرة أو الكبيرة.
كانت أيام زمان، مهنة العصاة، والمتمردين، وأصحاب الرأي والموقف، والثبات فيه، ولو أدخلتهم السجون أو أوصلتهم إلى المقابر، كانت جزءاً من عنفوانهم وشيمتهم ووقفات عزهم، كانت مهنة الفقراء، والأدباء، والحكماء.
كانت مهنة الكبار...
أما بعد الزلزال فهي مهنة أخرى، أما الزلزال فلم يصب البنيان والحجر لذا فقياسه ليس على ميزان ريختر تحولت العيون بعده إلى شاشات صغيره تضيء وتبهت، متعددة المفاتيح، متشعبة الأغراض وافرة المعلومات، متنوعة الشبابيك في المقال، بات كاتبه ناقلاً لألف عبقري، وباحث، ومفكرٍ، وأديب، وناقد، وساخر، وشريكاً لألف كاتب مقال، وحللٍ، وروائي، وكاتب قصة. راحت الشاشات تزوده بكل مواد المحليات، والدوليات، والاقتصاد والرياضة، والفنون لم يبقَ من مهنة الصحافة بعد الزلزال إلا المفاتيح ولهذه وجهات فهي تفتح وتغلق وهذا سر بلائها. تضيء وتبهت وهذا سر فوضناها، تغتني وتفلس وهذا سر عدم استقرارها.
لقد استطاع الزلزال أن يهدّم الحلم في مملكة الصحافة، يصدّع التوق إلى الريادة والسبق الصحافي، والبصمة، والمكانة. أما تردداته فقد أفقرت الكتاب، والمحررين، والمدقِّقين، والمصححين والمخرجين، جعلت رئيسة الصحيفة مكاناً صالحاً للإعلان، وصفحاتها الأخيرة مرمى لنفايات الفضائح الكونية وعروض الأزياء وسباقات الكلاب والهررة والديكة.
أصابت أهل المحنة بالخيبة والخوف والذهول والقلق على المصير
تقول الرواية:
إن استدعى الملك كبير السحرة، ليسأله المشورة في شأن «سورة الجياع» في مملكته، فردَّ كبير السحرة وبسرعة قائلاً: أطعمهم يا صاحب الجلالة فأعاد الملك بسؤال آخر: وماذا تقول، عن الكتبة والشعراء وأهل القلم والصحافة، تردَّدَ كبير السحرة لثوانً وتطلّع بالملاك قائلاً: سيدي جلالة الملك، لتكن دعوتك لهؤلاء، دعوةً ملكية فما عليك إلا إطعامهم، وإغداق المال عليهم... أما الحبر فرغم الزلزال، بقي لون الحبر أسود
أصبح الحبر موالياً لقلم صاحبه، وصاحبه موالياً لموقعه في الصحيفة، والصحيفة موالية لرقم حسابها في بنوك الذل والمعاصي.
الذي تغيّر أن لونَ الحبر لا يصمد كثيراً على الورق فإنه يتحوّل بقدرة قادر من أسود إلى أصفر الذي تغير أنه أصبح أثراً بعدَ عين.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net