Tahawolat
عمر الشيخ


 
التاريخ الاستثنائي لا يقدّم شرطاً فنياً مضموناً لنجاح الحكاية التي قد نقرأها في رواية أو مجموعة قصص، إن الكاتب يعمل في محيط تاريخي مشابه للواقع إلى حد ما، لا يتورّط في التوثيق لأن مهمة الفن هي تقديم المتعة وإعادة إنتاج الحكاية بأسلوب فني مختلف، ربما، تظهر التأملات والرؤى، التي قليلاً ما تنجح في رسم ملامح المراحل المستقبلية.
إذا أردت أن تقرأ تاريخ أمة، فعليك أن تشاهد بعيون أدبائها الذين حملوا مواجعها ولم تتلوث أيديهم بعنجهية السلطة أو بمناصب قيادة المجتمع، الرواية والحكاية، هي صوت الناس في مراحل ما، عَبَر التاريخ عليها، والوثائق التي تترك للمتاحف يمكن للجميع مشاهدتها حسب المقدرة التعقيمية التي تفرضها السلطة على هذا الإرث! أمّا إذا كنت تبحث عن مصادر أكثر صدقاً وإنسانية، فسوف تكون الرواية، خير شاهد على ذلك، تتنبأ.. تفترض.. تصوّر بالكلمات.. وقد يتحقق ما تقول.. وقد يزول كل كلامها..! تأخذنا الرواية إلى عالمها، وتخييلها، ولكن إذا أردنا أن ننقل الرواية إلى الشاشة، كيف سوف نتعامل معها من الناحية الفنية البصرية؟
مقاربة
يستطيع العمل الروائي أن يدخل إلى مخيلة القارئ من خلال ثقافته الذاتية، وتتسع حلقاته وتتداخل أحداثه إلى العمق حسب مهارة الروائي وقدرته على الجذب، ولكن حين تتدخل عوامل إضافية لتجسيد الحكاية مرئياً ما الذي يصيب الرواية الأدبية؟
"كثيراً ما يتعرّض النص الأدبي وهو في طريقه إلى العمل البصري لاعتداءات تبرر أحياناً بالإخراجية، فالعملية الميكانيكية من شأنها إلغاء الخصوصيات والنيل منها بشتى الذرائع.. هي عملية تشبه ترجمة الشعر مثلاً، عندما فشل بعض المترجمين في نقل أجواء النص إلى اللغات الأخرى.. في نقل الرواية إلى المشهد البصري.." يقول زيد قطريب (كاتب صحافي) والذي يعتبر عملية نقل العمل الأدبي "محفوفة بالمخاطر"، أنه من الممكن "أن نستذكر العديد من الكتاب الذين غضبوا عند تحويل كتبهم إلى أفلام أو مسلسلات جراء الاجتراء على النص وتغيير هويته.. هي عملية إبداعية هائلة لا تقل عن مستوى كتابة النص الأصلي.. ربما نسميها إبداعاً على الإبداع، لكن في الحالة البصرية يشارك في نجاحها أطراف عديدون أهمهم كاتب السيناريو والمخرج والممثلون، وحتى فنيو الاضاءة، أما في حالة الكتابة فالعملية فردية بحتة، لذلك لا تكلل هذه العملية دائماً بالنجاح..". ربما حدث ذلك مع رواية «ذاكرة الجسد» للكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي والتي تصدى لإخراجها السوري نجدت أنزور، وقامت الكاتبة والسيناريست ريم حنّا بإعدادها تلفزيونياً لتصبح عملاً درامياً أنتج منذ سنوات قليلة. فقدت «ذاكرة الجسد» مقدرتها على الجذب حين تغلبت الفكرة على الصورة وأصبح من السهل جداً التقاط المفارقات التي كشفت بعد منتصف العمل بإضافة خطوط درامية له حتى يصل إلى الثلاثين حلقة تلفزيونية، الأمر الذي جعل من «ذاكرة الجسد» محاولة ضعيفة في الدراما التلفزيونية عندما (عوّل) نصها على شهرة ونجومية، كانت صاحبة «فوضى الحواس»، خير من نجح في ترويجها وصناعتها لمصلحة الإنتاج الأدبي لا التلفزيوني الدرامي.
رهان
قد تبدو الشخصيات واضحة في الرواية، ويمكن تقطيع مشاهد العمل الدرامي على أساسها، هي بحاجة لمهارة سيناريست وحسب، ولكن ألا يوجد شرط آخر أكثر أهمية من ذلك؟
من حيث المبدأ فإن تحويل رواية إلى عمل تلفزيوني قد تكون أمراً سهلاً، لكن تحويلها إلى عمل تلفزيوني ناجح هو الرهان الصعب، خاصة أن الحامل الفني في الرواية بشكل عام ليس بالضرورة أن يكون درامياً، وبالتالي فإن خلق الفعالية الدرامية ستكون المهمة الأصعب أمام السيناريست ولاحقاً المخرج.. يقول صهيب عنجريني (صحافي وناقد) "إن الاشتغال على الرواية التاريخية أمر محفوفاً بالمغامرة، فغالباً ما يكون السرد هو الحامل الأساس للرواية التاريخية، ولا أظن أنني أغالي إذا قلت إن الدراما السورية لم تقدّم تجربة مكتملة على هذا الصعيد.
تتباين الآراء إلى حد ما في التقاط حساسية التركيبة، فالبعض يراها معقدة إلى درجة تغلب طرف على آخر (الرواية – التلفزيون) رواية مكتوبة وقائمة، وتلفزيون وفريق تصوير، يجب أن يكون الدمج جدياً ودقيقاً، ترى هل نجحت تجربة مسلسل «التغريبة الفلسطينية» الذي كتب نصه الكاتب الأردني وليد سيف، وأخرجه السوري حاتم علي؟
يجيب عن هذا التساؤل سامر محمد اسماعيل (كاتب صحافي) حيث يقول: "التغريبة رواية تلفزيونية بكل معنى الكلمة، فالأمكنة واللهجة التي أحالها مخرج العمل الفنان حاتم علي إلى مخيال خاص عن فلسطين متكئاً على نص وليد سيف، كان بحق تنويعة جديدة على اللغة البصرية التي تبتعد عن شرح المفردات والمصادرة على خيال المشاهد، بالعكس الكاميرا هنا لها شاعريتها.. لها خصوصيتها في التقاط الوجوه في المخيمات الفلسطينية بأرض الشتات..".
ويضيف اسماعيل: "التغريبة لا يمكن أن تكون رواية لأنها استفادت أيضاً من دمج قصص عدة لجبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني محققاً توليفة عالية في سرديتها عن المأساة الفلسطينية.. لذلك تبقى قدرة السيناريست سيف عبقرية في إنجاز هذا التطواف الفلسطيني هذا الجرح الجماعي لمعاناة شعب اقتلع ما أرضه، التغريبة الفلسطينية لن تكون كذلك جائزة ترضية عن عشرات الأعمال الرديئة التي تناولت القضية الفلسطينية.. خصوصاً السينمائية منها، بل التغريبة على أهميتها تمرين أولي لإنتاج فيلم سينمائي عن أعدل قضية على وجه الأرض في عصرنا هذا.. التغريبة التي امتدت على ثلاثين حلقة تظل مادة تلفزيونية لها حدودها الإبداعية ونوعية جمهورها.. لكن التحدي سيكون في تحقيق فيلم من هذا العيار الثقيل.. فيلم سينمائي يشاهده العالم بأسره عن شعب ذبحه العالم بكل برودة دم..".
جمهور
النقد لا يُعفي العمل الدرامي من تناوله، كتجربة برسم المشاهد، والجمهور هنا، لا يلعب دور الناقد، فهو يبحث عما يمتعه، ويضيف له، إذا عدنا لبعض المهتمين من الجمهور فسنجد أن أغلبهم حفظ ملامح بطل رواية «ذاكرة الجسد».
في الرواية ذاتها حدود مفتوحة على الجماليات الأدبية للبطل، تجاوزت ما جسّده الممثل السوري جمال سليمان في النسخة الدرامية منها، حيث قدم دور رسام اسمه (خالد بن توبقال)، وهو أحد أبطال الثورة الجزائرية والعمود الفقري للرواية، فقد ذراعه أثناء الكفاح المسلح، ووقع في حب ابنة صديق له ومناضل استشهد في حرب التحرير الكبرى ضد الاحتلال الفرنسي. على عكس ما لعبه من دور لا ينسى في مسلسل «التغريبة الفلسطينية» حيث كان يجسد شخصية أحمد (أبو صالح) الفلاح الفلسطيني الذي نشاهد من خلال مسيرة حياته كيف جاءت النكبة الفلسطينية من الاحتلال الإنكليزي لفلسطين حتى أيام وعد بلفور وصولاً إلى الاحتلال الإسرائيلي.. شخصية تكشف بصراعاتها مع المحيط، مدى الرصيد الإنساني الذي تختزنه ذاكرة المناضل الفلسطيني، الذي لم يتخلَّ عن أرضه رغم ما حلّ به من تهجير وشتات.. هكذا سوف يتذكر الجمهور مسلسل «التغريبة الفلسطينية» بشيء من "الدهشة والتحمّس لإنتاج أعمال بمثل هذه الضخامة والأهمية" فهو متعلق بالذاكرة لدرجة مصداقيته وطرحه "الذكي".
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net