Tahawolat
بين الشرق والغرب قصة غرام طويلة وعشق قديم، فمن يحب الثاني أكثر؟ من العاشق ومن المعشوق؟ هل هو حب متبادل أم حب من طرف واحد، وهل بلغ هذا الولع درجة توجّب معها القتل؟ هذه السطور تجيب.
غريب فعلاً أمر هذا الغرب، لقد رهِّب الشرق لدرجة بات الموت الجماعي الوسيلة الوحيدة للخلاص منه. هو انتحار بكل ما للكلمة من معنى!
الغرب يدمّر الشرق من أجل ضمان سلامته، خوفاً من اجتياح فكري جديد، نعم أقول فكريّ وليس اجتياحاً عسكرياً، لأن الشرق لم يغزِ الغرب مطلقاً بواسطة العسكرة بل غزاه بالفكر وبالفكر فقط، والفكر أكبر الفاتحين لو كنتم تعلمون!
 إن ما عرفه الغرب عن الشرق  دائماً كثير ولا يستهان به، فهو موسوعة المعرفة الشرقية، ولكن الشرق نفسه لا يعرف نفسه، فكيف يعرف الغرب وما يريده؟ الغرب يعرف الشرق ولكن الشرق لا يعرف الغرب.
  يعرف الغربُ الشرقَ لدرجة الهوس والولع والحب، فهل من عبارة أقوى وأكثر تعبيراً ودلالة يرددها الغرب عن "سحر الشرق"؟ نعم إن الغرب يحب الشرق الساحر وولهه به يكاد أن يقضي عليه ويقتله!
الشرق أبُ للغرب أم أمّ؟

يعرف الغرب جيداً أنه حفيد الشرق من ناحية الأخوال وليس الأعمام، أي أن صلة القرابة والدم هي من ناحية الأم وليس الأب، بعبارة أخرى، صلة أكثر أصالة وتجذّر، فالأم هي الهوية الوحيدة الأكيدة، التي لا شكّ فيها ولا جدل حولها، أما الأب...!
  توالت الأعراق المنتجة للعرق الأوروبي الحالي، منذ العرق السوري الأول والمؤسس، مروراً بالعرق الآري الشرقيّ، الى العرق الهندو-أوروبيّ الذي يتصف به الأوروبيون حالياً. ونحن حين نتكلم عن العرق، لا نعني به قط فصائل الدم، صفاءه، نقاءه أو خليطه، بل نرمي الى الفكر والحضارة والثقافة، فالمقصود بقولنا الأعراق، العراقة، أي الأصالة والنبل الحضاري وهذه مصدرها الشرق والشرق وحده الذي جعل الغرب غرباً.
منذ الإسكندر المقدونيّ، مروراً بشيبو الإفريقي وقسطنطين الكبير وشارل مارتيل واللمبي وهتلر مرسل الصهاينة إلي الشرق، والسبحة تكرّ من الغازين للشرق أو الداعين لطرد الشرق من الغرب، بزعامة المنظّرين السياسيين المحدثين الداعين لضرب الشرق، من أمثال فوكوياما وهنتنغتون وتشجيعهم، ليس فقط على صدام الحضارات، بلوأيضاً على نسفها من جذورها بعد أنحددوا أن هذه الحضاراتمهددة لوجودهم وهي من عمل الشرق وحده! مراراً طُرد الشرق من الغرب، ومراراً اجتاح الغرب الشرق، واليوم، يطرد الشرق من الشرق نفسه، ولعلّها الجولة الأخيرة الحاسمة! لقد قضي فعلاً على الشرق؟! هل قضي الأمر وانتهى؟
لعلنا نظن ذلك، لسبب وجوديّبديهيّ وهو أن سوريا الأم تنازع وهي في طور النزاع الأخير، وبعد النزاع الموت، فهل بعده من قيامة؟ هل من خلاص؟ هل من جرعة سحرية تعيد إليها الانتعاش؟ ولكن كيف تنتعش وهي بين كفيّ عفريت، بين كفيّ كماشة، بين قطبين فجعين، يريدان بلعها؟ فهي إن نجت من الكوليرا فهل تنجو من التيفوئيد؟ وإن استطاعت الإفلات من شربيد هل تستطيع الإفلات من شيلا (Charbide/Scella)، عفريتي المتوسط الميثولوجيين، قاطعي الطرق بين الشرق والغرب؟!وهل يخلص من كان يصارع في خضم النار؟ هل يخلص من كان في أعماق البراكين والدياجير؟ هل لسوريا أن تصنع لنفسها معجزة جديدة كالتي صنعها ليونس الذي ابتلعه الحوت ثم قذفه فنجا؟ هل من قيامة لأدونيس العصر بعد أن صارع الخنزير فقتل وقام؟ هل من بعل- مار جريوسي- خضر يقتل التنين وينقذ الأميرة ومملكتها؟
لطالما أبدعت سوريا الروايات التي تدل عن أحوالها وما مرّت به من نكبات وأحداث مفجعة، روايات حملت برمزيتها مدلولات كبرى، ماهيتها وخلاصتها البعث والقيامة والتجدد والحياة، من جلجامش الى أدونيس الى السيد المسيح الى المصطفى، الى...لم يعد من أحد! لماذا توقف البعث؟ لماذا انتهت القيامة؟ هل لأن الشرق نضب، جفّ، وهو في طور الإضمحلال الفعلي  والانقراض؟
الأرض بفكرها وليس ببشرها
  "تعرف المدن من رجالها" يقول المثل الغربي، فهل من رجال للشرق؟ هل توقفت الأمة عن إنجاب الرجال ولماذا توقفت هذه الأم السورية عن إنجاب الرجال؟ لأنه ببساطة ما من مخصّب رجل!
  حين عجز البشر عن إنجاب الرجال، استعيض عنهم بالآلهة، فكان ابن الإله المخلّص الوحيد لأمته! فكيف السبيل اليوم الى إنجاب ابنٍ جديدٍ من الإله؟ كيف السبيل الى إنجاب مخلص؟ هل تخلّت الآلهة عن خير أمة أخرجت للعالمين؟ يبدو الأمر كذلك! فهل يجب مضاعفة الصلوات والابتهالات والأدعية والتقديمات والأضاحي والنذور من أجل التماس الشفاعة والرضا؟ وبماذا نفعت تلك المليارات المملّيرة من الصلوات والابتهالات المرفوعة من الشرق؟  الظاهر الى لا شيء، لأن الله يقول بالأعمال وليس بالأقوال! يبدو أن الله يحجم عن إرسال الخلاص لأن الأمر بات عبثاً مع الشرق ، إذ ماذا سوف يقول مرسل جديد؟ ما الجديد الذي سوف يأتي به؟ ماذا يمكنه أن يضيف على ما قاله الأنبياء؟ هناك استحالة فعلية، فما من إضافات البتة، لا يمكن لاالزيادة ولا النقصان، كل شيء قد قاله خاتما الأنبياء، رسولا الله السيد المسيح والنبيّ محمد وانقضى الأمر!  ويا للأسف! لم يفهمهما أحد وهنا مكمن العلّة. الخلاص متوفّر ولكن ما من أحد يأتيه! وكيف يشفى من اعتاد على ارتياد الصيدليات العصرية وما احتوته من علب ومخدرات غربية؟ كيف لعبوّات الغربي هذه أن تشفي الشرق، هذا إن لم تنسفه؟  الكل يرتجف من القلق والخوف والارتعاد من المجهول، وكيف يدفأ من خلع عباءته ولبس معطفاً غريباً عن بشرته؟ كيف يهنأ من أهمل كتبه وجعلها تحترق في غبار الرفوف؟ أكثر من ذي قبل يُستبعد الأنبياء! وأكثر من أي زمن مضى يقتلون! الشرق قاتل الأنبياء، فما نبيّ بين أهله! فكيف يرحم الله ويشفق ويخلّص؟
للمرّة المليار تخطف الأفعى نبتة الخلود! للمرّة المليون يُطرد البشر من فردوس المعرفة! للمرّة الألف يقتل الخنزير البعلَ المخصِّب في هلال خصيب خصّب الدنيا! لمئات المرّات يصلب المعلّم وتسمّر المحبة! ولآلاف مؤلّفة من المرّات تشيّد أبراج الجهل ويضطهد محطّمها!  لقد وقعت بذور المعرفة في أرض جدباء، قاحلة، صخرية، صماء فماتت حبوب القيامة. لقد يبست الشجرة فوجب قلعها!
الغرب مخلّص الشرق من حيث لا يدري!
لن يخلص الشرق إلا بطوفان يطيح به حتى يُحمل غصن الزيتون والسلام من جديد وحتى يستظل المرء تحت شجرة المعرفة ثانية. فنعم الطوفان الذي يبعثه الغرب!
هل أدرك الغرب أنه يقتل الشرق لكثرة حبه له؟ هل أدرك الغرب أنه بقتله الشرق سوف يحييه ويبعثه كما أراد خالقه له أن يكون خير أمة تُخرج للعالمين؟ هلا وعى الغرب أن خلاص الشرق هو بولادة جديدة سوف تكون على يده؟ لو أدرك ذلك لما قتله وتركه يتخبّط في غيّته وعبثه وجهله دهوراً. ولكن الغرب لا يعي ولا يدرك لأنه يحب، هو يحب الشرق. هو عاشق طمّاع يريد الحبيب، والعاشق مصاب بعلّة تفوق المعشوق، فمن يلجمه عن الشوق والغيرة والجنون؟والعاشق المجنون يقتل الحبيب ويقتل نفسه، فيموتان معاً! والغرب يريد قتل الشرق ودفنه الى الأبد، والشرق لا يقتل لأن الشرق فكر سبق الغرب واحتواه،فهل إذا مات الشرق يحيا الغرب؟
 


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net