Tahawolat
انتشرت في العقدين الماضيين مقولة تلازم المسارين اللبناني والسوري في عملية السلام,وكعادة اللبنانيين ايد قسم منهم هذه المقولة وما يتبعها من ضرورات التنسيق اللبناني السوري لتحقيق مضمونها في ما عارضها القسم الاخر معتبرا انها من حجج الهيمنة السورية على لبنان. وذهب هذا الفريق بعيدا في معارضته لتصل الى معارضة النظام السوري بحد ذاته. بعد استشهاد رئيس الوزراء رفيق الحريري عام 2005 تبدلت المواقف من تلازم المسارين ومن سوريا تحديدا .لم يغير انسحاب القوات السورية من مواقف بعض القوى السياسية تجاه سوريا بل ازدادت شراسة فيما انفرد التيار الوطني الحر بوقف كل تهجماته على سوريا فور انهاء انسحابها من لبنان.لم يمض وقت طويل حتى اندلعت احداث  في سورية في 15 اذار 2011  في وقت كان اللبنانيون ما زالوا في مرحلة حوار وطني حول خلافات كبيرة من دون التوصل الى نتيجة  وجاءت هذه الاحداث لتزيد الانقسامات والخلافات في ما بينهم.
الاهمية الجغرافية الاستراتيجية لسوريا:
كثر الحديث عن الموقع الاستراتيجي لسوريا ,وقد  اسهمت هذه الاحداث في توضيح اهمية الموقع من خلال مواقف الدول الكبرى.ان اي انهيار للنظام السوري من شأنه ان يكون مكسبا كبيرا لتركيا التي  اتخذت اجراءات عملية لتحقيق هذا الانهيار( انشاء المجلس الوطني ,الجيش الحر,تسليح..). يؤدي المكسب التركي المفترض الى تصاعد دور الحكم الاسلامي في تركيا وزيادة تأثيره على دول اسيا الوسطى واذربيجان وعلى جنوب روسيا الذي تدين غالبية سكانه بالاسلام(بين 15 و20% من عدد سكان روسيا).ترى روسيا ان اي سقوط لسوريا سيؤدي الى اندفاع الاسلاميين من تركيا الى الجنوب الروسي والى اسيا الوسطى واذربيجان وهذا ما يشكل خطرا جديا على امنها القومي وهي لم تنس  بعد ماجرى في الشيشان  .من هنا كانت المراهنات على توقف الدعم الروسي للنظام السوري عقيمة لانها لم تراع المصلحة الاستراتيجية لروسيا .يضاف الى ذلك ان المرفأ الوحيد في المياه الدافئة على البحر المتوسط الصديق لروسيا هو مرافىء سوريا في طرطوس واللاذقية.اما الصين فانها تحذو حذو روسيا في علاقاتها الدولية انطلاقا من مصلحتهما المشتركة في مواجهة الغرب.واما ايران فحساباتها الاستراتيجية دقيقة جدا وتقع سوريا في قلب استراتيجية ايران منذ الستينات وازدادت هذه الايام مع الاستقطاب الحاصل بين معسكرايران- سوريا -حزب الله ومعسكر تركيا- مجلس التعاون.

كيف كانت مواقف اللبنانيين من الازمة السورية الراهنة؟
 استمرارا للانقسام السياسي القائم بين اللبنانيين تباينت مواقف القوى السياسية اللبنانية من الازمة السورية واتخذت في بعض الحالات استقطابا حادا بين مجموعتين:الاولى تعتقد بان النظام السوري سوف يسقط بسرعة ,والثانية تفول ان السلطة السورية سوف تنهي الاضطرابات بسرعة ايضا.مع استمرار الاحداث تبين عدم صحة اي من الرأيين المبنيين على رؤى خاصة وليست على حسابات سياسية جدية .تبين ان للازمة السورية بعدا اقليميا تجلى في مواقف تركيا ومجلس التعاون الخليجي لا سيما السعودية وقطر الداعية لاسقاط النظام من جهة وايران وابرز اللاعبين من غير الدول في المنطقة حزب الله الداعية للحفاظ على النظام من جهة اخرى.كما تجلى البعد الدولي للازمة في ممارسة روسيا والصين حق الفيتو في مجلس الامن ضد مشاريع قرارات تؤذي سوريا.
دخل لبنان الى قلب الازمة السورية بحكم الجغرافيا والسياسة ومن دون استئذان الموالين ولا المعارضين واصابت رياح الازمة النسيج اللبناني الهش في ظل دولة تبدو قدرتها نسبية على تحقيق ما ترمي اليه. قررت الحكومة ان تنأى بنفسها عن الازمة السورية لكنها لم تتمكن من تنفيذ قرارها بصورة كاملة لان التداخل الجغرافي في عكار والبقاع هو اقوى من الموالاة ومن المعارضة ومن قرار الحكومة, وانغمس الشمال والبقاع الشمالي بهذه الاحداث.
التأثيرات السياسية للازمة السورية على لبنان
-الوضع الحكومي :سقطت حكومة الرئيس سعد الحريري على وقع سقوط نظام مبارك  وبن علي وتغيير النائب وليد جنبلاط اتجاهه السياسي نحو الوسطية.كلف الرئيس ميقاتي بتأليف الحكومة لكن الاحداث السورية اندلعت واخرت تشكيلها نحو ستة اشهر.منذ تشكيل هذه الحكومة وقوى 14 اذار تجاهرفي غير مناسبة بالسعي لاسقاطها.بعدما اسمتها حكومة حزب الله لضربها في الغرب تحاول ان تستغل الاضطرابات المستمرة والدراماتيكية في سوريا لاسقاط هذه الحكومة .لتاريخه لم يتدهور الوضع في سوريا بشكل يقنع النائب جنبلاط بتغيير اتجاهه واسقاط الحكومة لان سقوط الحكومة وافقادها الغالبية البرلمانية يكون فقط عبر موقف جديد للنائب جنبلاط.
قانون الانتخاب:
شكلت هواجس المسيحيين مما جرى في العراق وما يجري في سوريا دافعا لقسم منهم بان يطرحوا نظام التصويت ضمن الطائفة لضمان تمثيل حقيقي لهم وهو ما عرف بالمشروع الاورثوذكسي,لكن التسوية التي جرت على ما يبدو في بكركي رجحت خيار النسبية الذي قرره مجلس الوزراء مؤخرا بانتظار درسه في المجلس النيابي.
السياسة الخارجية:
لم يعد لبنان في السياسة الخارجية مع سوريا او على يمينها احيانا او على يسارها كما كان في حقبة 1991 -2005 .واصبح النأي بالنفس سياسة معتمدة في كل الشؤون الخارجية.
الامن :
-دخول المعارضة السورية المسلحة الى لبنان وما قيل عن تهريب اسلحة ومقاتلين من لبنان الى سوريا وضبط باخرة تنقل اسلحة الى لبنان قيل ان مقصدها النهائي سوريا, وزيارات مسؤولين اميركيين الى الشمال وكلامهم عن ممرات امنة وانسانية الى سوريا, اسهم بادخال لبنان بالنزاع القائم في سوريا.كما ان الاتهامات الموجهة لحزب الله بالمشاركة في الاحداث السورية اسهمت في تسعير الموقف رغم عدم وجود دليل على ذلك.
-الاشتباكات التي تحدث بين القوات السورية على الجانب السوري والمعارضة السورية المسلحة على الجانب اللبناني تهدد بتحول النهر الكبير الى خط تماس دائم.
-ادى تفاقم هذا الوضع الى اشتباكات لبنانية- لبنانية على الجانب اللبناني من الحدود ماينذر بامتداد هذا النزاع الى الداخل اللبناني (فنيدق -الجعافرة)
- يؤدي استمرار النزف السوري الى تهجير مزيد من السوريين باتجاه لبنان بعد اقفال حدود العراق وضبط  حدود الاردن وتقنين الحركة في الحدود مع تركيا .سر اللبنانيون بالنازحين السوريين الاثرياء الذين عوضوا غياب الخليجيين المفروض من حكوماتهم.لكن هل نتخيل ان ينزح باي وقت الى لبنان عدد كبير من السوريين ومعظمهم من الفقراء؟ ان مسار الاحداث يتبع هذا الاتجاه. حاليا يقدر ان هناك 10 الاف مسلح سوري الان من اصل 600 الف  نازح  سوري ومقيم اصلا في لبنان .نحن امام وضع جديد, قسم من البيئة التي احتضنت الفلسطيني المسلح سابقا تحتضن اليوم هذاالمعارض السوري المسلح خصوصا ان التمويل مؤمن بحسب ما يعلن من بعض دول الخليج . لنتخيل ارتفاع عدد النازحين الى 2 او 3 ملايين.هذا هو الهم الامني والسياسي الاول للبنانيين من 8 و14 اذار معا .
الاقتصاد:
يؤدي استمرار الاحداث في سوريا الى اعباء اقتصادية على لبنان منها:
- زيادة عدد النازحين الى الملايين تؤدي الى اعباء اقتصادية كبيرة وضغط كبير على خدمات الايواء والكهرباء والمياه والصحة و الامور المعيشية كافة وزيادة التزامات الدولة  التي لا يمكن تعويضها من المساعدات الخارجية لان معظمها يصرف لغايات سياسية ولدعم تنظيمات خاصة لهذه المعارضة.
-ان فقدان الامن والاستقرار في سوريا من شأنه ان يوقف حركة الترانزيت فيها وبالتالي وقف التصدير والترانزيت من لبنان الى الدول العربية  والتسبب بخسارة كبيرة للاقتصاد اللبناني.
-في هذا الجو المفترض يتراجع قدوم السياح الى لبنان ويشهد هذا القطاع خسائر كبيرة.
-صحيح ان اموال المعارضة السورية تدخل في الدورة الاقتصادية اللبنانية كما دخلت سابقا اموال المنظمات الفلسطينية قبل عام 1982 لكن ذلك لا يحافظ على الاقتصاد ويحوله الى  اقتصاد ريعي  صغير لا يلبي الحاجة الوطنية .
الحلول المقترحة:
ان جانبا كبيرا من تداعيات الازمة السورية على لبنان لا يدخل في الاستقطابات السياسية وخصوصا الجانب الاقتصادي واغلب الجانب الامني .الحكومة اللبنانية والقوى السياسية كافة مدعوة اليوم للانكباب على وضع خطط لمواجهة هذا الوضع الطارىء منعا لتفاقمه.يجب تقديم الدعم السياسي والمعنوي والمادي للجيش اللبناني من اجل ضبط وضع المعارضةالسورية المسلحة وعدم تفاقمه وفقدان السيطرة عليه بحيث ينضم الى السلاح الفلسطيني القائم منذ اكثر من اربعين عاما والجدال حول سلاح المقاومة القائم منذ عام 2005 تعبير جديد هو سلاح المعارضة السورية.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net