Tahawolat
هل صحيح ان العلوم تتقدم على حساب القيم الأنسانية؟
وهل صحيح ان المجتمعات الانسانية تتراجع كلما حققت العلوم تقدماً؟
وأذا كان لابد من ثمن تدفعه المجتمعات لقاء تقدمها العلمي فما هي ؟
هذه الأسئلة يجيب عنها  د:عاطف حكيم في مقالة قيمة تضيء على بعض الانحرافات التي يعانيها شبابنا وآثارها على مجتمعاتنا .

علم الأخلاق
ونبدأ سؤالاً: هل حقاً تراجعت القيم الأخلاقية بتقدم العلوم والتقنيات الحديثة؟ هل حقيقة أن المجتمعات الإنسانية تتراجع على حساب التقنيات العلمية الحديثة؟
قبل الإجابة على السؤالين، أعلاه، يجب الإجابة على سؤال أسبق وأولى بالبحث، وهو: ما هو المقصود بالعلم؟ وهل أن الأخلاق علم؟
والعلم هو كل فرضية تنتهي نتيجة واحدة في كل زمان ومكان، فمثلاً 1+1=2 في كل مجتمع ومهما اختلفت لغته وشكله ولونه وحجم رأسه، أو أن الكذب فضيلة سيئة وأن الصدق فضيلة حسنة وفي كل مجتمع ومهما تباين واختلف، أو أن شرط وجود الإنسان مرتهن بشرط وجود الأمة ـ الوطن ـ الدولة، ومهما ارتقى الإنسان في الثقافة أو جهل؟
عليه، هل أن الأخلاق هي علم؟ أليست الأخلاق علماً؟ أليست النفس علماً؟ أليست الفلسفة علماً؟ لا شكّ في ذلك ولا مندوحة. كذلك ليس من شكٍّ أن المقصود من العلم المتضمن في فحوى الموضوع هو كالنتيجة علم قائم بذاته، وإن كان متوارياً خلف رمزية الأهداف والغايات.
كل شيء علم حتى أبسط الأمور في الحياة والتي نظن أنها بسيطة.
هذا والعلم يخضع لقانوني التطور والتقهقر، للتطور والتراجع، فالتطور الذي ينال من مدرسة علمية ما، فهو ينال من جميع المدارس الأخرى كافة.

الأخلاق بين الجمود والتطور
ومما لا شك فيه، أيضاً، أن العلوم الإنسانية والأخلاقية تواكب تطور العلوم التقنية تتطور بتطورها وتتقهقر بتقهقرها. وقد تطورت الأخلاق في البلاد التي تطورت فيها العلوم التقنية كالبلاد الأوربية مثلاً، وقد تقهقرت الأخلاق في البلاد التي تراجعت فيها العلوم التقنية كالبلاد العربية مثلاً. والعكس ليس صحيحاً، أي لو أن الأخلاق تتقهقر في بلاد العلوم التقنية وتطورها، لكانت تراجعت أوروبا أخلاقياً وتطورت البلاد العربية، وللحقيقة فإننا نرى أن بلاد الأرض الشمالية، بلاد السويد وأسوج والنروج، هي أكثر تطوراً أخلاقياً وأكثر ترفّعاً عن الأمور المادية الشكلية، وأكثر نزاهة وابتعاداً عن المصلحة الفردية المشوبة بالأنانية والفردانية. حتى وبإمكاننا القول إن فكر السيد المسيح، أو فكر الإنجيل المقدس وكذلك فكر جبران خليل جبران، لم يترجم عملياً إلا في تلك البلاد، حيث تطورت العلوم التقنية وعلى مختلف مدارسها. ففي طول تاريخ المسيحية وعرضها لم يعِ العرب معنى للآية الإنجيلية: {(27) وَسَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: لاَ تَزْنِ (28) أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ بِقَصْدِ أَنْ يَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ } (إنجيل متى، الفصل 5، الآية 27-28). أما في بلاد السويد وسويسرا والتي دخلتها العلوم التقنية ومنذ زمن بعيد، فقد وعت مفهوم الآية وهضمتها وحفظتها وعملت بموجبها. وما وقف العرب مندهشين متعجبين لنوادي العراة في تلك البلاد، إلا لأنهم لم يعوا كلام السيد المسيح. ومن مقارنة بسيطة يتبيّن معنا أن بلاد أوروبا هي بلاد الحضارة والرقي بينما بلاد العرب، فهي بلاد التخلف والانحطاط، بلاد العالم الثالث، وباعتراف العرب أنفسهم، لم نجد في بلاد العرب إلاّ انحطاطاً واستخفافاً وتخلفاً مع كثرة الثياب المتحركة. هذا، ولو كانت الثياب وقاراً وشرفاً وصوناً للجسد ومفاتنه كان على العرب أن يعبدوا ويحترموا ويجلوا أوروبا، ذلك، لأن أوروبا هي صانعة الخيط الذي حصّن العرب.
ملاحظة، نرجو أن لا تظنوا بنا سوءاً، فنحن لا نتعصب للعري أو للثياب، إنما نقدم مثلاً للبحث والمناقشة.
هذا، ولو كان صحيحاً أن العلوم الإنسانية تتراجع مع تطور العلوم التقنية، أو لو كانت العلوم الإنسانية تنشط في المجتمعات التي تفتقر للعلوم التقنية، لكانت المدارس أُقفلت في الغرب قبل الشرق، ومنذ زمن بعيد ولكانت الوظائف الإدارية، الفئة الأولى تسند للأميين، الجهلة، أو لرجال الدين أولئك الذين توقفت علومهم عند حدود الطقوس الدينية.
حتى، وفي المجتمع المتخلف تقنياً كبلادنا مثلاً، فإننا نقع على الفساد، وليس إلا على الفساد، كأعمال الجريمة والأخلاق المنحطة، وتلك الأعمال الفاسدة هي في اطراد مستمر ومتفشية كتفشي الزيت فوق الماء. هذا ونسبة تفشيها وانتشارها في البلاد العربية أكثر نسبة من تفشيها وانتشارها في المجتمعات الأوروبية الحديثة حيث العلوم التقنية وحيث العري وحيث الحرية وحيث أن السلطة هي للدولة وحسب. إن انتشار الفساد ناشط في البيئة الاجتماعية المتخلفة، علمياً وفكرياً وفلسفياً، أما البيئة العلمانية، فإننا بالكاد نلاحظ فساداً أخلاقياً، وانحطاطاً حضارياً، ونظرة سريعة إلى التاريخ القديم، فإننا نلاحظ، أن المجتمعات السبّاقة إلى التقنيات، هي السبّاقة إلى الإنسانيات والأخلاقيات، فالمجتمعات التي عرفت علم الزراعة، هندسة الزراعة، آلة الزراعة، هي الأكثر حضارة والأكثر رقياً من المجتمعات التي اعتمدت في حياتها على الصيد أو الرعي وحسب. اليوم الحضارة في أوروبا موجودة، لأن أوروبا نحت في معاشها على الزراعة والصناعة والإبداع الزراعي والصناعي، أما في الأمس وعندما كانت أوروبا تفتقر للزراعة وآلة الزراعة كانت مثل البلاد العربية اليوم لا حضارة فيها ولا رقي ولا إنسانية. وخير دليل نؤكد فيه صحة نظرتنا، مجتمعات آسيا العربية ومجتمعات إفريقيا، وبمقارنة بسيطة بين هذه المجتمعات والمجتمعات الأوروبية، فإننا نلاحظ الفرق الحضاري والتباين في القيم الإنسانية والاختلاف في الفضائل الأخلاقية. هذا، والبراهين على ذلك نستقيها من أفواه رجالاتنا العظام وعلى مختلف وجوههم وألوانهم وثقافاتهم. 
لقد تأكد، وبشكل قاطع، لعلماء الفكر المقولة التالية: "من امتلك السلاح العلمي، من امتلك القوة العلمية، ضبط مجتمعه أولاً وساد على العالم ثانياً". وهذه هي أميركا خير دليل على صحة ما نقول. يظن أو يروج أولئك العملاء، مقولة: "ابنوا الدولة ثم فصلوا لها فكراً" أو أن الدولة أولاً وثانياً الفكر، وهذا الكلام ليس إلا شعاراً لا قيمة له ولا ثمن، ونقول إن الفكر أولاً ثم الدولة، وهذه هي دولة النبي محمد، أولاً، النبي نشر الفكر الإسلامي الناضج الذي تأتّى من فكر السيد المسيح، ثم تطلع النبي إلى أمة سيدة حرّة، وأخيراً، تطلع إلى دولة، وبذلك كان النجاح وانتهت أمة محمد إمبراطورية سيدة على العالمين. إن أميركا وأوروبا، التي تعرف بالدول الكبرى، هما اللتان تتطلعان إلى إمبراطورية تسود بواسطتها العالم. دول أوروبا وأميركا هي التي تطورت فيها العلوم أولاً وقبل أن تتطلع إلى سيادة العالم واستعماره، تلك الدول هي دول الأخلاق والعلوم وليس كدول آسيا أو إفريقيا، فلو كان صحيحاً أن تقنيات العلوم الحديثة تفسد المبادئ وتشوه القيم، لكانت سيادة العالم لآسيا أو لإفريقيا الفقيرة للعلوم التقنية الحديثة والفقيرة لعلوم الأخلاق.
ملاحظة، أيضاً، لا تظنوا بنا سوءاً، وتحمّوا علينا الأعداء بالعداء للعرب وللوطن، إنما نقول الحقيقة من أجل أمر عظيم يساوي وجودنا نحن كشرقيين أولاً وكعرب سوريين ثانياً، لعلنا ننحو صوب العلوم، ولعل قام الفينيق من تحت الرماد.
لقد جاء في مقدمة ابن خلدون، علم مفاده: "أن الحروب هي أمر طبيعي بين البشر"، عليه، فالحروب هي آلة ضبط نسبية الحياة على الأرض، بعكس عالم الحيوان، إذ أن الحيوان الأقوى هو ضابط نسبية عدد الحيوانات الأضعف، فالذئب، مثلاً، هو ضابط نسبية الأغنام والماعز وما شابهها، والأسد والنمر والفهد ليسوا إلا جهاز ضبط الغزلان والثيران وهكذا... هذه هي الحقيقة العلمية الاجتماعية، وهكذا رآها ابن خلدون، وقد ترجم أحد المفكرين المعاصرين كلام ابن خلدون على النحو التالي: يجب تصنيع سورية من أجل الحروب القادمة. يجب امتلاك السلاح من أجل تأدية رسالة إنسانية أخلاقية إلى العالم الجديد. 
وبناءً على ما تقدم، فإن العلوم التقنية والعلوم الأخلاقية متواكبة تسير معاً جنباً إلى جنب، تقوم وتتطور معاً، وتقعد وتتقهقر معاً، والعكس ليس صحيحاً.
الأخلاق وليدة البيئة، وهي رفيعة راقية بنسبة علومها التقنية. في الأمس القريب، وحين كان المفهوم العلمي يظن أن القمر مجرد قمر لا يزيد حجمه عن كرة السلة الأميركية، كانت تسود في الشرق أخلاق مفادها شعب الله المختار، أو خير أمة أخرجت للناس، وكان الآخر ليس إلا حيواناً ويريد التهام الحيوان الأضعف، أما اليوم وبعد أن اكتشف القمر وبعد أن غزاه الإنسان، فقد تطورت العلوم الإنسانية بتطور علم اكتشاف القمر، وبذلك أصبح الآخر أنا، الآخر حقيقة إنسانية وليس جحيماً، فإن ألغيته فقد ألغي الأنا نفسي، ذاتي قبل أن ألغيه، وإذا أردت حقاً إلغاءه، فعلي أن ألغي نفسي وبإلغاء نفسي ألغيه.
وما يصح على علم الفلك يصح على أي علم آخر، كالطب والهندسة والرياضيات والإلكترونيات وغيرها... ونختصر الكلام في الأمثلة لضيق الوقت، ومن أجل فتح ملف عبدة الشيطان والمخدرات.

المخدرات طريق عبادة الشيطان

للأسف، فالمخدرات وما شابهها، كالتدخين والكحول، تنتشر في العالم العربي، عامة وبين الجماعات الدينية خاصة، انتشار النار في الهشيم والريح عاتية. وعندما نقول الجماعات الدينية، فإننا لا نستثني أي جماعة، جميع الجماعات الدينية في الشرق مبتلية بمرض المخدرات، ويعود السبب في ذلك إلى اليأس، إلى الجدار المسدود، إلى حائط المبكى. لكل جماعة دينية شرقية حائط وتنطحه. حتى المدارس، فالمدارس تعاقب الولد بأن يقف حيث اللوح ووجهه إلى الحائط. 
انتشار المخدرات والانحلال الأخلاقي
للأسف نقول إن المخدرات والكحول والزنا، خاصة، تنتشر في العالم العربي انتشار النور في الظلام، هذا وتنتشر وسط الجماعات الدينية، الطائفية، كانتشار الإشعاع في الكون، أكثر من أي جماعات أخر. وليس كما يروج ويشيع البعض وعلى ألسنة رجال الدين أنفسهم أن المخدرات والكحول والزنا تنتشر في الصروح العلمية برمتها، ومن المرحلة المتوسطة وحتى المرحلة الجامعية. وما المقصود من هذا الترويج وتلك الإشاعات؟ أليس المقصود نشر المخدرات والكحول والزنا وبالتالي إقفال الصروح العلمية ونسفها؟ ومتى نُسِف آخر صرح من الصروح العلمية حتى تقع الأمة والدولة والمجتمع والشعب لقمةً سائغة في فم التنين.
إن المخدرات تنتشر بين الجماعات الدينية في العالم العربي، وحين نقول الجماعات الدينية، فإننا لا نستثني أي جماعة دينية، فمن الجامعة الدينية الوثنية والجماعة الطوطومية وحتى المسيحية فالإسلامية. هذا، ونرى ونلاحظ أن المخدرات والكحول والزنا لهم الدور الأهم في العبادات، لا بل أن العبادات لا تقوم إلا بها، فمثلاً، المسلمون لا يشددون في هدايتهم إلا على أن الكحول والزنا حرام، ثم حرام، ثم حرام. وفي علم نفس المجتمع، فأن التشديد في المنع والتحريم، فالأمر يرتد عكسياً بين صفوف الشباب، ونحن نتكلم هنا من منطلق المبدا القائل "إن المتحدث بالسوء كفاعله".

المخدرات بين الدين والعلم
والسؤال: لماذا العلوم الدينية تشدد على منع المخدرات والكحول والزنى؟ وبالمثل لماذا تمنع الصروح العلمية، خاصة منها الطبية والمخبرية، المخدرات والكحول والزنى؟ وبالتالي ما هي الأسباب التي عوّلت عليها كلا المدرستين، الدينية والعلمية؟
من نظرة سريعة إلى كلتا المدرستين، يتبين لنا أن المدرسة الدينية تمنع الآفات الثلاث بعلة أن المخدرات والكحول تذهب بالعقل وبذهاب العقل يبتعد المرء عن عبادة الله خير عبادة، أما الزنا فقد ربطته المدرسة الدينية بالشرف وحسب. أما إذا نظرنا إلى المسألة بعين المدرسة العلمية، فإن هذه المدرسة تفيدنا، وباختصار شديد ما يلي: أن المخدرات تفتك بخلايا الأعصاب، إلا أن الإنسان بحاجة لها، إنما ليس بحرية التصرف، بل فقط ضمن المؤسسة الطبية. أما الكحول فهي أيضاً، تفتك بالدم وبجهاز تصفية الدم، البنكرياس، إذ سرعان ما يكسل هذا الجهاز. وبالتالي يمرض الإنسان وسرعان ما يموت. ومع ذلك فإن للمخدرات فوائد كثيرة، إنما بكميات قليلة وقليلة جداً. من مثل أن مادة الويسكي تفيد جهاز القلب، وأن العرق ينظف المعدة من الحشرات الموجودة في المعدة والمتأتية عن طريق الأطعمة خاصة منها اللحوم، وأن النبيذ يفيد خفض معدل السكر في الجسم وهكذا... وأما الزنا فهو مرفوض جملة وتفصيلاً، لأن الإختلاط الجنسي يؤدي الى الأمراض الزهرية أو السيدا أو الأيدز أو القضاء على جهاز المناعة.
والملاحظ أن الذين يصغون للمدرسة العلمية أكثر احتراماًً وأكثر تنفيذاً لأوامرها من الذين يصغون للمدرسة الدينية. لماذا؟
نحن لا نبحث المسألة من وجهة العبادة كما يمكننا القول: إذا كانت المدرسة الدينية توافق على أن في الزنا فوائد سلبية وأخرى إيجابية إلا أنها لا تسحب هذه المسالة على آفتي المخدرات والكحول، فهما سلبيتان، مرفوضتان بالمطلق. مع الإشارة إلى أن الآية الكريمة تقول: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}. وأيضاً، الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}. كما ويجدر القول إن المدرسة الدينية منقسمة على بعضها بين محرم ومباح.
ليس هذا وحسب، فبعض المذاهب الدينية، الصوفية الجديدة تعتمد في عباداتها على التخدير بواسطة الغبار، وذلك عن طريق دوران الفرد حول نفسه ومن جراء الدوران أولاً ومن الغبار المتصاعد من أقدامه ثانياً يتخدر المرء ويسكر. وسكر الغبار أشد وأقوى من سكر المخدرات والكحول.
هذا وإذا دخلنا إلى الجماعات الإفريقية فإننا نقع على مقولة إن المخدرات مقدسة، ذلك أنها تفقد المرء الإحساس بالجسد، وعندما يفقد المرء إحساسه بالجسد يقوى الإحساس والشعور بالروح، الإحساس بالروح يقوى بضعف أحاسيس الجسد. وعندما تستيقظ الروح من ثباتها بقدرتها أن تبلغ إلى درجة العلاقة بين الخالق والمخلوق، بين الله والعبد.
كما يجدر بنا القول إن تقديس المخدرات لا يقتصر على الجماعات الإفريقية المنسية، بل يشمل حتى الجماعات الحية كالجماعات المصرية والليبية مثلاً.
إذا، أين نجد انتشار المخدرات والكحول؟ 
يشدد رجال الدين الشرقيون والإعلام السياسي في الشرق على أن المخدرات منتشرة في الغرب وبقارتيه الأوروبية والأميركية، ويردون سبب هذا الانتشار في الغرب إلى انحلال الرابطة العائلية، مما أدى إلى انتشار المخدرات إلى جانب آفتي الكحول والزنا، وهذه الآفات الثلاث كانت سبباً لانتشار آفة رابعة ألا وهي عبادة الشيطان بدل عبادة الله،  فهل حقيقة هذا التشديد وهذه الأسباب؟
وتصدت المؤسسة الدينية بلسان أعلامها وإعلامها للآفات الثلاث. اما منهجيتها في التصدي، فقد اقتصرت على طلّة تلفزيونية كل سنة مرة. والسؤال: هل حلقة إذاعية واحدة في السنة كافية للحد من انتشار الآفات الثلاث؟ وهل أن حملة مكافحة المخدرات اليتيمة في السنة هي  حملة الحد من انتشار المخدرات، أم أنها حملة نشر المخدرات والترويج لها وذلك عن طريق تذكير الناس بالمخدرات؟

العبادة بغاياتها
في الجواب: نعم ولا.
نعم، إن  الفكر الذي ذكروه موجود، وهو موجود وحسب، أي أن وجوده بين الجماعات الغربية كوجود الفكر الإسلامي عينه أو الفكر المسيحي أو أي فكر آخر. هذا والأفكار الفلسفية كثيرة في بلاد الغرب، ففي الشرق لا يوجد مثلاً الفكر الظاهري أو الظواهرية والفكر الطبيعي والفكر الوجودي وغيرها... أجل لقد انتشر فكر عبادة الشيطان في بعض الجماعات الأوروبية، إنما هنالك فرق كبير بين مفهوم الشرقيين لهذا الفكر وبين مفهوم الغربيين له. في الشرق اقتصر الأمر على العبادة وحسب، أما في الغرب فإن الأمر مختلف تماماً، فالفكر الشيطاني، أو عبادة الشيطان هو عصبية كبرى وتعصب كبير للبلاد، للأمة، للوطن. الفكر الشيطان هو حصن منيع بوجه الفكر المسيحي والفكر الإسلامي اللذين استعمرا بلاد الغرب. إن العبادة بغاياتها. عبادة الشرق من أجل عبادة الله وحسب حتى وإن خرّبت البلاد والأمة والوطن. بينما عبادة الغرب هي للأرض والبلاد والأمة والوطن، حتى وإن خرّب الله. عبادة الشرق تقتصر على العبادة وحسب بينما عبادة الغرب من أجل الحرية. هذا وليعلم الجميع نحن لا نميل ولا ندافع عن أية جهة كانت، نحن نبيّن رؤية كل مجتمع وذلك من أجل وجودنا نحن الشرقيون. ونظرة سريعة يلاحظ صاحب الضمير والوجدان الفرق بين الشرق والغرب. الشرق في خراب وتقهقر مستمرين بينما الغرب في تطور وارتقاء مستمرين.
قلنا في الجواب على السؤال انتشار المخدرات والكحول وأسبابها  نعم ولا، فكيف نعم ولا؟
نعم في الغرب تنتشر آفة انحلال العائلة، إنما أنموذج العائلة في الغرب، هو مؤلف من ثلاثة أفراد الأب والأم وولد ما دون سن النضوج. وأحياناً لا يكون هذا الولد من صلب الأب والأم. بينما في الشرق، فإن مفهوم العائلة مجهولة العدد، فهي تصل حتى العشرين في البيت الواحد، العائلة تتألف من الأب والأم والجد والجدة (للأب وللأم) والعم والعمة والخال والخالة ولا نعرف عددهم، ومن الأولاد (والأولاد لا نعرف عددهم) والأحفاد أحفاد الصبي وأحفاد البنت.
المجتمع الغربي يخلو من المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها الشرق كالمنافسة على الميراث، والحسد، والغيرة والطمع والثأر والزنى والمخدرات والكحول.
الأولاد في الغرب هم ملك الدولة، وبالتالي هي المسؤولة عنهم مادياً وصحياً وروحياً وثقافياً. بينما أولاد الشرق، فهم ملك العائلة وحسب أما الدولة، فليس لها من حصة في أولاد الناس. وبالتالي الدولة ليست مسؤولة عنهم لا مادياً ولا روحياً. 
المخدرات في الغرب تعبير عن واقع فاسد، عن نظام فاسد، تعبير عن تطلعات مستقبلية وسيادة على الكون. وكل ذلك من أجل التغيير والثورة، بينما المخدرات في الشرق، فهي هروب من واقع مرير وحسب، لا أكثر ولا أقل.
انحراف الشباب الغربي إلى المخدرات بدافع التجديد، أو إثر تطور وقوة وسيادة، بينما انحراف الشباب الشرقي إلى المخدرات بدافع اليأس، أو بدافع الفراغ، ماذا نريد أن نفعل؟ لا يوجد عمل... 
الشباب الغربي يميل إلى المخدرات علمياً ومثلما يميل إلى الموت لاكتشاف مجاهله، بينما الشباب في الشرق فهم يميلون للمخدرات طقسياً، عبادةً، ويميلون للموت يأساً وانتحاراً. هذا والشرق هو المجرم، وهو المسؤول عن انحراف الشباب الغربي إلى المخدرات والموت، فإذا كان الشرق هو من روج لحياة بعد الموت، إذاً، لماذا يلوم من يسعى إليه؟ راجت المخدرات وانتشرت آفة الكحول وتفشى الزنى بين الناس مما أدى ذلك إلى ولادة الفكر القديم الجديد ونعني به فكر عبادة الشيطان.

ولادة دين عبادة الشيطان
والسؤال من الذي أوجد فكر الشيطان والشيطان غير فكر عبادة الله الواحد، لو لم يروج أهل أديان توحيد الله، المسيحيون والمسلمون لإلهم بالمقارنة مع الشيطان لما كان وجد لا الشيطان ولا الفكر الشيطاني.
الأم المسيحية والأم المسلمة تطبع أولى كلماتها على لوح عقل الطفل الله والشيطان: "الله يحميك من شر الشيطان". والأب المسيحي والأب المسلم يردد وأبداً حكمتين، الأولى في حالة النجاح والفوز: "أنا فعلت" والثانية وهي في حالة الفشل والوقوع في الخطأ: "هو الله"، أي يرد سبب الخطأ لله، نجاح المرء هو صانعه، أما الفشل فمن صنع الله، مشيئة الله. ويردد الشرقي حكمة الفشل أبداً، وهي: "أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم"، أما أمام الفوز والنجاح، فهو ينسى أو يتناسى الله وينسى حكمته.
وأتباع الفكر الشيطاني كما العلمانيين لم يبشروا بوجود إله واحد أحد وحيد، فالشيطانيون لم يبشروا بوجود إله واحد لأنهم لا يريدون أن يبرهنوا على وجود شيطانهم بالمقارنة مع وجود الله، أي لأنهم لا يريدون أن يقعوا بنفس الخطأ الذي وقع فيه أهل أديان الله الواحد. والعلمانيون لا يبشرون  ولا يقرون بوجود إله واحد، لأنهم لا يريدون أن يسود رجل الدين الضيق الآفاق، على مجتمع الطائرة والصاروخ والكمبيوتر ... يريد رجل الدين لإله المنجنيق أن يسود على إله عابرات القارات والنووي والكيميائي... فهل يقدر؟ أما العلمانيون فيرفضون رفضاً قاطعاً. يريد رجل الدين لإنسان العبادة وتأليه الشخص وعبادته أن يقود إنسان الله أو الشيطان وإنسان الحرية، فهل يقدر؟ والعلمانيون يرفضون وكيف يرضون؟ يريد رجل الدين أن يسجن طائر الفينيق في قفص أو أنه يريد أن يحجم الكون على قدر مداركه  ويتبوأ عرش العالم ويحكم ويسود، فهل يقدر لأنه يتمنى ويحلم  ويصلي ويدعو؟
بقدرة رجل الدين الشرقي أن يحقن الطوفان بإصبعه، إنما الطوفان قادم لا محال؛ بقدرته أن يخفي الشمس بأصبعه، إنما الشمس سرعان ما تبتعد عن إصبعه، باستطاعة رجل الدين أن يطفئ نار الشبيبة، إنما جحيم الشباب سيتأجج وناره ستندلع ولا مندوحة من ذلك. وترى الشباب يقولون: "هذه عيوننا حجموها وما شئتم، وهذه معاصمنا قيدوها وما رغبتم، وهذه أعناقنا غلوها وما ابتغيتم، إنما الصباح لنا والفجر نحن أسياده". غداً، وعندما يطل المخلص من خلف الجبل البعيد، امنعوهم إن استطعتم عن حمل صلبانهم، وحين يمضون الحقوا بهم وادركوهم ولن تدركوهم، وهل يدرك الظلام النور؟

مفهوم الله
رجال الدين في الشرق، وأيضاً، الناس أجمعين يتناولون مفهوم الله من باب الترهيب والترغيب، الثواب والعقاب. إن فعلت كذا نلت كذا، إن مارست الطقوس الدينية غفر لك الله وأثابك في جنته، وإن لم تمارس الطقوس الدينية ظلمك الله وعاقبك في جحيمه. أنظروا الله الواحد الأحد يملك جحيماً ونعيماً، جنة وناراً، ألا يملك برداً، هل يوجد في الجحيم تسونامي؟ وهل يوجد في الجنة ريح الجنوب؟ كما يصوّر رجال الدين للشبيبة الله شخصية الله وكأنه بطل من أبطال الحكايات، إله رجال الدين وجه من وجوه الخرافة. بينما الغرب يصوّر الله محبة ومحبة وحسب.
يجيب رجل الدين في الشرق ومثله الناس يجيبون عن سؤال الأطفال: أين الله؟ بالضرب والنعت بالكفر، فإذا كان الطفل لا يعرف مفهوم الله ومفهوم الوجود، فلماذا يضيفون على عقله النامي مفاهيم جديدة قبل استيعاب المفاهيم الأولى؟
كل ما تقدم كانت أسباب وجيهة لولادة الفكر الشيطاني. هذا، ودين عبادة الشيطان لم يجده الغرب إلا لتسفيه فكر الشرق وذلك من أجل تهيئة الأرضية الآمنة لجيوشه القادمة لاحتلال الشرق.
رداً على ذلك، خرج الشباب من بيوت الله غاضبين، ثائرين، رافضين، يطلبون التحرر من إرادة الله وإرادة السلطة الدينية. وحين لم يجدوا بخروجهم بديلاً، لجأوا إلى النقيض لدين الله، ونعني أنهم لجأوا إلى الذي كان يخوفهم منه رجال الدين والآباء والأمهات، أي إلى الشيطان.
ويقول الشباب، نحن لا نعبد الشيطان، نحن ونكاية بالآباء والأجداد، أظهرنا عبادتنا للشيطان. نحن نتحدّى الآباء والأجداد، نحن نتحدّى رجال الدين ورجال السلطة، وعندما يتحرر رجال الدين والآباء والأجداد من خرافاتهم يتحرر الشباب من عبادة الشيطان؛ عندما يجد رجل الدين والآباء والأجداد مكاناً للوطن والأمة في فكرهم نتخلّى نحن الشباب عن الشيطان وعن عبادته.
ويقول الإعلام المأجور لجمعيتي رجل الدين والآباء والأجداد: هنالك" ضمور في الرؤى والطموحات عند الشباب"، فهل حقيقة أن في عقل الشباب ضموراً وخمولاً وعدم وجود طموحات؟
والجواب بالنفي، لا. لا يوجد ضمور في الرؤى ولا خمول في العقول، وبالتالي يوجد طموحات كبيرة عند الشباب، وإلاّ كيف نفسر خروجهم عن الواقع القائم؟ كيف نفسر تحديهم للقوة الدينية الضاربة، كيف نفسر مصارعتهم لوحش تسلط الآباء والأجداد!
ويقول الشباب: نحن لا لسنا وكما يصفنا الإعلام المأجور، فإذا كان هو نفسه ذا نظرة تشاؤمية، فلماذا يريد أن يعكس نظرته علينا، هذا أولاً، وثانياً، نحن نحترم أهلنا وأجدادنا ورجالات أدياننا، فإذا ثرنا، فإننا نثور من أجلهم أولاً ومن أجل الوطن ثانياً ومن أجل الحرية ثالثاً. باختصار، نحن الشباب نعمل من أجل الله الصمد الذي لا يحتمل جوهره أي وصفٍ من أوصاف الحكايات والخرافات.
ونحن نصرخ بفم جبران: "أنتم القوس وأبناؤكم السهام". فيا أهلنا الكرام، انزعوا الأقنعة عن وجوهكم، افتحوا عيونكم، واخرجوا إلى النور، وهيا انهضوا قبل أن تسحقكم جهل الأقدام الهمجية.
وسيأتي يوم، وهو قريب، وسنغير وجه التاريخ. وسنغيره لأنه قضاؤنا وقدرنا. 
غداً، وعندما يأتي الشيطان وتأتي جيوشه ليمنعهم إله حكاياتهم.
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net