... وتسارعت وتيرة التحولات في لبنان والمنطقة في العام 1974 مع تأسيس مجلة "تحولات" على وقع الخطة المشؤومة لوزير الخارجية الاميركي الاسبق هنري كيسينجر الذي اراد بكل قوته تقسيم المنطقة وتفتيتها واعادة تركيبها دويلات طائفية ومذهبية متناحرة، انطلاقاً من جزيرة قبرص التي قسمها الاجتياح التركي في تلك السنة الى شطرين. وقد سعى كيسينجر الى وضع سايكس - بيكو أميركي جديد يحل محل سايكس - بيكو القائم.
 
وتستمر التحولات في كل أشكالها في منطقتنا وتبتعد او تقترب من خطة كيسينجر بحسب الظروف والتحالفات، لكنها لا تزال قائمة على الاهداف نفسها وهي تفتيت المنطقة خدمة لاغراض الصهيونية وتوفيراً لظروف إعلان الدولة اليهودية في فلسطين. ولم يعد خافياً على أحد ان ما يحصل اليوم من تحولات في كل ارجاء المنطقة يثبت من دون أدنى شك أن ما اطلق عليه الغرب "السياسي" اسم "الربيع العربي" ما هو الا خدعة كبيرة انطلت وما زالت تنطلي على اصحاب العقول الضعيفة والمتحجرة الذين لم يكتشفوا حتى يومنا هذا أن النيران التي تجتاح المنطقة لا يمكن ان تكون ربيعاً، انها اكثر من شتاء عاصف سيقضي على كل شيء، خصوصاً أنه تمكن من تحويل البوصلة عن القضية الفلسطينية، القضية المركزية، ونقل الصراع الى جهة اخرى مختلفة، بحيث بات النزاع المذهبي سيد الساحات والتدمير المجاني لتاريخنا وثقافتنا هدفاً يرتجى.
 
 
واستمرت مجلة "تحولات" تدب في هذه الظروف المتقلبة صعوداً وهبوطاً، لكنها واصلت نشاطها على الرغم من تشرذم فريقها التحريري وتشتته في بقاع الأرض كافة مع اندلاع الحرب الاهلية في لبنان واتساعها في 1975-1976.  وانتقلت المجلة احياناً الى بلاد الانتشار تبعاً لانتشار الزملاء الذين اسسوا او اسهموا في صدورها، فكانوا يلتقون على الدوام حول "تحولات" ومستقبلها وديمومتها. وكانت تشكل محور الحديث كلما التقى اثنان من الفريق التأسيسي هنا او هناك، من دون اهمية للمكان الجغرافي مادام البلد غارقاً في حروبه العبثية التي لم تؤد الا الى الخراب والدمار على كل الصعد، وما نشهده اليوم من تحولات شاملة ليس سوى الدليل على ذلك.
"تحولات" ما زالت حية، والدليل احياء هذه الذكرى في هذه الظروف بالذات. ولا بد في هذه المناسبة من الاشادة بحماسة واندفاعة الصديق سركيس ابو زيد الذي ثابر رغم كل الصعاب والانتكاسات التي كانت تصيب هذا او ذاك من الزملاء.
 
وعلى امل ان تتجاوز منطقتنا هذا الزمن الرديء وتنتقل الى زمن الانسان الجديد، اوجه تحياتي الى كل من رافق وواكب مجلة "تحولات" في سنواتها الاربعين، راجيا لها طول العمر والنجاح.
قبرص- ايلول/سبتمبر 2014