Tahawolat
يتفق الجميع على أننا في عصر التحولات الكبيرة، والتغيرات الجوهرية التي لايمكن التكهن بمدى تأثيراتها وتداعياتها على حياتنا وثقافتنا، وربما وجودنا أيضاُ.
فما الذي أعده الساسة والمثقفون والنخب المختلفة، لمواجهة ومواكبة هذا الواقع الجديد؟
هل قرروا التحول أم الانغلاق؟ وإذا كانوا قد قرروا التحول والتطوير، فهل مؤسساتنا السياسية والثقافية مؤهلة لوضع برامج شاملة تتناول التغيير البنيوي على صعيدها الداخلي وعلى صعيد المجتمع؟
تبدو المتطلبات أكبر بكثير من واقع وقدرات تلك المؤسسات بعدما فشلت طوال العقود الماضية في إضافة أي جديد يذكر إلى التجربة الاجتماعية، وتحولت بعامل الزمن إلى هياكل جوفاء غارقة في جملة من التفاصيل والممارسات البعيدة كل البعد عن الغرض الأساسي التي أنشئت من أجله، إضافة إلى ذلك، فإن المستوى التغييري المطلوب يأخذ بعداً بنيوياً يتصل بتركيبة شخصيتنا الثقافية بكل مكوناتها الموروثة وتطلعاتها المستقبلية، وكأننا الآن أمام إعادة كتابة جديدة، وصياغة مختلفة تتناول مفرداتها الذهنية التي حملناها طوال القرن الماضي، بعدما غلبها الخمول والكسل، وأنهكها الجمود والأخفاق ، فتخلفت عن مواكبة أحداثنا المصيرية، وخرجت بشكل طوعي من التاريخ، في حين تزاحمت مشاريع الأخرين كي تملأ هذه الفجوة التي صنعناها نتيجة وقوفنا على الحياد وتحولنا من الفعل الحضاري إلى الاستهلاك بكل مستوياته، وقد نكون الآن في مرحلة على درجة كبيرة من الخطورة والمصيرية بحيث أنها سترسم تفاصيل مستقبلنا لعشرات السنين القادمة على اقل تقدير!.
 ما أشبه حالنا اليوم، ونحن نخوض الحوارات ذاتها عن الديمقراطية ومفهوم الدولة والمؤسسات والمواطنة، وأيضاُ العروبة وحقوق الانسان والمجتمع المدني، بحالنا إبان عصر الانحطاط وبداية ما يسمى عصر النهضة وصولاً إلى قيام الدول الوطنية.
 
 
ألم نتأخر كثيراً في الإجابة على مجمل هذا التساؤلات؟ ولماذا لم ننجح حينها في بلورة مشروع نهضوي جامع وواضح يترجم مواقفنا من الحياة والكون والفن؟!.
تبدو الخيارات حاسمة الآن، فإما أن نغلق الأبواب والنوافذ معتقدين أننا نملك الحقيقة المطلقة وأن مايجري خارج غرفنا الضيقة ليس إلا بعضاً من الهراء والجعجعة التي لاتؤتي طحيناً، وإما أن نسقط هالة القداسة عن تجاربنا ورؤانا، لنخوض حواراً عقلانياُ صريحاً يشمل كافة تلوينات وأطياف نسيجنا الفكري والسياسي، بهدف الوصول إلى اختراع مشروعنا الحضاري الخاص الذي نواجه به العالم.
رجال الفكر والثقافة مطالبون اليوم باستعادة دورهم، والخروج من أبواق السياسة إلى العمل الجدي والحوار المسؤول...فمنذ أن ارتضى المثقف أن يعمل "بويجياً" عند السياسي، فقدت الثقافة جدواها واستقالت من مهامها كحامل أساس للمجتمع، ولنا أن نتصور الآن مدى الجهد والوقت المطلوبين لإعادة بناء الثقة من جديد  بعدما تتالت سلسلة الإحباطات، وتكررت الإخفاقات، الأمر الذي يتذر بانكفاء خطير يهدد ماهية الانتماء في كينونته الاجتماعية، وقد يجرفة عن مساره الطبيعي باتجاه دوائر صغيرة ومعزولة عن بعضها كالطائفة أو القبيلة والعائلة.
 
 
في المشهد الآن الكثير من الالتباسات والصور، فمعظم التيارات السياسية لاتبدو على استعداد لفتح نقاش حقيقي داخل مؤسساتها يتم من خلاله تقويم أدائها خلال السنين الماضية، وتفعيل خيار المشاركة الجماعية في إنتاج السلطات واتخاذ القرارات، وبالتالي رفدها بالدماء الجديدة الشابة والقادرة على مواكبة التطورات والتعامل معها بروح الحيوية والتغيير لا الجمود والتكلس!.
في هذا الجو، تأتي "تحولات" لتواكب وترعى وتحاور مختلف الآراء والاجتهادات، محاولة الإفادة قدر الإمكان، من ميزة التنوع والاختلاف، وتحويل التنابذ والتناقض والتضاد، إلى تفاعل وتواشج وائتلاف، والعمل على إغناء القواسم المشتركة والتقاطعات، أملاً في ان تساهم تلك الجهود في بلورة وإنضاج المشروع الوطني والثقافي بكل تشعباته وتفاصيله المتعددة.
 
ورغم أن القيام بإصدار مطبوعة جديدة، ينطوي على جزء يسير من المغامرة والتخوف لدى الكثيرين، إلا أننا اخترنا أن ندلو بدلونا في هذا الوقت، إيماناً منا بدور الكلمة وقدسيتها، وعلى اعتبار أن جهودنا المتواضعة تلك، مجرد اقتراحات وتساؤلات يمكن أن تشكل لاحقاُ، بعامل الحوار والتفاعل، نقاط انطلاق إلى مجال واسع رحيب تساهم في صياغته كل الألوان الفكرية والثقافية.
هنا دعوة للمشاركة في رسم ملامح المجتمع الجديد.
 
تحولات _________1997

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net