Tahawolat
"وقت للحب".. تخاف عليه الضياع
"وقت للحب" رواية بالفرنسية صدرت العام 2011 للروائية ندى لين أشقر المولودة ندى لين يمين. ولدت العام 1975 وبعد حصولها على ماجستير من كلية الآداب والعلوم في بيروت التحقت بجامعة السوربون لتعمق دراساتها الفلسفية. عاشت طفولتها وشبابها في بلدة ساهمت مع غزو الإرساليات بوضع الاسس الاولى للفرنكفونية وبقيت حتى بدايات عهد الانتداب، مدينة الاستقطاب لقاطعي المتن يصل اليها الجيران بعربات تجرها الخيول والبغال، وكان لكهنتها اليد الطولى في دعم الخطوات الاولى للفرنكوفونية. ومن مشاهير هؤلاء ابن البلدة الخوري انطون يمين الذي كان يرمّم للمستشرقين عربيتهم، ومن روائييها المعروفين فرج الله الحايك، ولعلّ أديبتنا التي تعيش اليوم في فرنسا، وقد أغوتها اعمال الأسلاف، شاءت ان تفاجئنا بأولى نتاجها بالفرنسية واعدة بالمزيد.
"وقت للحب" تدور حوادثه في عاصمة الادب والفنون والحب. فبطلة الرواية، الرسامة الحسناء كارلا، تجسّد بلوحاتها حكايات مثيرة لرجال ونساء يفتشون عن الحب، عن فسحة حب، فيبوؤن بالفشل. أوليس للحب حصة من الأوقات الضائعة في الحياة، من اوقات اللهو، من أوقات الفراغ، الا يستحق الحب ان نمنحه ما يستحق ونوليه بعض الاهتمام فلا نفرط بأوقات حضوره؟ هل يوفر لنا الوقت فرصة الاختيار بين ان نحِبّ او ان نُحَبّ؟
هؤلاء الشخوص يتحركون على أقمشتها، يبحثون عن الحب ويلهثون وراءه، لكنهم يرفضون أي ارتباط يأسر حرياتهم لأن الحب المتحرر من قيود الارتباط هو حب ذو حدين : فمن جهة، هو الرغبة والتماهي بمشاعر واحاسيس تمليها عليه لغة الجسد ومن جهة اخرى، هو الشك والغيرة ونزوة شهوة التملّـك وما ينتج عن ذلك كلّه من تقلبات تؤرق صفاء العيش.
لكن كارلا، وبعد تعرّضها لحادث سير قلب لها ظهر المجن، تجد نفسها في المستشفى محاطة بملاك وشيطان في وقت واحد: رجل في حياتها أنقذته من الموت وحبيب يضخًّ الحنان في عروقها. وما ان تغادر المستشفى حتى تجد نفسها منعزلة في محترفها خائفة من ان تفقد دورها الحياتي مع الواقع، فتنزل من برجها العاجي وتعود الى رتابة الحياة اليومية. انها خائفة من الوقت.. فهل تتحقق امنيتها بالفوز بمن تحب؟
في كتاب ندى لمعات إنسانية تمرًّ عبر شرح عميق واعد بنضجه وأبعاده وبخبرة اينعت قبل اوان الحصاد. وبما ان حوادث الرواية يجب أن تترك لفضول القارئ في لذة استكشافها، كان لا بد من تأهيل افكاره بهذا الفضول عبر قراءة سريعة من الفصل الأخير للرواية.
بعد افتتاح الوليمة تقول لوالدتها التي دعتها للمشاركة:
- لا اشعر بالجوع. سأتناول فقط كأساً من الشراب.
كانت تبحث في كلّ ما حولها عن تلك النظرة الكئيبة العطوف الملأى بالأسرار، ثم قرّبت كأس الشراب من شفتيها المتعطشتين للدفء والحنان وتناست هاجس فراقه وانفصاله عنها. فقد فاجأها بجلوسه الى جنبها موجها اليها الكلام :
- اني ارغب بالمشي فوق الرمال حيث اسمع الامواج تتحدث عن نزواتها هلاّ ترافقينني؟
- اني مرهقة وافضل ان ابقى جالسة على الكرسي.
- أنا مستعد ان آتيك بأفضل كرسي في العالم لتجلسي عليها: ستجلسين على ركبتي حيث تشعرين بالحنان يحتضنك وتنسين تعبك.
- هل انت واثق من نفسك ومن قوى جاذبيتك؟
- انا واثق بأنك ترغبين بالتخلي عن هذه الكرسي!
- آسفة أظن انك لم تفهم ما اقصد.
- لا بأس سأنسحب اذاً متمنيا لك قضاء سهرة حلوة واودعك فأنا ودينا سنسافر غدا الى اليونان.
تقول:
وقبل ان يفسح لي المجال للتفوه بكلمة أدار ظهره ثم ضاع بين الجمع، فلم اعد اعرف ما افعل، هل اركض للحاق به والقبض عليه ام اترك لآمالي ان تسبح في محيط ازرق سحري.
نزعتُ الحذاء ورحت أمشي على الرمال الطرية حتى لامست اصابعي فتور مياه البحر التي أخذت تجذبني اليها شيئاً فشيئاً وكأن إعصاراً يشدني الى الأعماق.
ثم وجدته امامي وهو يقول :
- إذا نزعتِ ثوبك ستشعرين بجمال البحر يداعب جسدك...
اذاً هو ما زال هنا ولم يرحل!
 ـ اقتربي سأعطيك ثوبي.
تقدّم سليم خطوة الى الأمام فنزعتُ ثوبي بتحفظ بعد خروجي من المياه ووضعته بين يديه، فبادرني قائلاً:
- انا ما زلت أحبك ولن أعيش بعيداً عنك منذ اللحظة.
- انا بحاجة ان استحم هل ترافقني؟
- هل تبقين لحظة من دون حراك لأتمتع بجمال جسدك!
 تضيف كارلا:
منذ وصولي هذا الصباح من كورسكا لم أتمتع بالنسيم العليل الذي يهبّ علينا عادة من الجبال. كنت مسرورة بدفء النهار وجمال المتوسط، فكيف استر جسدي الآن وقد فقدت ثوبي؟
كان سليم يراقبني وأنا أرتجف فتقدم مني ليغمرني بيديه بذراعيه بجسده.
- اني اشعر بالبرد.
- علينا ان ندخل الآن فقد حجزت في الفندق قريباً من هنا وسنكون معا تحت سقف واحد.
- سليم، حكاية السقف الواحد لطالما جرّت علينا المصائب فهل يمكن ان نجد لنا حلاً آخر؟
- سنلغي السقف ونستبدله بخيمة متحركة تغمر جسدينا اينما حللنا...
- انا موافقة سنجعل هذه الخيمة تختار هي المكان المثالي لسكننا. ولا شك في أن هذا المكان سيكون مدينة باريس، اجمل مدن العالم، وتكون لنا الوطن ولا ضير بشعور الغربة آنذاك ونحن نعيش فيها وكأننا في وطننا الأم. فجذورنا لاصقة بأرواحنا تسافر في الزمن لتكتشف وتختار موطأها بملء حريتها.
فهل سيمنحنا الوقت حرية الاختيار كي نحب ونُحب؟
هكذا تعلق الباحثةُ مصائرَ المحبين بسؤال يؤرقهم. فالحياة مهما تمرّ بنزوات شيطانية وملائكية وقبل مراحلها الأخيرة، لا بدّ من ان ترمي شباكها في ساحة آمنة وتركن الى غطاء ما، سواء أكان سقفاً من الإسمنت المسلح أو خيمة رحّالة تبحث عن مرقد عنزة. أمّا الحب وإن رضخ آخر المطاف الى واقع رتيب، فلا بد ان يظلّ سؤالا قائما يشغل الجوابُ عليه قلوبَ المحبين.



آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net