Tahawolat
الإيمان علاقة عمودية بين الإنسان الفرد وبين إلهه وخالقه تعطي الإنسان طمأنينة وسلاماً داخلياً، وعلاقة أفقية بينه وبين الجماعة يشاركها هذا الإيمان بفرح ويعبر عن هذا الفرح بطقوسيات وتعبدات.
أما الدين فهو مجموعة معتقدات يقول بها معلمون ومدارس لاهوتية وفقهية ولها قوانين وأنظمة ولها رؤساء ومدراء وموظفون، إنها مؤسسة تضمّ مجموعة مؤسسات.
الإيمان ليس انتماء بل راحة وسلام وقناعة واطمئنان، إنما الدين هو انتماء لمؤسسة وخضوع لقوانينها. لذا كان الإيمان محرراً للإنسان وكان الدين مكبلّاً له.
الإنسان القومي الذي ينتمي لأرض وتاريخ لا يمكن أن ينتمي لدين شمولي لأن الانتماء لا يعرف الازدواجية فهو إما أن ينتمي لقومية أو ينتمي لدين، لذا قامت الأديان تحارب القوميات وقامت القوميات تحارب الدين.
ولذا أيضاً كان من أهم عوامل قيام الاتحاد القومي والفكر القومي هو العلمانية أي الانحياز إلى الإيمان على حساب الدين، ولطالما حاول رجال الدين المسيحي أن يقولوا للمؤمن المسيحي أنت مسيحي أولاً ثم أنت ذات قومية في حين أن رجال الدين الإسلامي رفضوا مقولة القومية أصلاً واعتبروا أن الانتماء هو للإسلام لا بل اعتبروا أن الإسلام أمة ينتمي لها كل المسلمين في كل أنحاء الأرض.
القومية هي دين الأرض والإيمان هو دين السماء، فمن كان مؤمناً لا بد أن يكون قومياً إنما من كان منتمياً لدين لا يمكن أن يحقق انتماءه القومي.
كثيرون من المفكرين الاوروبيين أوضحوا هذه المعادلة بشكل أو بآخر، خصوصاً من الألمان والفرنسيين، وإذا كان الفكر القومي بدأ أولاً في ألمانيا فإن تبلور نجاح القومية توضح أكثر عند الفرنسيين وقد كانت القومية الفرنسية أكبر تعبير عن هذا التوضيح.
اليوم، تقوم نزعة الدولة الإسلامية في البلاد التي تشهد ثورات وانتفاضات من جراء ظلم الديكتاتوريات واستغلال القوى الاستعمارية لها، وهدف هذه النزعة هي أولاً وأخيراً إجهاض الفكر القومي في المنطقة الشرق أوسطية وإدراجها في خانة الدولة الدينية التي تصبّ تماماً في مصالح الدولة الصهيونية، لذا فإن النظام الأميركي يشجع قيام هذه الدول، باعتبار أن الدولة الدينية لا تشكل خطراً عليه بعكس الدولة القومية.
إن التحدي الكبير اليوم هو بين الرضوخ للإرادة الاستعمارية وبين تكاتف العلمانيين والأفراد والمؤمنين بالله دون المرور بعسكريتارية رجال الدين كي يشكلوا قوى مؤمنة بالفكر القومي كي تتحوّل إلى برامج سياسية ومن ثم إنشاء أحزاب سياسية أو إعادة إحياء أحزاب سياسية قومية لا علاقة لها بالدين أو بمرادفاته من طوائف ومذاهب.
لقد برهنت الأحداث أن المواطن لا يستطيع أن يبقى نائياً بنفسه عن مجريات الأمور، إنه فيها حكماً شاء أم أبى، لذا فمن الأفضل أن يكون مهيئاً قناعاته ومندرجاً مع الصادقين بالقيم ومتضامناً مع أصحاب الفكر العلماني كي يبلوروا هذه الأحزاب المرتجاة وإلا فإن أولادهم سيكونون حكماً بضائع جاهزة للتصدير، وهذه رغبة الغربيين، خصوصاً تجاه المسيحيين لأنهم يريدون أرحاماً مشرقية ولودة تقف أمام أرحام المسلمين في الغرب.
الصراع المستقبلي هو ديمغرافي بامتياز فهل تؤسلم الأرحام أو تتمسحن عوضاً أن تكون أرحام الوطن القومي المرتجى؟
ليت الناس يقرأون الزعيم انطون سعادة من دون خلفيات أو أحكام، العقل وحده سيدلّهم على الطريق والجواب.
 د. بروفسور ميشال سبع

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net