Tahawolat
هدفه وطن عرضه السموات والأرض شرفٌ كبيرٌ لنا أن نقدّم هذا الكتاب، بعد أن اعتذرت عن تقديمه شخصياتٌ عظيمة ومرموقة، لأسباب نجهلها، هذا، ومن نحن من أولئك الذين اعتذروا!يعزّ علينا كثيراً الحال الذي وصل إليه العقل العربي، ويعزّ علينا أكثر أن نهمل مثل هكذا إنتاج فكري رائع وبديع، كما ويعزّ علينا أكثر وأكثر أن تفتقر إليه مكتبة العالم والعالم العربيّ والعالم الإسلاميّ.
طوبى للعلامة ابن هشام. ثم هنيئاً له بعد أن نزّهه كاتبُنامن شوائبه وبعد أن أيقظه من سباته، لا بل قلّ استحضره كاتبنا في كتابه "محمد النبي الثائرص" أجل، هنيئاً لك يا ابن هشام، ولا تراني أحسب أن جميع الأسلاف الكتبة في هذا المجال يحسدون ابن هشام الرميم والمستحضر مع كاتبنا الدكتور عاطف خليل الحكيم.
ما بين الأصالة والحداثة، وما بين الجذور والأغصان المورقة، يجد أديبنا الموقر مكانه الطبيعي غريباً عن الوطن الذي ينشدون وعن التاريخ الذي يكتبون. لقد استنهض كاتبنا الأصوليين ليكونوا منارة الطريق، كما وأمسك بيد المحدثين لبناء المستقبل وترويضه حسبما عبّر عنه في أثره البالغ "محمد النبي الثائر". لم يقصد الكاتب سوى إبراز الوجه الفكري، الأخلاقيّ، الحكميّ للنبيّ الكريم.
هدف الكتاب هذا، ليس جنة عرضها السماوات والأرض، إنما هدفه وطن عرضه السماوات والأرض. ولا تعصّب لفلان دون فلان من الصحابة، إذ، أن قدر الدولة العظيمة بقدر كثرة صحابتها العظماء، كما وليس تعصّباً لجماعة من الناس دون جماعة، إذ، قد سقط في مفهومه للأمّة أن الأمّة تتألف من بضعة من المجموعات، وقد أصبحت الأمّة تتألف من مجتمع واحد، متحد، متفاعل. أجل، هو هدفه دولة كريمة، حرّة، ذات سيادة عزيزة، يحيا فيها ويتفاعل العرب كراماً أعزاء.
شجرة وارفة لا شرقية ولا غربية
لقد سبق الرسول الأكرمصأنبياءٌ وفلاسفة ومفكرون كثر لبناء هذا الصرح، صرح الأمّة العربيّة، الأمّة العربيّة هي حلم الشرقيين العظماء، بدءاً من إبراهيم الخليلع وحتى عصرنا الراهن. من منا لا يحلم بعودة سيادة الدولة العربيّة المترامية الأطراف. لماذا، وما هي أسباب هذه الحروب الراهنة؟ لماذا صراع العربيّ بشرقه وغربه تدور حروبه على أرض شرقنا العظيم؟ أليس من أجل سيادة العالم؟ هل سيادة العالم بدأت من هنا، من هذا الشرق وتنتهي فيه؟ نظرة سريعة إلى التاريخ يتأكد لنا ذلك. ونسأل لماذا تكثر الأنبياء في شرقنا؟ ولماذا أمر قيصر روما بإعدام السيد المسيحع صلباً، وهل حقاً صُلب السيد المسيح؟ لقد أنكر القرآن الكريم، وكذلك النبيّ العربيّ الثائر صلب السيد المسيح، وكيف يصلب إذا ما كانت الأمّة العربيّة قد قامت قيامة طائر الفينيق وبسطت جناحيها، فضاقت عليهما أطراف الأرض ومن قطبها إلى قطبها؟ إن هذه الأمّة كانت في زمن النبيّ عيسىع بذرة، وغدت مع الرسول العربيّ شجرة وارفة لا شرقيّة ولا غربيّة، إنما عربيّة خالصة واعتنى بها العقل العربي الخالص.
ولا يبرز عظمة النبيّ وكرامته إلا الذين يريدون بلادهم حرّة أبيّة
النبيّ الثائر، ذاك العربيّ الأصيل؟، كان ثوريّاً من الطراز الرفيع، وسياسياً من الطراز النادر، وقائداً وزعيماً ومفكّراً من الطراز الأول والنادر. وكما ذكر كاتبنا الحكيم، لقد سلبه رجل الدين المسلم والمجتهد المسلم، وآية الله المسلم، والمنظّر المسلم، والشيخ المسلم كل صفات القيادة والريادة والزعامة، مبقياً له فقط، صفات العبادة والطقوس الدينية. وبتجاهل رجل الدين المسلم، تجرّأ رجل العلم والسياسة ونحا نحو رجل الدين، وبتجاهل رجالات العرب شخصية النبيّ الكريم، تجرّأ الغرب وتطاول على النبيّ، هذا ولا نحتاج إلى شواهد لنؤكد صحة تطاول الغرب، أوروبا وأميركا، على شخصية النبيّ، فلو كان العرب، رجال دين ورجال فكر، يعرفون قيمة النبيّويبرزون فضائله، هل كان تجرّأ الغرب وتطاول؟ هذا، ولا يبرز عظمة النبيّ وكرامته إلاّ الذين يريدون بلادهم حرّة أبيّة.
هذا العربيّ النبيّ الثائر قد أسس لدولة عظيمة، ولإمبراطورية مترامية الأطراف، الكرة الأرضية قد أصبحت دولة واحدة على يد المفكرين المسلمين. الأرض دولة واحدة إسلامية نحكمها بالعدل وبالحق وبالمحبة. والكاتب، ونحن معه، يسأل: لماذا تخلو السير النبويّة الشريفة من ذكر تلك الدولة، أو قل: الإمبراطورية التي أسسها النبيّ؟النبيص قد قوّض إمبراطوريتين (روما وفارس) وأسس على أنقاض أمجادهما الإمبراطورية العربيّة، فكيف للتاريخ العربيّ أن يهفو ولا يذكر تلك الإمبراطوريات الثلاث المقوّضة والمبنية، إلا اليسير، اليسير؟
وبعد، فهل النبيّ نبيّ طقوس وعبادات وحسب، أم أنه ثائر ومن الطراز الأول؟ ونظن أن من ينكر هاتين الفضيلتين: الريادة والقيادة أو الثورية ما هو إلا من أعداء هذه الأمّة العربيّة وهذا النبيّ العربيّ وهذا الشرق العظيم.
وهن العقل العربيّ
ويتساءل الكاتب: أين العقل العربي الأصوليّ، وأين العقل العربيّ الحديث؟ لماذا يتغافلان عن الحقيقة، لماذا يتغافلان عن نبيّ زهق الباطل ونصر الحق؟ هل وصل العقل العربيّ لدرجة اليأس؟ لماذا لا يلمس العقل العربيّ تلك الحقائق؟ لماذا يلوذ العقل العربيّ بالصمت؟ ألم يقل الإمام عليع: " الساكت عن الحق شيطان أخرس"؟ هل أن العقل العربيّ عاجز عن بعث الهمم واستنهاض التاريخ الحديث من بين الأنقاض؟ هل مات العقل العربيّ ودفن تحت التراب أم أنه طائر فينيق وينتظر تحت الرماد ويتحيّن الفرص لينتفض ويقوم ويطير؟ هل أن العقل العربيّ عاجز عن استنباط الحقائق والسعي بها إلى النور والحياة من جديد أم أنه يتروّى ويتحيّن الفرص؟
قلم كاتبنا يتمثل بكلام الإمام عليّع، قوله: " أفضل جهاد كلمة حق عند إمام جائر"، لهذا، فهو يسمي الأشياء بأسمائها، ويسأل: هل السيرة النبويّة الشريفة، تحديداً، سيرة ابن هشام، هي عائق أمام العقل العربيّ وتعيق حركته عن التطور والارتقاء؟ وبكلام آخر، هل أن سيرة ابن هشام قضت وتقضي على العقل العربيّ وعلى تفاعله في الحياة وفي الوجود؟ ويجيبنا كاتبنا بجرأة ووضوح ويؤكّد أجل أن السيرة تعيق حركة العقل العربيّ ويبرز لنا الأسباب ويحصرها في كثرة السلامات والسلالات، ويرى  أنه إذا ما جرّدت سيرة ابن هشام من شوائبها فإن العقل العربيّ يستقيم ويصبح عقلاً علمياً، منيراً يفعل فعله في الحياة ويفرض نفسه في الوجود.
وكانت ولادة كتاب النبيّ الثائر بأسلوب علميّ، بعيداً عن العاطفة والعصبية، وبفكر علميّ نيّر وناقد وبتشريح مفصّل، بعيداً عن الشعوذة والسحرة والهرطقة،هو كتاب منزّهٌ عن أقلام المنجّمين، ناءٍ عن النفعيين، أولئك الذين يشترون بآياته ثمناً قليلاً، وقليلاً من الذهب وقليلاً من الفضة.نعم، لقد أضاء الكاتب الوجه الآخر للرسول الأكرم، بعد أن أغفله أقرب الناس إليه، بل قل تغافلوا عنه وتناسوه. إن الأمم الحيّة تعتد وتفاخر بعظمائها، أما نحن فترانا ننسى أو أننا نطمس فضائل شخصياتنا العظيمة، ونسعى مجتهدين لإنارة الوجه الدينيّ لهم، ليس إلا من أجل تحجيمهم.
"كانت تهابني العرب لشدة بطشي وكنت أهابه لشدة وجده"
نعم، وأقولها بكل فخر واعتزاز، أن هذا المصطفى قد قوضّ إمبراطوريتين: فارس وروما، وقد بنى فوق أنقاضهما أو قل، وللأمانة العلمية، أسس بديلاً عنهما الإمبراطورية العربيّة الهويّة، الإسلاميّة الفكر. وقد أصبحت هذه الإمبراطورية حيّز الوجود بعد أن انتصر على يهود الداخل، ظناً منهم أن الثائر المختار ليس فقط إلا نبيّ. لقد كان الثائر يتقن جميع أنواع الأسلحة صناعة وصراعاً، قالها سيدنا عمرر، الخليفة الراشدي الثاني: "كانت تهابني العرب لشدة بطشي وكنت أهابه لشدة وجده".
يقول الكاتب بلسان الصحابيّ ابن فراس في الثائر المختار: "أحبكم أخي عيسى وسألكم أن تحملوا صليبكم وتتبعوه، ونبذتم أخي عيسى، أما عيسى فلم ينبذكم واستشهد من أجلكم، وأنا أسألكم أن تحملوا مع الصليب سيفاً وتنتصروا وتنصروا أخي وتنتصروا للأمّة".
كان نبيّاً مختاراً، وقائداً لأنه كان آخر المتكلمين وأول الفاعلين، وكان أول الثائرين وآخر الآكلين.كان أبداً يدعو أن النصارى أخوة لكم وأنتم أخوة لهم.عيونهم تفيض محبة، وأنتم للمحبة نهر، على ضفافكم تجري الحياة وتعمّر المدن وتنتشر الحضارة.وكما يقول الكاتب في مكان آخر: "النبي الثائر كان أممياً مختاراً، لأن الأمم، جميع الأمم، قد قاتلت تحت رايته، فكل أمّة كانت تراه على صورتها، فقد رآه النصارى على صورة عيسى، ورآه الفلسطينيون على صورة دليلة، ورآه الفينيقيون على صورة إليسار، ورآه الآشوريون على صورة نبوخذ نصر". ما أروعهذا الكاتب الحكيم، حيث يقول واصفاً الثائر: "لا نعرف قيمة الأبوّة حتى نصبح نحن آباء ذوي أبناء، ولا ندرك معنى الوطن حتى نتيه غرباء!". فأين منه نحن اليوم؟ هذا ما ناداه دائماً. إن أمّة الثقافة والعلم تلك التي دفنت النقل ولم تقم قيامتها إلا بالعقل.
نعم، إنه كتاب جريء وجديد. لم يعتد القارئ العربيّ على هكذا نوع من الكتب، ولا على هكذا أسلوب، فلقد أتعبته لغة الاجترار والنسخ.
العقل العربي بين الحلم واليقظة
هذا النوع من الكتابات يكلف صاحبه جهداً ووقتاً وبحثاً ودراسة. والمكتبة العربية تفتقر إلى هذه الأنواع من الكتابات، اللهم ساعد ومكّن كاتبنا من السير قدماً ليعطينا ويتحفنا بقلمه الغزير وكتاباته النادرة، وهو المتواضع والمتسامح، لا ينظر ولا ينتظر من كتاباته شهرة ولا ثراءً إنما ينظر وينتظر إبراز الشخصية النبويّة الكريمة.
صاحبنا الكاتب لا ينتصر بالسيف بل بالقلم ينتصر، يسير وينهج في الحياة على درب الرسولص، ونهج الرسول الأخلاق، ومن اتخذ الرسول نهجاً هل يخفق؟ هل يكبو؟ هل يفشل؟
أظن، وبعد صدور هذا الكتاب، سينبري الكثير لمحاربته ومخاصمته، أبداً، الشجرة المثمرة ترشق بالحجارة، وأبداً، تهاجم أفواهُ الضعفاء أقلامَ الأقوياء. أما نحن، ونشجّع الخصم قبل الصديق على قراءة كتاب "محمد النبي الثائر"، والغوص في أعماقه، والإمعان في ألبابه؛ أقرؤه المرّة تلو المرّة، أقرؤه مرّات قبل الحكم، لأن بعد كل قراءة  ستعرفون أشياء وأشياء كان قد غيّبها عنكم الأوائل من المحدثين ومن الأصوليين.
أسألك يا قارئي العزيز: "إن كنت رجل دين، أو رجل علم، أو طالب مال، مقيم أو مهاجر، ألاّ تستعجل في الحكم عليه، أسألك أن تتريّث في الحكم على الكتاب وأحذر ردة الفعل عليه". ومن يخاف الحقيقة، أنصحه بعدم قراءته، ومن يهاب العقل، العلم، أسأله عدم الاقتراب منه، ومن يرى الأشياء ويحكم بعصبية، أنصحه ألاّ يلج إلى هذا الكتاب! لا تحتكم يا عزيزي القارئ إلى النوايا، بل أحتكم إلى العقل الخالص والتجربة المحض. هذا الكتاب للعاقلة من أبناء شعبنا والتي ناشدت العقل وانتصرت له وإليه.هذا الكتاب للراسخين في العلم وللناظرين إلى ما وراء الأفق وإلى الحالمين بالحقيقة والتي افتقدناه طويلاً.إلى المقيمين وراء البحار، فإن أرادوا أن يسترجعوا ملكاً طال غيابه فإن حكمتنا أن يقرأوا هذا الكتاب، لأنه السفينة والشراع التي تقلّهم إلى شاطئالأمان وإلى المختار الثائر،إلى النبيّص والقائد والسياسيّ والأصيل، نتوجّه وننحني ونقدم هذا السفر المتواضع.
كاتب جريء
نشكر مرّة ومرّات كاتب صفحات هذا الكتاب ونشكر جهده ووقته اللذين أمضاهما في الإنارة على هذا الكوكب الذي خسفه رجل الدين، والذي تعمّد بقصد منه وبغير قصد ليرينا من النبيص الكريم فقط صورة الطقوس والعبادة.
نشكر يراع كاتبنا الجريء، وثقافته الواسعة، كما ونشكر سعيه لإبراز هذه الثقافة المطموسة وهذه الحضارة العربيّة المنسية. وعصبيته للعقل العربيّ المختزل والمغيّب. كما أنني عاتب أشد العتب على الذين رفضوا تقديم هذا الكتاب لأسباب وأسباب، أما نحن وشخصياً، فنعتذر منهم فرداً، فرداً. وما كان تقديمي هذا إلا تشجيعاً للدكتور عاطف الحكيم ودفعه للأمام، لكي يتحفنا بقلمه وغزارة يراعه، وسعة إطلاعه، وعمق ثقافته.وأخيراً، استغفر الله لي وللجميع، وأرجو أن أصيب في سعيي هذا وأتمنى من الله أن أكون قد أعطيت كاتب هذه الصفحات جزءاً ولو يسيراً من حقّه وجهده وسعيه.وفقنا الله جميعاً والله خير الموفقين.







 


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net