Tahawolat
هناك مقولة شهيرة يعرفها اي مواطن عادي، وغالبا ما تستخدم في اجهزة الاعلام، وهي مقولة "اعرف عدوك!".
ولقد مضى اكثر من ستين سنة على اغتصاب فلسطين وقيام اسرائيل على انقاضها، واكثر من 110 سنوات على تأسيس الحركة الصهيونية العالمية. ومع ذلك يبقى السؤال: هل نعرف عدونا حق المعرفة؟ ام اننا لا زلنا ندور في الحلقة المفرغة لـ"دائرة المعرفة" عن العدو، التي يريد العدو ذاته الا نخرج منها، والتي تتكرر وتدور وتدور تحت سقف الفهم السياسي ـ القومي السطحي، وفوق ارضية الفهم السياسي ـ الديني السطحي، للصراع، وهو ما يجعل مفهومنا للصراع مع اسرائيل والصهيونية واليهودية، اشبه بمفهوم الصراع ضد استعمار استيطاني تقليدي، كما كان في الجزائر او افريقيا الجنوبية، او مفهوم صراع ديني ـ مذهبي، كما كان في الهند وباكستان او الهوتو والتوتسي، او حتى العراق ولبنان وجنوب السودان الخ.
ان صراعنا مع اليهودية يتضمن بالتأكيد الصراع ضد الاستعمار الاستيطاني، كما يتضمن الصراع الديني ـ السياسي، الا انه ـ اي صراعنا ضد اليهودية ـ هو اعمق من ذلك بكثير، وهو يرتبط بأساس تركيبة المجتمع البشري والنظام الاجتماعي العالمي. فالظاهرة اليوضاسية اليهودية كانت ولا زالت وبالا على الامة العربية خاصة، وعلى الجنس البشري عامة، بما في ذلك على غالبية اليهود العاديين، الذين لا ذنب لهم في انهم ولدوا يهودا، والذين تحملوا الويلات كردود فعل على مسلكية وممارسة الطغمة اليوضاسية اليهودية العليا، المالية ـ الكهانية، التي تتلبس مظهر اليهودية "دينا ودنيا". والتناقض والصراع، العربي خصوصا، مع اليهودية اليوضاسية، هو ذو بعد وجودي اساسي، ويدخل في عملية تكوين اليوضاسية اليهودية في ذاتها، وعملية تكوين الامة العربية منذ ارهاصاتها الجنينية الاولى في رحم التاريخ. 
ولا يزال بعضنا يعتقد ان الصراع العربي ـ الاسرائيلي والصراع ضد الصهيونية يرتبط فقط بالنزعة الاستعمارية الغربية، وبالسياسة الامبريالية الدولية. ويعتقد ان اليهودية، كتركيبة اجتماعية ذات خلفية سياسية دينية ـ قومية، هي بريئة من هذا الصراع، وهي ـ كـ"ديانة!" ـ ديانة سماوية، كالديانتين الشرقيتين الاخريين: المسيحية والاسلام، وان الخلاف مع اليهودية يدخل تحت عنوان الخلافات الدينية بصورة عامة. ولكن هذا خطأ شائع يجب اعادة النظر فيه.
ان مناقشة "اليهودية" كدين هو "ترف" فكري ـ ديني لا يصح ان نسمح لانفسنا به، في الوقت الذي تهدد فيه اليوضاسية "اليهودية" كل وجودنا القومي والانساني، بالاضمحلال والزوال والابادة. ولذلك من الاصح ان ننظر الى اليوضاسية اليهودية، ونناقشها، في سياق الفعل، وتحديدا الفعل الجرائمي، اي ان نناقش لا "اليهودية" كديانة او كـ"قومية"، بل ان نناقش اليوضاسية، اي "اليهودية في العمل" منذ ما وجدت الى اليوم. 
فاذا فعلنا ذلك سنكتشف ببساطة: 
اولا ـ أن اليوضاسية او "اليهودية في العمل" ليست ديانة سماوية، بالمعنى "الالهي ـ الروحي ـ العلوي ـ التوحيدي" الذي يعطى للمسيحية والاسلام. وهو موضوع يخرج، في جانبه الديني البحت، عن نطاق اختصاصنا، ويدخل في اختصاص اللاهوتيين والفقهاء والاحبار الاخيار الذين يحوزون ثقة الملأ الديني المؤمن. كما انها ليست "اتنية" او "قومية" حقيقية او موهومة. بل هي "ممارسة" جرائمية سواء كانت، او لم تكن صادرة عن "ديانة" او "قومية" يهودية. 
وثانيا ـ وهو الاهم: ان المسيحية والاسلام ظهرتا تاريخيا كطفرتين، او كثورتين، اجتماعيتين ـ قوميتين، ايجابيتين، في معمعة النضال ضد الاستبداد والظلم الوطني، القومي والاجتماعي، من قبل الامبراطوريتين الرومانية والفارسية، وضد الظلم والتجهيل والاستغلال من قبل القيادات القبلية والعشائرية. وقد صبت الثورتان المسيحية والمحمدية في صالح انبثاق وتكوين وتطوير الامة العربية، وفي صالح التقدم الحضاري الانساني العام. وهو ما لا يستطيع الغاءه، ولا يجوز الخلط بينه وبين التشويه الذي طاول المسيحية والاسلام عبر ممارسة السلطة وحرف المؤسسة الدينية واستغلالها لصالح الطبقات المتسلطة. 
اما اليوضاسية او "اليهودية في العمل"، فعلى النقيض من ذلك تماما، ظهرت واستمرت ولا زالت كممارسة جرائمية، مرتبطة بحالة ايديولوجية ـ اجتماعية سلبية، اشبه شيء بـ"لعنة سماوية"، وكعدو دائم للامة العربية منذ ارهاصات تكوينها الاولى، ومن ثم كمصيبة تاريخية للانسانية جمعاء. 
ومن زاوية نظر موضوعية ـ دينيا، وانسانية بحت ـ اجتماعيا، يمكن القول ان المسيحية والاسلام قد استعانتا بـ"السماء" لتأكيد وتكريس وتقديس دعوتهما الاصلاحية والتحررية، اما اليوضاسية او "اليهودية في العمل" فقد استخدمت "السماء" لتمييز وتبرير وتأليه ايديولوجيتها العصابوية، الفئوية، العنصرية، الاستغلالية، النهبوية، الاجرامية، الاستبدادية والاستعمارية.
ولذلك لا يجب النظر الى اليوضاسية او "اليهودية في العمل"، المعادية للفلسطينيين والعرب والمسيحيين والمسلمين واخيرا للبشر اجمعين، من زاوية كونها "ديانة" نختلف او نتحاور معها. كما لا يجوز النظر اليها سياسيا، كصهيونية، من زاوية نظر كونها حركة "قومية"، وهمية او غير وهمية، صحيحة او غير صحيحة، عدوانية او غير عدوانية، معتدلة او متطرفة. بل يجب النظر اليها في جوهرها ووظيفتها السلبيين وحسب. 
ولتبسيط وتوضيح فكرتنا الاساسية عن اليوضاسية او "اليهودية في العمل"، نرى من الضروري ان نجري مقارنة بينها وبين الحركة "المسيحية" ـ "اللبنانية" المعادية، المتمثلة في ما يسمى "القوات اللبنانية" المنبثقة عن حزب الكتائب (عميد الخيانة الوطنية في لبنان)، والتي كان يتزعمها (اي "القوات اللبنانية") العميل بشير الجميل ويتزعمها الان سمير جعجع. وما ينطبق على هذه "القوات اللبنانية" ينطبق حرفيا على ما كان يسمى "جيش لبنان الجنوبي" بزعامة انطوان لحد وما يسمى "حراس الارز" بزعامة اتيان صقر. 
ان هذه "القوات اللبنانية" تاجرت وتتاجر بالدين المسيحي، وتاجرت وتتاجر بالوطنية القطرية اللبنانية، وهي تدعي تمثيل المسيحيين ـ اللبنانيين، الى درجة انها نجحت في تضليل البطريركية المارونية ذاتها التي اخذت تتعامل معها باعتبارها (اي "القوات") جزءا اصيلا من الجماعة المسيحية، والى درجة انها نجحت في فرض نفسها على المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله في لبنان، بوصفها (اي القوات) ممثلا (وإن غير الوحيد) للمسيحيين، وجزءا من النسيج الطائفي للتركيبة الكيانية للدولة اللبنانية.
والسؤال هو: هل يجوز اعتبار "القوات اللبنانية" (واستطرادا: "جيش لبنان الجنوبي" و"حراس الارز") بأنها ظاهرة دينية ـ طائفية "مسيحية"، او ظاهرة طائفيةـ قومية "لبنانية"؟
في رأينا ان هذا خطأ كبير، يعطي "القوات اللبنانية" صفات وحقوقا ليست لها. فـ"القوات اللبنانية" لا تمثل "نزعة طائفية مسيحية" ولا "نزعة قومية لبنانية"، بل تمثل "خيانة للمسيحية" (كدين او طائفة) و"خيانة للبنان" (كدولة) و"خيانة للنزعة الوطنية اللبنانية" (كنزعة قطرية كيانية، او كقومية فينيقية او غيرها). والجوهر الفكري والديني والاخلاقي والسياسي والاجتماعي والوطني والقومي لـ"القوات اللبنانية" هو: الخيانة، فالخيانة، فالخيانة. والتسمية التي تصح عليها وعلى امثالها هي تسمية: "قوات الخيانة اللبنانية" و"قوات الخيانة المسيحية" و"جيش خونة لبنان الجنوبي" و"خونة الارز" الخ. 
والشيء ذاته ينطبق على اليوضاسية او "اليهودية في العمل". فهي تستغل الانتماء والمفاهيم الدينية والاتنية والاجتماعية
واليهودية، لاجل الاضطلاع بدورها السلبي المعادي لكل مجتمع وشعب وامة ودين، بما فيه الدين اليهودي بمعناه الايماني البسيط غير السلبي اذا كان يوجد كذلك، وبما فيه الجماعة اليهودية أكانت تعتبر ذاتها "دينا" او "قومية" او "اتنية". 
ولذلك نحن نفضل اطلاق تسمية "اليوضاسية" على "اليهودية في العمل"، لان هذه التسمية، بكل ما تحمله من خيانة وغدر وخسة ونفعية مبتذلة، تدل على الجوهر الخياني ـ الاجرامي الذي تتسم به، بشكل مباشر وصريح، دون ان ندخل في متاهات النقاشات الدينية ـ القومية، وضرورة التفريق بين "اليهودية" و"الصهيونية" وبين "اليهودي الصهيوني" و"اليهودي غير الصهيوني" و"اليهودي اليهودي" واليهودي اللايهودي" و"اليهودي الآدمي" و"اليهودي غير الآدمي". وان تسمية "اليوضاسية" هي تسمية حصرية للخيانة الذاتية للكائن الانساني، وللانسانية عامة، بما في ذلك خيانة الجماعة (مجموعة الكائنات البشرية) اليهودية، اي المولودة لااراديا "يهودية".
وهذه التسمية تسمح لنا بمحاكمة "اليهودية في العمل" منذ نشأتها الى اليوم، بدون الخلط بين "اليوضاسي" و"اليهودي"، تماما مثلما علينا عدم الخلط بين "القوات الخيانية اللبنانية" وبين سائر المسيحيين اللبنانيين.
فالمقياس في التسمية اليوضاسية هو: الممارسة اليوضاسية ذاتها وبذاتها، والدعوة لهذه الممارسة. 
وكل يهودي يمارس او يساعد او يؤيد الممارسة والدعوات القديمة والجديدة لليوضاسية او "اليهودية في العمل" هو "يوضاسي" وينبغي ان ننظر اليه ونعامله بوصفه كذلك. 
ونتوقف فيما يلي عند محطات رئيسية وبارزة لظهور وتطور اليوضاسية المتجلببة باليهودية:
1 ـ ليست نظرية النسب ورابطة الدم هي النظرية الاصح في تكوين الامم. ولكن اليوضاسيين يأخذون بهذه النظرية، وهم ينسبون انفسهم كـ"يهود" الى سلالة ابرام التوراتي، الذي هاجر الى مصر كما تقول توراتهم، قادما مما يمكن تسميته اليوم "المشرق العربي"، وكانت معه امرأته ساراي حيث جمعا في مصر ثروة ثم هاجرا عائدين منها. ومعلوم ان اليهود انتشروا في شبه الجزيرة العربية وسوريا الطبيعية وشمالي افريقيا، بجانب الشعوب القديمة التي كانت تقطن هذه المناطق والتي تكونت منها لاحقا الامة العربية. واطلقت على هذه الشعوب تسمية "توراتية" هي "السامية". وهي تسمية تحتاج الى نقاش علمي جدي. ويسمي اليهود انفسهم "ساميين". ولكن اذا كان "سام" هو ابن "نوح"، فإن الشعوب التي سميت "سامية" (بمن في ذلك اليهود العبرانيون) وجدت قبل "سام" وقبل "نوح"؛ و"سام و"نوح" ينتميان الى تلك الشعوب، وليس العكس. ولذلك ينبغي القبول بنظرية النسب بشكل نسبي ومشروط وافتراضي وجدلي. 
وبموجب هذه النظرية فإن جميع شعوب المنطقة التي تكونت منها الامة العربية تعتبر ايضا "سامية"، اي ان اليهود العبرانيين يمتون بصلة قرابة نسبية الى هذه الشعوب. ولكن خلال مسار تاريخي طويل بدأ التمايز بين هؤلاء "الساميين" الى فئتين هما "اليهودي" (العبراني) و"غير اليهودي" (غير العبراني). 
وفي المراحل الاولى اتخذ التمايز شكل التمايز الديني، حيث في المحصلة اعتنق "اليهود" الدين اليهودي واعتنق غير اليهود الدين المسيحي. 
وفي مراحل تالية اتخذ التمايز طابعا لغويا، حيث صار "اليهود" يتكلمون لغة "طائفية" او "دينية" او "فئوية" خاصة هي اللغة العبرية، بينما المسيحيون ظلوا يتكلمون لغاتهم الاصلية: الارامية والسريانية والنبطية (في سوريا الطبيعية) والقبطية (في مصر ووادي النيل وشمال افريقيا والتلة الاريترية ـ الاثيوبية) والحميرية والعربية (في شبه الجزيرة العربية وشرقي افريقيا والتلة الاريترية ـ الاثيوبية)، وفي مرحلة ما انتشرت بين المسيحيين (من مختلف الاقوام القديمة) بشكل واسع اللغة الارامية التي تكلم بها السيد المسيح. 
ولكن العامل الاساسي في حصول التمايز بين "اليهودي" و"غير اليهودي" (في المحصلة:المسيحي، فالمسلم، دينيا، ـ والعربي، قوميا) لم يكن العامل الديني او اللغوي، بل ان التمايز الديني واللغوي جاء كنتيجة لعامل التمايز الاساسي، وهو التمايز المسلكي (الاخلاقي، الاجتماعي، السياسي، الاقتصادي الخ.)، وهو ما اشرنا اليه آنفا بضرورة التمييز بين "اليهودية" و"اليهودية في العمل" التي تبلورت بوصفها "يوضاسية". 
وكان ظهور السيد المسيح واعدامه من قبل روما و"اليهود اليوضاسيين" نقطة الانفجار التي بلغ فيها ذروته التمايز بين "اليهودي" و"غير اليهودي" الذي صار "مسيحيا". 
ومن ضمن الاطار المسيحي الواسع ظهر "الاسلام"، فصار التمايز يتشكل من "يهودي"، من جهة، و"مسيحي ومسلم"، من جهة اخرى. 
واخيرا اتخذ التمايز شكل "يهودي" لغته الاصلية عبرية ويعتبر "عربيا" بشكل مشروط ونسبي ومهزوز، و"مسيحي ومسلم" يعتبر كل منهما "عربيا" بشكل غير مشروط ولغته الاصلية "العربية". 
ولا بد من الاجابة تاريخيا على السؤال التالي: لماذا تم هذا التمايز؟
ان نظرية النسب لا تجيب على هذا التساؤل. وطبعا ان نظرية الدين لا تجيب عليه ايضا. فلماذا تبنى بعض الناس (الاقلية "السامية" اليهودية) الدين اليهودي، وبعضهم الاخر (الاكثرية "السامية" المسيحية = العربية) الدين المسيحي، ولاحقا الدين الاسلامي؟ ولماذا اصبح اليهود "يهودا" ؟ وغير اليهود "مسيحيين عربا" و"مسلمين عربا"؟ 
ـ في رأينا المتواضع، وانا ادعو جميع العلماء المختصين، للنظر والبحث في هذا الرأي، ان "المحفز الكيماوي" او العامل التاريخي الموضوعي الذي ادى الى هذا التمايز واوجد "اليهودية" عامة وجوهرها "اليوضاسية" خاصة، من جهة، والمسيحية ومن ثم الامة العربية، من جهة ثانية مضادة تماما، هو الصراع داخل التركيبة الاجتماعية الطبقية، والنظام السياسي الاستبدادي والحكم الاستعماري (بدءا الروماني) في المنطقة العربية. اي ان التمايز بدأ على اساس الاختلاف التالي: 
ـ من هو مع التمييز الطبقي والاستغلال والاجرام والنصب والاحتيال، ومع السلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية؟ فكانت من هذا المعسكر: اليهودية ـ اليوضاسية التي اتخذت لنفسها دينا "فوقيا" خاصا هو الدين اليهودي ولغة فئوية ضيقة (لاشعبية) خاصة هي اللغة العبرية، المشتقة من العربية (السامية) القديمة. وفي هذا السياق يمكن القول ( وادعو علماء الألسنية للبحث في هذا الموضوع) ان اللغة العبرية لم تكن لغة معبرة عن حضارة ما لشعب ما، كما هي اي لغة اخرى، بل وجدت كـ"لغة رمزية" (شيفرة) لجماعة خاصة، فيما يشبه "لغة الشيفرة" الخاصة التي يستخدمها جيش ما او عصابة ما.
ـ ومن هو ضد التمييز الطبقي وضد السلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية؟ فكانت المسيحية، التي وحدت صفوف الشعوب "العربية" القديمة، وبالتالي كانت المسيحية هي البوتقة التي انبثقت عنها الامة العربية المؤلفة من تلك الشعوب التي اعتنقت المسيحية في صراعها ضد السلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية ولا سيما الرومانية. 
فالمجتمع "الشرق اوسطي" اذا صح التعبير، هو من اقدم المجتمعات البشرية، اذا لم يكن اقدمها (بالمعنى الحضاري، اذا لم يكن بالمعنى الانتروبولوجي). والمجتمع القديم كان مجتمعا "شيوعيا بدائيا" او "مشاعيا بدائيا"، بدون ملكية فردية وخاصة، وبدون تمييز طبقي وسلطة طبقية، اي انه كان مجتمعا يقوم على الانتاج الحر اقتصاديا و"الحرية، اخاء، مساواة" (بتعابير الثورة الفرنسية) اجتماعيا. ثم اخذ المجتمع يتحول بالتدريج الى مجتمع قائم على الملكية الفردية والخاصة والتمييز الطبقي والسلطة الطبقية. واداة او وسيلة التحول من المجتمع المشاعي الى المجتمع الطبقي هي: الاستبداد (المتجسد في استخدام القوة والاكراه جسديا ومعنويا). اي انه محل "العلاقة المشاعية الحرة" بين الجماعات البشرية، بدأت تحل السلطة الاستبدادية والصراع بين "الشعب" المستغـَل والمضطهد والمقموع وبين السلطة المستبدة. وقد توجت هذه المرحلة بالاستعمار الخارجي الذي جسدته روما، التي سيطرت على شعوب المنطقة بالحديد والنار. وصار الصراع على السلطة، والصراع ضد السلطة الاستبدادية، "الداخلية" و"الخارجية"، هو الصفة المميزة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية بأسرها. وصار "الشعب" (الشعوب!) في واد، والسلطة الاستبدادية في واد آخر. 
وفي معمعان هذا الصراع بين تلك الشعوب والسلطة الاستبدادية وعلى رأسها روما، افرزت السلطة وبلورت "تنظيمها" الاقتصادي (الضرائبي الخ) والثقافي والديني والسياسي والامني والحقوقي والقضائي (السجون والتعذيب وقطع الايدي وفقء الاعين والاعدام بالرجم او الخازوق او الشنق او الصلب او الحرق) والعسكري. وهذا "التنظيم" هو ما يمكن تسميته: الدولة. فالدولة، كل دولة، هي في الاصل والاساس تنظيم عنفي معاد للشعب، شعبه الخاص، واستطرادا: كل شعب آخر. 
وفي مقابل هذا التنظيم الدولوي، الذي يضع "الوحش الانساني" (او "الانسان المتوحش") فوق "الشعب" او "الانسان" (او "الانسان المتأنسن او الانساني") بدأت الشعوب القديمة، التي سميت مجازا "سامية"، تنظم نفسها (ضد الدولة الطبقية الاستبدادية ـ الاستعمارية) في جمعيات اخوية (سميت في الغالب "اخويات")، لتنظيم التضامن والتكاتف والتعاطف الشعبي:
اولا ـ بمواجهة النتائج الاجتماعية لظهور النظام الطبقي التمييزي والسلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية والدولة عموما، اي مواجهة الفقر المدقع والحاجة والمرض والعاهات والموت وما ينتج عنه من مآس عائلية.
وثانيا ـ للوقوف بوجه السلطة الاستبدادية ـ الاستعمارية، وخصوصا ضد روما. 
وكانت هذه "الاخويات" تحلم بالعودة الى مجتمع "الشيوعية البدائية"، وتؤمن بـ"الخلاص" من الاستبداد والظلم، وتؤمن بمجيء"مسيح" (= "مخلص الهي")، اكبر من كل الاباطرة وآلهتهم. 
وقد انتشرت هذه "الاخويات" في جميع الاراضي التي تسمى اليوم "الوطن العربي الكبير"، واخذت تتوحد فيما بينها، مقربة ثم موحدة بين شعوبها في "اخوية كبرى" سميت فيما بعد "المسيحية". فصار "الشعب"، بالمعنى الطبقي و"الشعوب" بالمعنى القومي، "مسيحيا"، والسلطة وثنية رومانية مدعومة من الطغمة العليا اليوضاسية ـ اليهودية. وصارت السلطة تنظر الى "الشعب" = "المسيحي" نظرة استعلاء. (وحينما ظهر السيد المسيح من بين الفقراء، سخر منه الكهان اليهود وادانته روما لانه "ادعى" انه "ملك اليهود" فيما اليهود ـ اليوضاسيون ينتظرون مجيء مسيح ـ "ملك حقيقي" من نسل الملك داود). ومن بين هذه "الاخويات" او "الاخوية الكبرى" "المسيحية" ظهر القديسون والقديسون ـ الشهداء الاوائل، قبل السيد المسيح. ومن ثم ظهر يوحنا المعمدان والسيد المسيح في وقت واحد تقريبا، في وقت اشتد فيه النضال ضد السلطة الاستبدادية الرومانية وضد اليوضاسية اليهودية المتحالفة معها. 
ولا شك ان ظهور السيد المسيح ومضاعفاتهذا الظهور، بالمعنى الاجتماعي ـ السياسي البحت، شكل نقطة تحول كبرى في تاريخ المسيحية. ولكن هذه "النقطة تحول" لم تأت في فراغ، بل جاءت نتيجة تراكم طويل لنضال "الاخويات" المنادية بـ"المسيحية" او "الخلاص المسيحي". وبهذا المعنى يمكن القول ان السيد المسيح هو الذي "انتسب" الى "الاخويات المسيحية"، قبل ان تنتسب الكنيسة الى المسيح. وفي هذا يقول السيد المسيح "ما جئت لانقض، بل لاكمل". فهو بالتأكيد لم يأت ليكمل "اليهودية اليوضاسية" كما تحاول اليوضاسية تأويله، في محاولة لجر المسيحية الى مواقعها الخيانية، بل جاء ليكمل المسيحية الاولية المعادية للسلطة الطبقية ـ الاستبدادية الاستعمارية. 
ومن هذه "الاخوية الكبرى" (المسيحية) انبثقت تدريجيا "القومية العربية" او "الامة العربية" بالمعنى الحضاري ـ التاريخي. 
ولكن... مثلما انه ظهر بين تلامذة السيد المسيح واحد اسمه يهوذا الاسخريوطي او يوضاس الذي باع المسيح بثلاثين من الفضة وسلمه الى الموت على يد اليهود والرومان... فإنه ظهر في صفوف "الاخويات المسيحية" القديمة اقلية من "الخونة = اليهود" (الذين نادوا بالمسيح ـ الملك الجبار) ومعهم اقلية من ضعاف النفوس، الذين استمرأوا الارباح التجارية والربوية وامتيازات السلطة، فخانوا "شعوبهم" وتعاونوا مع الطبقات الاستغلالية والسلطات الاستبدادية وخصوصا سلطة روما. وهذه الاقلية من "المتعاونين" مع روما وخونة "شعوبهم" السامية، هم الذي تمايزوا وتبلوروا فيما سميناه "اليوضاسية" التي البسوها لباس "الديانة" اليهودية. اي ان "اليوضاسيين" (مثل "اللحديين" و"الجعاجعة" و"السنيوريين" المتعاونين مع اسرائيل في لبنان) هم "ساميون" خونة للشعوب السامية. ومن هذه الزاوية نظر الاجتماعية ـ السياسية نرى بوضوح ان "اليوضاسيين" هم الذين ساروا في ظلال روما في غزو مصر وفلسطين وسوريا والاراضي العربية؛ وكانوا عونا للرومان على الشعوب الشرقية التي يتحدرون منها. ومثلما ان "اللحديين اللبنانيين" الخ بالنسبة لاسرائيل هم "اللبنانيون"، فإن "اليوضاسيين اليهود" بالنسبة لروما هم "الساميون"، لان روما لم تكن تعترف بالدين اليهودي كدين، بل تعترف باليوضاسيين ـ اليهود كمتعاونين معها. وحتى اليوم لا تزال كلمة "سامي" في الغرب تعني "يهودي" وبالعكس. ويتعجب الغربيون حينما تقول لهم ان العرب هم ساميون وهم الاكثرية "السامية". فاليهود، في نظر الغرب، هم وحدهم "الساميون". والعرب هم "اعداء للسامية" لانهم اعداء لليهود اليوضاسيين. وهذا يدل ليس فقط على الجهل، بل ويدل على مدى انحياز وتهافت وانحطاط كل الحضارة الغربية التي لا تعترف من الشرق الا بخونته التاريخيين: اليوضاسيين.

     




آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net