هو عنوان المحاضرة التي القاها الدكتور سليم مجاعص بمناسبة اللقاء السنوي الخاص لمؤسسة سعاده الثقافية الذي اقيم كعادته على ارض عرزال سعاده في ضهور الشوير . عندي للدكتور سليم مجاعص في احدى محطات حياتي ذكريات تمر في خاطري كل مرة اعود فيها الى الماضي الذي كان. وفي العام 1954 على ما اذكر كنت ناظرآ للاذاعة في منفذية المتن العامة للحزب السوري القومي الاجتماعي وكنت كثير الحركة من اعالي الجرد الى ساحل المتن انظم الحلقات الاذاعية لدرس عقيدة الحزب وتاريخه وفعله في المجتمع ! وبين هذه المحطات المثبتة في ذاكرتي كانت ضهور الشوير المحطة الابرز خصوصآ في فصل الصيف حيث كانت العطلة السنوية لطلاب الجامعات تؤمن الفرصة لمثل هذه الحلقات الثقافية المميزة تعرفت الى الدكتور سليم مجاعص والى الكثير من اترابه في مثل هذه الحلقات ولم اعد اذكر من الاسماء الا المرحوم رجا مزهر الذي كان ناشطآ جدآ الى جانب سليم وكانا يحضران هذه الحلقات ويناقشان في جوهر العقيدة السورية القومية الاجتماعية وكنت اهتم جدآ بكل منهما نظرآ للتنبه الباكر والذكاء الحاد في دراسة عقيدة الحزب وقدرة التعبير عنها بوضوح وثقافة . ومرت الايام والسنين وفرقتنا ظروف الحياة فسافر الدكتور مجاعص لدراسة الطب في اميركا وهاجر الدكتور رجا مزهر الى البرازيل للالتحاق بأهله هناك وهاجرت شخصيآ الى غانا في افريقيا الغربية للالتحاق بوالدي هناك.
تميز الدكتور سليم مجاعص عن كل الذين عرفتهم باكرآ بدراسة سعاده الشاب واصدر عدة مؤلفات عن محيط سعاده وبلدته ضهور الشوير وعائلته ثم شبابه وكان عنوان هذه المرحلة في ما كتب الدكتور سليم مجاعص (انطون سعاده سنوات الشباب) ويبدو انه في كتاباته كان دارسآ متعمقآ في كل تفاصيل تاريخ الشوير وتاريخ عائلة سعاده مما اغنى المكتبة القومية الاجتماعية بالثمين من المعلومات والتفاصيل التي اصبحت مرجعآ غنيآ جدآ لكل من يريد ان يتعرف الى سعاده المعلم والهادي والمرشد للقوميين الاجتماعيين وللناس .
اعود بعد هذه المقدمة الى محاضرة الدكتور سليم على ارض العرزال في ضهور الشوير ...
في ما قاله الدكتور سليم يؤكد لنا جميعآ حقيقة سعاده بعد ان اسقط عنه كل المبالغات والقصص المتداولة ، وحصر همه في تبيان الاحداث التي مر بها واظهارها على حقيقتها اذ قال :
(في رحلتي مع الرجل العظيم مررت بوديان وقمم .فلنبدأ من الوديان لانه جميل ان ننتهي عند القمم)
«» في هذه السنين الطوال درست كل ما توفر من الكتابات عنه في الكتب والدوريات . كتاباتنا عنه منها الغث ومنها السمين ،منها المتحرك ومنها البدين البسيط ، والغليظ ، والسخيف والمخيف «»
ويختم الدكتور محاضرته بعد ان اغناها بالكثير من الوضوح والوقائع والتصويب بهذا القول :
« واجبنا نحو رجل الحق هو الحقيقة بجدية ومسؤولية باحترام وتقدير«
( افتحوا قلوبكم لرجل الحق لنحيا به وليحيا بها سعاده سلمت قلوبكم فيها تحيا سورية)
في هذه المحاضرة للدكتور سليم مجاعص من الواقعية والصدق والوضوح وتصويب الحقائق ما يجعلها مرجعآ هامآ لجميع القوميين الاجتماعيين وللمواطنين والذين يريدون التعرف الى :
( انطون سعاده الحقيقة ورجل الحق )
واود هنا ان اضيف إلى ما كتبه الدكتور مجاعص مقالآ للاستاذ محمود شريح نشره في جريدة النهار في 3 _- 7 - 2004 واشكر الدكتورة صفية سعاده التي زودتني بنسخة عنه
لم نسمع قبله بكل ذلك
لم نسمع بعد ان زعيمآ كان سريره عتيقآ ومنحرفآ عند احدى زواياه الاربع وان سريره كان يهتز كلما تنفس ،ولم نسمع بعد ان زعيمآ كان يتغطى بمعطفه ويهب حرامه لحارسه ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ لم يكن سريره ملكه بل من اثاث بيت استأجره ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ كان يسرح شعر بناته قبل خلودهن الى النوم ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ كان يستشير زوجته في كل شاردة وواردة ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ كان يصف بنفسه بعد منتصف كل ليلة جريدة حزبه ( الزوبعة ) في بونيس ايريس على جهاز احرف صغيرة احضره معه الى بيروت يوم 2/3/1947 بعد غياب قسري لتسع سنين ،ولم نسمع بعد ان زعيمآ رأى ان الطائفية اودت بفلسطين ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ اعلن في 1921 ان التعصبات الدينية تسببت بمعضلات عديدة لا تلتئم مع مصلحة امّة تريد النهوض وتختصر في معضلة واحدة هي الصهيونية ...
ولم نسمع بعد ان زعيمآ علن في 1/6/1949 وهو على مقربة من مخيم برج البراجنة بعد اقل من سنة على نصب شوادره ان مقررات الامم المتحدة لا تحمل الا الظلم والعدوان على الامّة السورية وحقها في الحياة ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ ادرك في نفاذ بصيرته ان الحكومات العربية القزمة هي التي خلقت اسرائيل ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ عيل صبره فلم يبق امامه الا الثورة لقلب لبنان الطائفي مدخلا الى وحدة بلاد الشام ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ حبّر آخر مقال له في مبنى مطبعة صحيفة حزبه في بيروت ،وعلى مطل من مقهى الجميزة عنونه «هشيم الطائفية يلتهب في الجميزة « ولم نسمع بعد ان زعيمآ القى خطابآ فجر 3 تموز في اتباعه ناحية دير العشائر على الحدود بين لبنان وسوريا ثم ناداهم فردا فردا باسمائهم ووزع عليهم السلاح قطعة قطعة ودعاهم في واقعية دونها له التاريخ الى قلب النظام الطائفي في لبنان مدخلا الى العلمانية في المشرق فكانت اول انتفاضة من نوعها اثر فلسطين بسنة واخر انتفاضة من نوعها قبل العراق بخمسين ،فها اليوم ولا يرجى تلاقينا ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ سلّم نفسه ليل 6تموز في قصر الرئاسة في دمشق لينفّذاتباعه من بطش عسكريتارية ببيروت ، ولم نسمع بعد ان زعيمآ خضع لاستجواب من الساعة الخامسة صباحآ الى الثامنة مساء من يوم 7 تموز ، اي لنحو 15 ساعة لا محضر كاملآ عنه ،ثم كانت محاكمة على مدى ثماني ساعات وكان واقفآ لم تثن له ركبة ولم ينحن له ظهر ، فدافع خلالها عن حزبه لساعة ونصف ساعة وكان الخطر اليهودي فيها محط اهتمامه ولم نسمع بعد ان زعيمآ حفر قبره سلفآ في مدافن مار الياس بطينآ قبل صدور الحكم باعدامه في منطقة نائية عند جناح بيروت ،ولم نسمع بعد ان زعيمآ لما عصبت عيناه قبل اطلاق الرصاص عليه قال ( شكرآ ) ولم نسمع بعد ان زعيمآ صرخ في بهيم ليل بيروت عند 2:51 فجرآ « تحيا سوريا « فاخترق صوته السكون قبل ان تنهمر عليه احدى عشرة رصاصة من اثنتي عشرة بندقية مزقت صدره ورأسه ثم رصاصة رحمة ، فاغتالهم الى الابد قبل ان يغتالوه للحظة ، وسقطت المنطقة منذ فجر 8 تموز 1949 في اتون التعصب الديني ،وتلظت في مرجل الهوس المذهبي فاستعر لهيب الطائفية وتطاير شرر الجهل المطبق فاذا بالحريق الاكبر بين غزة والبصرة لم يبق ولم يذر ، واذا المنطقة هالكة ..
كان ذلك الزعيم وكان الامل معقودآ كان انطون سعاده الذي امضى خمسة واربعين على ظهر هذه الفانية وهي اصلآ لم تسو له . وكان قرينه فيها ان الحياة وقفة عز فقط ، وهي كذلك حتى قيام الساعة ، ولم يبق من دقائقها الكثير.
محمود شريح
نشرت في جريدة النهار في 3/7/2004
ان سلوكآ من هذا النوع يضع الرجل العظيم في مرتبة خاصة عند سورية والسوريين وعند المفكرين في العالم الذين تحلوا بالعلم والمعرفة وقول الحقيقة
واختم بقول الدكتور سليم مجاعص: فرادة سعاده هي في ما قادته معاناته الى ابتكار لانقاذ الامة
ولكل من يريد ان يتعرف الى سعاده احيله الى العدد 70ايلول 2012 من مجلة تحولات التي تصدر شهريآ ...
