Tahawolat
قيل إن لبنان وجد للمسيحيين، وقيل ايضاً، وتخصيصاً، ان لبنان هو للموارنة  اولاً ولغيرهم اخيراً.
وقيلت اقوال كثيرة،  رأت الى المسلمين في لبنان، رؤيتها الى كم مخيف، يجب لجمه، كما كان يرى آخرون الى الموارنة والمسيحيين انهم صليبيو الشرق الجدد.
  وما نفع هذه الاقوال، والاقوال المضادة، بعدما تبين، انها، على الرغم من الحجج  والحجج المتناقضة، قادت لبنان الى هذه الاحوال التي لم يعد فيها لبنان، لا دولة الموارنة ولا دولة المسلمين.
فكما أن المارونية، جزء ثري من حضارتنا، وإرث مادي وروحي، كذلك الاسلام، جزء من حضارتنا وتقافتنا  وإرث غني مادياً وروحياً استطاع ان يؤسس في لبنان حضوره على مدى التاريخ:
ان النظرة السياسية الضيقة المنطلقة من مقاييس الربح الطائفي والغنائم الطائفية لكل من المسيحيين والمسلمين ايضاً لا تستطيع الا ان تكون نظرة ضيقة تنطلق من ثقافة الفتنة واستمرارها.
حرام ان يوصم المسيحيون في الصليبية وجائر جداً ان يتهم المسلمون بنقص الولاء فهذا المنطق هو منطق الحلقة الطائفية التي زنرت لبنان وما زالت...
 اذا كانت المارونية اصيلة في لبنان، فإن الاسلام فيه ليس دخيلاً واذا كان الموارنة في القرن التاسع عشر والقرن العشرين رواد العروبة الصحيحة، فإن المسلمين في لبنان كانوا وما زالوا رواد لبنان العربي فلماذا لا نرى ان اللقاء بينهما هو حتمي ووفق منطق الجغرافيا والتاريخ.
فالمسيحيون في لبنان ليسوا نصف لبنان، وليس المسلمون نصفه الآخر، اننا نرى ان المسيحيين والمسلمين معاً، من خلال تاريخهم هم كل لبنان ولا نقول هذا انطلاقاً من جمع طائفي او مذهبي، بل نقول ذلك انبثاقاً من جوهر حضاري ثقافي متفاعل كرّس المنتمون الى هذين الدينين العظيمين المنطلقين من هذا الشرق جهداً مميزاً كبيراً لصياغته كتجربة حضارية فذّة.
  ربما يقول البعض سقطت هذه التجربة، ولكننا نقول إن التي سقطت هي تجربة التعايش الطائفي المنطلق من المكاسب الطائفية، ثم سقطت صيغة التكاذب الطائفي ولن يبقى من هذه الصيغة السياسية الهشّة الا الارث الحقيقي الذي كرّسه الاسلام منذ الفتح العربي والذي صاغه الإمام الاوزاعي، في أكثر الحقبات تنازعاً وتصارعاً... ولن يبقى ايضاً من المارونية الا غناها الحضاري المرتبط بأرضها ومحيطها وتاريخها الأنطاكي الذي يلتقي لقاء حميماً اليوم كما التقى في الماضي البعيد. فالإسلام الذي انبثق من الجزيرة العربية كانبثاق النور من آخر الظلام للجاهلية والإسلام الذي تفجّر روحاً ووجداناً وسمواً نحو الله الواحد الاحد والاسلام الذي اضاء التاريخ العربي وتاريخ الشعوب المجاورة التي أخذت به ديناً يرتفع بها من الارض الى السماء.
هذا الإسلام النداء السماوي لا يمكن ولا يجوز أن نراه بلغة الجاهلية تحطيماً لآلهتهم وعبادتهم ومعتقداتهم، هذا الاسلام العربي الذي ولد في الصحراء ترعرع في ما بعد على ضفاف المتوسط وشبّ على ضفاف الاطلسي وفي الاندلس غرباً وشرقاً حتى بلاد الهند، فاستظلت به شعوب وأديان. نعم لقد ظلل هذا الاسلام العربي جزءاً هاماً وأساسياً من تاريخنا اللبناني كما ظللت المسيحية الآرامية الانطاكية جزءاً هاماً واساسياً من تاريخ لبنان بما فيه الحديث منه.
لم يكن الاسلام في تاريخه حكراً على المسلمين وحدهم ألم يدخل العرب المسيحيون تحت المظلة الحضارية للاسلام؟ ألم يساهموا فكراً وعلماً وثقافة؟ ألم يكن الاسلام دينهم الحضاري والمسيحية دينهم السماوي؟
ولم تكن المسيحية في تاريخها حكراً على المسيحيين وحدهم خاصة مناطق المسيحية المشرقية وفي لبنان ايضاً حيث ازدهرت الأديرة بصلواتها وزهادها فأمّها العلماء المسلمون وعرّجوا عليها في الجبال الوعرة، حيث عرفوا على أيدي الزهاد بعضاً من طرق التقرب الى الله عز وجل. ألم يكن الكثير من الخلفاء المسلمين يمضون بعض أيامهم في الاديار يقضون فيها اوقاتاً  للتأمل والراحة الروحية.
 إن التاريخ  العربي الإسلامي والمسيحي يظهر مقدار الشراكة الحضارية والفكرية والثقافية والعمرانية والسياسية بين الدينين.
لم يكن غريباً ابداً ان الموحّدين بالله المسلمين يوحدون الله بـ : (لا اله الا الله)، كما ولم يكن معيباً لدى المسيحيين إبان الخلافات الدامية بين اليعاقبة والموارنة ان يحتكموا الى الخليفة الاموي الاول معاوية بن أبي سفيان.
  ان اللقاء الديني بين المسيحيين والمسلمين في لبنان حتمي فمن دونه لا لبنان ولا نقول ذلك عبثاً واعتباطاً. فاللبنانيون في المغتربات ما زالوا بكل طوائفهم يلتفون على حبهم للبنان ووفائهم الوطني، علينا ان نخرج من الخنادق الطائفية الى رحابة الأديان التي تلتقي على حياة الوطن وليس دفنه. إن المسلمين والمسيحيين لم يجمعهم ميثاق وطني، ولكن الذي يجمعهم هو لبنان وانتماؤه الى حضارته وتاريخه وبيئته الطبيعية لان تاريخه هو تاريخ اتصال وليس تاريخ انفصال.
ان ادلتنا على كل ذلك في هذا العصر وامام اعيننا هو هذا الاختلاط الرائع في حياة اللبنانيين اليومية وفي مناسباتهم الروحية والاجتماعية، فلا يمكن أبداً ان تميز الانتماء الطائفي بل تجد امامك وحدة حياة حضارية، اجتماعية، ثقافية واقتصادية.
  إن المسلمين والمسيحيين معاً هم لبنان الواحد بوحدة الحياة والمصير.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net