Tahawolat
الحلم... واقع لطالما شغل بال الكثيرين، فتساءلوا عن ماهيته وأبعاده... وكثرت حوله المفاهيم والتفاسير. الكل يحلم، ولكن هناك مَن يتذكر شذرات من أحلامه وقد يلجأ إلى تفسير المنجمين ليفهم أحلامه، وهناك أيضاً مَن لا يتذكر شيئا من أحلامه فيعتقد أنه لا يحلم...
ما هو معنى الحلم وما هو سره؟! وكيف يجب أن يفهمه ويتعامل معه المرء؟!
هل ينبئ الحلم صاحبه بالمستقبل؟  وهل يستطيع الحالم التحكم بأحلامه؟!
لعل من أكثر العلوم الأكاديمية التي سعت دوماً الى تحليل واقع الأحلام والنوم هو علم النفس، وذلك بغاية فهم الشخصية الفردية وما يكتنفها من غوامض وأسرار.
إن سيغموند فرويد، وهو أحد أشهر المحللين النفسانيين، اعتبر أنَّ الحلم وسيلة علاجية للكشف عن خبايا الوعي الإنساني، وإحدى ركائز التحليل النفساني. كما أنَّ الحلم، بحسب فرويد، هو وسيلة لتحقيق رغبات المرء التي تعود إلى طفولته وترتبط بالنواحي الجنسية والعدائية التي تم كبتها  في وعي الباطن.
بقى مفهوم فرويد للحلم سارياَ الى أن جاء كارل يونغ، وهو تلميذ فرويد، وأعتق الحلم من كابوس الجنس والكبت. يشرح يونغ أن الحلم سرٌ من اسرار النفس البشرية، ما دعاه للغوص عميقاً في النواحي الخفية في الانسان، مُشيّداً جسراً حقيقياً بين العالم المنظور والعالم اللامنظور محدثاً نهضةً نوعية في علم النفس.
لقد كان يونغ أوّل من اعتبر أنَّ الأحلام ترمز الى حقيقة خبرات المرء السابقة على الأرض والتي انطبعت بدورها في وعي الباطن لديه، لتظهر في وقت لاحق في أحلامه فتكشف بذلك حقيقة الصراع  القائم بين الذات الحقيقية والقناع المتمثل بالنفس البشرية ... ويضيف يونغ ان تفسير الأحلام يساعد المرء في إعادة التوازن إلى حياته من خلال فهم رسائل وعي الباطن التي تبثّ اليه عبر الأحلام.
مما لا شك فيه أنَّ يونغ قد نجح في كشف بعض ما خفي من واقع الحلم... لكن ما هي حقيقة الحلم؟! وكيف يمكن للمرء الإستفادة عملياً من أحلامه؟!
هنا، لا بد من العودة إلى علوم الإيزوتيريك - علوم باطن الانسان التي تعنى بتوسيع وعي الانسان في مختلف مناحي الحياة - بهدف الإسترشاد بمعرفتها الإنسانية السامية. تفيدنا علوم الايزوتيريك وتؤكد أن «الأحلام حقيقة وحياة ثانية يعيشها كل بشري على وجه الأرض. الحلم هو اللغة المشتركة واللامحسوسة بين البشر قاطبة. إن الإفادة الحياتية من الأحلام هي في حل رموزها وإدراك المغزى الذي تهدف إليه والخاص بكل شخص بمفرده، وذلك في إطار جديد لا دخل له بالتكهن ولا بالتنجيم. الحلم هو بمثابة شاشة تعكس حالة صاحبه، نفسيته ومستوى مداركه». هذا ما ورد في كتاب الايزوتيريك الخامس والثلاثين «الأحلام والرؤى» بقلم ج ب م ضمن سلسلة علوم الإيزوتيريك، والتي فاقت الخمسين مؤلفاً حتى تاريخه، وباللغات العربية والفرنسية والانكليزية والاسبانية أيضاً.
لفتني تعريف علوم الإيزوتيريك للحلم، إذ هي توضح أن الإنسان يحوي طبيعتين، الأولى  مادية (منظورة) والثانية لامادية (غير منظورة) وتُعرف بأجهزة الوعي وهي الجهاز الأثيري أو الهالة الأثيرية (أو Bioplasma بلغة العلم) وهي تحيط بالجسد، يليه من ناحية مستوى التذبذب الجهاز الكوكبي الذي يحوي المشاعر والأحاسيس، ثم الجهاز العقلي الذي يحتوي على الفكر بشقيه البشري والإنساني، ومن ثم جهاز المعرفة (المحبة)،  يليها جهاز الإرادة، وأخيراً جهاز الحكمة (الروح). 
 فالحلم كما يوضح الإيزوتيريك، هو نتيجة انطلاق أجهزة الوعي السابق ذكرها أثناء نوم الجسد إلى طبقات وعيها للتعبير عن مكنوناتها، حيث تختبر أجهزة الوعي تلك- والتي تشكل الكيان الباطني في الانسان- واقعاً جديداً في ما وراء الجسد المادي.
تؤكد علوم الإيزوتيريك - علوم أنسنة الانسان -  أن الحلم ليس وهماً أو خيالاً... وتستفيض في تشريح أنواع الاحلام التي تعكس حالة المرء النفسية. فمنها ما يسترجع المرء خلالها صور بعض ما صادفه خلال النهار. هذا النوع المذكور من الأحلام هو عالم يختلقه خيال الشخص لنفسه ليحيا فيه ويحقق ما لم يستطع تحقيقه في أثناء اليقظة (وهنا فقط يكون الحلم نتيجة كبت الرغبات). أما الأحلام التي تكشف ماضياً أو تنبىء بمستقبل، فهي لا تعتبر أحلاماً بل رؤىً! والرؤيا تختلف عن الحلم لأن الرؤيا هي رؤية الحقيقة كما حدثت أو ستحدث فيما بعد...
إنَّ أهم ما تشدد عليه علوم الإيزوتيريك هو حقيقة أن «الحلم رسالة خاصة بصاحبه»، لذلك فالشخص نفسه هو الأقرب الى فهم تلك الرسالة أو العبرة التي يحملها له كيانه الباطني عبر الحلم.
خلاصة القول، الحلم هو أهم من رسالة شخصية لصاحبه، بل هو الحياة الأصل للكيان الإنساني. هو بوابة عبور مباشر إلى عالم الباطن في الإنسان للإطلاع على كوامن النفس البشرية. أما تجاهل هذه الحقيقة، فيعني تجاهل كلية الحقيقة الكامنة داخل العالم الشاسع المسمى الإنسان! وإذا عاش المرء في متاهة الظروف التي تضيع فيها معالم النفس البشرية، يغدو بعيداً ليس عن حقيقة الباطن في كيانه فحسب، بل عن أحلامه وآماله وحتى عن أسباب آلامه. وهذا هو أقسى شعور بالغربة يمكن أن يعيشه إنسان على وجه الأرض! 
www.esoteric-lebanon.org
 

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net