Tahawolat
تستكمل "تحولات" فتح ملف ربيع الاحزاب، حيث يطرح اسامة المهتار في هذا العدد موضوع الانتخابات الحزبية المقبلة داخل الحزب السوري القومي الاجتماعي، وما يمكن ان تسفر عنها. كما يركز على شروط ادارة التغيير، وشروط انتقال المؤسسات الى النجاح.
يجمع معظم السوريين القوميين الاجتماعيين والمراقبين لهذا الحزب العريق انه امام استحقاق كبير يتمثل في نتائج الانتخابات الحزبية القادمة وما يمكن ان تسفر عنه لناحية الابقاء على الوضع الراهن أو الإتيان بقيادة جديدة تقود عملية تغيير جذرية في الحزب حفاظاً عليه. وأهمية هذه النتائج تتعلق بوضع الحزب الداخلي من جهة وما كشفت عنه انتخابات المجلس القومي لناحية ضآلة عدد الأعضاء العاملين في الحزب والذين لا يتجاوز عددهم حوالي السبعة الآف عضو تقريباً في العالم كله، مقايسة بحجم التحديات الكبيرة التي تواجه البلاد.
في هذا البحث، سوف نركز على ناحيتين: شروط إدارة التغيير، وشروط انتقال المؤسسات الى النجاح، والنجاح هنا يعني نجاح الحزب السوري القومي الاجتماعي في تحقيق غايته.
عملية التغيير
يتحسس بعض القوميين من كلمة "تغيير" ويفضلون عليها كلمة "إصلاح"، إلا أننا سوف نعتمد في هذا البحث كلمة تغيير من ناحية المفهوم الاداري البحت. ذلك ان التغيير في رأينا لا بد منه إذا كان لهذا الحزب ان يستعيد دوره ويعمل بنجاح على تحقيق غايته.
ولزيادة الإيضاح، نقول إننا ندعو الى التمسك التام بالأساس الاستراتيجي للحزب أي نظرته وعقيدته وغايته وقيمه وأخلاقه. كما ندعو لاستيعاب الابعاد العملية لإطار إدارة الاستراتيجية الذي استخدمه سعاده من إدارة وسياسة وحرب في إدارة خطته الاستراتيجية، أي الخطة الموصلة الى تحقيق غاية الحزب. وهذه الخطة يجب ان تكون الثابت الأكيد بين قيادة وأخرى.
إذاً التغيير ليس لإبعاد الحزب عن أسسه الفكرية والعملية والاخلاقية بل هو تغيير لإنجاحها.
هذا التغيير لا بد وان يكون جزءاً من تغيير في طريقة التفكير في الحزب بحيث يأخذ بأسس التخطيط الاستراتيجي وقواعده العملية ويضع خطته الاستراتيجية بعيدة المدى لتحقيق غايته.
قواعد التغيير وشروطه
للتغيير قواعد وشروط. وأول القواعد أن التغيير في أي مؤسسة سوف يواجه بالرفض والمقاومة. فالشك في إمكانية النجاح والخوف من المجهول عاملان قويان ليس من السهل التغلب عليهما. يقول لامارش في كتابه تغيير الكيفية التي نتغير بها، "إن الحاضر قوي لدرجة تعصى على المنطق في بعض الاحيان"، وهذا طبيعي، فالانسان الذي تأمنت احتياجاته الخاصة من راتب وسكن ومركز اجتماعي، سوف يقاوم أي تغيير من شأنه ان يحدث تعديلاً في وضعه الخاص فيتعامي عن الاسباب الاجتماعية أو المؤسسية الموجبة للتغيير.
القاعدة الثانية هي معرفة ان التغيير يمكن ان يبدأ من القمة أو من القاعدة. ولكن التغيير الذي يبدأ من القمة هو المفضل. إنه أسرع وأشمل ويجنب المؤسسة مخاطر جمة. ولكن هناك العديد من الحالات حيث تعمى قيادة المؤسسة عن ضرورة التغيير في حين ان القواعد او المسؤولين في الخطوط الامامية والذين هم على تماس يومي مع الاحداث يرونها كحاجة ملحة.
في مثل هذه الحالة يكون التغيير اصعب بكثير وغالباً ما يؤدي الى خسارة المؤسسة لكوادر مهمة، بالاضافة الى انحسار دورها في المجتمع.
إدارة التغيير
إدارة التغيير هي عملية مدروسة لنقل الأفراد والمؤسسات من حالة قائمة إلى حالة أفضل. إن قرار أي مؤسسة الأخذ بأسس التخطيط الإستراتيجي وإدراة تنفيذ الإستراتيجية هو بحد ذاته قرار إستراتيجي بالتغيير سوف يلقي على عاتق الإدارة والعاملين مسؤوليات كبيرة كما يهيئ لنتائج إيجابية متوقعة. لا يمكن ترك قرار من هذا النوع للصدفة. إنه عملية تغيير جذرية في فكر المؤسسة ونهجها.
تجمع مدارس الادارة على ان عملية التغيير الناجحة لها شروط ضرورية لا بد من توفرها. وهناك نماذج عدة لإدارة التغيير اخترنا واحداً منها يعرف بنموذج (أدكار ADCAR)، من تصميم مؤسسة  Prosciيقوم هذا النموذج على توفر الشروط الضرورية التالية:
1-     الوعي Awareness بضرورة حصول التغيير.
2-     الرغبة Desire لدعم عملية التغيير والمشاركة فيها.
3-     المعرفة Knowledge  بكيفية التغيير.
4-     المقدرة Ability على تطبيق التغيير خاصة لناحية تأمين قدرات جديدة لدى فرق العمل.
5-     الدعم Reinforcement من أجل المحافظة على التغيير وإستمراريته.
لا يحصل التغيير إلا إذا كانت العوامل الخمسة المذكورة أعلاه أقوى من مقاومة التغيير.
دور الإدارة
يبقى أن دور الإدارة هو الأساس في قيادة عملية التغيير. فعلى الإدارة لحظ المتغيرات والإتجاهات الجديدة في المجتمع أو بيئة المؤسسة التي تجعل من التغيير ضرورة ملحة، كما عليها تحديد التغيير المطلوب ووضع عملية التغيير موضع التنفيذ وإدارتها وتقدير نتائجها وإنعكاسها على جميع المعنيين داخل المؤسسة أو خارجها. في الوقت نفسه على الإدارة أن تقرر المواضيع التي يجوز التغيير فيها وتلك التي لا يجوز.
النجاح
للنجاح شروط. وسواء كنا نتعامل مع مؤسسات خاصة أو عامة، فإن شروط النجاح واحدة.
سنة 2001،  نشر جيم كولنز كتابه من الجيدة إلى العظيمة. والمقصود هنا شركات قفزت في نقطة ما من تاريخها لتتحول من شركات لا تتميز عن منافِساتها في الحجم أو المبيعات أو الأرباح، إلى شركات قفزت فوق معدل السوق بما لا يقل عن ثلاثة أضعاف قيمته ولمدة لا تقل عن خمس عشرة سنة متتالية. وجد كولنز إحدى عشرة شركة تنطبق عليها هذه المواصفات ثم قام بدراسة الخصائص المشتركة فيما بينها والتي عزا في نهاية دراسته أسباب تفوقها إليها مجتمعة. هذه هي تلك الخصائص:
1.    كان لكل من هذه الشركات عقيدة أو "إيديولوجية" حسب تعبير الكاتب.
2.    لم يكن مضمون العقيدة هو المهم بل تمسك العاملين بها والتزامهم ببنودها.
3.    عملت كل الشركات وفق قاعدة ثابتة: "التمسك بالعقيدة دائماً والتجديد في كل شيء آخر".
4.    نوعية القيادة: القائد الذي يضع مصلحة الشركة فوق عظمته أو مصلحته الشخصية.
5.    أولاً "من" ثم "ماذا". يرى الباحث أن ليس الإنسان في المطلق هو سبب النجاح، بل الشخص الصالح في المكان الذي يصلح له.
6.    عدم الخوف من مواجهة الحقائق المرّة.
7.    اكتشاف ما يسميه الكاتب "قنفذ" الشركة والتركيز عليه وترك كل ما عداه مهما بدا مغرياً.
8.    النظام: الأشخاص النظاميين، نظام الفكر ونظام النهج (حرفياً نقلا عن الكاتب).
9.    التكنولوجيا الملائمة، وهي أقل هذه العوامل تأثيراً.
يفصل الكاتب مفهوم "القنفذ" بأنه نقطة تقاطع ثلاث دوائر حيث يكتشف العاملون في الشركة:
1 - الشيء الذي يستثير فيهم أكبر قدر من الحماس (انتاج خدمة او منتج وفق عقيدتهم).
2 - الشيء الذي يمكنهم القيام به على أفضل شكل في العالم كله (منهجيتهم).
3 - النموذج المالي الأكثر ملائمة لإنتاج هذا المنتج.
لم تكن قفزة هذه الشركات بنت ساعتها بل كانت نتيجة مجهود جبار وفي اتجاه واحد على مدى سنوات بَنَت فيها كل شركة، ببطء، قوة زخم متنامية تمكنت معها من الانطلاق في نجاح مستمر نقلها من مصاف الشركات الجيدة إلى مصاف الشركات العظيمة.
ويركز كولنز على أن عوامل النجاح هذه لا تقتصر على قطاع العمل والصناعة بل تنطبق في جميع المجالات من سياسية أو رياضية أو خيرية. إنها مبادئ ثابتة للنجاح.
ما هي علاقة هذا الكلام بموضوع البحث؟
إن المتتبع لتاريخ الحزب سواء قبل استشهاد سعاده أم بعده يرى أن عوامل النجاح التي يركز كولنز على ضرورة وجودها مجتمعة وبشكل دائم كانت غائبة كلياً أو جزئياً، دائماً أو بين وقت وآخر.
1-     عقيدة الحزب: هي دائماً أول ضحايا دعاة "التجديد والتطوير والتحديث والتثوير".
2-    نوعية القيادة: معظم الذين استلموا مقدرات الحزب بعد الزعيم وضعوا "عظمتهم" الشخصية أو مصالحهم الخاصة فوق مصلحة المؤسسة.
3-    الأشخاص المناسبون: التطهير الذي أجراه سعاده يدل على أنه كان واعياً لأهمية هذه النقطة وعدم خوفه من طرد عدد من كبار مسؤولي الحزب. لم يتسن الوقت لسعاده لترسيخ هذه القاعدة، وعمل معظم الذين جاؤوا بعده عكسها فيما يتعلق بغاية الحزب.
4-    مواجهة الحقائق: إصرار معظم القيادات الحزبية على إنكار واقع الحزب ولسان حالهم دائماً: الدنيا في خير.
5-    غاية الحزب القنفذ: غائبة حتى قبل استشهاد سعاده، ما أدى إلى التطهير الذي أجراه. بعد ذلك تراقص الحزب في شتى الاتجاهات ووراء عدد من المفاهيم: الواقع اللبناني، يمين ويسار، اشتراكية قومية، عروبة، أمة تامة مقابل الأمة الأتم، منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد، اتفاق الطائف، النظام الأمني، الى أخره. كل هذه أمثلة حية عن التراقص الذي يمنع حتماً تقدم الحزب نحو تحقيق غايته.
6-    النظام: مع أن سعاده وضع قيمة النظام في المبدأ الذي وراءه والهدف الذي أمامه، فإن استخدام النظام في الحزب لم يخضع لهذه القاعدة بل كثيراً ما استخدم كأداة تأديب لمخالفي الرأي.
7-    التكنولوجيا: شبه معدومة في الحزب.
ختام
أعتقد انه على السوريين القوميين الاجتماعيين مسؤولية النظر بإمعان إلى عاملي التغيير والنجاح ومقوماتهما وشروطهما الضرورية والنظر إلى ماضي الحزب ومستقبله من منظورهما. وفي الوقت نفسه اعتقد ان أعضاء المجلس القومي اليوم، فيما هم يستعدون للمؤتمر القومي العام وللانتخابات التي سوف تأتي بمجلس أعلى جديد سوف يكونون في مواجهة أسئلة مصيرية:
1-     هل ان وضع الحزب يحتمل أربع سنوات اخرى من الوضع القائم؟
2-    إذا كان الجواب لا، ما هو نوع القيادة التي يجب ان نأتي بها؟
3-    ما هي مواصفات المجلس الاعلى "مجتمعة كمجلس" وما هي مواصفات أعضائه؟
وأخطر ما يمكن ان يقع فيه الحزب والقوميون هو أن لا يعطي أعضاء المجلس القومي الانتخابات القادمة الأهمية المطلوبة، وأن لا يتلكئوا للقيام بدورهم المطلوب. من هنا نستعير عبارة مجهولة المصدر: "إن حاولت، ربما تنجح. ولكن إن لم تحاول فإن الفشل هو مصيرك حتماً".
من ناحية ثانية، اننا كأعضاء في المجلس القومي أمام مسؤولية كبيرة  بأن لا نقترع بعقل سوانا بل بعقلنا الفردي والجمعي. وأقصد بذلك ان يقرر كل عضو هو بنفسه ونتيجة دراسته ومشاوراته وبحثه الخاص لمن سيقترع. وفي المقابل، أن يضع المجلس القومي، من حيث هو جزء من عقلنا الجمعي - ونعني بهذا مجموع القوى العاقلة المنظمة التي تنتج فكراً وخططاً ومشاريع وانظمة عمليات موحدة الاتجاه في سبيل تحقيق غايتنا - أن يضع مصلحة الحزب العليا ومصلحة البلاد العليا في كل خطوة من مسار الانتخابات الحزبية القادمة نصب عينيه.
على كل عضو في المجلس القومي ان يتوقع من كل مرشح برنامج عمل سواء أترشح منفرداً ام من ضمن لائحة، يضمنها رؤيته لوضع الأمة ومستقبلها ووضع الحزب ومستقلبه. إذا تأمن هذا الشرط، يصبح من الممكن النظر في تاريخ المرشح الحزبي وصفاته القيادية. أما بدون الشرط الأول فلا جدوى من النظر في الشروط الأخرى.

آراء القراء

1
26 - 6 - 2012
Well put, sir, well put. I'll cetirnaly make note of that.

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net