Tahawolat
انعقدت في آذار المنصرم "قمة عربية" في بغداد في لحظة تاريخية حرجة تشي بالكثير من التحديات التي تواجه الشعوب العربية في حاضرها ومستقبلها. بالطبع، ثمة أسئلة تطرح حول "الجدوى من  هذه القمة" التي تنضم الى العشرات من القمم العربية التي عقدت خلال العقود المنصرمة، دون أي اضافة جديدة في "الأعمال الجدية" أو "الانجازات" في سجل  هذه "الجامعة العربية"، ولعل مراجعة عميقة ودقيقة لعملها منذ نشوئها الى اليوم تفيد أن عطباً ما يصيب بنية هذه "الجامعة" ما ينعكس تعطيلاً للدور والوظيفة التي من المفترض أن تضطلع بها في مرحلة تاريخية نحن أحوج ما نكون فيها الى تضامن عربي حقيقي، والى تعاون عربي حقيقي والى اقامة الجبهة العربية الحقيقية التي تحمل آمال وطموحات شعوبها وتترجمها أعمالاً وأفعالاً تقوي الروابط ووشائج العلاقات بين الشعوب العربية الهائمة على وجوهها والتائهة في صحراء التخلف والجهل والانحدار والانحطاط من أقصى المحيط الى أقصى الخليج.
ان "العقل العربي" العاجز والمرتهن والتابع يُفقد "الجامعة العربية" أي فعالية أو  صدقية أو "وظيفة" ويطرح علامات استفهام جدية حول الجدوى من وجودها كمؤسسة.
ان تجربة "الجامعة العربية"ليست مشجعة، وهي في انحدار مستمر، خصوصاً في ظل أنظمة وسلطات لا تمتلك قرارها المستقل في دولها، وتعيش حالة تبعية كاملة أو جزئية لقوى أجنبية، وفي ظل فساد يستشري على كافة الصعد وفي كل الدول العربية دون استثناء،  ما ينعكس تراجعاً في كل المؤشرات التي تقاس بها مستويات التقدم الحضاري، وما ينعكس حكماً تراجعاً في النمو الاقتصادي، واهداراً للطاقات والثروات الهائلة التي يختزنها هذا العالم العربي.
ان "الجامعة العربية" لن تتمكن من القيام بالدور المطلوب، ومن التأثير الايجابي الفاعل على مستوى العالم العربي، قبل أن تشهد هذه الشعوب والأمم في العالم العربي قيام نهضاتها القومية الحقيقية، وقبل أن تتحرر من حكم الطغيان والديكتاتوريات والعروش الملكية والأميرية البالية والفاسدة، والتي تشكل عبئاً على هذه الشعوب وعائقاً أساسياً أمام مسيرة التنمية والتقدم والحرية والوحدة والديموقراطية.
ان الاصلاح يجب ان يطال مؤسسة الجامعة العربية على مستوى اعادة صياغة الأهداف والغايات من جديد، كما يجب أن يطال الاصلاح كل مستويات البنى والأنظمة والأشكال والأطر التنظيمية، لأن الاستمرار غير ممكن في المدى المستقبلي بذات الأهداف ووفق ذات الأطر التنظيمية.
الجامعة العربية - من اليوم وصاعداً - تكتسب مشروعية وجودها الوحيدة في كونها مؤسسة للتعاون الاقليمي العربي بما ينسجم مع مصالح الشعوب والأمم والدول التي تتشكل منها هذه الجامعة، وعلى هذه المؤسسة أن تأخذ من اليوم وصاعداً الواقع التاريخي - الاجتماعي -  القومي - الجغرافي لهذا العالم العربي الواسع والمترامي الأطراف في الحسبان...
ان نظرية القومية العربية أصبحت في يومنا هذا، نظرية واهية وغير واقعية وقد تجاوزها الزمن، ولم يعد البكاء على الأطلال، واستعادة الرومانسيات والعواطف الجياشة يفيد شعوبنا العربية في شيء.
والجامعة العربية الجديدة يجب أن ترتكز على فكر عربي جديد ينظر الى العالم العربي نظرة واقعية حقيقية لا تتجاوز فيه هذه المؤسسة المصالح القومية لأطرافه، ولا تتجاوز وفق هذه الرؤية الجديدة السيادة الوطنية والقومية للأمم والمتحدات القومية الأربع التي يتكون منها هذا العالم العربي.
لذا لا بد من تصحيح طريقة التعامل مع القضايا القومية لأمم العالم العربي ولا سيما أمتنا السورية العربية التي خضعت لتدخلات طالت مفهوم السيادة القومية في المراحل السابقة، مما أضر بمصالحنا القومية تحت عنوان التضامن العربي.
ان الاستقلالية هي القاعدة والمرتكز لمقاربة علاقة أمتنا بالجامعة العربية وبمحاور الدول التي تتكون منها، والمصلحة القومية العليا هي المعيار الذي يحكم علاقتنا بهذه المؤسسة وبالدول التي تتكون منها...
ان مراكز القرار على مستوى الجامعة العربية مرتهنة أو على الأقل تخضع لضغوط دولية  تجوف مضمون العمل العربي المشترك، وتتحول "الجامعة العربية" معها الى مطية أو الى أداة لتنفيذ أجندات أجنبية لا تمت الى  مصالح الشعوب العربية بصلة، وما الدور السلبي الذي لعبته هذه الجامعة في مقاربة "الموضوع السوري" الا نموذجاً لحالة الاستلاب الذي تعيشه، وحالة الانحطاط الذي يطرح أسئلة جدية حول مستقبلها وظيفةً ودوراً...


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net