تضيء جمعية "نحنا" الثقافية في دمشق شمعتها الاولى لانطلاقتها، في زمنٍ تشتعل في سوريا النيران التي تحرق الانسان والمجتمع، جسداً وعقلاً وروحاً، لتكمل الجمعية بأقسامها المتنوعة عملها في الحركة الثقافية في ظل ازمة تمر بها البلاد ودفعت الثقافة جزءا كبيرا من ثمنها على كافة المستويات.
 
تسير في أحد شوارع دمشق لتسمع من نافذة مكتبٍ صوت موسيقى وغناء، تتجه نحو تلك الموسيقى لتمر أمام حفرة تركتها قذيفة سقطت امام البناء تاركة وراءها شظايا وأرواح من مروا صدفة من هنا، ومع أصوات الاشتباكات الآتية من بعيد ترتفع ألحان الفرقة الموسيقية التابعة للجمعية، وليكمل أعضاؤها نشاطاتهم ومكملين رسالة "نحنا" الثقافية والتنموية من أجل خير وتقدم الانسان والمجتمع السوري.
تهتم الجمعية بالتنمية الإبداعية، فتعمل على استخدام الثقافة والفن والتكنولوجيا الحديثة كأدوات فاعلة في عملية التنمية والحوار الإيجابي لما فيه مصلحة المجتمع السوري، وذلك من خلال التنسيق مع كافة الجهات الرسمية والأهلية المعنية بهذه المجالات. انطلقت "نحنا" من الحالة السلبية التي تمر بها البلاد وما لها من انعكاس سلبي على الشباب، فكانت بمثابة مساحة ثقافية تتبنى منظومة تجمع بين الثقافة والفن والتنمية الإبداعية، لتطوير مهارات الافراد ورفع كفاءاتهم وإبراز مواهبهم وإقامة النشاطات الثقافية والفنية وانشاء الفرق والمنظومات التي تعمل على نشر الفكر والفرح والامل عند الشباب مما يؤدي الى رفع منسوب الحوار فيما بينهم للمساهمة في بناء مستقبل أفضل ومجتمع أمثل.
 
كانت النبضة الأولى لجمعية "نحنا" الثقافية مع فرقة نبض الموسيقية التي تشكلت من 30 شاباً وفتاة من العازفين والمغنين الذين تتشكل غالبيتهم من الهواة وجمعتهم المساحة الثقافية رغم اختلافهم في الآراء والافكار السياسية، فكانت الاغنية الاساسية في انطلاقتهم "تحيا سوريا"، فكانت التعبير عن المشترك بين مختلف السوريين في رغبتهم بحياة بلادهم في ظل الموت والالم، لتبدأ الفرقة عملها وتنتج ذاتياً بالكلمة والغناء والموسيقى مجموعة من الاغاني الخاصة بها مثل (تحيا سوريا، أرز وياسمين، سايكس – بيكو، دمعة سوريا، زواج مدني، بحبك سوريا)، وقد عالجت الاغاني بكلمات بسيطة مختلف النواحي التي يمر بها الانسان السوري ومجتمعه، إن كان على المستوى الوطني والمدني والانساني، وقدمت هذه الاغاني ضمن حفلات في غاليري مصطفى علي ومسرح الحمراء ونادي الثورة الرياضي ومشاركة في دار الاوبرا وجميعها في العاصمة دمشق، بالإضافة إلى لقاء مع تلفزيون الاخبارية السورية بنقل مباشر من إحدى ساحات دمشق تخلله عرض كامل لأغاني الفرقة. تستمد الفرقة عناوين حفلاتها من الهدف الاساسي التي بنيت عليه الجمعية والحالة الراهنة في المجتمع، فكانت عنوان إرادة الحياة والحياة أقوى ووطني امي، وقد قامت الفرقة بتسجيل اغانيها على CD بعنوان "الحياة أقوى".
 
"خبز" هو اسم الفرقة المسرحية في الجمعية، وكان اختيار الاسم من رمزيته في كونه المشترك بين مختلف المواطنين مهما اختلفت أفكارهم وآرائهم، وهو المادة التي يحتاج إليها الانسان بشكل يومي. أقامت الفرقة خلال الاشهر الماضية مجموعة من ورشات العمل التدريبية مع مجموعة من المخرجين بهدف إعدادهم وتأهيلهم مسرحيا، وتستعد الفرقة لإعداد وتنفيذ مسرحية تنطلق من الحياة اليومية للمواطن السوري وتعبر عن مشاكله وهمومه وآماله. عدد أعضاء فرقة خبز 15 شخصاً هم من الهواة والذين جمعهم شغفهم للمسرح في زمن تراجعت فيه الحياة فوق خشبات المسارح.
القسم الثالث هو قسم النشاطات والمعارض الذي يشرف على تنفيذ نشاطات فنية وثقافية، كمعارض للرسم والنحت، وصالون ثقافي وناد سينمائي، وقد أقام القسم معرضاً للرسم ضم 36 فنانا وفنانة في غاليري مصطفى علي في دمشق القديمة بعنوان "شظايا وزوايا"، كما أقيم في المكان نفسه ورشة تصوير فوتوغرافي مع الفنان حسين صوفان بمشاركة 54 شابا وشابة لمدة شهرين. ويعمل القسم على التحضير لمجموعة من النشاطات خلال الفترة القادمة بشكل يشمل مختلف انواع النشاطات الثقافية والفنية.
" ShamSoul" هو قسم الرقص في الجمعية، وتعمل روح الشام (معنى اسم القسم) على التدريب والتعاون مع مجموعة من الشباب في مختلف أنواع الرقص، لتطوير نشاطهم في المرحلة المقبلة إن كان من جهة الكوادر أو من جهة النشاطات العامة.
 
تقول الحكمة أن تشعل شمعة في ظلمة خيرٌ من أن تلعنها، فكيف إن كانت الحكمة أن تشعل شمعة في ظل النيران المنتشرة والظلمة القادمة بعد كل حريق، فجمعية "نحنا" الثقافية وغيرها من الحركات الثقافية في سوريا تعمل جاهدة على التفاعل مع الازمة والحرب، "فنبض" الثقافة يكمل عمله رغم "شظايا وزوايا" الدمار المنتشرة في البلاد، ولتبقى الثقافة والتنمية "الخبز" الاساسي في كيان الانسان ولتستمر "روح الشام" في حياتها بالأمل والارادة رغم كل المصاعب.