Tahawolat
في ظل التشابك في العلاقات الدولية، يبرز الى الواجهة موضوع قديم جديد يتناول سيادة الدولة في ظل عالم متحوّل قد يصبح يوماً ما بلداً واحداً، وما يبرر ذلك انه من احد اهداف قيام الامم المتحدة العام 1945 (السبب الرئيس كان منع الحروب خاصة الكونية منها) ايجاد حكومة عالمية لتوحيد القواعد القانونية المشتركة عبر الاتفاقيات الدولية وخلالها.
أ. مفهوم سيادة الدولة:
  ان السيادة هي السلطة العليا التي لا تحدها اية سلطة من ايه جهة كانت، حيث تنشأ عنها صلاحيات أو اختصاصات الدولة، واتجت آراء الفقه القانوني نحو اعطاء السيادة مفهوماً مطلقاً ونحو جعل صلاحياتها اعلى واسمى من صلاحيات اية مؤسسة أخرى. فالسيادة هي مصدر الصلاحيات التي تستمدها الدولة من القانون الدولي.
ب. أنواع السيادة وآثارها:
  السيادة نوعان: سيادة داخلية حيث تستخدم الدولة كامل سلطاتها لضمان قيامها بوظائفها الني تتعلق بكل ما يجب أن يحمي الدولة وتطورها، وهذه السلطة تمارس على مواطنيها والاجانب (مع بعض الاستثناءات كالاتفاقيات الدولية لتنظيم العلاقات الدبلوماسية، القنصلية، او حتى الامتيازات الاجنبية منها... الخ).
اما سيادة خارجية وهي صلاحيات تمارسها الدولة خارج إقليمها، وتعتبر اقل امتداداً من تلك الصلاحيات التي تتعلق بالسيادة الاقليمية، وذلك اما لأن المكان الذي تمارس فيه هذه الصلاحيات يتعلق اساساً بسيادة اقليمية اخرى، او لأن هذا المكان الذي يعتبر مشتركاً، تجد الدولة نفسها باتجاه منافسة مع دول اخرى تملك الصلاحيات نفسها. وما تجدر الاشارة اليه، أن السيادة الخارجية قد تكون تامة (الدول المستقلة استقلالاً تاماً) وناقصة السيادة (كالدول المحمية).
  ولهذه السيادة المزدوجة آثار على الصعيدين الداخلي والخارجي. داخلياً، لقد اعطى القانون الدولي صلاحيات محددة للدولة في هذا المجال، بحيث تمارس سيادتها على مواطنيها وإقليمها من خلال سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية. اما دولياً، فتبرز من خلال اعتبارات عديدة اهمها أن لكل دولة سيادتها وقراراتها، وعدم تبعيتها لأي دولة اخرى، حيث يمتنع احد عن التدخل بشؤونها (الداخلية خصوصاً) والعكس صحيح.
جـ - مظاهر ممارسة السيادة:
فيما يلي، بعض مظاهر السيادة التي تمارسها الدول، اهمها:
داخلياً:
- وضع دستورها وشكل الحكم فيها.
- سن التشريعات والقوانين والانظمة.
- هيكيلة الدولة وتقسيم سلطاتها واختصاص كل منها.
- وضع قوانين الانتخاب والاحزاب.
- ضبط حدودها البرية والبحرية والجوية وممارسة سياسة الضبط والبوليس عليها.
خارجياً:
- الانضمام الى المنظمات الدولية.
- توقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
- قبول البعثات الدبلوماسية والقنصلية، واعتبارها غير مرغوب فيها حسب اتفاقيتي فيينا للعلاقات الدبلوماسية (1961) والقنصلية (1963)... الخ.
 
دـ- تقييد السيادة:
  في مقابل حق السيادة المطلق (كما يراه بعض الفقه)، توجد بعض القيود الارادية (التي تقوم بها الدولة طواعية) او غير ارادية (تفرض عليها)، واهمها:
- داخلية: وهو تقييد ذاتي من خلال دستور الدولة وقوانينها المرعية الاجراء، حيث يمكن ان يتم استخدامها من قبل دول اخرى للتدخل في شؤونها والضغط عليها، واهم الامثلة على ذلك الشركات والكتل الاقتصادية الكبرى في العالم التي تقوم بتنفيذ التزامات معينة، اذ غالباً ما تعطى هذه الشركات امتيازات كبيرة في عقود التلزيم لا يظهر مداها وخطورتها الا بعد وقوع خلاف بين الدولة والشركات الملتزمة واللجوء الى التحكيم المنوط بالمراكز الدولية كمركزي واشنطن للتحكيم وباريس، واللذين عادة ما يفرضان تعويضات مالية خيالية، وهذا ما حدا بالمشرع المصري الى حصر مهمة التحكيم في عقود نقل التكنولوحيا (على سبيل المثال) بالقانون والقضاء المصريين، بعد معاناة الحكومة المصرية من دفع تعويضات خيالية ارهقت ميزانية الدولة.
- ميثاقية: يجب على الدول القيام بتنفيذ الالتزامات والقرارات الدولية عملاً بميثاق الامم المتحدة الموقعة عليه، فلا يجوز لها مثلا التنصل من قرارات مجلس الامن او الاتفاقيات الجماعية او الثنائية التي قامت بعقدها بإرادتها.
- تكنولوجية: بفضل التقدم التكنولوجي، اصبحت المجالات الاساسية للسيادة الاقليمية مفتوحة ومستباحة، وأصبح الأقوى تكنولوجيا يتمتع بقدرة فائقة على اكتشاف ما يجري عند الآخرين ومعرفة ادق اسرارهم دون استئذانهم، ابرزها على سبيل المثال عمليات التنصت والتقاط الصور بواسطة الاقمار الصناعية. والخطورة في مثل هذه التصرفات لا تكمن في افراغ السيادة من مضمونها او فاعليتها فقط، بل تكمن أيضاً وأساساً في انها لا تعد خرقاً للقانون الدولي العام. 
- اقتصادية: عادة ما تقوم الدول الكبرى بالضغط على الدول الصغيرة للتدخل في أمور تعدّ ضمن شؤونها الداخلية الخالصة عبر المعونات او الهبات الاقتصادية التي تقوم بمنحها لها، وافضل مثال عربي على ذلك الهبات المقدمة من الولايات المتحدة لجمهورية مصر العربية والتهديد الدائم بوقفها حال عدم تنفيذ التوصيات الاميركية.
  كما يشمل التدخل الاقتصادي فرض العقوبات الاقتصادية (العقوبات الدولية على ايران بسبب برنامجها النووي)، وتجميد الارصدة المالية للدول (تجميد اموال ايران من زمن الشاه لدى المصارف الاميركية بسبب الثورة الاسلامية المناهضة لسياستها)، وعدم منح القروض المالية، والقيام بحصار بحري وجوي (حصار الولايات المتحدة لكوبا، وليبيا بسبب حادثة لوكربي).
- دبلوماسية: قيام بعض سفراء الدول الكبرى بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول، مخالفين بدلك المبادئ والاتفاقيات والاعراف الدبلوماسية، وخير مثال يمكن ذكره التدخل المستمر في لبنان من قبل بعض سفراء الدول العظمى والسعي الدؤوب لدى الحكومات المتعاقبة من اجل نزع سلاح المقاومة.
  كما يظهر الضغط من خلال سحب السفراء، وتقديم الاحتجاج لرئيس الدولة او الحكومة (بحسب نظام الحكم فيها).
- انسانية: مع اهتمام الامم المتحدة المتكرر بالمعضلات الداخلية للدول طُرحت فكرة التدخل الانساني الذي أثار جدلاً واسعاً حول مشروعيته وآلياته ومبرراته وعمليات تنفيذه. فالدول الكبرى المسيطرة على مجلس الامن تؤيد مبدأ التدخل، لانه يتيح لها فرصة تحقيق بعض المكاسب من دون التعرض لتهمة التدخل في الشؤون الداخلية للغير، في حين ان الدول الصغرى ترفض المبدأ.
  يؤكد البعض ان مبدأ التدخل الدولي لأغراض انسانية أضحى امراً وارداً، له ما يسوّغه قانوناً، ولكن تجب مراعاة اربعة ضوابط اساسية عند استخدامه، وهي:
أ - اعتبار هذا التدخل استثناء من القاعدة العامة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ب - اعتبار هذا المبدأ آخر البدائل المتاحة، مع الالتزام بان هذا المبدأ لن ينتج آثاراً اكبر واشد خطورة مما لو ترك الامر برمته لعهدة الدولة المعنية.
جـ-  وجوب رفض التدخل من جانب دولة واحدة، او عدد محدود من الدول حتى ولو كان ذلك بدعوى حماية المواطنين او انقاذ الرعايا من مخاطر محتملة.
د - وجوب الاعتماد على المنظمات الدولية او الاقليمية للقيام بتدخل جماعي مدروس ومنظم بعيداً عن الاهواء.
  ان تدخل المجتمع الدولي من خلال الامم المتحدة يحتاج الى سند الحكمة والعدالة والتجرد والى تقييم جماعي مدروس للحالات التي تستدعي مثل هذا التدخل. ومما لا شك فيه ان التزام الدول المبادئ والقوانين الدولية والانسانية المتعلقة بحقوق الانسان يشكل احدى الوسائل المطلوبة للحيلولة دون استغلال هذه المواضيع بغية التدخل في شوؤنها.
 
  في الختام، ان هذه التدخلات بأنواعها تُفرض على الدول الضعيفة والمتوسطة القوة، اذ لا يعقل ان تفرض على الدولة القوية ذات السطوة العسكرية والاقتصادية.
 
المراجع:
- أ.د علي حسين الشامي، الدبلوماسية: نشأتها وتطورها وقواعدها ونظام الحصانات والامتيازات الدبلوماسية، دار العلم للملايين، بيروت – لبنان، الطبعة الثانية، 1994.
- غي آنيل، قانون العلاقات الدولية، ترجمة نور الدين اللباد، مكتبة مدبولي، القاهرة – جمهورية مصر العربية، الطبعة الاولى 1999.
- أ.د محمد المجذوب، القانون الدولي العام، دار الحلبي الحقوقية، بيروت – لبنان، الطبعة الخامسة، 2004.
- أ.د ابراهيم شيحا، الوجيز في النظم السياسية والقانون الدستوري، الدار الجامعية، بيروت – لبنان، 1995.
- شريف عتلم ومحمد ماهر عبد الواحد، موسوعة اتفاقيات القانون الدولي الانساني، اصدار بعثة اللجنة الدولية للصليب الاحمر بالقاهرة، القاهرة – جمهورية مصر العربية، الطبعة الرابعة، 2002.
- Basic Facts about United Nations, United Nations, New York, 2004.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net