Tahawolat

يتناول هذا البحث، مقدمات قيام الحلف الباكستاني- التركي سنة 1954 وردود الفعل الرسمية على الساحة الداخلية اللبنانية، وهو مسار يلقى نفسه فيما يقابله من ردود الفعل الشعبية ومضاعفاتها، نظرًا لانفتاح المكونات الاجتماعية والسياسية اللبنانية على الخارج، قريبًا كان أم بعيدًا، حتى يكاد أي تطور في السياسة الخارجية لا يخلو من انشقاقات داخلية تدفع لبنان في كل مرة نحو المصير المحتوم.
تميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بالاهتمام الأميركي المتنامي في شؤون الشرق الأوسط الذي تحول تدريجيًا إلى تدخل واضح وجد ترجمته في مذهب ترومان سنة 1947، ومشروع الدفاع عن الشرق الأوسط مطلع الخمسينيات، ومن ثم مشروع دالاس سنة 1953، وبتشكيل حلف بغداد سنة 1955 الذي انضمت إليه بريطانيا، وتركيا، وإيران، وباكستان، ورفضته مصر وسوريا بشكل مطلق ووافق عليه العراق من بين كلّ البلدان العربية. وقد وصل الاستقطاب الإقليمي إلى قمّته عندما قبل لبنان علنًا، من بين البلدان العربية، مشروع آيزنهاور سنة 1957، وعلى الرغم من أن السعوديين والأردنيين والعراقيين أَخذوا موقفًا مناهضًا من مشروع آيزنهاور، فإنهم قبلوه ضمنًا، وقد توّجت الولايات المتحدة تدخلها في الشرق الأوسط عسكريًّا سنة 1958، عندما أرسلت على أثر الانقلاب في العراق بتاريخ 14/7/1958، جنود البحرية إلى شواطئ بيروت لاعتقادها بأن المنطقة بأكملها يمكن أن تنهار أمام الزحف السوفياتي إذا انهار لبنان.
       وعلى ذلك، اقترحت الإدارة الأميركية، فكرة حلف دفاع إقليمي عربي يتشكّل من لبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق، بدلًا من نظام دفاع جماعي مشكل من "حلقة خارجية" تستند إلى التعاون بين الدول العربية وبلدان الصفّ الشمالي (تركيا، إيران...)(1).
      وقد بات هذا المشروع أكثر وضوحًا بعد تقديمه للدول العربية بتاريخ 30 تشرين الأول 1951؛ وفي 12 تشرين الثاني 1951، اجتمع المجلس السياسي في جامعة الدول العربية لدرس المعاهدة، فأصرت مصر على رفضها، فيما تريث العراق والأردن، وإزاء هذا التباين في المواقف، تعثر المشروع، وبعد سلسلة من النقاشات توصلت جامعة الدول العربية إلى حل عرف بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، صدّقها البرلمان اللبناني في 23 تشرين الأول سنة 1952(2).
 خلال هذه الأجواء من التخوف، وصلت إدارة الرئيس آيزنهاور إلى السلطة سنة 1953، بهدف تطبيق سياستها الخارجية الجديدة، وقد عرفت باسـم NSC 68، قرار مجلـس الأمن القومي رقم 68، وتتلخص باعتماد سياسة احتواء عالمي للشيوعية، وبسياسة احتواء للاتحاد السوفياتي من خلال الحد من تأثيره على الدول المحيطة به بشكل عام، وعلى الدول النفطية بشكل خاص.
سعيًا لتطبيق هذه السياسة، أوفد الرئيس آيزنهاور وزير خارجيته، دالاس، في جولة إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا في أيار 1953، لتقييم الحالة السياسية، وإعادة إنعاش مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط بقيادة مصر، فاجتمع دالاس بالرئيس عبد الناصر في مصر محاولًا إقناعه بتبني التحالف الإقليمي الذي خطّطت له الولايات المتحدة الأميركية، والمعروف، بمنظمة الدفاع عن الشرق الأوسط، ولكن الرئيس عبد الناصر رفض الفكرة من أساسها معتبرًا أن لا صالح للدول العربية بالانقياد إلى أحد المعسكرين، بل صالحها بأن تبقى على الحياد(3).
لم يبق أمام آيزنهاور بعد فشل إدارته في تحقيق خطط دفاعها الإقليمية، إلا تبنّي نظرية دالاس "الحزام الشمالي"، وذلك من أجل وقف تمدد النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، وترتيب الدفاع عنه من خلال بلدان مثل تركيا، وإيران، وباكستان، التي كانت على الحافة الشمالية للشرق الأوسط الذي يجاور الاتحاد السوفياتي، ومن يرغب بالانضمام إليه لاحقًا من الدول العربية(4).
وبتاريخ 20/3/1954، أذيع بلاغ مشترك في العاصمة الباكستانية كراتشي، وفي أنقره العاصمة التركية في الوقت عينه، يعلن عن الاتفاق بين البلدين على دراسة الوسائل الفعالة لتحقيق الصداقة والتعاون في ميادين السياسة والثقافة والاقتصاد، وقد أشار البيان إلى أن دولة الباكستان التي قامت سنة 1947، ما تزال تسعى إلى تقوية الروابط بين مختلف دول الشرق الأوسط.
بعد إذاعة البلاغ، أبدى جلال بايار، رئيس الجمهورية التركية، استعداده إلى زيارة عدد من الدول لتوسيع نطاق هذا الاتفاق وخصوصًا إيران، وبلدان الشرق الأوسط، بهدف إقامة حلف يعوض عن مشروع الدفاع المشترك سنة 1953.
وقد حرصت الولايات المتحدة، حسب بايار، على التأكيد بأن الحكومة الأميركية، سوف تعمل على تدعيم الحلف الجديد بالأسلحة والعتاد، وتأمل بأن تنضم إليه الدول الشرق أوسطية وخصوصًا العراق(5).
تسرّبت معلومات عن نية العراق بالانضمام إلى الحلف التركي- الباكستاني فور إذاعة البلاغ،، مما أدى إلى موجة استنكارات واسعة في العالم العربي، وإلى مظاهرات احتجاجية نددت بالموقف العراقي، وأدانت سياسة الأحلاف في المنطقة العربية.

ردود الفعل العربية والداخلية:
1- ردود الفعل العربية: (لمحة موجزة لمواقف الدول العربية من إعلان الحلف الباكستاني- التركي للوقوف على توجهات السياسة الخارجية في البلدان العربية).
في ردود الفعل العربية، رأى الرئيس جمال عبد الناصر، أن لا صالح للدول العربية بالانقياد إلى أحد المعسكرين، بل صالحها أن تبقى على الحياد، وتساءل عن صالح الدول العربية بأن تنتمي إلى هذا الحلف أو ذاك؟، وما هي الفائدة التي يمكن أن تجنيها من جرّاء انضمامها؟، "واذا تطلعنا إلى الماضي القريب أو البعيد، فلا نرى للدول الأجنبية في الشرق الأوسط إلاّ تاريخًا حافلًا بالتعدي على حريات شعوب هذه البقعة من الأرض. فمنذ أواسط الجيل التاسع عشر، حتى يومنا هذا، تدخلت بريطانيا في مصر واحتلتها عسكريًا، ثم تدخلت في العراق وشرق الأردن واحتلتهما عسكريًا، وكذلك في فلسطين، ورأينا فرنسا تنهج نفس النهج في سوريا وفي لبنان، وقد رأينا مؤخرًا بعد حرب 1939-1945، أميركا وروسيا وفرنسا وإنكلترا وسواها من الدول تتدخل باسم جمعية الأمم..."(6).
عراقيًا، وفور إعلان البيان، ثار بعض النواب العراقيين في مجلس النواب العراقي احتجاجًا على زيارة السفير التركي إلى رئيس الحكومة العراقية، وأعلنوا مقاومتهم لكل حركة ترمي إلى جرّ العراق إلى أحد التكتلات الدولية.
 كما حذّر الحزب الديمقراطي العراقي، الحكومة العراقية من دخول الحلف؛ ووجه مذكرة إلى رئيس الحكومة العراقية، فاضل الجمالي، يطلب فيها إيضاح موقف الحكومة العراقية من مشروع الحلف، ويشير الحزب إلى غاية هذا المشروع فيقول: "... لقد تبين لدى الرأي العام العراقي بوادر هذا المشروع الاستعماري المبيت للعراق من عقد التحالف العسكري... ومن ازدياد النشاط الدبلوماسي الذي تقوم به مختلف سفارات الدول ذات العلاقة، ومشاركة الحكومة العراقية في هذا النشاط. والشعب العراقي الذي يراقب هذه الأحداث باهتمام بالغ أصبح يشعر بقلق عظيم لسياسة التأييد التي تتبعها حكومتكم تجاه هذا المشروع الاستعماري، ومساهمتها بالنشاط الذي يدور حوله. والشعب العراقي في شعوره هذا لا يزال يواصل مقاومته الشديدة لمشروع الدفاع المشترك في صوره المختلفة، ويرى فيه خطرًا جسيمًا على الحياة العامة، ومستقبل البلاد وقضايا القومية والوطنية، ولا شك سيبذل كل التضحيات في مقاومته لهذا المشروع على اختلاف صوره وأشكاله"(7).
فيما سوريا، كانت متخوفة من أن تقع ضحية العراق وتركيا، وحاولت التدخل مع مصر لتخفيف الحملة ضد الحلف، إنما كانت رافضة له رفضًا مطلقًا.
أما في الأردن، فقد لاقت الفكرة قبولًا، وذلك مقابل مبلغ 22 مليون جنيه إسترليني كانت تدفعها الحكومة البريطانية سنويًّا لخزينتها.
وفي السعودية، فقد جاءت المواقف اللاحقة لتعبر عن رأي المملكة بالأحداث والتحالفات، وكان أهمها كلمة الملك سعود التي عبّر فيها عن سخطه، فرأى، "أن الأمة العربية بأسرها تمتحن اليوم في أعز شيء عليها وهي الجامعة العربية..."، وتوجه إلى الشعوب العربية بالقول: "... إن أحد رجال العرب قد خرج عن إجماع الأمة العربية وإرادة شعوبها وإنه (أي الملك سعود) قد عجز عن إقناعه بمغبته وسوء سياسته، وخطر الخطوة المفزعة التي أقدم عليها، وتحمل من أجل ذلك مسؤولية التاريخ بتعريض البلاد العربية للخطر..."، وخاطب العرب قائلًا لهم: "فيا أيها العرب، هل ترضون بأن تكونوا عبيدًا بعد أن كنتم أحرارًا؟، وهل ترضون أن تكون بلادكم مسرحًا لحرب ضروس؟، وهل ترضون بأن تلتقوا مع الصهيونيين في حلف مشترك وزمالة سلاح، وترغموا على التوقيع على صلح مخزٍ مع اليهود؟، لقد عجز الأعداء عن حملكم على تحقيق هذا الصلح المشين، فسلطوا عليكم بعضًا منكم يرغمونكم على ذلك..."، وختم نداءه بالطلب إلى كل عربي أبيّ أن يقول كلمته، وأن يجاهر بعقيدته، لأن السكوت على الخيانة جريمة و"الرضا بهذا وذاك مشاركة لفاعله في وزره"(8).
فيما رأت الأحزاب العربية الاشتراكية(9)، أن الدول الكبرى تبذل جهودًا مستمرة لحمل البلدان العربية على عقد تحالفات عسكرية معها، وتستعمل مختلف أساليب الدعاية والتشويق والضغط لإجبار هذه الدول على توقيع المعاهدات الثنائية وغير الثنائية، "لكن معارضة الفئات الشعبية الصاخبة وحملات الصحف والرأي العام العنيفة تمكنت من إحباط هذا المشروع..."، وأن المساعي "المثيرة المبيتة"، التي تهدد حياد البلاد العربية واستقلالها ومصالحها دفعت هذه الأحزاب للتشاور وتوحيد مواقفهم ونضالهم ضد الأخطار "... المحيقة بأوطانهم... واتفقوا على بذل المساعي الجدية، وتوحيد الجهود في الأقطار العربية للحؤول دون ربطها بالأحلاف الغربية..."، وأضافت، إن بريطانيا وأميركا تضغطان على العراق وسوريا ضغطًا قويًا لضمهما إلى الاتفاق الباكستاني- التركي، وإن أميركا عرضت على لبنان مشروع حلف عسكري تنال بموجبه قواعد عسكرية وامتيازات متنوعة لقاء بعض المساعدات، "ولاحظت من جهة أخرى أن الدول الغربية تحث إسرائيل على القيام بمناورات عسكرية على الحدود اللبنانية- السورية-الأردنية لتخويف حكومات بيروت ودمشق وعمّان ودفعها إلى التعاقد مع الغرب وطلب معونته لرد الخطر الصهيوني"(10).
ولتخفيف الاحتقان، أدلى السفير أحمد الراوي، سفير العراق في لبنان، بتاريخ 24/3/1954، بسلسلة من الإجابات ردًا على أسئلة كانت قد وجهت إليه بشأن موقف العراق من الحلف التركي- الباكستاني، فاعتبر أنه من المؤسف أن تتناول بعض الصحف هذا الموضوع بطريقة بعيدة عن الحقيقة وعن المصلحة العامة، وأكد أن الحكومة العراقية أعلنت بشخص رئيسها مرات عدة بأنها لم تدع للانضمام إلى الحلف، كما لم تفكر في الانضمام إليه، ولديها من الجرأة لإعلان ذلك في حال قررت الانضمام، "وتخبر شقيقاتها العربيات"، ولفت النظر إلى تصريحات رئيس الحكومة العراقية، حول هذا الموضوع، وهي: "صريحة واضحة، لا لبس فيها ولا إبهام"(11).
لبنانيًا، انتهج لبنان لنفسه سياسة خارجية عربية مستوحاة من ميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق الأمم المتحدة، وراح يلعب دور الوسيط -والوسيط المخلص- في جمع شتات جاراته الدول العربية، ممهدًا السبل ومذللًا العقبات التي نشأت عن اختلاف مصالح هذه الدول، خصوصًا أن هذه الدول المتشابكة المصالح والأهداف والنوايا، كتب لها أن تظل ترزح تحت نير التفرقة والانشقاق(12)، لكن البعض شكك في موقف لبنان الرسمي، واعتبره رماديًا ومشجعًا لسياسة الأحلاف في المنطقة.


2- ردود الفعل الداخلية:
جاءت أولى ردود الفعل من النائب كمال جنبلاط، في مجلة الأنباء، إذ رأى أن السياسة الأنكلو- أميركية، نجحت بأن ضمت إلى فلكها الدفاعي الدولة الباكستانية، وأن هذا الاتفاق ليس مفاجأة في السياسة الدولية، بل هو ثمرة تدخل مستمر منذ سنة 1947، حيث باشرت به إنكلترا عندما بدأت مصر تتحرك مطالبة بسيادتها على قناة السويس، لكن قبول باكستان بالانضمام إلى المعسكر الغربي، لم يحصل مجانًا، بل لقاء تعهد أميركي بتقديم المساعدات المختلفة، بينها المساعدة العسكرية(13).
كما تحرك الطلاب القوميون العرب في الجامعة الأميركية، فأصدروا بيانًا، في 25/3/1954، نددوا فيه بالحلف، معتبرينه عملية تكبيلية للعرب في حلف عسكري لا يخدم سوى مصالح إسرائيل والاستعمار الغربي، ورافق هذا الموقف دعوة من جمعية العروة الوثقى في الجامعة للتظاهر بتاريخ 27/3/1954، احتجاجًا على انضمام العراق إلى محور أنقره باكستان(14). 
أمام هذا الواقع، اجتمع مجلس الوزراء(15) بتاريخ 25/3/1954، لإيجاد حلّ للتظاهرة التي قررها طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، وأثناء دخوله إلى الجلسة، صرّح وزير الداخلية، بأن المفاوضات بين الوزارة والطلاب لإنهاء التظاهرة "بصورة حبيّة"، لم تصل إلى أي نتيجة، وأن مجلس الوزراء سيتخذ قراره بالموضوع، وبعد سلسلة من المناقشات المستفيضة، وفي نهاية الجلسة، تم استدعاء مدير الشرطة، صلاح اللبابيدي، وكلّف إبلاغ الطلاب بقرار مجلس الوزراء الذي يقضي بمنع التظاهر؛ وكلف أيضًا، أن يعرض على الطلاب اقتراحًا يقضي بالسماح لوفد يمثلهم بتقديم الاحتجاج الذي يريدون تقديمه إلى المسؤولين في السراي للتعويض عن قرار منع التظاهرة، وذلك في محاولة لإرضاء الطلاب؛ فانتقل اللبابيدي بعدها إلى الجامعة الأميركية، حيث عرض مقررات مجلس الوزراء على الطلاب الذين رفضوها وأصروا على القيام بالتظاهرة(16).
فور عودة الوزير هراوي إلى وزارة الداخلية، وتبلغه رفض الطلاب لقرار مجلس الوزراء، أصدر قرارًا بمنع التظاهرة، وأتبعه ببلاغ تم تعميمه فورًا على المواطنين، وقد جاء في البلاغ: "اتصل بهذه الوزارة أن دعوة وجهت إلى التظاهر يوم السبت الموافق 27 آذار الجاري، احتجاجًا على شائعة انضمام العراق إلى محور أنقرة- كراتشي، تذكّر الحكومة الأهلين لهذه المناسبة بأن التظاهرات والاجتماعات العامة في الشوارع ممنوعة منعًا باتًا، وأن كل من يدعو إليها أو يشترك فيها يتعرض للملاحقة القانونية"، وأدلى وزير الداخلية، باسم الحكومة، بتصريح بأنه لن يسمح بالقيام بأي تظاهرة تسيء إلى علاقات الحكومة بأكثر الدول صداقة مع لبنان(17).
لم يمتثل الطلاب لنداءات الحكومة، فتحركوا، بتاريخ 27/3/1954، داخل الجامعة الأميركية، وحاولوا عدة مرات الخروج إلى الشارع لاستكمال التظاهرة، فأقفل رجال الأمن المداخل والمخارج إلى الجامعة، مما جعل الطلاب يقدمون على خلع الباب الخارجي والاندفاع خارج حرم الجامعة؛ ومع هذا التطور، وقع الصدام بين الطلاب وقوى الأمن، فأسفر عن مقتل الطالب...، لبناني من الشوف، عمره 20 سنة، وإصابة مصطفى علي نصرالله، لبناني من مرجعيون، عمره 19 سنة، بإصابات حرجة، وسقوط عدد من الجرحى(18) بلغوا نحو أربعين جريحًا عرف منهم: هشام فؤاد رحمه، هشام أدهم، خليل إبراهيم بيدس، جمال عبد الفتاح حدج، مصطفى علي مرتضى، هاروت أونيك كشيشيان، محمود إبراهيم، عاطف سنّو، سمير حركة، يوسف بعذران، عصام يقطين، رمزي دلول، جوزف قزي، حيدر كالوتي، أديب باسيل، عدنان معلوف، زكريا عبد الرحيم، أديب ياسين، صالح أحمد، رمزي صفير، وحسن حسن، وفتاة أصيبت في صدرها، إلى جانب ما يقارب عشرين طالبًا آخرين إصابات طفيفة(19).
فيما بلغ عدد المعتقلين من الطلاب في حينه 30 طالبًا وهم: سليم حنش، لويس أبو زيد، مصطفى مرتضى، محمد إبراهيم، هاني رمضان، أنور الخليل، نبيه سعد، أسامة عقيقي، محمود حسين، مجيد عتمة، سهيل حداد، نجيب حبيقة، محمود بغدادي، علي غدّار، محمد سماقية، مكرم الرامي، إبراهيم قريطم، أحمد فانس، سهيل الحاج، سهيل حماده، محمد سهلي، موسى الدجاني، أديب قعوار، لطفي الأطرش، غازي غازي، أحمد أبو زريبه، فوزات حافظ، فايز غصن، مخايل ألوز، وأسعد ذبيان(20).
لتبرير الحادث، أذاعت الحكومة بتاريخ 28/3/1954، بلاغًا مطولًا نتيجة للتحقيق الأولي، استعرضت فيه ما سبق تظاهرة الطلاب من اتصالات ومساع لإقناعهم بإرسال وفد لإبلاغ وجهة نظرهم إلى الحكومة، وفصّل البيان كيف وقع الاصطدام؛ وأنهى، بأن التدابير اتخذت للمحافظة على الأمن، وأن القضاء تسلّم التحقيق لتحديد المسؤوليات، وفيما يلي نص البلاغ الحكومي:
1-إن عدد المشبوهين الغرباء عن الجامعة الأميركية يقارب الـ150 شخصًا، كانوا قد تسربوا إلى داخل الجامعة، واشتركوا في التظاهرة، "وقد أثبتت هذا الأمر إدارة الجامعة نفسها".
2-إن الرصاصة التي استخرجت من فخذ الطالب أديب ياسين، "هي من عيار 11 مليمتر"، والقوى الأمنية لا تملك هذا النوع من السلاح.
3-إن إصابة الطالب...، كانت بطريقة غير مباشرة (شظية رصاصة)، "وقد أثبتت ذلك لجنة الأطباء... وكان في عداد أعضاء هذه اللجنة طبيب منتدب من قبل أهل القتيل". 
4-ظهور أثر لطلق ناري على العامود الكهربائي الذي قتل جنبه الطالب...، "يرجح أن شظية هي التي أصابت المغدور بصورة غير مباشرة، وأن هذا الأثر متجه من الجهة الجنوبية التي كانت خالية تمامًا من قوى الأمن".
5-إن الرصاصة التي أصيب بها الطالب مصطفى نصرالله، دخلت من كتفه، واتجاهها عامودي من أعلى إلى أسفل، "الأمر الذي يستدل منه أن الرصاصة أطلقت إما من أحد سطوح بنايات الجامعة أو من خلافها"(21).
كما اتخذت الحكومة قرارًا بتكليف القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة(22).
عملًا بتكليف مجلس الوزراء، توجه بتاريخ 29/3/1954، مدعي عام الاستئناف، جورج نجيم، والمستنطق عبدالله سلامة، برفقة أحد خبراء السلاح في الجيش اللبناني إلى الجامعة الأميركية، حيث أجروا كشفًا على الأماكن المضررة جرّاء الرصاص، ونتيجة الكشف قرر المدعي العام تحميل جمعية العروة الوثقى مسؤولية الحادث(23)، ثم أصدر مذكرات توقيف بحق عدد من الطلبة الموقفين، ونقلوا فور صدور المذكرات من سجن النظارة إلى سجن الرمل، وهم: لويس أبو زيد (رئيس مجلس الطلبة)، مكرم الرامي، سهيل حداد، لطفي الأطرش، نبيه سعد، سهيل حماده، محمد سهلي، أسعد ذبيان، فوزات حافظ، أسامة عقيقي، محمود حسين، إبراهيم قريطم، وهاني رمضان(24).
أمام توتر الأوضاع بين الحكومة وعدد من النواب الذين أخذوا يطالبون بإسقاط الحكومة، دعا رئيس الحكومة، عبدالله اليافي، بتاريخ 29/3/1954، لعقد اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، وذلك، لبحث الحالة الطارئة التي وقعت بها البلاد، ودرس موقفها الذي ستدلي به في جلسة مجلس النواب المقرر انعقادها بتاريخ 30/3/1954، وفي نهاية الجلسة، أقرت الحكومة مناقشة استجواب النائب كامل الأسعد، وسؤال النائب كمال جنبلاط؛ فطلب الرئيس اليافي من وزير الداخلية، جورج هراوي، أن يتحمل مسؤوليته في هذا المجال، وتقرر أن يعّد وزير الداخلية بيانًا يوضح فيه النقاط التي ستبرر فيها الحكومة موقفها من الحوادث الأخيرة، كما اتخذت قرارًا بإقفال الجامعة الأميركية لمدة أسبوع "ريثما تهدأ الخواطر"(25).
وبسبب تعليق الدروس في الجامعة الأميركية من قبل الحكومة، دعت إدارة الجامعة، بتاريخ 30/3/1954، إلى مؤتمر صحفي، وزع في أثنائه بيان تضمن تفاصيل ما جرى قبل التظاهرة وأثناءها وبعدها، وموقف الجامعة من الحادث من جهة، وموقفها من قرار الحكومة من جهة ثانية. 
افتتح المؤتمر الدكتور قسطنطين زريق، رئيس الجامعة بالوكالة، بكلمة استنكر فيها تظاهرة طلاب الجامعة، مؤكدًا أن إدارة الجامعة أكدت على طلابها وجوب متابعة دروسهم وعدم القيام بالتظاهرة، لكنها فشلت في ذلك كون قانون الجامعة لا يمنع التظاهر، ويخول الطلاب حرية الفكر، وسجل أسفه الشديد للأساليب التي اتبعتها الحكومة في قمع التظاهرة، وأشار إلى أن الطالب... لم يكن من طلاب الجامعة الأميركية، ولم يقتل على أرضها، أو على مقربة منها، وطالب الحكومة بأن تبوح بالحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. 
وقد جاء في  البيان:
1- إن الجامعة الأميركية في بيروت مؤسسة تربوية، أنشئت "لتثقيف العقول وتهذيب النفوس والتقدم الاجتماعي"، وإنها مؤسسة خاصة تخضع للقوانين اللبنانية، وهي تشجع حرية الفكر السياسي والاجتماعي والديني داخل حرمها قولًا وعملًا، شرط أن يتقيدوا بما يلي:
- ألا يتعارض نشاط الطلاب مع الغاية التي دخلوا من أجلها إلى الجامعة.
- ألا يعرقل نشاطهم البرامج الدراسية داخل الجامعة أو الحد منه.
- ألا يحد نشاطهم من حرية الطلاب الآخرين داخل الجامعة، وألا تستعمل القوة أو الإكراه أو التهديد أو الإرهاب.
وأشار إلى أن هذا البيان الذي يوضح سياسة الجامعة، مطبوع في مفكرة الطالب التي يتسلمها من الجامعة عند قبوله فيها.
2- إن الجامعة الأميركية فور تسلمها كتاب وزير الداخلية بمنع التظاهرة طبعت نحو خمسين نسخة من الكتاب، وأرفقتها بالبيان التالي: "... أوجه أنظار جميع الطلاب إلى الكتاب التالي من وزير الداخلية والبلاغ الملحق به، وأحث الطلاب على الاهتمام الجدي بمضمون الكتاب والبلاغ، والتنبه إلى عواقب مخالفة قرار الحكومة بمنع هذا النوع من الاحتجاج، وإلى أن تبعة كل مخالفة تقع على عاتق صاحبها..."(26).
وأكد البيان على أن رئيس الجامعة بالوكالة والأساتذة، قاموا بنصح الطلاب وإرشادهم وتحذيرهم من مغبة مخالفتهم قرار الحكومة وإحراج الجامعة، كما أكد على أن الجامعة، بذلت كل ما تملك للحيلولة دون القيام بالتظاهرة، وذكّر البيان، الحكومة، عندما أصدرت الجامعة في مظاهرة سابقة قرارًا بفصل عدد من الطلاب حفاظًا على النظام وعلى كرامتها كمعهد علمي، وبرًا بوعدها للحكومة؛ ولكن الحكومة، "... لم تبعد أحدًا، ولم تحل أحدًا كما صرحت، بل سعت لحمل إدارة الجامعة على إرجاع الطلاب الذين فصلوا..."، لذلك، "... فالجامعة ترى أنها في ظل سياستها العامة... وعلى ضوء تجربتها، قد قامت بواجبها في إعلان قرار الحكومة وتنبيه الطلاب للتقييد به، وتحذيرهم من عواقب مخالفته، وتحميلهم مسؤولية عملهم".
3- إصرار الجامعة على ضرورة إجراء تحقيق قضائي كامل، على أن يشمل التحقيق جميع "... الأدلة وشهادات شهود العيان، ودراسة مواقع الرصاص وآثاره واتجاهاته في المباني والأشجار والأعمدة".
واستغربت إدارة الجامعة قرار الحكومة بوقف الدروس في الجامعة لمدة أسبوع، واعتبرته أمرًا لا مثيل أو سابقة له في تاريخ الجامعة منذ أكثر من 88 سنة، "... إذا استثنينا مرة واحدة قضت -لمدة قصيرة- بها الضرورات الدبلوماسية في الحرب العالمية الأولى..."، كما استغربت أن تلجأ الحكومة إلى ذلك القرار دون الأخذ برأي الجامعة، إلاّ لتبليغ القرار، مما دفعها إلى اتخاذ قرار بتقديم عطلة الربيع، وتعطيل الجامعة لمدة أسبوعين(27) رغبة منها في العمل على تهدئة النفوس، والمحافظة على أرواح الشباب وسلامتهم(28).
نيابيًا، شاءت الظروف، أن يكون رئيس مجلس النواب، عادل عسيران، قد دعا في وقت سابق، لانعقاد مجلس النواب في جلسته الخامسة، من العقد العادي الأول، في الساعة العاشرة، من قبل ظهر يوم الثلاثاء الواقع في 30 آذار سنة 1954، أي بعد مرور ثلاثة أيام على مظاهرة طلاب الجامعة الأميركية. وفي الساعة والتاريخ المحددين، افتتح الرئيس الجلسة، بغياب كل من النواب، إميل البستاني، رؤوف حنا، مارون كنعان؛ واعتذار، يوسف الزين، وموسيس دركالوسيان. وتمثلت الحكومة في الجلسة، بشخص الرئيس عبدالله اليافي، والوزراء: ألفرد نقاش، جبرائيل المر، رشيد كرامي، كاظم الخليل، نقولا سالم، جورج هراوي، ووزير الداخلية؛ وبغياب الأمير مجيد أرسلان، وزير الدفاع الوطني(29).
بعد افتتاح الجلسة، طلب الرئيس، عادل عسيران، تلاوة الأوراق الورادة إلى المجلس النيابي، فكان من الطبيعي أن يكون بينها عدد من الأسئلة المتعلقة بالأحداث التي حصلت في بيروت، بتاريخ 27/3/1954، وكان أهمها، الأسئلة المقدمة من النائبين كمال جنبلاط، وأحمد الأسعد، والاستجواب المقدم من النائب كامل الأسعد(30).
ولم يكد كاتب المجلس من الانتهاء من تلاوة الأوراق الواردة، حتى استأذن، النائب عبدالله الحاج الكلام، وسأل رئيس المجلس بحصر النقاش بالأحداث الأخيرة، نظرًا لأهميتها، والتي "اهتز لها الرأي العام"، كما ذكر، وطالب بتقديم استجواب النائب كمال جنبلاط على المواضيع كافة، واعتباره بندًا وحيدًا في الجلسة(31).
عمّ السكوت في القاعة بعد طلب النائب عبدالله الحاج، وشطت الأنظار باتجاه رئيس المجلس، فردّ الرئيس عسيران على السؤال، بسؤال، استشار فيه المجلس إذا كان يريد أن يحصر البحث في الموضوع المتعلق في قضية التظاهرة الأخيرة، على أن تؤجل بقية الأسئلة والأجوبة إلى الجلسة القادمة(32).
بعد موافقة المجلس، طلب النائب غسان تويني الكلام، وسأل الحكومة عن الطريقة التي ترغب أن تجري فيها المناقشة، كما سأل التويني، الرئيس عبدالله اليافي، إذا ما كانت الحكومة جاهزة، وإذا كانت ستتقدم ببيانها أولًا، بصدد الحوادث، أم يتكلم النواب ثم ترد الحكومة على النواب، فقاطع الرئيس اليافي، النائب غسان التويني، بقوله: "الحكومة حاضرة ومستعدة"(33).
عند ذلك، وبعد حصر النقاش باستجواب النائب كمال جنبلاط، قال الرئيس عسيران، "إن الطريقة الفضلى هي أن تتقدم الحكومة ببيانها أولًا، وبعد ذلك يتكلم الراغبون في الكلام، ومن ثم ترد الحكومة عليهم"، وشدد على النواب أن يحافظوا على النظام، ويناقشوا الموضوع على الصعيد العام لا على الصعيد الشخصي، وأن يبحثوه بطريقة برلمانية، وبشكل لا يثير الأعصاب، و"أرجو أن يكونوا أثناء البحث القدوة الصالحة لهذا الوطن"، وبعد الانتهاء من كلمته، أعطى الكلام للحكومة ممثلة بوزير الداخلية، جورج هراوي، للإدلاء ببيانها عن الأحداث(34).
اعتلى وزير الداخلية المنبر، وأخذ بشرح تفاصيل الحادث، منذ تلقي وزارة الداخلية إشعار مديرية الأمن العام، بتاريخ 22/3/1954، حتى نهاية النهار الدامي بتاريخ 27/3/1954، وفي تفاصيل الحادث الذي حصل مع طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، نهار السبت في 27 آذار 1954، أشار إلى أن دوائر الأمن العام، أشعرت وزارة الداخلية نهار الاثنين في 22 آذار، أن جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأميركية، عقدت نهار الأحد، بتاريخ 21 آذار، اجتماعًا برئاسة الطالب السوري، تابت المهايني، للبحث بانضمام العراق إلى الحلف الباكستاني- التركي، ونتيجة البحث، اقترح بعض الحاضرين إرسال برقيات معارضة لهذا الحلف، لكن هذه الاقتراحات سقطت بعد أن جوبهت بمعارضة شديدة، وبسبب الاختلاف، تقرر إرجاء البحث إلى اليوم التالي(35).
وأضاف وزير الداخلية، أنه بتاريخ 23 آذار، تلقت الوزارة إشعارًا آخر، مفاده، أن الجمعية، عقدت اجتماعها الثاني وتابعت النقاش في الموضوع عينه، وقررت التظاهر يوم السبت الواقع فيه 27/3/1954، الساعة الثانية عشرة ظهرًا، واتفق على توجيه دعوات لجميع الهيئات الطلابية للمشاركة في التظاهرة، وقد تم توكيل أمر تنظيم التظاهرة إلى لجنة خاصة من الطلاب. وفي اليوم نفسه، حضر شخص له صلة بالطلاب، وأبلغه، أن بعض الطلاب ممن يريدون التظاهر سيأتون لمقابلته، وقد أبدى استعداده لذلك، وقام بانتظارهم من يوم الثلاثاء حتى نهار الخميس دون أن يحضر أحد منهم.
وفي اليوم التالي، بتاريخ 24/3/1954، أذاع الطلاب بيانًا على زملائهم يشددون فيه على أن يوم السبت، هو يومهم، وأن التظاهرة يجب أن تكون كبيرة تعبر عن رفضهم للاستعمار وضد حكام العراق الخونة(36).
أمام هذه التطورات الدراماتيكية، -تابع وزير الداخلية- دعا رئيس الحكومة، مجلس الوزراء للانعقاد بتاريخ 25/3/1954، عند المساء للوقوف على آخر المستجدات، وبعد سلسلة من النقاشات، وبما أن القوانين تمنع أية تظاهرة، وتمنع إهانة أية دولة صديقة وشقيقة، قرر مجلس الوزراء منع التظاهرة، وبناء لهذا القرار، أصدرت وزارة الداخلية بلاغًا عُمّم على الجامعات كافة، وقد جاء فيه أن المظاهرات ممنوعة منعًا باتًا. وأن الحكومة ستعاقب المخالفين اللبنانيين بموجب القوانين النافذة، وستعمل على إبعاد كل من ليس لبنانيًا خارج البلاد(37).
جاءت إجراءات الحكومة لتدفع بالمنظمين للإضراب إلى طلب مقابلة وزير الداخلية، وفي الساعة التاسعة والنصف من نهار الجمعة الواقع فيه 26/3/1954، حضر إلى مكتب الوزير، أربعة من الطلاب وعلى رأسهم الطالب السوري، تابت المهايني، وفي الاجتماع، حاول الوزير ملاطفتهم لثنيهم عن التظاهر، فجاء ردّ الطلاب حسب بيان الوزير: "قررنا القيام بالتظاهرة... عيّنا هذا اليوم بالذات وقررنا التظاهر في عهد حكومة يرأسها عبدالله اليافي، ولقد تظاهرنا في عهد العويني وسلام وغيرهم". وقال تابت المهايني، "إن الحكومة تجعلنا مضطرين لنمد أيدينا إلى أي عنصر كان لنعبّر عن رأينا".
فابتسم -الوزير- وقلت له: "هذا إنذار، هذا (Ultimatum)، ثم قلت لهم إني أكلمكم كوزير داخلية، ولا يمكن تسليم الشارع لأحد، ولا يمكن للحكومة إلا المحافظة على الشارع، إذا أراد الجمهور المتجمع أن يعبّر عن رأيه لا يمكن لأحد أن يمنعه، وهكذا خرجوا، وهكذا أخذنا الاحتياطات"(38).
وفي اليوم المحدد، تجمع الطلبة داخل الكلية الأميركية الساعة الحادية عشرة، وأخذوا يهتفون هتافات متنوعة، ثم تقدموا نحو الباب للخروج إلى الشارع، لكنهم تراجعوا بفعل سيارات الإطفاء، فعادوا ليتجمهروا وفي أيديهم مقاعد خشبية ليقوا خراطيم المياه، وهاجموا الباب دفعة واحدة، واندفعوا إلى الخارج، فأطلقت العيارات النارية في هذه الساعة بالذات وحصل ما حصل(39).
جاءت الإصابات بين الطلاب، وحسب بيان الحكومة، على الشكل التالي: جرحى، عدنان المعلوف، هشام أدهم، ومصطفى نصرالله(40)، والطالب...، قتل في شارع المكحول(41).
 أما إصابات القوى الأمنية فكانت عريفين وأربعة عشر دركيًا وتسعة من الشرطة. وأكد وزير الداخلية في نهاية كلمته أن الحكومة متضامنة باتخاذها هذه التدابير، وكان عليها أن تواجه أحد أمرين: إما أن تترك الشـارع للفوضى أو أن تحافظ على الأمـن(42).
لم يكد وزير الداخلية ينهي كلمته حتى اشتعل المجلس النيابي بين مؤيد لبيان الحكومة، ومعارض له، وكان على رأس المعارضين النائبين كمال جنبلاط، وأحمد الأسعد، فلم يتمكن رئيس المجلس النيابي من إعادة النظام إلى القاعة إلاّ بإعطاء الكلمة للنائب أحمد الأسعد.
ردّ النائب أحمد الأسعد على بيان الحكومة، بعنف، واصفًا الحادث بأنه "مجزرة الطلاب"، واعتبر أن بيان وزير الداخلية محشو بالمؤامرات، يتهم فيه الطلاب ويبرر عمل الحكومة في إطلاقها النار، ويصوّر القضية على أنها قضية شغب، ورأى الأسعد أن الواقع هو الواقع، ولا يمكن للبيان أن يغير من الحقيقة في شيء، واتهم رئيس الوزراء واعتبره المسؤول الحقيقي كونه يوجه سياسة الحكومة،"... لذلك فإني أسأله ما هي الحكمة في تلك الملحمة الدامية مع طلاب هم زهرة شباب هذا البلد. وإن كان بينهم غير لبنانيين... أشغلت نفسك وحكومتك بحربهم بدلًا من محاربة الجناة والعصاة واتخاذك التدابير اللازمة حيال ما يقوم به العدو على الحدود من تجمعات عدائية..."، وأضاف الأسعد، إن الدستور اللبناني يسمح بحرية الاجتماع والتظاهر، ويضمن الحريات العامة، ولبنان بطبيعته حصن للحريات وملجأ لمن يحرم حق التعبير عن رأيه، "... فجاء رئيس الحكومة ليطلق الرصاص على الطلبة وقتلهم في لبنان بلد النور والإشعاع"(43).
وتابع النائب أحمد الأسعد كلامه بنبرة مرتفعة موجهًا كلامه إلى رئيس الحكومة، "... لكن بلوتنا بك أنك تلبس ثوب الزهد والتقشف، وكان ولا يزال مرورك على السراي شؤمًا على هذا البلد، ووبالًا على سياسته الاقتصادية والإدارية، إذ جعلت أنت من الحكم أداة لاضطهاد أخصامك، ووسيلة لاستخدام مرافق الدولة حسب رغائبك الشخصية، وها أن تصريحاتك المتناقضة... تدل على عدم اتزانك وعدم استطاعتك للحكم"، فقاطعه رئيس المجلس النيابي، طالبًا المحافظة على كرامة الوزراء وعدم تخطي حدود الموضوع(44).
فيما استغرب الأسعد، التصريحات التي صدرت عن رئيس الحكومة في أحداث سابقة(45)، وخصوصًا أنها صادرة عن دكتور في الحقوق، واتخذها من جملة الأدلة على عدم اتزانه، والتي أدت إلى الحادث الأخير، "... أيها السادة، إن رئيس الوزارة يريد أن تكون السلطة حسب إرادته وإرادة أزلامه ولو لم يكن ذلك بإرادة القانون..."، وانتهى إلى دعوة رئيس الحكومة لتقديم استقالة حكومته، "... إن الضحايا التي وقعت في مجازرك والشعب أجمع عرفك فماذا تنتظر لتستقيل. إن لبنان قال فيك كلمته فيجب أن تتوارى عن المسرح السياسي لمصلحة الوطن لأن مصلحة الجماعة لا تضحى بمصلحة الفرد إذا كان بقاؤك في الحكم مصلحة لك"(46).
أما النائب غسان التويني، فقد استغرب كلمة وزير الداخلية "لا يمكن تسليم الشارع لأحد"، وطرح مجموعة من التساؤلات، "هل يكون الشارع ملك وزير الداخلية وملك الحكومة... ومتى تحرص الحكومة ومتى لا تحرص على المحافظة على الشارع أو على النظام في الشارع؟..."، وسأل التويني، الوزير هراوي، إذا ما كان قد سمع  بالمادة 13 من الدستور، التي تكفل التجمع والتظاهر؟، وأضاف، "... لماذا لا يتظاهر الطلاب، وماذا يحدث لو تظاهر الطلاب، هل كان يمكن أن يحدث من التظاهر ضرر أكثر من الذي حدث من قمعه؟، ألم يتظاهر الطلاب في مناسبة أهم من هذه؟، ألم يتظاهروا ضد المستر دالاس ولم يحدث شيء ولم يقع لا قتلى ولا جرحى؟..."، وتابع التويني مستغربًا بيان الوزير الذي أراد فيه أن يصور الطلاب على أنهم عصابة تعمل على تخريب البلاد، وأن هناك عناصر شغب دخلت على خط التظاهر، وأضاف، "... من هي هذه العناصر، واحد اثنان ثلاثة سموهم؟، نريد أن نفهم من هم لماذا لم تُلق عناصر الشغب في السجن؟، إن الحكومة لم تقل لنا ولا مرة من هي عناصر الشغب هذه... فلماذا لم تقبض عليها قبل التظاهرة؟، لماذا انتظرت الحكومة أن تندس عناصر الشغب بين الطلاب؟،... ولماذا لم تحاكم؟"، وأنهى التويني كلامه باقتراح تأليف لجنة تحقيق برلمانية تكون لها صلاحيات واسعة تصل إلى أساس الوقائع والمعطيات وتجمع المعلومات من كل مكان وتحدد من هو المسؤول عن الحوادث، على أن يشمل التحقيق الطلاب، والجرحى من الدركيين، والجرحى من الطلاب، والحكومة نفسها، والجامعة، وكل من له علاقة بالموضوع(47).
ضم النائب حميد فرنجية صوته إلى صوت النائب تويني مؤكدًا على ضرورة تأليف لجنة عليا للتحقيق لتحديد المسؤوليات ومعرفة من الذي أعطى الأوامر بإطلاق النار، واقترح أن تخولها صلاحياتها التحقيق حتى مع "رجال التحقيق أنفسهم"، وبدأ كلمته بسؤال نفسه، إذا ما كان للتلامذة الحق في التظاهرة؟، وأجاب مستطردًا "نعم، ولكن ضمن القوانين المرعية"، وأكد أن القضية ليست قضية تظاهر بل قضية قمع التظاهر، وطلب من وزير الداخلية "... تحديد اسم من أعطى الأمر بإطلاق النار... ولماذا أعطي هذا الأمر؟..."، وسأل، "... هل يجوز في تلك الحالة لأي كان من أفراد الأمن أن يفسر القانون كما يريد ويعطي الأمر بإطلاق النار؟..."، وأنهى كلامه برفض كلام وزير الداخلية على أن الرصاص الذي أصاب الطالب... من خارج رصاص قوى الأمن(48).
بعد كلمة النائب حميد فرنجية، أعطى رئيس المجلس الكلمة للنائب كمال جنبلاط، الذي ردّ على بيان الحكومة بكلمة فاقت المتوقع، فاستهل كلامه بنبرة حادة ولهجة عنيفة، معتبرًا أنه لم يرَ في حياته السياسية ما رآه من وزير الداخلية ورئيس الوزراء، ولم يشهد في حياته أبشع من الجريمة التي اقترفت، ولم يسمع لا في إسرائيل ولا في مدغشقر رجلًا أرسل "الدرك دركه" فقتلوا الطلاب، ورفسوهم بأرجلهم، وكسروا باب الجامعة، ثم يقولون: "لسنا مسؤولين"، وقال: "... أن يكون للرجل الجرأة المعنوية فيقول أنا المسؤول فيجب عندها أن يستقيل وهذا ما يقضي به الشرف والضمير واللعبة البرلمانية..." وأضاف: "... أنتم كالرجل الذي أرسل السيد المسيح إلى الموت وغسل يديه... أنتم بلاطسيون..."، واعتبر أن الطلاب تظاهروا ضد الاستعمار والصهيونية، وأن الحلف الباكستاني- التركي مرتبط بحلف الدفاع المشترك الذي يسعى لربط الدول العربية بعجلة الاستعمار والصهيونية، وأن القصد من التظاهر كان تأييد الحركات الشعبية وتحرير الشعوب من الاستعمار، فإما أن تكون الحكومة مع المستعمرين والصهاينة، وإما لا، وهاجم الحكومـة متهمًا إياها بالطغيان والاحتقار والإجرام ومساندة الاسـتعمار والصهيونية، "... أما قضية بيت النجادة حيث اجتمع ممثلو الأحزاب... لاستنكار المشاريع الاستعمارية... ألقيت القنابل على بيت النجادة بتحريض وعلم رئيس الوزراء هذا...".
عندها وقف رئيس الوزراء وضرب بكلتا يديه على الطاولة مجيبًا السيد كمال جنبلاط بصوت عال، وبكلام لم يستطع تدوينه بسبب "الجلبة" التي حصلت على أثره، حيث "وقف النائب كمال جنبلاط، وقذف رئيس الحكومة بكوب ماء كان أمامه، ناحية مقعد رئاسة الوزراء، وترك على الأثر مقعده الخاص، متجهًا ناحية مقاعد الحكومة. وتدخل عندئذ حضرات النواب واقفين بين رئيس الحكومة والنائب، وعلى الأثر رفع حضرة الرئيس الجلسة"(49).
وفور الانتهاء من الجلسة، توجه الرئيس اليافي إلى القصر الجمهوري، فاجتمع إلى رئيس الجمهورية مطولًا، استدعي بعدها، وزراء، الداخلية، والأشغال العامة، والزراعة إلى القصر، وتم عقد اجتماع عرض فيه الموقف على ضوء ما حصل في مجلس النواب للتوصل إلى حلّ بين رئيس الحكومة والنائب كمال جنبلاط؛ وأمام إصرار الرئيس اليافي على اعتذار النائب جنبلاط، تقرر أن يترك لرئيس مجلس النواب، أمر اتخاذ القرار اللازم لترضية رئيس الحكومة، وخصوصًا أن الأصوات المطالبة ياستقالة الحكومة بدأت ترتفع وتلقى آذانًا مصغية(50).
إزاء ارتفاع بعض الأصوات المطالبة باستقالة رئيس الحكومة، دعا الرئيس اليافي إلى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، بتاريخ 31/3/1954، لمناقشة التطورات الناتجة عن الأزمات السياسية، وألقى كلمة دعا فيها لدرس الحالة الشاذة التي تتخبط فيها البلاد بعد التطورات الأخيرة، آملًا إيجاد الحلول اللازمة لإنقاذ البلاد منها، واعتبر أن كل ما يجري من حوادث وحركات شغب مغاير للتقاليد اللبنانية، مؤكدًا، أن هناك عناصر تغذي هذه الحركات المشبوهة بوسائلها الخاصة، وأن هناك بعض الصحف التي تدأب على نشر الأخبار التي من شأنها خلق البلبلة في البلاد، وقد أسف لانجرار فريق من اللبنانيين وراء هذه التيارات والصحف في تظاهرات وحركات ضد بلادهم، ودعا المسؤولين إلى تحمل مسؤولياتهم إحباطًا لهذه الحركات وإسكاتًا لهذه الجرائد التي تشجعها، واعتبر في نهاية كلمته أن استقالة الحكومة في هذا الظرف ستقوي هذه العناصر وتهدد أمن الوطن(51).
وفي الجلسة المنعقدة في 1 نيسان سنة 1954، افتتح رئيس المجلس الجلسة لمتابعة النقاش السابق، وذلك بثلاثة اقتراحات كانت قد وردت إلى قلم المجلس، الأول مقدم من النواب: جوزف سكاف، ويوسف الزين، وناظم القادري، وكلوفيس الخازن، وأديب الفرزلي، ومضمونه: 
"لما كان النائب الأستاذ كمال جنبلاط قد تصرف في جلسة 30 آذار سنة 1954، تصرفًا مخالفًا لقانون المجلس الداخلي ويتنافى مع الروح البرلمانية، لذلك فإن النواب يستنكرون عمل النائب المذكور، ويقترحون سندًا للفقرة الثالثة من المادة 109 من القانون الداخلي توجيه اللوم لحضرة النائب الأستاذ كمال جنبلاط مع التسجيل في المحضر"(52). 
فيما الاقتراح الثاني، مقدم من النائب سامي الصلح، ومضمونه:
-"دفع دية القتيل....
-دفع التعويضات للجرحى وتكاليف المشافي.
-إلغاء قرار إقفال الجامعة الأميركية.
-الإفراج عن المعتقلين، طلابًا وصحفيين". 
بينما الاقتراح الثالث، كان قد رفع إلى المجلس من النواب: غسان تويني، موريس زوين، سليم حيدر، نزيه البزري، وبيار إده، ونص على: "إن مجلس النواب، بعد أن استمع إلى بيان الحكومة حول الحوادث التي جرت يوم السبت في 27 آذار سنة 1954، وبعد أن تناقش في الموضوع. وبغية جلاء جميع نواحي القضية وتعيين المسؤوليات الإدارية والسياسية. يقرر: وفاقًا للمادة 91 و92 من النظام الداخلي. تعيين لجنة من خمسة نواب، مهمتها التحقيق في مقدمات الحادث ومسبباته ووقائعه وفي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة قبل الحادث وأثناءه وبعده، على أن تقدم اللجنة تقريرها إلى المجلس في مهلة أسبوعين على الأكثر"(53).
فور الانتهاء من تلاوة الاقتراحات، أشار رئيس المجلس إلى أن الاقتراحات الثلاثة هي ناشئة عن قضية واحدة، إلا أنها بعيدة في علاقتها عن بعضها بعضًا، ورأى أن يأخذ المجلس بالاقتراحات حسب تاريخ ورودها.
وبعد سلسلة من المداخلات للنواب: ناظم الخوري، سليم حيدر، جوزف شادر، جورج عقل، بيار إده، عبدالله الحاج، أديب الفرزلي، بشير العثمان، سعيد طوق، نزيه البزري، ومارون كنعان، والتي جاءت في معظمها للحد من توسيع الأزمة، وتدوير الزوايا بين الحكومة والمجلس النيابي، أعطى رئيس المجلس، في نهاية الجلسة، الكلام للنائب نعيم مغبغب الذي اعتبر أن الحادث إذا مرّ دون اتخاذ أي إجراء فإن ذلك يحط من كرامة البلاد بأسرها، وما حصل في نهاية الجلسة الماضية، لم يحصل من أي نائب من النواب سابقًا، وأضاف، "... إن الزميل كمال جنبلاط يمتاز بالشجاعة الأدبية... أن يثبت ويقف فيقول إني فقدت أعصابي وآسف على ما جرى في الجلسة الماضية، وعندئذ يكون لنا معه الشأن الذي تفرضه علينا الزمالة... وهو الذي كان يقول دائمًا إن أكبر الرؤوس يجب أن تحترم القانون، فيجب أن يقول فقدت أعصابي فيعتذر. وعندما يقول هذا يكون قد قال الكلمة التي ينتظرها المجلس منه"(54).
عندها، أعطى الرئيس الكلمة للنائب كمال جنبلاط الذي شكر النواب على مداخلاتهم أكانت معه أم عليه، واعتبر، أن ما قام به، كان للدفاع عن حقوق الشعب، وعن المبدأ اللاعنفي الذي يدين به، وأكد أنه لا يوجد بينه وبين رئيس الحكومة أي شيء شخصي على الإطلاق، بل هو خلاف سياسي لا أكثر، وإن ما أثاره، هو ما رآه في "... جنازة فتى كنا نربيه كما يربي الوالد ولده، ورئيس الحزب هو بمثابة الأب لأعضائه... وهناك أمران لا يستطيع الرجل إذا كانت له شهامة أن يسكت عنهما وألا يثور في سبيلهما، هما: قتل النساء وقتل الأولاد والفتيان. فإن ثرت فإنني لم أفقد أعصابي، لقد حصل ذلك بملء وعيي لما رأيته من سفك الدماء والتعذيب والاعتقال. ولو أنني خسرت ولدي الوحيد لما حزنت كما حزنت على الشهيد حسان أبو إسماعيل... إنني أرحب بلوم المجلس، وأشكر جميع الأعضاء الذين سيقترعون ضدي، وأكون سعيدًا جدًا إذا كان هذا اللوم سيزيل ما بقي بالأذهان من أن هناك مشكلة شخصية بيني وبين رئيس الحكومة، لأنني، لم أقصد بعملي كشخص، بل كرئيس وزراء، وضميري مرتاح وإنني شخصيًا أتبنى هذا الاقتراح بلومي ولكنني آسف إنني لا أستطيع الاعتذار"(55).
مع انتهاء النائب كمال جنبلاط من الكلام، طرح الرئيس الاقتراح الأول على التصويت فقبل بالإجماع، عندها انتقل إلى الاقتراح الثالث وهو تعيين لجنة تحقيق برلمانية، فوافق المجلس بالأكثرية، وتم انتخاب أعضاء اللجنة، ففاز كل من النواب: نعيم مغبغب 30 صوتًا، غسان تويني 29 صوتًا، بيار إده 22 صوتًا، ناظم القادري 20 صوتًا، وكلوفيس الخازن 20 صوتًا؛ أما بالنسبة لاقتراح النائب سامي الصلح، فقد أحيل على مجلس الوزراء للنظر في أمره(56).
رأت مجلة الأنباء في نتائج الجلسة النيابية وسير أعمال لجنة التحقيق لاحقًا، أن النواب لم يطلبوا من الحكومة أن تستقيل، بل اكتفوا باقتراح تأليف لجنة برلمانية للتحقيق في القضية وتحديد المسؤوليات، وأن الاقتراح لم يكن يهدف إلى شيء إلاّ لـ"لفلفة" القضية ودفنها، واعتبرت أن ما هو معروف في التقاليد البرلمانية اللبنانية، أن كل قضية تحال إلى اللجان، تدفن في الأدراج النيابية، خصوصًا، أن اختلاف ميول أعضاء اللجنة ظهر من الساعة الأولى، وتبين أن لكل عضو غاية معينة، وهدفًا خاصًّا، "... فالسيد بيار إده، كان يميل إلى تجريم وإدانة وزير الداخلية، مهما كلف الأمر، ذلك لأن الوزير هراوي، كان قد حلّ في الحكومة "الليافية" الثانية محل السيد بيار إده...، وظهر كذلك أن السيد ناظم قادري كان يهدف إلى تبرير موقف وزير الداخلية، زميله ورفيقه في كتلة نواب البقاع، وتهشيم رئيس الوزراء لغاية في نفس يعقوب...، أما السيد نعيم مغبغب، الذي يعتبر نفسه الناطق الأول بلسان المراجع العليا ورسولها على الأرض... فقد كان همه تحاشي سقوط الحكومة لئلا يقال إنها سقطت على أثر صفعة من يد كمال جنبلاط، وكان السيد كلوفيس الخازن، من جهته، حريصًا على إنقاذ سمعة قوى الأمن... وتبرير إطلاق الرصاص...، والتأكيد أن أفراد الدرك كانوا في حالة الدفاع عن النفس..."، وفي النهاية، اعتبرت الأنباء، أن لجنة التحقيق تحولت إلى "برج بابل" يتظاهر كل عضو منها بالتفاهم مع زملائه لكن الواقع مخالف لذلك(57).
وفي الجلسة المنعقدة بتاريخ 14 تموز سنة 1954، المخصصة لمناقشة سياسة الحكومة العامة وطرح الثقة، تقدم النائب غسان التويني بتقرير لجنة التحقيق حول أحداث الجامعة الأميركية، فأشار في بداية كلمته إلى أن في متناول لجنة التحقيق، ألف برهان على صحة ما سيدلو به، إذ لدى اللجنة صور لا يمكن أن تكذب، ولا أن تزور، ولا أن تنطق بغير ما فيها، ولا تقبل شرحًا ولا تأويلًا، كما أن لدى اللجنة إفادات وشهادات وتقارير غير قابلة للشك أبدًا، "ويشرفني أن نكون قد قلنا ما قلناه، وأن يكون فيما قلنا إنصاف للحكومة ساعة كان يجب الإنصاف، وأن فيما قلناه مسؤولية على الطلاب حيث وجدنا مسؤولية". 
وأضاف النائب التويني، إن لجنة التحقيق اعتبرت أن هناك ثمة مسؤولية تقع على الطلاب، ولكنها لا تبرر المعاملة التي لاقاها هؤلاء من قبل القوى الأمنية، "... فالطلاب قد خالفوا قانونًا عثمانيًا صادرًا سنة 1857، أي قبل الثورة الفرنسية: يقول إن التظاهر ممنوع على الإطلاق في المحلات العامة"، وأشار إلى أن لجنة التحقيق لم تكن تعلم، أن لبنان عام 1954، يطبق قانونًا عثمانيًا، يقول إن التظاهر ممنوع، "... وهذا القانون الذي لا أعتقد أن أحدًا منكم كان يعرف بوجوده هو القانون الذي خالفه الطلاب عندما تظاهروا...، وسأل التويني، هل سبق لهذه الحكومة بالذات وللحكومات السابقة أن طبقت هذا القانون؟، وهل يعبر قانون 1857، عن إرادة الشعب، ويصون مصالحه، ويضمن حرياته؟، والحريات هي مبرر وجود لبنان"(58).
وسألت لجنة التحقيق: "هل القانون يطبّق على الجميع؟... والجواب كلا... لقد شهدنا قبل مظاهرة الطلاب بأيام، وشهد الطلاب أنفسهم، مظاهرة يقوم بها أحد أعضاء هذه الحكومة بالذات، ويطلق فيها الرصاص، فلماذا لم يطبق القانون بحق هؤلاء؟"(59).
وأشار التويني إلى أن النقطة المهمة في الموضوع، هي الحجة المخيفة التي جاءت بها الحكومة إلى المجلس، أنه كان بين المتظاهرين عناصر شغب "... ولا بد من أن يكون ما كان"، "... عناصر شغب!، نريد أن نعرف مرة واحدة من هي عناصر الشغب هذه؟، ولماذا تخيف عناصر الشغب ومن تخيف؟، وإذا كان هنالك عناصر شغب، فلماذا يفسح لها هذا المجال الواسع حتى تخيف السلطة إلى هذا الحد؟، وإذا كانت كما يقال الحزب الشيوعي، فلماذا لا تملك الجرأة الكافية لتسمي الأشياء بأسمائها؟".
واعتبر التويني، أن الشيوعيين مواطنون لبنانيون ولهم الحق في أن يعاملوا في نطاق القانون كما يعامل سائر المواطنين، وأن للمواطنين على الدولة حق مطالبتها بأن تطبق على الشيوعيين القانون الذي يطبق على الجميع ساعة يخرجون على القانون، وأن النظام الاقتصادي، والظلم، والوسائل، والأساليب التي تتبعهما الحكومة هي التي تقوي الشيوعية في البلاد، وأنهى مقدمته بأن ما فعلته الحكومة في حوادث 27 آذار، لا تستطيع عناصر شغب الأرض كلها أن تأتي بمثله. وأشار بأنه لن يتلو التقرير بكامله، وسيكتفي بخلاصته، وبالمذكرة الإيضاحية التي وقّعها مع مقرر لجنة التحقيق النائب ناظم القادري، وحددت اللجنة مسؤولية الحكومة بالتالي:
أولًا- المسؤوليات القانونية بالرغم من أن قرار منع التظاهر كان قانونيًا. 
ثانيًا- المسؤوليات الحقوقية على ضوء الحقوق الطبيعية والحريات العامة:
1-إن الطريقة التي عالجت بها الحكومة قضية التظاهر غير عادلة، تذرعت بالنص القانوني المانع لأي تظاهر في الشوارع والساحات العامة، فيما سمحت لتظاهرات أخرى ولم تمنعها، مما أضعف قيمة النص القانوني، وأبطل صفته الإلزامية.
2-إغفال الحكومة إطلاع المجلس النيابي على ما تجمع لديها من معلومات التي اتُخذ قرار المنع على ضوئها، واتخذت قرارها بمنع التظاهر مكتفية بالتهويل بعناصر الشغب.
3-إهمال الحكومة، إذ لم تحدد للطلاب ما سوف يتعرضون له من جراء مخالفة قرارها. "فقد هددت الطلاب باستعمال المياه، وبالإحالة إلى المحكمة، وبالطرد من المدارس، وبالإبعاد عن البلاد على نحو ما سمعوه سابقًا ولم يطبق..."، فيما أقدمت الحكومة على استعمال وسائل القمع القصوى،"...التي لو هددوا بها جديًا لربما عدلوا عن قرارهم".
4-التقصير باتخاذ التدابير الاحترازية بحق العناصر العازمة على مخالفة القانون، قبل تمكنها من تنظيم المظاهرة.
5-الأخطاء والنواقص التي أدت إلى تطور الحادث وهي:
-عدم توفر المياه بالقدر الكافي لقمع التظاهرة، فقد "شهد بمفعولها مطلقوها وأساتذة الجامعة والطلاب أنفسهم".
-عدم توفر التجهيزات لدى قوى الأمن لقمع التظاهرة وحماية أنفسهم، من قنابل مسيلة للدموع، ودروع، وخوذ، وغيرها، وخصوصًا العصي، "... بل إن العصي الخشبية ذاتها لم يكن كل الشرطيين ينقلونها، رغم نص مذكرة الخدمة عليها"، والتحجج بأن استعمال هذه المعدات في مظاهرة سابقة ارتد على القوى الأمنية، وأظهرها بمظهر وكأنها متجهة نحو الجبهة، مما أدى إلى استفزاز المتظاهرين، وهو ما اعتبرته اللجنة بأنه رأي وجيه، "... ولكن اللجنة لا يسعها قبول هذه السابقة... فإنها مستعملة في كل بلاد العالم وتأتي فيها نتائجها... وإنما الذي لا ريب فيه أنه كان هناك... نقص في التدريب الكافي لمواجهتها...".
-عدم محاولة قوى الأمن اعتقال المتظاهرين، ولا حاولت تفريقهم قبل اللجوء إلى استعمال السلاح.
-إطلاق الرصاص على نحو لا تبرره الأنظمة ولا الحاجة، واعتبار الأمر وكأنه اعتداء عليهم، "ولا أبيح سرًا أن أحدًا من قواد الدرك استطاع أن يقول إنه هو الذي أعطى أمرًا بإطلاق الرصاص".
-عجز القادة عن ردع بعض جنودهم، وعن ضبط النفس، حتى بعد السيطرة على الموقف، "وهذه أيها السادة صورة فوتوغرفية التقطت بعد أن سيطرت قوى الأمن على الموقف تمثل بعض الطلاب جاؤوا لنقل جريح كان ملقى على الأرض، فجاء رجال الأمن وأخذوا يضربون رفاق الجريح لأنهم جربوا نقله".
" أعود وأقول إننا لا نحمّل الحكومة مسؤولية الدم والجراح فحسب، بل نحملها أيضًا مسؤولية وضع الدرك... إن الدرك أيها الوزراء ليسوا انكشارية عندكم... نحن لا ندافع عن دم الطلاب فحسب، بل ندافع عن كرامة سلاح الدرك وعن هيبة هذا السلاح الذي وجد ليستعمل حيث يجب استعماله، لا حيث ترتؤون".
بعد أن أنهى التويني حصر المسؤوليات في النطاق القانوني، عاد ليسأل عن عناصر الشغب، "إذا كانت هذه العناصر موجودة، فلماذا وجدت؟، ومن هو المسؤول عن ازدياد قوتها يومًا بعد يوم؟..."، وأجاب نفسه، بأن السلطة هي المسؤولة عن ذلك بعقليتها التي تحكم بها وتتصرف، وبالنظام الاقتصادي الذي يقوم على الطبقية الظالمة، وأضاف، بأن السلطة لم تعير لحظة واحدة من وقتها للشباب، لتزرع في نفسه الإيمان بالدولة وبالقانون، ورأى أن الطلاب من حقهم أن يتظاهروا، "... وأن يفعلوا ذلك كل يوم، ولو كان هذا الشعب يدرك الحرية، وكان أشد وعيًا لمصالحه، لكان تظاهر كل يوم".
وأنهى التويني كلامه، "... من أجل ذلك ومن أجل هذه المسؤوليات الخطيرة نحجب ثقتنا ويحجب زملاؤنا الثقة عن الحكومة"(60).
ردّ النائب أديب الفرزلي مباشرة على التويني، مدافعًا عن الحكومة، معتبرًا، أن للطالب الحق بأن يتظاهر متى يشاء، ولكن ضمن "القوانين المرعية الإجراء"، وأن التظاهرة جاءت احتجاجًا على المفاوضات العراقية- التركية لدخول الحلف التركي- الباكستاني، وأن الحكومة طالبت المتظاهرين مرارًا عديدة بألا يتظاهروا، لأن العراق بلد شقيق، ولا يجوز المس بالعلاقات اللبنانية- العراقية، ورأى الفرزلي، أن على الطلاب أن ينسجم تفكيرهم، "فيما إذا فكروا بأمر سياسي، مع سياسة الدولة".
وغمز من ناحية الاتحاد السوفياتي، فأشار إلى أن حكومة الاتحاد، بعثت بتاريخ 13/7/1955، بمذكرة احتجاج إلى إيران بسبب الحلف الباكستاني- التركي، رافضة أي تقارب يهدد أمن الاتحاد، "... إذًا، يمكن أن يقال بأن فكرة المظاهرة لم تكن لبنانية، وأن هنالك عناصر شغب اندست بين صفوف الطلاب..."، وشدد على أن الأمر الذي يجب أن يعلم به المجلس النيابي هو أن البلاد مقسومة إلى معسكرين "... معسكر يطلب السلام، ومعسكر يطلب الفوضى وينشر بذور القلق والفساد"، وأكد، أن هناك تدخلًا من بعض العناصر الذين استغلوا الطلاب ودخلوا في صفوفهم وشجعوهم على التظاهر، "... ولكن لم أزل أقول بأنهم على حق في التظاهر".
ورفع الفرزلي من وتيرة كلامه عندما اعتبر أن فكرة المظاهرة هي فكرة سياسية، وكان يجب أن تجري دون استفزاز لرجال الأمن، "... وأنا أتحدى أي نائب أن يقبل أن يكون وزيرًا للداخلية يومًا واحدًا إذا جرت المظاهرة التي جرت أمام الجامعة الأميركية..."، ودافع الفرزلي عن تصرف الحكومة مبررًا عملها في قمع التظاهرة على أنه عمل اضطراري، بعد أن استنفدت جميع الوسائل، "... استعملت الحجة والبرهان فصمّت الآذان واستعملت الطرق السلمية فلم تنجح، فكانت النتيجة كما تعلمون".
وانتقل الفرزلي إلى تشريح تقرير لجنة التحقيق، فاعتبر أن التقرير لم يذكر بصراحة أن الحكومة هي المسؤولة، ويبرر موقفها، "... ويضطرنا بالتالي لمنحها الثقة..."، وطلب من الحكومة أن تشكر لجنة التحقيق. 
وتطرق الفرزلي، لانتقادات لجنة التحقيق، بأن المياه كانت قليلة وغير متوفرة، وأن رجال الأمن لم يكونوا مجهزين بأسلحة حديثة وكافية لقمع التظاهرة، و...، كما انتقد ما جاء في التقرير بأن الحكومة توقع العداوة بين الدرك والطلاب، "... فأنا أقول اتركوهم وشأنهم، والذي يريد أن يترك للطلاب حريتهم، لا يطلب من الحكومة أن تجهز الدرك بالأسلحة الحديثة... فنحن الذين نوقع العداوة بين الحكومة والطلاب عندما نقف موقفًا عاطفيًا مع الطلاب فنطمّعهم ونجعلهم يتمردون على القوانين".
ورفض الفرزلي أسلوب الإدانة، واعتبره مردودًا إلى أصحابه، بعد إدانة لجنة التحقيق للحكومة لأنها لم توافق على رخصة التظاهرة، وسأل: "... ماذا تريدون لو أن الحكومة حمت المظاهرة؟ هل أن عناصر الشغب كانت تقبل...؟"، وأجاب، "ثقوا بأن هذه العناصر كانت سترفض ذلك وكانت تأبى إلا أن يقع القتال بين الدرك والطلاب". 
وفي نهاية كلمته، شكر النائب فرزلي، لجنة التحقيق على جهودها، وحسن نيتها، "... وهي وإن أعلنت أن المسؤولية واقعة على الحكومة، إلا أن التقرير كان بارعًا عرف كيف يرشد الحكومة وكيف يلقي في الواقع المسؤولية على الطلاب"(61).
فيما النائب كامل الأسعد، رأى أن المسؤولية تقع "مئة بالمئة" على الحكومة، ورفض نقاط التقرير كافة التي أعطت الحكومة بعض الحق، لأسباب أهمها: 
-إن الطلاب لا يفترض فيهم أن يكونوا مطلعين على مواد القانون الصادر سنة 1857، كونه صادرًا في عصر يختلف فيه مفهوم الحريات عما هو عليه اليوم. 
-إن هذا القانون لم يطبق في عهد هذه الحكومة، ولا في عهد غيرها، بل كانت الحكومة تارة تطبقه وتارة تتجاهله، "... وهذا يعني أن القضية تقديرية، فالتدبير الذي أدى إلى هذه النتائج كان تدبيرًا اعتباطيًا، لأن الحكومة كان بإمكانها أن تحافظ على الأمن بواسطة رجالها وأن تحمي الطلبة لتفادي الحوادث بدلًا من أن تضطر لتوجيه الرصاص عليهم... سواء أكان الطلبة على حق أو على غير حق، وسواء أكان العراق انضم لمحور تركيا- باكستان أم لم ينضم، فهدفهم وطني قومي وغايتهم وطنية قومية".
وأضاف الأسعد، "... أما في حال إصرار الحكومة على قمع التظاهرة خوفًا من عناصر الشغب، فكان يمكنها على الأقل أن توجه للطلبة إنذارًا بصورة رسمية، وهذا ما لم يحدث، لأنه لو حدث لفضّل الطلبة ولا شك أن ينجوا برؤوسهم من أن يواجهوا الرصاص..."، واعتبر أن محامي الحكومة أديب الفرزلي، "... مهما أوتي من مقدرة وبلاغة، ومهما علا كعبه، فإنه لن يبدل حكم الشعب..."، وأنهى كلمته بححب الثقة عن الحكومة(62).
أما النائب بشير الأعور، فقد اعتبر أن تقرير لجنة التحقيق، لا يمكن أن يتخذ أساسًا للبحث، لأنه فارغ من الوثائق والمستندات، وهذا أمر ضروري للمجلس النيابي لكي يتسنى له أن يعرف أن ما ورد في التقرير هو الحقيقة، وليس استنتاجًا من لجنة التحقيق، كما رأى أن التقرير أعطى الحكومة حق منع المظاهرة من جهة، لأنها عملت ما بوسعها لإقناع الطلاب بعدم التظاهر، ومن جهة أخرى، أكد التقرير أن وزير الداخلية كان على حق فيما يتعلق بعناصر الشغب، خصوصًا، "... وقد أعطت لجنة التحقيق رأيًا شخصيًا أكدت به أن عناصر الشغب هي التي تحرك المظاهرة...".
وأضاف، بأنه يفهم الحرية كما يفهمها غيره، ويريد أن يبقى لبنان مركزًا للحريات، "... ولكن يوجد فرق كبير بين الحرية والفوضى، وليس من مصلحة لبنان أن يخلط بين الحرية والفوضى".
وأنهى كلامه بعدم موافقة لجنة التحقيق على ما ورد في تقريرها فيما يتعلق بتوزيع المسؤولية، "... وإلى أن يأتينا حضرات الزملاء الذين يقولون بنزع الثقة عن الحكومة بحكومة أفضل وأصلح من الحكومة الحاضرة، إنني أمنح ثقتي للحكومة"(63).
رد النائب إميل البستاتي على مؤيدي الحكومة واصفًا ما حصل أمام الجامعة الأميركية بـ"المعركة الكبرى"، معتبرًا أن الرصاص الذي أطلق في ذلك النهار لو أطلق على العدو لربح لبنان المعركة بسهولة، "... ولكن مع الأسف أطلق الرصاص على أكبر معهد علمي في هذا البلد ألا وهو الجامعة الأميركية".
وأضاف بأن هذه الجامعة وإن كانت أميركية بالاسم، لكنها منذ نشأتها جامعة وطنية، وتربي طلابها على حب وطنهم لا على حب أميركا، "... هذه الجامعة لم تستطع تركيا أن تقفلها حتى أثناء الحرب العالمية الأولى... ولكن هذه الحكومة سمحت لنفسها أن تقفلها دون...".
وأكد أنه لا يجوز للطلاب التدخل بالسياسة، ولكن من الجهة الأخرى، لا يجوز أيضًا، أن يستهدف الطلاب بالبنادق، "... وهذا الرسم الذي أحمله بيدي يمثل طالبًا كان يحمل رفيقًا مجروحًا وإذا بأربعة من رجال الأمن ينهالون عليه ضربًا. هل حققتم مع هؤلاء؟..."، (رئيس الوزارة يطلب الرسم فيسلمه إياه النائب البستاني لأجل التحقيق).
وأنهى بمهاجمة النائب الفرزلي لدفاعه عن الحكومة، واعتبر كلمته غير موفقة كالعادة لأنه يدافع عن وجهة نظر لا يؤمن بها، "... فكأني به اليوم وهو محامي الشيطان..."(64).
"... ظننت وكدت أصدق ما قالوا أو أصدق ما ساهمت في كتابته!..."، رد النائب التويني متعجبًا، وأشار إلى أن الحرية لا تتجزأ، والحقوق لا تتجزأ، والديمقراطية لا تقوم على ديكتاتورية الأكثرية، بل على اعتراف الأكثرية للأقلية بحقوقها، "... وإلا أصبحت الديموقراطية ديكتاتورية الأكثرية"، أما فيما يتعلق بتحديد المسؤولية، فقال "إنها تحدد على صعيدين مختلفين":
أولًا: كان للجنة التحقيق الجرأة لإنصاف الحكومة، "... قلنا إن قرار المنع كان قانونيًا، ولكن قلنا كان على الحكومة أن تتخذ تدابير أخرى غير التي اتخذتها لمنع التظاهرة... فإن الخطأ كان في التدابير التي اتخذتها الحكومة".
ثانيًا: كان على الحكومة ألا تتخذ قرار المنع، "... لأن ما كان يمكن أن يترتب من نتائج يبقى أقل خطرًا وضررًا مما حدث؛ وكان يتوجب على الحكومة أن تنتبه لعناصر الشغب...". وأنهى كلمته بدعوة النواب للتمعن في قراءة التقرير مادة مادة للوصول إلى الحقيقة(65).
في نهاية الجلسة، طرح الرئيس الثقة بناء على طلب الحكومة، فنالت أكثرية 28 صوتًا، من أصل 39، وحجب الثقة عن الحكومة النواب، سامي الصلح، جوزف شادر، ريمون إده، بيار إده، أحمد الأسعد، كامل الأسعد، حميد فرنجية، غسان تويني، جان حرب، وإميل البستاني، فيما امتنع عن التصويت النائب دكران توسباط، وتغيب النواب، كمال جنبلاط، سليم حيدر، جورج عقل، وعبدالله الحاج(66).
وعلى المقلب الآخر من ردود الفعل، ذكرت صحيفة الأنباء أن الحكومة رفضت تسليم جثمان الطالب... ريثما "تهدأ الخواطر"(67)، وأرسلت لاحقًا إلى أهله تعرض عليهم نقله إلى بلدته دير بابا، وعلى نفقة الدولة اللبنانية، لكنهم رفضوا العرض، وأصروا على تشييعه في بيروت ودفنه فيها(68)، وإن هذا ما كانت تخشاه السلطة.
رفضت الحكومة تشييع الطالب... في بيروت وقامت بنقل جثمانه إلى قريته رغمًا عن أهله، لكن أهالي بلدة دير بابا، رفضوا استلام الجثمان، وطالبوا بإرجاعه إلى بيروت لتشييعه هناك؛ أمام هذا الرفض، عاد الجثمان إلى بيروت بعد أن زار مسقط رأسه، ووضع في مشفى أوتيل ديو(69).
بعد ذلك، اشترطت الحكومة على أهله أن يقتصر التشييع في بيروت على بضع سيارات، وبمرافقة القوى الأمنية لعدم الإخلال بالأمن، لكن النائب كمال جنبلاط وأهل الطالب وزملاءه، رفضوا شرط الحكومة وأصرّوا على تشييعه سيرًا على الأقدام، وإلاّ فإنهم سيلجؤون إلى تشييع الصورة بدلًا من الجثمان، عندها رضخت الحكومة وتنازلت عن شروطها تاركة لهم حرية التشييع(70).
وخلال حفل التأبين، ألقى النائب كمال جنبلاط كلمة نارية عدد فيها صفات الطالب...، وهاجم تصرفات الحكومة، فاعتبر أن الحكومة "الغاشمة" أبت إلاّ أن تتدخل "... فمنعت عنك الجماهير، ولكن الجماهير أتتك متخطية جميع العقبات التي أقاموها في وجهها على الطرق... جاء البيروتيون والجبليون ليقولوا: هذه الدماء دماؤنا كم قلت أنت: أنا للحرية، أنا للوطن، أنا للنضال، أنا للاشتراكية، أنا ضد الاستعمار، ضد التحالف الذي سيجعل من أبناء البلدان عبيدًا يسيرون في ركاب المستعمرين والصهيونية المجرمة... إذ إن على كل حرّ في هذه البلاد أن يكون طعنة في صدر الاستعمار الذي يريد البعض أن يفرضه علينا..."، وهاجم رئيس الحكومة بعنف واعتبره قزمًا من أقزام الرجال الذين يسعون إلى الزعامة على دم الشهداء، "... شاء قزم من أقزام الرجال في هذا البلد أن يتنطح للزعامة تنطحًا، وأن يلعب دور بعض الزعماء الخالدين... شاء هذا القزم من الرجال، أن يواجه الطلاب العزّل من كل سلاح بسلاح الدرك الذي حوّله إلى عصابة... وليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا الجبان الضعيف النفس السلاح الذي وجد من أجل حماية القانون وتنفيذ الدستور... شاء هذا القزم مسخ الدكتاتورية والذي لا يستحق لقب دكتاتور، أن يكون متسلطًا على قوى الأمن التي وجدت للمحافظة على الأمن لالقتل النفوس، في هذا اليوم شاء القزم أن يتصدى لأقدس الحريات الإنسانية التي كان يحترمها ويحافظ عليها السنغالي والمستعمر..."، وأنهى كلامه بالوعد على متابعة النضال إلى أن يسقط "مسخ الديمقراطية"، وأمل أن يلفّ جثمان الطالب بالعلم اللبناني قبل دفنه، "لأن الاحتفال احتفال لبنان"(71).
تابع النائب جنبلاط الهجوم على الحكومة من خلال جريدة الأنباء، التي رأت في افتتاحية تأبين الطالب...، أن العاصمة اللبنانية، لم تشهد يومًا مثل يوم 27/3/1954، فقد أعاد هذا اليوم إلى ذاكرة اللبنانيين صورة من صور القمع التي كان "السنغاليون" يلجؤون إليها لصد حركات التظاهر الوطنية في عهد الانتداب، واعتبرت الصحيفة، "السنغاليون أنفسهم"، لم يقدموا على ما أقدم عليه بعض أفراد الدرك، خصوصًا، عندما كان رجال الإسعاف ينقلون الجرحى، "فاعتدوا بذلك على مبدأ إنساني لا يتعرض إليه أشد الأعداء وحشية في ساحات القتال"، وأكدت على أن الطلاب لم يكن لديهم سلاح، ولم يقوموا بأي عمل مخل بالأمن سوى أنهم حاولوا الخروج من باب الجامعة الأميركية، وتساءلت: هل الشعارات التي أطلقها الطلاب معادية للحكومة(72) لكي تقمع هذه التظاهرة بهذه الوحشية؟، ورأت أن هذه العبارات تعبر عن سخط الطلاب على المحاولات الاستعمارية، وعن تمسكهم باستقلال وطنهم واستعدادهم للذود عنه(73).
بينما رأت صحيفة العمل في افتتاحيتها بتاريخ 30/3/1954، تحت عنوان "كفّارة"، لو أن موقف الحكومة كان واحداّ في التظاهرات الثلاث، لربما كانت تجد لنفسها أسبابًا تخفيفية، "بات من المتعذر إيجادها بعد فوات الأوان"، ولو أن الحكومة أوقفت المعتدين على جماعة النائب أحمد الأسعد في البسطة، ومطلقي النار في طرابلس من أنصار النائب رشيد كرامة، ولو تعاملت، "... بالحزم عينه الذي شاقها أن تلجأ إليه في قمع تظاهرة الجامعة الأميركية، لربما كان من الهين على محبيها ومؤيديها أن يتدبروا لها ما هي في حاجة إليه من مبررات وأعذار، أما وقد كان من تناقض مواقفها هذا الذي كان في فترة لم تتجاوز عشرين يومًا، فقد وضعت نفسها... في الموضع الذي يثير عليها السخط... في عين الرأي العام، على مختلف نزعاته ومشاربه...، والكفارة المطلوبة اليوم، تنحية وزارة ولدت هزيلة..." وتأليف وزارة يكون لها من أركانها ومؤهلاتهم ومناقبيتهم ما يقضي على القلق ويعيد الثقة للنفوس(74).
كما كتب الصحافي في جريدة الأنباء عزت صافي، مقالة تحت عنوان: "رسالة من حسّان"، جاءت معبرة توضح شعور الحزب التقدمي الاشتراكي حول خسارة أحد مناصريه، وجاء فيها:
" لم يكتب حسّان هذه الرسالة على ورقة، ولكنني قرأتها على وجهه بعد أن هدأ:
-أين ابن بلادي... أيها المسؤول عن دمي...
-شكرًا لك... فقد حققت أمنيتي...
-ولكن لم أكن منتظرها على يدك...
-عندما طرق الرصاص رأسي لم أشعر بألمه...
-ولكني شعرت بآلام شعبي تثور كلها دفعة واحدة...
-ذلك لأني ذاهب قبل أن أزيلها...
-تاركًا فوقها ما يزيدها...
-وها إني أحملها... وما أثقل حملها...
-عشت بها... وقضيت عنها..."(75).
وفي عددها الصادر بتاريخ 3/4/1954، وجه النائب كمال جنبلاط عبر مجلة الأنباء رسالة إلى رئيس الحكومة، توضح رأي شريحة كبيرة من اللبنانيين، تحت عنوان: "إلى مضطهد الحريات وجلاّد الأولاد"، رأى فيها أن الشعب والطلاب قد انتصروا على الحكومة بوطنيتهم، كما انتصروا بتضحياتهم على الاضطهاد، واعتبر أن الحكومة ذهبت أو لم تذهب، "يا مضطهد الحريات، ويا جلاّد الأولاد، فقد ذهبت من نفوسنا، لن يعيدك شيء مما كنت عليه من قيمة البقاء إلاّ تصرفك كرجل مسؤول تنصل من مسؤوليته وحاول أن يلقيها على بعض المساكين من رجال الدرك والشرطة المأمورين، فلم يعد له إلاّ أن يمسك هو وصحبه حقائبهم وأن يتوجهوا إلى باب الدار الرسمية التي أضحت لهم... سجنًا لا يتجرّؤون أن ينظروا إلى الناس إلاّ من خلال شبابيكه، إذاك وإذاك فقط يصح لنا الأسف مما حصل، إذ تستيقظ فيكم الرجولة"(76).
ويستحسن أن نختم برأي لشارع آخر يمثل شريحة واسعة أيضًا من اللبنانيين والذي يرى في تحرك بعض الفئات تسترًا بمبادى الحرية والاستقلال، ففي تاريخ 2/4/1954، أدلى الشيخ بيار الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، بتصريح عند خروجه من القصر الجمهوري بعد مقابلته رئيس الجمهورية، أوضح فيه موقف حزبه من الدعوة إلى الإضراب التي أطلقتها بعض الفئات، فرأى فيه أن بعض الفئات تتستر بمبادئ الحرية والاستقلال، "لتقوم بأعمال الشغب الهادفة أولًا وأخيرًا إلى نسف الأسس التي يقوم عليها هذا الوطن"، واعتبر، أن هناك فئات في البلد تستهويها "الديماغوجية الرخيصة"، فلا تتردد في المشاركة في الأعمال التخريبية، وانتهى إلى التأكيد على أن "... الكتائب لم تتعود أن تسلم الشارع لأي كان، نحن نعلم أن هناك عناصر شغب مصممة على أي عمل تخريبي، ولكن أثبتنا نحن أيضًا، في كل مناسبة أننا مستعدون لمجابهة التيار وللسيطرة على الغوغاء، ونحن مصممون الآن على أن نكافح بكل قوانا عناصر الشغب... وسوف لا نترك المبادرة للمخربين، وإننا نعلن بأننا سنلجأ إلى كل الوسائل للذود عن لبنان وعن استقلاله..."، ثم تساءل في نهاية تصريحه، "... إلى أين يكون المصير لو تركنا الحبل على غاربه لجميع هذه التيارات الفوضوية"(77).
طلابيًا، بعد تأبين زميلهم بتاريخ 29/3/1954، تنادى عدد من الطلاب يزيد عددهم على 200 طالب إلى الاعتصام في دور الصحف "الحرّة" (حسب الأنباء)، معلنين مطالبتهم باستقالة الوزارة التي اتهموها بإراقة دمائهم واعتقال بعضهم، وخنق صوتهم، "... ولم يبق طالب أو طالبة في لبنان، إلاّ وأعلن رأيه في حكومة عبدالله اليافي، وهو: يجب أن تستقيل لأنها أصبحت خطرًا على الشعب، تهدد حركاته وحرية رأيه..."، وبعد سلسلة من الاجتماعات، أذاعت لجنة الطلبة بيانها وقد حصرته في النقاط التالية:
"1- تنحي وزارة عبدالله اليافي عن الحكم.
 2- إطلاق سراح المعتقلين من الطلاب والصحفيين.
 3- الكف عن مطاردة الأبرياء ومحاكمة المسؤولين.
 4- عدم إخراج أي طالب عربي من لبنان.
       5- تأليف لجنة برلمانية للتحقيق في الحوادث البربرية..."(78).
وفور إصدار البيان، أضرب بعض الطلاب عن متابعة دروسهم في بعض المدارس والمعاهد والجامعات اللبنانية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الإخاء، الإنجيلية، حوض الولاية، المعهد الثانوي، العاملية، البرّ والإحسان، واليسوعية (الصفوف العالية)، البطريركية، رمل الزيدانية، الإنجيلية للبنات، والمقاصد، أما معظم المدارس، فلم يكن الإضراب فيها شاملًا(79).
وفي اليوم التالي للدفن، وجهت والدة الطالب، بتاريخ 30/3/1954، كتابًا مفتوحًا إلى رئيس الجمهورية، رأت فيه أن قتل ولدها لم يذهلها، لكن ما أذهلها الطريقة التي تعاطت بها القوى الأمنية مع الطلاب، وتساءلت، "ماذا هتف حتى سدد إليه سهم الموت؟"، واعتبرت أن ابنها هتف لإسقاط الاستعمار، "فسقط شهيدًا"، وأن الطلاب لم يخطئوا، فالخطيئة، "خطيئتنا، لأننا زرعنا في قلوبهم حب البلاد، وغذيناهم حليب العزّة والكرامة، وروضناهم على النضال والاستشهاد في سبيل وطن أعززناه، ومبدأ اعتنقناه، ففي استشهاده فخر لنا، لأننا لهذا أعددناه وللكفاح أرسلناه، فكان له شرف الاستشهاد"(80).
لاحقًا، وتضامنًا مع المعتصمين، زارت والدة الطالب وشقيقته، الطلبة الصائمين بتاريخ 2/4/1954، في مكاتب صحيفة الأنباء التي اعتصموا فيها، حيث استقبلت من الطلاب والطالبات بالشكر والتقدير، فأشادت بموقفهم النبيل الذي يعبّر عن القوة المعنوية في نفوسهم، وأكدت في نهاية اللقاء على دعمهم والوقوف إلى جانبهم في معركة الحرية التي يخوضونها، وقد كانت الزيارة بعد أربعة أيام على صيامهم من أجل تحقيق مطالبهم التي تقدموا بها، بالرغم من سوء صحة بعضهم(81).
في النهاية، كان لابد من عودة البلاد إلى ما كانت عليه، ولابد من مخرج للأزمة كما درجت العادة في لبنان، وفي جلسة مجلس النواب المنعقدة بتاريخ 2/4/1954، لدرس قانون الإيجارات، طلب النائب غسان التويني من الحكومة بضرورة إعطاء تأكيد بالإفراج عن الطلاب المعتقلين، "تعرف الحكومة ولا شك كما يعرف الزملاء أن الطلاب لا يزالون مضربين، وأن فريقًا منهم مضرب عن الطعام منذ أيام ومعتصم في إدارات الصحف، فنود أن نسمع من الحكومة أنها جادة بالإفراج عنهم، وأن تأخير هذا الإفراج يعود إلى أسباب فنية، لم تتمكن الحكومة من إنهائه، فإذا أكد رئيس الحكومة هذا الشيء سهّل علينا معاونة الحكومة في فك الإضراب" وبالتالي إنهاء الأزمة، رد رئيس مجلس الوزراء، "القضية هي قضية وقت، أولت الحكومة القضية عنايتها كما أن النيابة العامة قد نظرت بعين العطف الواسع إلى طلبات إخلاء السبيل المقدمة إليها". 
-غسان تويني (مقاطعًا)، "وهل يمكن اعتبار ذلك مناشدة للطلاب بالرجوع عن الإضراب؟".
-رئيس مجلس الوزراء مجيبًا، "نعم... لأن القضية قد بلغت نهايتها(82).
التزامًا بما وعد به، استدعى رئيس الحكومة بتاريخ 3/4/1954، الوزراء أصحاب الاختصاص: الداخلية، العدل، والتربية، كما دعا مدير وزارة العدل، شفيق حاتم لاجتماع موسّع، وتباحث معهم في وجوب الإفراج عن الطلبة وتصفية هذه المشكلة بصورة نهائية، وطلب من مدير وزارة العدل، تدبر الأمر بأي طريقة والإفراج عن الطلاب(83)، وبتاريخ 5/4/1954، تم الإفراج عنهم بعد استخراج التسوية اللازمة لإطلاق سراحهم(84).

إذا كان الأمن الاستراتيجي لأية دولة يرتبط بحدّي الاختراق الخارجي والاستقطاب الداخلي، فإن الأمن الاستراتيجي للدولة اللبنانية يكون الأكثر هشاشة نظرًا للأزمات الخارجية المختلفة التي عانى ويعاني منها لبنان، وقابلية الداخل للتجاوب مع هذه الأزمات. وقد دفع لبنان، على مرّ التاريخ، غاليًا ثمن أمنه الاستراتيجي الهش، فكان الاختراق الخارجي يصدر له مشاكله ومشاكل الآخرين وحروبهم، والاستقطاب الداخلي يستوردها ويحولها إلى مشاكل وأزمات لبنانية، وذلك نظرًا لانفتاح المكونات الاجتماعية والسياسية والطائفية اللبنانية على الخارج، قريبًا كان أم بعيدًا، حتى يكاد أيّ تطور في السياسة الخارجية لا يخلو من انعكاسات داخلية، وتدخلات خارجية، تدفع بأبناء الوطن الواحد لخوض معارك هذا الخارج وصون مصالحه نيابة عنه، محولين لبنان إلى ساحة عراك، يتواجه فيها اللبنانيون باسم القوى الخارجية.

هوامش:
(1)Behcet Kemal Yesilbursa:The Baghdad Pact: Anglo-American Defence Policies in the Middle East, 1950-  1959. Frank Cass. London. 2005 P.6.
(2) الدور التشريعي السابع، العقد العادي الثاني، الجلسة الثانية المنعقدة في الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الخميس الواقع في 23/10/1952.
(3)Agnes G. Korbani: U.S. Intervention in Lebanon, 1958 and 1982:Presidential Decisionmaking. Praeger    Publishers.  New York.  1991. P. 26.
- Alexander DeConde: A History of American Foreign Policy. Publisher: Scribner's Sons. New York. 1963. P. 750.
أيضًا، راشد البراوي: مشروعات الدفاع عن الشرق الأوسط، مكتبة النهضة، القاهرة 1951، ص45.
(4)Ray Takeyh: The Origins of the Eisenhower Doctrine: The US, Britain and Nasser's Egypt, 1953-1957 Publisher: Macmillan.  England. 2000 P. 63.
- MichaelHudson:The Precarious Republic, Political Modernization in Lebanon, New York 1968, p.282.     
(5) الأنباء، 27/3/1954، عدد 139، ص 2.
(6) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(7) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(8) الموقع الرسمي للملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، ص 1.
(9) حزب البعث الاشتراكي العربي السوري، الحزب الديمقراطي العراقي، الحزب التقدمي الاشتراكي.
(10) الأنباء، 27/3/1954، عدد 139، ص 1.
(11) العمل، 25/3/1954، عدد 2435، ص 2.
(12) الوادي، 10/3/1954، عدد 5، ص 1.
(13) الأنباء، 27/3/1954، عدد 139، ص 2.                                                                         
(14) العمل، 26/3/1954، عدد 2436، ص 2. أيضًا، النهار 26/3/1954، عدد 5607، ص 2، الأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص 1-3.
(15) تشكلت هذه الحكومة (الثانية) بتاريخ 1/3/1954، واستمرت حتى تاريخ  16/9/1954، وضمت: عبدالله اليافي، رئيسًا لمجلس الوزراء، ووزيرًا للمالية والأنباء، ألفرد نقاش، وزيرًا للخارجية والمغتربين والعدلية، الأمير مجيد أرسلان، وزيرًا للدفاع الوطني، جبرائيل المر، وزيرًا للأشغال العامة، رشيد كرامي، وزيرًا للاقتصاد الوطني والشؤون الاجتماعية، كاظم الخليل، وزيرًا للصحة العامة والزراعة، نقولا سالم، وزيرًا للتربية الوطنية والبريد والبرق والهاتف، وجورج هراوي، وزيرًا للداخلية.
- مرسوم رقم 4293 تاريخ 1/3/1954.
(16) العمل، 26/3/1954، عدد 2436، ص 2. 
(17) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، النهار 26/3/1954، عدد 5607، ص 2. والأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص 1-3.
(18) العمل، 28/3/1954، عدد 2438، ص 1-4. أيضًا، النهار 28/3/1954، عدد 5609، ص 1، الأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص 3.
-L’Orient  le jour: 28  Mars 1954, P.1
(19) الأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص 3.
(20) العمل، 30/3/1954، عدد 2439، ص 2. 
(21) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، النهار 30/3/1954، عدد 5611، ص 2.
(22) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها. 
(23) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(24) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(25) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(26) جاء كتاب وزير الداخلية على الشكل التالي: "حضرة رئيس الجامعة الأميركية في بيروت المحترم، أتشرّف بأن أرسل إلى حضرتكم نسخة عن البلاغ الذي أذاعته الحكومة على أثر انعقاد مجلس الوزراء، وحذّرت بموجبه الأهلين من التظاهر والتجمع في الشوارع العامة لأي سبب كان. فأرجو أن تعمموا مضمون هذا البلاغ على جميع التلامذة والطلاب. وأن تحذروهم من عاقبة المخالفة، فالحكومة لن تتوانى عن إحالة المخالفين أمام المحاكم وعن إبعاد الأجانب منهم خارج الحدود اللبنانية. بيروت في 25/3/1954". الإمضاء: وزير الداخلية.
(27) أقفلت الجامعة لمدة أسبوعين، حتى مساء الأحد 11/4/1954، واعتبرتها عطلة عيد الفصح، وطلبت من طلابها الداخليين اللبنانيين العودة إلى منازلهم، ومن غير اللبنانيين العودة إلى بلادهم خلال هذه الفترة. - العمل 30/3/1954، عدد 2439، ص 2.
(28) العمل 31/3/1954، عدد 2440، ص 3-4.
(29) الدور التشريعي الثامن، العقد العادي الأول، محضر الجلسة الخامسة المنعقدة في الساعة العاشرة من قبل ظهر يوم الثلاثاء الواقع في 30 آذار سنة 1954، ص 1. 
(30) الجلسة نفسها، كلمة الرئيس عادل عسيران، ص 2.
(31) الجلسة نفسها، كلمة النائب عبدالله الحاج، ص 3.   
(32) الجلسة نفسها، كلمة الرئيس عادل عسيران، ص 4.   
(33) الجلسة نفسها، كلمة النائب غسان التويني، ص 5.   
(34) الجلسة نفسها، كلمة الرئيس عادل عسيران، ص 5.
(35) الجلسة نفسها، كلمة وزير الداخلية، جورج هراوي، ص 5.
(36) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، الصفحة نفسها. 
(37) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، الصفحة نفسها.    
(38) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، ص 6.   
(39) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، ص 7.
(40) يجزم التقرير أن إصابة مصطفى نصرالله وقعت من أعلى إلى أسفل، دخلت الرصاصة من كتفه الأيسر واستقرت في العمود الفقري في الخرزة الثالثة.  
(41) يجزم التقرير أن الرصاصة اصطدمت بالعمود الحديدي وشظية منها استقرت في رأس الطالب...، ونوع هذه الرصاصة غير رصاص رجال الأمن لأن رصاص الأمن مغلف بالنحاس.
(42) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، ص 7.     
(43) الجلسة نفسها، كلمة النائب أحمد الأسعد، ص 8.     
(44) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، ص 9.     
(45) *حادثة بيت النجادة: بتاريخ 14/10/1953 عقدت الأحزاب والهيئات اللبنانية التقدمي الاشتراكي، النجادة، الجبهة الشعبية، النداء القومي، الاتحاد النسائي العربي، القومي الاجتماعي، الهيئة الوطنية، عصبة تكريم الشهداء، أنصار السلم، جماعة عبد الرحمان، والهيئات الطرابلسية، اجتماعًا في بيت النجادة في البسطة للبحث في قضية مراكش، وأثناء الاجتماع هزت المبنى ثلاثة انفجارات أدت إلى إصابة الكثيرين بجراح مختلفة بينهم عبدالله المشنوق، عبد السلام الجزائري، جورج مجدلاني، والنائب كمال جنبلاط، وانتهى الاجتماع في بيت النجاد ببرقية رفعت إلى رئيس الجمهورية تتهم الرئيس اليافي بتدبير الحادث، وبرقية إلى هيئة الأمم المتحدة بتأييد قضية مراكش. الأنباء 16/10/1953، عدد 117، ص1.
- قضية مراكش تتلخص بإقــدام الاحتلال الفرنسي في مراكش (المغرب فيما بعد) على نفي سلطان مراكش محمد بن يوسف (محمد الخامس فيما بعد) إلى جزيرة مدغشقر وتنصيب محمد بن عرفة مكانه.
* حادثة البسطة: حصلت هذه الحادثة بتاريخ 9/3/1954، على أثر اتهام رئيس الحكومة، عبدالله اليافي، رئيس مجلس النواب السابق أحمد الأسعد، بأنه "سيخرب البلد هو ورجاله"، هذا الأمر دفع جماعة الرئيس الأسعد للتجمهر أمام المجلس النيابي دعمًا للرئيس أحمد الأسعد، وفي طريق العودة وعند مرورها في منطقة البسطة، تعرضت جماعة الأسعد لإطلاق نار، مما أدى إلى سقوط قتيل وهو كامل الطويل، وعدد من الجرحى، عرف منهم: محمد زكي سنجر، مصطفى قاسم وهبه، أسعد الطبل، ومحمد عبد الجليل (ضربة بندقية على رأسه)، اتهم الرئيس الأسعد الرئيس اليافي بأن رجاله وراء الحادث، فيما اتهم الرئيس اليافي الرئيس الأسعد بأن رجاله استفزوه في عقر داره وقاموا بأعمال مخلة بالقانون، وإن من أطلق النار القوى الأمنية وليس رجاله كما يدعي الرئيس أحمد الأسعد، لكن معظم الصحف أشارت إلى أن من أطلق النار هم جماعة الرئيس عبدالله اليافي وليست القوى الأمنية. العمل 10/3/1954، عدد 2422، ص1.
(46) محضر الجلسة الخامسة...، مصدر سابق، كلمة النائب أحمد الأسعد، ص 9.     
(47) الجلسة نفسها، كلمة النائب غسان تويني، ص 11.
(48) الجلسة نفسها، كلمة النائب حميد فرنجية، ص 11.     
(49) الجلسة نفسها، كلمة النائب كمال جنبلاط، ص 18.
لكن صحيفة الأنباء، روت الواقعة بطريقة مختلفة، "وهنا وقف رئيس الوزراء محاولًا مقاطعة الرفيق الأول جنبلاط الذي كان متأثرًا يعبّر وجهه ولهجته عن سخط الشعب اللبناني بأسره على الحكومة، فما كان منه إلاّ أن قذف رئيس الوزراء بكأس الماء، فلفظ الأخير كلمات الاستنكار بينما كان الرفيق الأول جنبلاط يتقدم منه ويصفعه على وجهه. وعندئذ أسرع النواب لتدارك الأمر، وقامت الضجة فأمر الرئيس عسيران بفض الجلسة". الأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص3.
بينما روت صحيفة العمل القصة بطريقة أخرى، فكتبت تقول: "ولم تهدأ ثورة النائب جنبلاط، فاتجه مباشرة نحو مقعد رئيس الحكومة وصفعه مرات ثلاث، أصابت الصفعة الأولى جانبًا من كتف رئيس الحكومة، والثانية جانبًا من صدره..."، فراح الرئيس اليافي يصرخ: "اقبضوا على هذا المجرم، اقبضوا عليه، بصفتي رئيس حكومة آمركم بذلك يا بوليس يا رئيس المجلس... ولكن واحدًا لم يتحرك ولم يقبض...". العمل 31/3/1954، عدد 2440، ص1.
(50) العمل، 31/3/1954، عدد 2440، ص1.
(51) العمل، 1/4/1954، عدد 2441، ص 2. أيضًا، الوادي 2/4/1954 عدد 37 ص.2
(52) المادة 109 ـ تتخذ بحق النائب الذي لم يحافظ على نظام الجلسات ونظام الكلام فيها الإجراءات التالية حسب الترتيب أدناه: 
1- التنبيه للرجوع إلى النظام.
2- التنبيه مع تسجيله في محضر الجلسة.
3- اللوم مع تسجيله في المحضر.
4- الإخراج من الجلسة. 
إن العقوبات الواردة في الفقرتين الأولى والثانية ينزلها الرئيس، فيما العقوبات الباقية فلا بد منها من قرار من قبل المجلس. 
(53) الدور التشريعي الثامن، العقد العادي الأول، محضر الجلسة السادسة المنعقدة في الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الخميس الواقع في 1/4/ 1954، ص 21.
(54) الجلسة نفسها، كلمة النائب نعيم مغبغب، ص 30.
(55) الجلسة نفسها، كلمة النائب كمال جنبلاط، ص 31.
(56) الجلسة نفسها، ص 33.
(57) الأنباء، 23/5/1954، عدد 147، ص 4.
(58) الدور التشريعي الثامن، العقد الاستثنائي الأول، محضر الجلسة الحادية عشرة المنعقدة في الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الأربعاء الواقع في 14 تموز سنة 1954، ص 19.                                                                                     
(59) أقيمت مظاهرة تأييدية للوزير رشيد كرامي، وزير الاقتصاد الوطني والشؤون الاجتماعية، في بيروت وطرابلس أطلقت خلالها العيارات النارية بكثافة دون أن تعترضها الحكومة، وذلك بمناسبة صدور قرار الطعن المقدم بحقه في الانتخابات النيابية.
(60) محضر الجلسة الحادية عشرة...، مصدر سابق، ص 19- 24.
(61) الجلسة نفسها، كلمة النائب أديب الفرزلي، ص 38.
(62) الجلسة نفسها، كلمة النائب كامل الأسعد، ص 41.
(63) الجلسة نفسها، كلمة النائب بشير الأعور، ص 45.
(64) الجلسة نفسها، كلمة النائب إميل البستاني، ص 53.
(65) الجلسة نفسها، كلمة النائب غسان التويني، ص 60-61.                                                                         
(66) الجلسة نفسها، ص 65.                                                                         
(67) اجتمع رئيس مجلس الوزراء، بوزير الدفاع، وبعض الوزراء، للتبصر في الأوضاع الناتجة عن المظاهرة الطالبية، وبحث الموقف المترتب عن المعلومات الواردة بأن الحزب التقدمي الاشتراكي قد دعا إلى الردّ على تدابير الحكومة بدفن الطالب... وسط تظاهرة حاشدة في بيروت، يشارك فيها زملاؤه للقيام بحركة قوية يعربون فيها عن استيائهم وسخطهم على اعتبار أن الطالب كان ينتمي إلى الحزب. وبعد نقاش طويل، استقر الرأي على السماح بإجراء المأتم في بيروت وسط تظاهرة يحرسها رجال الأمن تحت إشراف قيادة الجيش اللبناني التي وضعت فرقة عسكرية في السراي الحكومي تحسبًا لأي طارئ. - العمل 30/3/1954، عدد 2439، ص 2.
(68) الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 5.
(69) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، العمل 30/3/1954، عدد 2439، ص 2.
(70) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(71)الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(72) أطلق الطلاب شعارات مثل: فليسقط الإرهاب والظلم، عاشت الوحدة العربية، فليسقط الحلف التركي- الباكستاني- العراقي الأثيم، حرية إبداء الرأي يجب أن تكون مصونة، فليسقط الحكام الظالمون، نضال الطلبة نضال الشعب، الموت للمستعمرين، فلتسقط الأحلاف الاستعمارية. 
(73 الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 3. 
(74) العمل، 30/3/1954، عدد 2439، ص 1. 
(75) الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 8.
(76) الأنباء، العدد نفسه، ص 1.
(77) العمل، 3/4/1954، عدد 2443، ص 1.
(78) الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 4. أيضًا، العمل 30/3/1954، عدد 2439، ص 2.
(79) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(80) الأنباء، 4/4/1954، عدد 141، ص 4.
(81) الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 1.
(82) الدور التشريعي الثامن، العقد العادي الأول، محضر الجلسة السابعة المنعقدة في يوم الجمعة الواقع في 2 نيسان سنة 1954، ص20.
(83) العمل، 4/4/1954، عدد 2444، ص 2. 
(84) العمل، 6/4/1954، عدد 2445، ص 2.
مقدمات قيام الحلف الباكستاني- التركي عام 1954
وردود الفعل على الساحة الداخلية اللبنانية

د. جورج سمعان

يتناول هذا البحث، مقدمات قيام الحلف الباكستاني- التركي سنة 1954 وردود الفعل الرسمية على الساحة الداخلية اللبنانية، وهو مسار يلقى نفسه فيما يقابله من ردود الفعل الشعبية ومضاعفاتها، نظرًا لانفتاح المكونات الاجتماعية والسياسية اللبنانية على الخارج، قريبًا كان أم بعيدًا، حتى يكاد أي تطور في السياسة الخارجية لا يخلو من انشقاقات داخلية تدفع لبنان في كل مرة نحو المصير المحتوم.
تميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، بالاهتمام الأميركي المتنامي في شؤون الشرق الأوسط الذي تحول تدريجيًا إلى تدخل واضح وجد ترجمته في مذهب ترومان سنة 1947، ومشروع الدفاع عن الشرق الأوسط مطلع الخمسينيات، ومن ثم مشروع دالاس سنة 1953، وبتشكيل حلف بغداد سنة 1955 الذي انضمت إليه بريطانيا، وتركيا، وإيران، وباكستان، ورفضته مصر وسوريا بشكل مطلق ووافق عليه العراق من بين كلّ البلدان العربية. وقد وصل الاستقطاب الإقليمي إلى قمّته عندما قبل لبنان علنًا، من بين البلدان العربية، مشروع آيزنهاور سنة 1957، وعلى الرغم من أن السعوديين والأردنيين والعراقيين أَخذوا موقفًا مناهضًا من مشروع آيزنهاور، فإنهم قبلوه ضمنًا، وقد توّجت الولايات المتحدة تدخلها في الشرق الأوسط عسكريًّا سنة 1958، عندما أرسلت على أثر الانقلاب في العراق بتاريخ 14/7/1958، جنود البحرية إلى شواطئ بيروت لاعتقادها بأن المنطقة بأكملها يمكن أن تنهار أمام الزحف السوفياتي إذا انهار لبنان.
       وعلى ذلك، اقترحت الإدارة الأميركية، فكرة حلف دفاع إقليمي عربي يتشكّل من لبنان وسوريا والأردن ومصر والعراق، بدلًا من نظام دفاع جماعي مشكل من "حلقة خارجية" تستند إلى التعاون بين الدول العربية وبلدان الصفّ الشمالي (تركيا، إيران...)(1).
      وقد بات هذا المشروع أكثر وضوحًا بعد تقديمه للدول العربية بتاريخ 30 تشرين الأول 1951؛ وفي 12 تشرين الثاني 1951، اجتمع المجلس السياسي في جامعة الدول العربية لدرس المعاهدة، فأصرت مصر على رفضها، فيما تريث العراق والأردن، وإزاء هذا التباين في المواقف، تعثر المشروع، وبعد سلسلة من النقاشات توصلت جامعة الدول العربية إلى حل عرف بمعاهدة الدفاع العربي المشترك، صدّقها البرلمان اللبناني في 23 تشرين الأول سنة 1952(2).
 خلال هذه الأجواء من التخوف، وصلت إدارة الرئيس آيزنهاور إلى السلطة سنة 1953، بهدف تطبيق سياستها الخارجية الجديدة، وقد عرفت باسـم NSC 68، قرار مجلـس الأمن القومي رقم 68، وتتلخص باعتماد سياسة احتواء عالمي للشيوعية، وبسياسة احتواء للاتحاد السوفياتي من خلال الحد من تأثيره على الدول المحيطة به بشكل عام، وعلى الدول النفطية بشكل خاص.
سعيًا لتطبيق هذه السياسة، أوفد الرئيس آيزنهاور وزير خارجيته، دالاس، في جولة إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا في أيار 1953، لتقييم الحالة السياسية، وإعادة إنعاش مشروع الدفاع عن الشرق الأوسط بقيادة مصر، فاجتمع دالاس بالرئيس عبد الناصر في مصر محاولًا إقناعه بتبني التحالف الإقليمي الذي خطّطت له الولايات المتحدة الأميركية، والمعروف، بمنظمة الدفاع عن الشرق الأوسط، ولكن الرئيس عبد الناصر رفض الفكرة من أساسها معتبرًا أن لا صالح للدول العربية بالانقياد إلى أحد المعسكرين، بل صالحها بأن تبقى على الحياد(3).
لم يبق أمام آيزنهاور بعد فشل إدارته في تحقيق خطط دفاعها الإقليمية، إلا تبنّي نظرية دالاس "الحزام الشمالي"، وذلك من أجل وقف تمدد النفوذ السوفياتي في الشرق الأوسط، وترتيب الدفاع عنه من خلال بلدان مثل تركيا، وإيران، وباكستان، التي كانت على الحافة الشمالية للشرق الأوسط الذي يجاور الاتحاد السوفياتي، ومن يرغب بالانضمام إليه لاحقًا من الدول العربية(4).
وبتاريخ 20/3/1954، أذيع بلاغ مشترك في العاصمة الباكستانية كراتشي، وفي أنقره العاصمة التركية في الوقت عينه، يعلن عن الاتفاق بين البلدين على دراسة الوسائل الفعالة لتحقيق الصداقة والتعاون في ميادين السياسة والثقافة والاقتصاد، وقد أشار البيان إلى أن دولة الباكستان التي قامت سنة 1947، ما تزال تسعى إلى تقوية الروابط بين مختلف دول الشرق الأوسط.
بعد إذاعة البلاغ، أبدى جلال بايار، رئيس الجمهورية التركية، استعداده إلى زيارة عدد من الدول لتوسيع نطاق هذا الاتفاق وخصوصًا إيران، وبلدان الشرق الأوسط، بهدف إقامة حلف يعوض عن مشروع الدفاع المشترك سنة 1953.
وقد حرصت الولايات المتحدة، حسب بايار، على التأكيد بأن الحكومة الأميركية، سوف تعمل على تدعيم الحلف الجديد بالأسلحة والعتاد، وتأمل بأن تنضم إليه الدول الشرق أوسطية وخصوصًا العراق(5).
تسرّبت معلومات عن نية العراق بالانضمام إلى الحلف التركي- الباكستاني فور إذاعة البلاغ،، مما أدى إلى موجة استنكارات واسعة في العالم العربي، وإلى مظاهرات احتجاجية نددت بالموقف العراقي، وأدانت سياسة الأحلاف في المنطقة العربية.

ردود الفعل العربية والداخلية:
1- ردود الفعل العربية: (لمحة موجزة لمواقف الدول العربية من إعلان الحلف الباكستاني- التركي للوقوف على توجهات السياسة الخارجية في البلدان العربية).
في ردود الفعل العربية، رأى الرئيس جمال عبد الناصر، أن لا صالح للدول العربية بالانقياد إلى أحد المعسكرين، بل صالحها أن تبقى على الحياد، وتساءل عن صالح الدول العربية بأن تنتمي إلى هذا الحلف أو ذاك؟، وما هي الفائدة التي يمكن أن تجنيها من جرّاء انضمامها؟، "واذا تطلعنا إلى الماضي القريب أو البعيد، فلا نرى للدول الأجنبية في الشرق الأوسط إلاّ تاريخًا حافلًا بالتعدي على حريات شعوب هذه البقعة من الأرض. فمنذ أواسط الجيل التاسع عشر، حتى يومنا هذا، تدخلت بريطانيا في مصر واحتلتها عسكريًا، ثم تدخلت في العراق وشرق الأردن واحتلتهما عسكريًا، وكذلك في فلسطين، ورأينا فرنسا تنهج نفس النهج في سوريا وفي لبنان، وقد رأينا مؤخرًا بعد حرب 1939-1945، أميركا وروسيا وفرنسا وإنكلترا وسواها من الدول تتدخل باسم جمعية الأمم..."(6).
عراقيًا، وفور إعلان البيان، ثار بعض النواب العراقيين في مجلس النواب العراقي احتجاجًا على زيارة السفير التركي إلى رئيس الحكومة العراقية، وأعلنوا مقاومتهم لكل حركة ترمي إلى جرّ العراق إلى أحد التكتلات الدولية.
 كما حذّر الحزب الديمقراطي العراقي، الحكومة العراقية من دخول الحلف؛ ووجه مذكرة إلى رئيس الحكومة العراقية، فاضل الجمالي، يطلب فيها إيضاح موقف الحكومة العراقية من مشروع الحلف، ويشير الحزب إلى غاية هذا المشروع فيقول: "... لقد تبين لدى الرأي العام العراقي بوادر هذا المشروع الاستعماري المبيت للعراق من عقد التحالف العسكري... ومن ازدياد النشاط الدبلوماسي الذي تقوم به مختلف سفارات الدول ذات العلاقة، ومشاركة الحكومة العراقية في هذا النشاط. والشعب العراقي الذي يراقب هذه الأحداث باهتمام بالغ أصبح يشعر بقلق عظيم لسياسة التأييد التي تتبعها حكومتكم تجاه هذا المشروع الاستعماري، ومساهمتها بالنشاط الذي يدور حوله. والشعب العراقي في شعوره هذا لا يزال يواصل مقاومته الشديدة لمشروع الدفاع المشترك في صوره المختلفة، ويرى فيه خطرًا جسيمًا على الحياة العامة، ومستقبل البلاد وقضايا القومية والوطنية، ولا شك سيبذل كل التضحيات في مقاومته لهذا المشروع على اختلاف صوره وأشكاله"(7).
فيما سوريا، كانت متخوفة من أن تقع ضحية العراق وتركيا، وحاولت التدخل مع مصر لتخفيف الحملة ضد الحلف، إنما كانت رافضة له رفضًا مطلقًا.
أما في الأردن، فقد لاقت الفكرة قبولًا، وذلك مقابل مبلغ 22 مليون جنيه إسترليني كانت تدفعها الحكومة البريطانية سنويًّا لخزينتها.
وفي السعودية، فقد جاءت المواقف اللاحقة لتعبر عن رأي المملكة بالأحداث والتحالفات، وكان أهمها كلمة الملك سعود التي عبّر فيها عن سخطه، فرأى، "أن الأمة العربية بأسرها تمتحن اليوم في أعز شيء عليها وهي الجامعة العربية..."، وتوجه إلى الشعوب العربية بالقول: "... إن أحد رجال العرب قد خرج عن إجماع الأمة العربية وإرادة شعوبها وإنه (أي الملك سعود) قد عجز عن إقناعه بمغبته وسوء سياسته، وخطر الخطوة المفزعة التي أقدم عليها، وتحمل من أجل ذلك مسؤولية التاريخ بتعريض البلاد العربية للخطر..."، وخاطب العرب قائلًا لهم: "فيا أيها العرب، هل ترضون بأن تكونوا عبيدًا بعد أن كنتم أحرارًا؟، وهل ترضون أن تكون بلادكم مسرحًا لحرب ضروس؟، وهل ترضون بأن تلتقوا مع الصهيونيين في حلف مشترك وزمالة سلاح، وترغموا على التوقيع على صلح مخزٍ مع اليهود؟، لقد عجز الأعداء عن حملكم على تحقيق هذا الصلح المشين، فسلطوا عليكم بعضًا منكم يرغمونكم على ذلك..."، وختم نداءه بالطلب إلى كل عربي أبيّ أن يقول كلمته، وأن يجاهر بعقيدته، لأن السكوت على الخيانة جريمة و"الرضا بهذا وذاك مشاركة لفاعله في وزره"(8).
فيما رأت الأحزاب العربية الاشتراكية(9)، أن الدول الكبرى تبذل جهودًا مستمرة لحمل البلدان العربية على عقد تحالفات عسكرية معها، وتستعمل مختلف أساليب الدعاية والتشويق والضغط لإجبار هذه الدول على توقيع المعاهدات الثنائية وغير الثنائية، "لكن معارضة الفئات الشعبية الصاخبة وحملات الصحف والرأي العام العنيفة تمكنت من إحباط هذا المشروع..."، وأن المساعي "المثيرة المبيتة"، التي تهدد حياد البلاد العربية واستقلالها ومصالحها دفعت هذه الأحزاب للتشاور وتوحيد مواقفهم ونضالهم ضد الأخطار "... المحيقة بأوطانهم... واتفقوا على بذل المساعي الجدية، وتوحيد الجهود في الأقطار العربية للحؤول دون ربطها بالأحلاف الغربية..."، وأضافت، إن بريطانيا وأميركا تضغطان على العراق وسوريا ضغطًا قويًا لضمهما إلى الاتفاق الباكستاني- التركي، وإن أميركا عرضت على لبنان مشروع حلف عسكري تنال بموجبه قواعد عسكرية وامتيازات متنوعة لقاء بعض المساعدات، "ولاحظت من جهة أخرى أن الدول الغربية تحث إسرائيل على القيام بمناورات عسكرية على الحدود اللبنانية- السورية-الأردنية لتخويف حكومات بيروت ودمشق وعمّان ودفعها إلى التعاقد مع الغرب وطلب معونته لرد الخطر الصهيوني"(10).
ولتخفيف الاحتقان، أدلى السفير أحمد الراوي، سفير العراق في لبنان، بتاريخ 24/3/1954، بسلسلة من الإجابات ردًا على أسئلة كانت قد وجهت إليه بشأن موقف العراق من الحلف التركي- الباكستاني، فاعتبر أنه من المؤسف أن تتناول بعض الصحف هذا الموضوع بطريقة بعيدة عن الحقيقة وعن المصلحة العامة، وأكد أن الحكومة العراقية أعلنت بشخص رئيسها مرات عدة بأنها لم تدع للانضمام إلى الحلف، كما لم تفكر في الانضمام إليه، ولديها من الجرأة لإعلان ذلك في حال قررت الانضمام، "وتخبر شقيقاتها العربيات"، ولفت النظر إلى تصريحات رئيس الحكومة العراقية، حول هذا الموضوع، وهي: "صريحة واضحة، لا لبس فيها ولا إبهام"(11).
لبنانيًا، انتهج لبنان لنفسه سياسة خارجية عربية مستوحاة من ميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق الأمم المتحدة، وراح يلعب دور الوسيط -والوسيط المخلص- في جمع شتات جاراته الدول العربية، ممهدًا السبل ومذللًا العقبات التي نشأت عن اختلاف مصالح هذه الدول، خصوصًا أن هذه الدول المتشابكة المصالح والأهداف والنوايا، كتب لها أن تظل ترزح تحت نير التفرقة والانشقاق(12)، لكن البعض شكك في موقف لبنان الرسمي، واعتبره رماديًا ومشجعًا لسياسة الأحلاف في المنطقة.


2- ردود الفعل الداخلية:
جاءت أولى ردود الفعل من النائب كمال جنبلاط، في مجلة الأنباء، إذ رأى أن السياسة الأنكلو- أميركية، نجحت بأن ضمت إلى فلكها الدفاعي الدولة الباكستانية، وأن هذا الاتفاق ليس مفاجأة في السياسة الدولية، بل هو ثمرة تدخل مستمر منذ سنة 1947، حيث باشرت به إنكلترا عندما بدأت مصر تتحرك مطالبة بسيادتها على قناة السويس، لكن قبول باكستان بالانضمام إلى المعسكر الغربي، لم يحصل مجانًا، بل لقاء تعهد أميركي بتقديم المساعدات المختلفة، بينها المساعدة العسكرية(13).
كما تحرك الطلاب القوميون العرب في الجامعة الأميركية، فأصدروا بيانًا، في 25/3/1954، نددوا فيه بالحلف، معتبرينه عملية تكبيلية للعرب في حلف عسكري لا يخدم سوى مصالح إسرائيل والاستعمار الغربي، ورافق هذا الموقف دعوة من جمعية العروة الوثقى في الجامعة للتظاهر بتاريخ 27/3/1954، احتجاجًا على انضمام العراق إلى محور أنقره باكستان(14). 
أمام هذا الواقع، اجتمع مجلس الوزراء(15) بتاريخ 25/3/1954، لإيجاد حلّ للتظاهرة التي قررها طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، وأثناء دخوله إلى الجلسة، صرّح وزير الداخلية، بأن المفاوضات بين الوزارة والطلاب لإنهاء التظاهرة "بصورة حبيّة"، لم تصل إلى أي نتيجة، وأن مجلس الوزراء سيتخذ قراره بالموضوع، وبعد سلسلة من المناقشات المستفيضة، وفي نهاية الجلسة، تم استدعاء مدير الشرطة، صلاح اللبابيدي، وكلّف إبلاغ الطلاب بقرار مجلس الوزراء الذي يقضي بمنع التظاهر؛ وكلف أيضًا، أن يعرض على الطلاب اقتراحًا يقضي بالسماح لوفد يمثلهم بتقديم الاحتجاج الذي يريدون تقديمه إلى المسؤولين في السراي للتعويض عن قرار منع التظاهرة، وذلك في محاولة لإرضاء الطلاب؛ فانتقل اللبابيدي بعدها إلى الجامعة الأميركية، حيث عرض مقررات مجلس الوزراء على الطلاب الذين رفضوها وأصروا على القيام بالتظاهرة(16).
فور عودة الوزير هراوي إلى وزارة الداخلية، وتبلغه رفض الطلاب لقرار مجلس الوزراء، أصدر قرارًا بمنع التظاهرة، وأتبعه ببلاغ تم تعميمه فورًا على المواطنين، وقد جاء في البلاغ: "اتصل بهذه الوزارة أن دعوة وجهت إلى التظاهر يوم السبت الموافق 27 آذار الجاري، احتجاجًا على شائعة انضمام العراق إلى محور أنقرة- كراتشي، تذكّر الحكومة الأهلين لهذه المناسبة بأن التظاهرات والاجتماعات العامة في الشوارع ممنوعة منعًا باتًا، وأن كل من يدعو إليها أو يشترك فيها يتعرض للملاحقة القانونية"، وأدلى وزير الداخلية، باسم الحكومة، بتصريح بأنه لن يسمح بالقيام بأي تظاهرة تسيء إلى علاقات الحكومة بأكثر الدول صداقة مع لبنان(17).
لم يمتثل الطلاب لنداءات الحكومة، فتحركوا، بتاريخ 27/3/1954، داخل الجامعة الأميركية، وحاولوا عدة مرات الخروج إلى الشارع لاستكمال التظاهرة، فأقفل رجال الأمن المداخل والمخارج إلى الجامعة، مما جعل الطلاب يقدمون على خلع الباب الخارجي والاندفاع خارج حرم الجامعة؛ ومع هذا التطور، وقع الصدام بين الطلاب وقوى الأمن، فأسفر عن مقتل الطالب...، لبناني من الشوف، عمره 20 سنة، وإصابة مصطفى علي نصرالله، لبناني من مرجعيون، عمره 19 سنة، بإصابات حرجة، وسقوط عدد من الجرحى(18) بلغوا نحو أربعين جريحًا عرف منهم: هشام فؤاد رحمه، هشام أدهم، خليل إبراهيم بيدس، جمال عبد الفتاح حدج، مصطفى علي مرتضى، هاروت أونيك كشيشيان، محمود إبراهيم، عاطف سنّو، سمير حركة، يوسف بعذران، عصام يقطين، رمزي دلول، جوزف قزي، حيدر كالوتي، أديب باسيل، عدنان معلوف، زكريا عبد الرحيم، أديب ياسين، صالح أحمد، رمزي صفير، وحسن حسن، وفتاة أصيبت في صدرها، إلى جانب ما يقارب عشرين طالبًا آخرين إصابات طفيفة(19).
فيما بلغ عدد المعتقلين من الطلاب في حينه 30 طالبًا وهم: سليم حنش، لويس أبو زيد، مصطفى مرتضى، محمد إبراهيم، هاني رمضان، أنور الخليل، نبيه سعد، أسامة عقيقي، محمود حسين، مجيد عتمة، سهيل حداد، نجيب حبيقة، محمود بغدادي، علي غدّار، محمد سماقية، مكرم الرامي، إبراهيم قريطم، أحمد فانس، سهيل الحاج، سهيل حماده، محمد سهلي، موسى الدجاني، أديب قعوار، لطفي الأطرش، غازي غازي، أحمد أبو زريبه، فوزات حافظ، فايز غصن، مخايل ألوز، وأسعد ذبيان(20).
لتبرير الحادث، أذاعت الحكومة بتاريخ 28/3/1954، بلاغًا مطولًا نتيجة للتحقيق الأولي، استعرضت فيه ما سبق تظاهرة الطلاب من اتصالات ومساع لإقناعهم بإرسال وفد لإبلاغ وجهة نظرهم إلى الحكومة، وفصّل البيان كيف وقع الاصطدام؛ وأنهى، بأن التدابير اتخذت للمحافظة على الأمن، وأن القضاء تسلّم التحقيق لتحديد المسؤوليات، وفيما يلي نص البلاغ الحكومي:
1-إن عدد المشبوهين الغرباء عن الجامعة الأميركية يقارب الـ150 شخصًا، كانوا قد تسربوا إلى داخل الجامعة، واشتركوا في التظاهرة، "وقد أثبتت هذا الأمر إدارة الجامعة نفسها".
2-إن الرصاصة التي استخرجت من فخذ الطالب أديب ياسين، "هي من عيار 11 مليمتر"، والقوى الأمنية لا تملك هذا النوع من السلاح.
3-إن إصابة الطالب...، كانت بطريقة غير مباشرة (شظية رصاصة)، "وقد أثبتت ذلك لجنة الأطباء... وكان في عداد أعضاء هذه اللجنة طبيب منتدب من قبل أهل القتيل". 
4-ظهور أثر لطلق ناري على العامود الكهربائي الذي قتل جنبه الطالب...، "يرجح أن شظية هي التي أصابت المغدور بصورة غير مباشرة، وأن هذا الأثر متجه من الجهة الجنوبية التي كانت خالية تمامًا من قوى الأمن".
5-إن الرصاصة التي أصيب بها الطالب مصطفى نصرالله، دخلت من كتفه، واتجاهها عامودي من أعلى إلى أسفل، "الأمر الذي يستدل منه أن الرصاصة أطلقت إما من أحد سطوح بنايات الجامعة أو من خلافها"(21).
كما اتخذت الحكومة قرارًا بتكليف القضاء لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة(22).
عملًا بتكليف مجلس الوزراء، توجه بتاريخ 29/3/1954، مدعي عام الاستئناف، جورج نجيم، والمستنطق عبدالله سلامة، برفقة أحد خبراء السلاح في الجيش اللبناني إلى الجامعة الأميركية، حيث أجروا كشفًا على الأماكن المضررة جرّاء الرصاص، ونتيجة الكشف قرر المدعي العام تحميل جمعية العروة الوثقى مسؤولية الحادث(23)، ثم أصدر مذكرات توقيف بحق عدد من الطلبة الموقفين، ونقلوا فور صدور المذكرات من سجن النظارة إلى سجن الرمل، وهم: لويس أبو زيد (رئيس مجلس الطلبة)، مكرم الرامي، سهيل حداد، لطفي الأطرش، نبيه سعد، سهيل حماده، محمد سهلي، أسعد ذبيان، فوزات حافظ، أسامة عقيقي، محمود حسين، إبراهيم قريطم، وهاني رمضان(24).
أمام توتر الأوضاع بين الحكومة وعدد من النواب الذين أخذوا يطالبون بإسقاط الحكومة، دعا رئيس الحكومة، عبدالله اليافي، بتاريخ 29/3/1954، لعقد اجتماع استثنائي لمجلس الوزراء، وذلك، لبحث الحالة الطارئة التي وقعت بها البلاد، ودرس موقفها الذي ستدلي به في جلسة مجلس النواب المقرر انعقادها بتاريخ 30/3/1954، وفي نهاية الجلسة، أقرت الحكومة مناقشة استجواب النائب كامل الأسعد، وسؤال النائب كمال جنبلاط؛ فطلب الرئيس اليافي من وزير الداخلية، جورج هراوي، أن يتحمل مسؤوليته في هذا المجال، وتقرر أن يعّد وزير الداخلية بيانًا يوضح فيه النقاط التي ستبرر فيها الحكومة موقفها من الحوادث الأخيرة، كما اتخذت قرارًا بإقفال الجامعة الأميركية لمدة أسبوع "ريثما تهدأ الخواطر"(25).
وبسبب تعليق الدروس في الجامعة الأميركية من قبل الحكومة، دعت إدارة الجامعة، بتاريخ 30/3/1954، إلى مؤتمر صحفي، وزع في أثنائه بيان تضمن تفاصيل ما جرى قبل التظاهرة وأثناءها وبعدها، وموقف الجامعة من الحادث من جهة، وموقفها من قرار الحكومة من جهة ثانية. 
افتتح المؤتمر الدكتور قسطنطين زريق، رئيس الجامعة بالوكالة، بكلمة استنكر فيها تظاهرة طلاب الجامعة، مؤكدًا أن إدارة الجامعة أكدت على طلابها وجوب متابعة دروسهم وعدم القيام بالتظاهرة، لكنها فشلت في ذلك كون قانون الجامعة لا يمنع التظاهر، ويخول الطلاب حرية الفكر، وسجل أسفه الشديد للأساليب التي اتبعتها الحكومة في قمع التظاهرة، وأشار إلى أن الطالب... لم يكن من طلاب الجامعة الأميركية، ولم يقتل على أرضها، أو على مقربة منها، وطالب الحكومة بأن تبوح بالحقيقة ولا شيء غير الحقيقة. 
وقد جاء في  البيان:
1- إن الجامعة الأميركية في بيروت مؤسسة تربوية، أنشئت "لتثقيف العقول وتهذيب النفوس والتقدم الاجتماعي"، وإنها مؤسسة خاصة تخضع للقوانين اللبنانية، وهي تشجع حرية الفكر السياسي والاجتماعي والديني داخل حرمها قولًا وعملًا، شرط أن يتقيدوا بما يلي:
- ألا يتعارض نشاط الطلاب مع الغاية التي دخلوا من أجلها إلى الجامعة.
- ألا يعرقل نشاطهم البرامج الدراسية داخل الجامعة أو الحد منه.
- ألا يحد نشاطهم من حرية الطلاب الآخرين داخل الجامعة، وألا تستعمل القوة أو الإكراه أو التهديد أو الإرهاب.
وأشار إلى أن هذا البيان الذي يوضح سياسة الجامعة، مطبوع في مفكرة الطالب التي يتسلمها من الجامعة عند قبوله فيها.
2- إن الجامعة الأميركية فور تسلمها كتاب وزير الداخلية بمنع التظاهرة طبعت نحو خمسين نسخة من الكتاب، وأرفقتها بالبيان التالي: "... أوجه أنظار جميع الطلاب إلى الكتاب التالي من وزير الداخلية والبلاغ الملحق به، وأحث الطلاب على الاهتمام الجدي بمضمون الكتاب والبلاغ، والتنبه إلى عواقب مخالفة قرار الحكومة بمنع هذا النوع من الاحتجاج، وإلى أن تبعة كل مخالفة تقع على عاتق صاحبها..."(26).
وأكد البيان على أن رئيس الجامعة بالوكالة والأساتذة، قاموا بنصح الطلاب وإرشادهم وتحذيرهم من مغبة مخالفتهم قرار الحكومة وإحراج الجامعة، كما أكد على أن الجامعة، بذلت كل ما تملك للحيلولة دون القيام بالتظاهرة، وذكّر البيان، الحكومة، عندما أصدرت الجامعة في مظاهرة سابقة قرارًا بفصل عدد من الطلاب حفاظًا على النظام وعلى كرامتها كمعهد علمي، وبرًا بوعدها للحكومة؛ ولكن الحكومة، "... لم تبعد أحدًا، ولم تحل أحدًا كما صرحت، بل سعت لحمل إدارة الجامعة على إرجاع الطلاب الذين فصلوا..."، لذلك، "... فالجامعة ترى أنها في ظل سياستها العامة... وعلى ضوء تجربتها، قد قامت بواجبها في إعلان قرار الحكومة وتنبيه الطلاب للتقييد به، وتحذيرهم من عواقب مخالفته، وتحميلهم مسؤولية عملهم".
3- إصرار الجامعة على ضرورة إجراء تحقيق قضائي كامل، على أن يشمل التحقيق جميع "... الأدلة وشهادات شهود العيان، ودراسة مواقع الرصاص وآثاره واتجاهاته في المباني والأشجار والأعمدة".
واستغربت إدارة الجامعة قرار الحكومة بوقف الدروس في الجامعة لمدة أسبوع، واعتبرته أمرًا لا مثيل أو سابقة له في تاريخ الجامعة منذ أكثر من 88 سنة، "... إذا استثنينا مرة واحدة قضت -لمدة قصيرة- بها الضرورات الدبلوماسية في الحرب العالمية الأولى..."، كما استغربت أن تلجأ الحكومة إلى ذلك القرار دون الأخذ برأي الجامعة، إلاّ لتبليغ القرار، مما دفعها إلى اتخاذ قرار بتقديم عطلة الربيع، وتعطيل الجامعة لمدة أسبوعين(27) رغبة منها في العمل على تهدئة النفوس، والمحافظة على أرواح الشباب وسلامتهم(28).
نيابيًا، شاءت الظروف، أن يكون رئيس مجلس النواب، عادل عسيران، قد دعا في وقت سابق، لانعقاد مجلس النواب في جلسته الخامسة، من العقد العادي الأول، في الساعة العاشرة، من قبل ظهر يوم الثلاثاء الواقع في 30 آذار سنة 1954، أي بعد مرور ثلاثة أيام على مظاهرة طلاب الجامعة الأميركية. وفي الساعة والتاريخ المحددين، افتتح الرئيس الجلسة، بغياب كل من النواب، إميل البستاني، رؤوف حنا، مارون كنعان؛ واعتذار، يوسف الزين، وموسيس دركالوسيان. وتمثلت الحكومة في الجلسة، بشخص الرئيس عبدالله اليافي، والوزراء: ألفرد نقاش، جبرائيل المر، رشيد كرامي، كاظم الخليل، نقولا سالم، جورج هراوي، ووزير الداخلية؛ وبغياب الأمير مجيد أرسلان، وزير الدفاع الوطني(29).
بعد افتتاح الجلسة، طلب الرئيس، عادل عسيران، تلاوة الأوراق الورادة إلى المجلس النيابي، فكان من الطبيعي أن يكون بينها عدد من الأسئلة المتعلقة بالأحداث التي حصلت في بيروت، بتاريخ 27/3/1954، وكان أهمها، الأسئلة المقدمة من النائبين كمال جنبلاط، وأحمد الأسعد، والاستجواب المقدم من النائب كامل الأسعد(30).
ولم يكد كاتب المجلس من الانتهاء من تلاوة الأوراق الواردة، حتى استأذن، النائب عبدالله الحاج الكلام، وسأل رئيس المجلس بحصر النقاش بالأحداث الأخيرة، نظرًا لأهميتها، والتي "اهتز لها الرأي العام"، كما ذكر، وطالب بتقديم استجواب النائب كمال جنبلاط على المواضيع كافة، واعتباره بندًا وحيدًا في الجلسة(31).
عمّ السكوت في القاعة بعد طلب النائب عبدالله الحاج، وشطت الأنظار باتجاه رئيس المجلس، فردّ الرئيس عسيران على السؤال، بسؤال، استشار فيه المجلس إذا كان يريد أن يحصر البحث في الموضوع المتعلق في قضية التظاهرة الأخيرة، على أن تؤجل بقية الأسئلة والأجوبة إلى الجلسة القادمة(32).
بعد موافقة المجلس، طلب النائب غسان تويني الكلام، وسأل الحكومة عن الطريقة التي ترغب أن تجري فيها المناقشة، كما سأل التويني، الرئيس عبدالله اليافي، إذا ما كانت الحكومة جاهزة، وإذا كانت ستتقدم ببيانها أولًا، بصدد الحوادث، أم يتكلم النواب ثم ترد الحكومة على النواب، فقاطع الرئيس اليافي، النائب غسان التويني، بقوله: "الحكومة حاضرة ومستعدة"(33).
عند ذلك، وبعد حصر النقاش باستجواب النائب كمال جنبلاط، قال الرئيس عسيران، "إن الطريقة الفضلى هي أن تتقدم الحكومة ببيانها أولًا، وبعد ذلك يتكلم الراغبون في الكلام، ومن ثم ترد الحكومة عليهم"، وشدد على النواب أن يحافظوا على النظام، ويناقشوا الموضوع على الصعيد العام لا على الصعيد الشخصي، وأن يبحثوه بطريقة برلمانية، وبشكل لا يثير الأعصاب، و"أرجو أن يكونوا أثناء البحث القدوة الصالحة لهذا الوطن"، وبعد الانتهاء من كلمته، أعطى الكلام للحكومة ممثلة بوزير الداخلية، جورج هراوي، للإدلاء ببيانها عن الأحداث(34).
اعتلى وزير الداخلية المنبر، وأخذ بشرح تفاصيل الحادث، منذ تلقي وزارة الداخلية إشعار مديرية الأمن العام، بتاريخ 22/3/1954، حتى نهاية النهار الدامي بتاريخ 27/3/1954، وفي تفاصيل الحادث الذي حصل مع طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، نهار السبت في 27 آذار 1954، أشار إلى أن دوائر الأمن العام، أشعرت وزارة الداخلية نهار الاثنين في 22 آذار، أن جمعية العروة الوثقى في الجامعة الأميركية، عقدت نهار الأحد، بتاريخ 21 آذار، اجتماعًا برئاسة الطالب السوري، تابت المهايني، للبحث بانضمام العراق إلى الحلف الباكستاني- التركي، ونتيجة البحث، اقترح بعض الحاضرين إرسال برقيات معارضة لهذا الحلف، لكن هذه الاقتراحات سقطت بعد أن جوبهت بمعارضة شديدة، وبسبب الاختلاف، تقرر إرجاء البحث إلى اليوم التالي(35).
وأضاف وزير الداخلية، أنه بتاريخ 23 آذار، تلقت الوزارة إشعارًا آخر، مفاده، أن الجمعية، عقدت اجتماعها الثاني وتابعت النقاش في الموضوع عينه، وقررت التظاهر يوم السبت الواقع فيه 27/3/1954، الساعة الثانية عشرة ظهرًا، واتفق على توجيه دعوات لجميع الهيئات الطلابية للمشاركة في التظاهرة، وقد تم توكيل أمر تنظيم التظاهرة إلى لجنة خاصة من الطلاب. وفي اليوم نفسه، حضر شخص له صلة بالطلاب، وأبلغه، أن بعض الطلاب ممن يريدون التظاهر سيأتون لمقابلته، وقد أبدى استعداده لذلك، وقام بانتظارهم من يوم الثلاثاء حتى نهار الخميس دون أن يحضر أحد منهم.
وفي اليوم التالي، بتاريخ 24/3/1954، أذاع الطلاب بيانًا على زملائهم يشددون فيه على أن يوم السبت، هو يومهم، وأن التظاهرة يجب أن تكون كبيرة تعبر عن رفضهم للاستعمار وضد حكام العراق الخونة(36).
أمام هذه التطورات الدراماتيكية، -تابع وزير الداخلية- دعا رئيس الحكومة، مجلس الوزراء للانعقاد بتاريخ 25/3/1954، عند المساء للوقوف على آخر المستجدات، وبعد سلسلة من النقاشات، وبما أن القوانين تمنع أية تظاهرة، وتمنع إهانة أية دولة صديقة وشقيقة، قرر مجلس الوزراء منع التظاهرة، وبناء لهذا القرار، أصدرت وزارة الداخلية بلاغًا عُمّم على الجامعات كافة، وقد جاء فيه أن المظاهرات ممنوعة منعًا باتًا. وأن الحكومة ستعاقب المخالفين اللبنانيين بموجب القوانين النافذة، وستعمل على إبعاد كل من ليس لبنانيًا خارج البلاد(37).
جاءت إجراءات الحكومة لتدفع بالمنظمين للإضراب إلى طلب مقابلة وزير الداخلية، وفي الساعة التاسعة والنصف من نهار الجمعة الواقع فيه 26/3/1954، حضر إلى مكتب الوزير، أربعة من الطلاب وعلى رأسهم الطالب السوري، تابت المهايني، وفي الاجتماع، حاول الوزير ملاطفتهم لثنيهم عن التظاهر، فجاء ردّ الطلاب حسب بيان الوزير: "قررنا القيام بالتظاهرة... عيّنا هذا اليوم بالذات وقررنا التظاهر في عهد حكومة يرأسها عبدالله اليافي، ولقد تظاهرنا في عهد العويني وسلام وغيرهم". وقال تابت المهايني، "إن الحكومة تجعلنا مضطرين لنمد أيدينا إلى أي عنصر كان لنعبّر عن رأينا".
فابتسم -الوزير- وقلت له: "هذا إنذار، هذا (Ultimatum)، ثم قلت لهم إني أكلمكم كوزير داخلية، ولا يمكن تسليم الشارع لأحد، ولا يمكن للحكومة إلا المحافظة على الشارع، إذا أراد الجمهور المتجمع أن يعبّر عن رأيه لا يمكن لأحد أن يمنعه، وهكذا خرجوا، وهكذا أخذنا الاحتياطات"(38).
وفي اليوم المحدد، تجمع الطلبة داخل الكلية الأميركية الساعة الحادية عشرة، وأخذوا يهتفون هتافات متنوعة، ثم تقدموا نحو الباب للخروج إلى الشارع، لكنهم تراجعوا بفعل سيارات الإطفاء، فعادوا ليتجمهروا وفي أيديهم مقاعد خشبية ليقوا خراطيم المياه، وهاجموا الباب دفعة واحدة، واندفعوا إلى الخارج، فأطلقت العيارات النارية في هذه الساعة بالذات وحصل ما حصل(39).
جاءت الإصابات بين الطلاب، وحسب بيان الحكومة، على الشكل التالي: جرحى، عدنان المعلوف، هشام أدهم، ومصطفى نصرالله(40)، والطالب...، قتل في شارع المكحول(41).
 أما إصابات القوى الأمنية فكانت عريفين وأربعة عشر دركيًا وتسعة من الشرطة. وأكد وزير الداخلية في نهاية كلمته أن الحكومة متضامنة باتخاذها هذه التدابير، وكان عليها أن تواجه أحد أمرين: إما أن تترك الشـارع للفوضى أو أن تحافظ على الأمـن(42).
لم يكد وزير الداخلية ينهي كلمته حتى اشتعل المجلس النيابي بين مؤيد لبيان الحكومة، ومعارض له، وكان على رأس المعارضين النائبين كمال جنبلاط، وأحمد الأسعد، فلم يتمكن رئيس المجلس النيابي من إعادة النظام إلى القاعة إلاّ بإعطاء الكلمة للنائب أحمد الأسعد.
ردّ النائب أحمد الأسعد على بيان الحكومة، بعنف، واصفًا الحادث بأنه "مجزرة الطلاب"، واعتبر أن بيان وزير الداخلية محشو بالمؤامرات، يتهم فيه الطلاب ويبرر عمل الحكومة في إطلاقها النار، ويصوّر القضية على أنها قضية شغب، ورأى الأسعد أن الواقع هو الواقع، ولا يمكن للبيان أن يغير من الحقيقة في شيء، واتهم رئيس الوزراء واعتبره المسؤول الحقيقي كونه يوجه سياسة الحكومة،"... لذلك فإني أسأله ما هي الحكمة في تلك الملحمة الدامية مع طلاب هم زهرة شباب هذا البلد. وإن كان بينهم غير لبنانيين... أشغلت نفسك وحكومتك بحربهم بدلًا من محاربة الجناة والعصاة واتخاذك التدابير اللازمة حيال ما يقوم به العدو على الحدود من تجمعات عدائية..."، وأضاف الأسعد، إن الدستور اللبناني يسمح بحرية الاجتماع والتظاهر، ويضمن الحريات العامة، ولبنان بطبيعته حصن للحريات وملجأ لمن يحرم حق التعبير عن رأيه، "... فجاء رئيس الحكومة ليطلق الرصاص على الطلبة وقتلهم في لبنان بلد النور والإشعاع"(43).
وتابع النائب أحمد الأسعد كلامه بنبرة مرتفعة موجهًا كلامه إلى رئيس الحكومة، "... لكن بلوتنا بك أنك تلبس ثوب الزهد والتقشف، وكان ولا يزال مرورك على السراي شؤمًا على هذا البلد، ووبالًا على سياسته الاقتصادية والإدارية، إذ جعلت أنت من الحكم أداة لاضطهاد أخصامك، ووسيلة لاستخدام مرافق الدولة حسب رغائبك الشخصية، وها أن تصريحاتك المتناقضة... تدل على عدم اتزانك وعدم استطاعتك للحكم"، فقاطعه رئيس المجلس النيابي، طالبًا المحافظة على كرامة الوزراء وعدم تخطي حدود الموضوع(44).
فيما استغرب الأسعد، التصريحات التي صدرت عن رئيس الحكومة في أحداث سابقة(45)، وخصوصًا أنها صادرة عن دكتور في الحقوق، واتخذها من جملة الأدلة على عدم اتزانه، والتي أدت إلى الحادث الأخير، "... أيها السادة، إن رئيس الوزارة يريد أن تكون السلطة حسب إرادته وإرادة أزلامه ولو لم يكن ذلك بإرادة القانون..."، وانتهى إلى دعوة رئيس الحكومة لتقديم استقالة حكومته، "... إن الضحايا التي وقعت في مجازرك والشعب أجمع عرفك فماذا تنتظر لتستقيل. إن لبنان قال فيك كلمته فيجب أن تتوارى عن المسرح السياسي لمصلحة الوطن لأن مصلحة الجماعة لا تضحى بمصلحة الفرد إذا كان بقاؤك في الحكم مصلحة لك"(46).
أما النائب غسان التويني، فقد استغرب كلمة وزير الداخلية "لا يمكن تسليم الشارع لأحد"، وطرح مجموعة من التساؤلات، "هل يكون الشارع ملك وزير الداخلية وملك الحكومة... ومتى تحرص الحكومة ومتى لا تحرص على المحافظة على الشارع أو على النظام في الشارع؟..."، وسأل التويني، الوزير هراوي، إذا ما كان قد سمع  بالمادة 13 من الدستور، التي تكفل التجمع والتظاهر؟، وأضاف، "... لماذا لا يتظاهر الطلاب، وماذا يحدث لو تظاهر الطلاب، هل كان يمكن أن يحدث من التظاهر ضرر أكثر من الذي حدث من قمعه؟، ألم يتظاهر الطلاب في مناسبة أهم من هذه؟، ألم يتظاهروا ضد المستر دالاس ولم يحدث شيء ولم يقع لا قتلى ولا جرحى؟..."، وتابع التويني مستغربًا بيان الوزير الذي أراد فيه أن يصور الطلاب على أنهم عصابة تعمل على تخريب البلاد، وأن هناك عناصر شغب دخلت على خط التظاهر، وأضاف، "... من هي هذه العناصر، واحد اثنان ثلاثة سموهم؟، نريد أن نفهم من هم لماذا لم تُلق عناصر الشغب في السجن؟، إن الحكومة لم تقل لنا ولا مرة من هي عناصر الشغب هذه... فلماذا لم تقبض عليها قبل التظاهرة؟، لماذا انتظرت الحكومة أن تندس عناصر الشغب بين الطلاب؟،... ولماذا لم تحاكم؟"، وأنهى التويني كلامه باقتراح تأليف لجنة تحقيق برلمانية تكون لها صلاحيات واسعة تصل إلى أساس الوقائع والمعطيات وتجمع المعلومات من كل مكان وتحدد من هو المسؤول عن الحوادث، على أن يشمل التحقيق الطلاب، والجرحى من الدركيين، والجرحى من الطلاب، والحكومة نفسها، والجامعة، وكل من له علاقة بالموضوع(47).
ضم النائب حميد فرنجية صوته إلى صوت النائب تويني مؤكدًا على ضرورة تأليف لجنة عليا للتحقيق لتحديد المسؤوليات ومعرفة من الذي أعطى الأوامر بإطلاق النار، واقترح أن تخولها صلاحياتها التحقيق حتى مع "رجال التحقيق أنفسهم"، وبدأ كلمته بسؤال نفسه، إذا ما كان للتلامذة الحق في التظاهرة؟، وأجاب مستطردًا "نعم، ولكن ضمن القوانين المرعية"، وأكد أن القضية ليست قضية تظاهر بل قضية قمع التظاهر، وطلب من وزير الداخلية "... تحديد اسم من أعطى الأمر بإطلاق النار... ولماذا أعطي هذا الأمر؟..."، وسأل، "... هل يجوز في تلك الحالة لأي كان من أفراد الأمن أن يفسر القانون كما يريد ويعطي الأمر بإطلاق النار؟..."، وأنهى كلامه برفض كلام وزير الداخلية على أن الرصاص الذي أصاب الطالب... من خارج رصاص قوى الأمن(48).
بعد كلمة النائب حميد فرنجية، أعطى رئيس المجلس الكلمة للنائب كمال جنبلاط، الذي ردّ على بيان الحكومة بكلمة فاقت المتوقع، فاستهل كلامه بنبرة حادة ولهجة عنيفة، معتبرًا أنه لم يرَ في حياته السياسية ما رآه من وزير الداخلية ورئيس الوزراء، ولم يشهد في حياته أبشع من الجريمة التي اقترفت، ولم يسمع لا في إسرائيل ولا في مدغشقر رجلًا أرسل "الدرك دركه" فقتلوا الطلاب، ورفسوهم بأرجلهم، وكسروا باب الجامعة، ثم يقولون: "لسنا مسؤولين"، وقال: "... أن يكون للرجل الجرأة المعنوية فيقول أنا المسؤول فيجب عندها أن يستقيل وهذا ما يقضي به الشرف والضمير واللعبة البرلمانية..." وأضاف: "... أنتم كالرجل الذي أرسل السيد المسيح إلى الموت وغسل يديه... أنتم بلاطسيون..."، واعتبر أن الطلاب تظاهروا ضد الاستعمار والصهيونية، وأن الحلف الباكستاني- التركي مرتبط بحلف الدفاع المشترك الذي يسعى لربط الدول العربية بعجلة الاستعمار والصهيونية، وأن القصد من التظاهر كان تأييد الحركات الشعبية وتحرير الشعوب من الاستعمار، فإما أن تكون الحكومة مع المستعمرين والصهاينة، وإما لا، وهاجم الحكومـة متهمًا إياها بالطغيان والاحتقار والإجرام ومساندة الاسـتعمار والصهيونية، "... أما قضية بيت النجادة حيث اجتمع ممثلو الأحزاب... لاستنكار المشاريع الاستعمارية... ألقيت القنابل على بيت النجادة بتحريض وعلم رئيس الوزراء هذا...".
عندها وقف رئيس الوزراء وضرب بكلتا يديه على الطاولة مجيبًا السيد كمال جنبلاط بصوت عال، وبكلام لم يستطع تدوينه بسبب "الجلبة" التي حصلت على أثره، حيث "وقف النائب كمال جنبلاط، وقذف رئيس الحكومة بكوب ماء كان أمامه، ناحية مقعد رئاسة الوزراء، وترك على الأثر مقعده الخاص، متجهًا ناحية مقاعد الحكومة. وتدخل عندئذ حضرات النواب واقفين بين رئيس الحكومة والنائب، وعلى الأثر رفع حضرة الرئيس الجلسة"(49).
وفور الانتهاء من الجلسة، توجه الرئيس اليافي إلى القصر الجمهوري، فاجتمع إلى رئيس الجمهورية مطولًا، استدعي بعدها، وزراء، الداخلية، والأشغال العامة، والزراعة إلى القصر، وتم عقد اجتماع عرض فيه الموقف على ضوء ما حصل في مجلس النواب للتوصل إلى حلّ بين رئيس الحكومة والنائب كمال جنبلاط؛ وأمام إصرار الرئيس اليافي على اعتذار النائب جنبلاط، تقرر أن يترك لرئيس مجلس النواب، أمر اتخاذ القرار اللازم لترضية رئيس الحكومة، وخصوصًا أن الأصوات المطالبة ياستقالة الحكومة بدأت ترتفع وتلقى آذانًا مصغية(50).
إزاء ارتفاع بعض الأصوات المطالبة باستقالة رئيس الحكومة، دعا الرئيس اليافي إلى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، بتاريخ 31/3/1954، لمناقشة التطورات الناتجة عن الأزمات السياسية، وألقى كلمة دعا فيها لدرس الحالة الشاذة التي تتخبط فيها البلاد بعد التطورات الأخيرة، آملًا إيجاد الحلول اللازمة لإنقاذ البلاد منها، واعتبر أن كل ما يجري من حوادث وحركات شغب مغاير للتقاليد اللبنانية، مؤكدًا، أن هناك عناصر تغذي هذه الحركات المشبوهة بوسائلها الخاصة، وأن هناك بعض الصحف التي تدأب على نشر الأخبار التي من شأنها خلق البلبلة في البلاد، وقد أسف لانجرار فريق من اللبنانيين وراء هذه التيارات والصحف في تظاهرات وحركات ضد بلادهم، ودعا المسؤولين إلى تحمل مسؤولياتهم إحباطًا لهذه الحركات وإسكاتًا لهذه الجرائد التي تشجعها، واعتبر في نهاية كلمته أن استقالة الحكومة في هذا الظرف ستقوي هذه العناصر وتهدد أمن الوطن(51).
وفي الجلسة المنعقدة في 1 نيسان سنة 1954، افتتح رئيس المجلس الجلسة لمتابعة النقاش السابق، وذلك بثلاثة اقتراحات كانت قد وردت إلى قلم المجلس، الأول مقدم من النواب: جوزف سكاف، ويوسف الزين، وناظم القادري، وكلوفيس الخازن، وأديب الفرزلي، ومضمونه: 
"لما كان النائب الأستاذ كمال جنبلاط قد تصرف في جلسة 30 آذار سنة 1954، تصرفًا مخالفًا لقانون المجلس الداخلي ويتنافى مع الروح البرلمانية، لذلك فإن النواب يستنكرون عمل النائب المذكور، ويقترحون سندًا للفقرة الثالثة من المادة 109 من القانون الداخلي توجيه اللوم لحضرة النائب الأستاذ كمال جنبلاط مع التسجيل في المحضر"(52). 
فيما الاقتراح الثاني، مقدم من النائب سامي الصلح، ومضمونه:
-"دفع دية القتيل....
-دفع التعويضات للجرحى وتكاليف المشافي.
-إلغاء قرار إقفال الجامعة الأميركية.
-الإفراج عن المعتقلين، طلابًا وصحفيين". 
بينما الاقتراح الثالث، كان قد رفع إلى المجلس من النواب: غسان تويني، موريس زوين، سليم حيدر، نزيه البزري، وبيار إده، ونص على: "إن مجلس النواب، بعد أن استمع إلى بيان الحكومة حول الحوادث التي جرت يوم السبت في 27 آذار سنة 1954، وبعد أن تناقش في الموضوع. وبغية جلاء جميع نواحي القضية وتعيين المسؤوليات الإدارية والسياسية. يقرر: وفاقًا للمادة 91 و92 من النظام الداخلي. تعيين لجنة من خمسة نواب، مهمتها التحقيق في مقدمات الحادث ومسبباته ووقائعه وفي الإجراءات التي اتخذتها الحكومة قبل الحادث وأثناءه وبعده، على أن تقدم اللجنة تقريرها إلى المجلس في مهلة أسبوعين على الأكثر"(53).
فور الانتهاء من تلاوة الاقتراحات، أشار رئيس المجلس إلى أن الاقتراحات الثلاثة هي ناشئة عن قضية واحدة، إلا أنها بعيدة في علاقتها عن بعضها بعضًا، ورأى أن يأخذ المجلس بالاقتراحات حسب تاريخ ورودها.
وبعد سلسلة من المداخلات للنواب: ناظم الخوري، سليم حيدر، جوزف شادر، جورج عقل، بيار إده، عبدالله الحاج، أديب الفرزلي، بشير العثمان، سعيد طوق، نزيه البزري، ومارون كنعان، والتي جاءت في معظمها للحد من توسيع الأزمة، وتدوير الزوايا بين الحكومة والمجلس النيابي، أعطى رئيس المجلس، في نهاية الجلسة، الكلام للنائب نعيم مغبغب الذي اعتبر أن الحادث إذا مرّ دون اتخاذ أي إجراء فإن ذلك يحط من كرامة البلاد بأسرها، وما حصل في نهاية الجلسة الماضية، لم يحصل من أي نائب من النواب سابقًا، وأضاف، "... إن الزميل كمال جنبلاط يمتاز بالشجاعة الأدبية... أن يثبت ويقف فيقول إني فقدت أعصابي وآسف على ما جرى في الجلسة الماضية، وعندئذ يكون لنا معه الشأن الذي تفرضه علينا الزمالة... وهو الذي كان يقول دائمًا إن أكبر الرؤوس يجب أن تحترم القانون، فيجب أن يقول فقدت أعصابي فيعتذر. وعندما يقول هذا يكون قد قال الكلمة التي ينتظرها المجلس منه"(54).
عندها، أعطى الرئيس الكلمة للنائب كمال جنبلاط الذي شكر النواب على مداخلاتهم أكانت معه أم عليه، واعتبر، أن ما قام به، كان للدفاع عن حقوق الشعب، وعن المبدأ اللاعنفي الذي يدين به، وأكد أنه لا يوجد بينه وبين رئيس الحكومة أي شيء شخصي على الإطلاق، بل هو خلاف سياسي لا أكثر، وإن ما أثاره، هو ما رآه في "... جنازة فتى كنا نربيه كما يربي الوالد ولده، ورئيس الحزب هو بمثابة الأب لأعضائه... وهناك أمران لا يستطيع الرجل إذا كانت له شهامة أن يسكت عنهما وألا يثور في سبيلهما، هما: قتل النساء وقتل الأولاد والفتيان. فإن ثرت فإنني لم أفقد أعصابي، لقد حصل ذلك بملء وعيي لما رأيته من سفك الدماء والتعذيب والاعتقال. ولو أنني خسرت ولدي الوحيد لما حزنت كما حزنت على الشهيد حسان أبو إسماعيل... إنني أرحب بلوم المجلس، وأشكر جميع الأعضاء الذين سيقترعون ضدي، وأكون سعيدًا جدًا إذا كان هذا اللوم سيزيل ما بقي بالأذهان من أن هناك مشكلة شخصية بيني وبين رئيس الحكومة، لأنني، لم أقصد بعملي كشخص، بل كرئيس وزراء، وضميري مرتاح وإنني شخصيًا أتبنى هذا الاقتراح بلومي ولكنني آسف إنني لا أستطيع الاعتذار"(55).
مع انتهاء النائب كمال جنبلاط من الكلام، طرح الرئيس الاقتراح الأول على التصويت فقبل بالإجماع، عندها انتقل إلى الاقتراح الثالث وهو تعيين لجنة تحقيق برلمانية، فوافق المجلس بالأكثرية، وتم انتخاب أعضاء اللجنة، ففاز كل من النواب: نعيم مغبغب 30 صوتًا، غسان تويني 29 صوتًا، بيار إده 22 صوتًا، ناظم القادري 20 صوتًا، وكلوفيس الخازن 20 صوتًا؛ أما بالنسبة لاقتراح النائب سامي الصلح، فقد أحيل على مجلس الوزراء للنظر في أمره(56).
رأت مجلة الأنباء في نتائج الجلسة النيابية وسير أعمال لجنة التحقيق لاحقًا، أن النواب لم يطلبوا من الحكومة أن تستقيل، بل اكتفوا باقتراح تأليف لجنة برلمانية للتحقيق في القضية وتحديد المسؤوليات، وأن الاقتراح لم يكن يهدف إلى شيء إلاّ لـ"لفلفة" القضية ودفنها، واعتبرت أن ما هو معروف في التقاليد البرلمانية اللبنانية، أن كل قضية تحال إلى اللجان، تدفن في الأدراج النيابية، خصوصًا، أن اختلاف ميول أعضاء اللجنة ظهر من الساعة الأولى، وتبين أن لكل عضو غاية معينة، وهدفًا خاصًّا، "... فالسيد بيار إده، كان يميل إلى تجريم وإدانة وزير الداخلية، مهما كلف الأمر، ذلك لأن الوزير هراوي، كان قد حلّ في الحكومة "الليافية" الثانية محل السيد بيار إده...، وظهر كذلك أن السيد ناظم قادري كان يهدف إلى تبرير موقف وزير الداخلية، زميله ورفيقه في كتلة نواب البقاع، وتهشيم رئيس الوزراء لغاية في نفس يعقوب...، أما السيد نعيم مغبغب، الذي يعتبر نفسه الناطق الأول بلسان المراجع العليا ورسولها على الأرض... فقد كان همه تحاشي سقوط الحكومة لئلا يقال إنها سقطت على أثر صفعة من يد كمال جنبلاط، وكان السيد كلوفيس الخازن، من جهته، حريصًا على إنقاذ سمعة قوى الأمن... وتبرير إطلاق الرصاص...، والتأكيد أن أفراد الدرك كانوا في حالة الدفاع عن النفس..."، وفي النهاية، اعتبرت الأنباء، أن لجنة التحقيق تحولت إلى "برج بابل" يتظاهر كل عضو منها بالتفاهم مع زملائه لكن الواقع مخالف لذلك(57).
وفي الجلسة المنعقدة بتاريخ 14 تموز سنة 1954، المخصصة لمناقشة سياسة الحكومة العامة وطرح الثقة، تقدم النائب غسان التويني بتقرير لجنة التحقيق حول أحداث الجامعة الأميركية، فأشار في بداية كلمته إلى أن في متناول لجنة التحقيق، ألف برهان على صحة ما سيدلو به، إذ لدى اللجنة صور لا يمكن أن تكذب، ولا أن تزور، ولا أن تنطق بغير ما فيها، ولا تقبل شرحًا ولا تأويلًا، كما أن لدى اللجنة إفادات وشهادات وتقارير غير قابلة للشك أبدًا، "ويشرفني أن نكون قد قلنا ما قلناه، وأن يكون فيما قلنا إنصاف للحكومة ساعة كان يجب الإنصاف، وأن فيما قلناه مسؤولية على الطلاب حيث وجدنا مسؤولية". 
وأضاف النائب التويني، إن لجنة التحقيق اعتبرت أن هناك ثمة مسؤولية تقع على الطلاب، ولكنها لا تبرر المعاملة التي لاقاها هؤلاء من قبل القوى الأمنية، "... فالطلاب قد خالفوا قانونًا عثمانيًا صادرًا سنة 1857، أي قبل الثورة الفرنسية: يقول إن التظاهر ممنوع على الإطلاق في المحلات العامة"، وأشار إلى أن لجنة التحقيق لم تكن تعلم، أن لبنان عام 1954، يطبق قانونًا عثمانيًا، يقول إن التظاهر ممنوع، "... وهذا القانون الذي لا أعتقد أن أحدًا منكم كان يعرف بوجوده هو القانون الذي خالفه الطلاب عندما تظاهروا...، وسأل التويني، هل سبق لهذه الحكومة بالذات وللحكومات السابقة أن طبقت هذا القانون؟، وهل يعبر قانون 1857، عن إرادة الشعب، ويصون مصالحه، ويضمن حرياته؟، والحريات هي مبرر وجود لبنان"(58).
وسألت لجنة التحقيق: "هل القانون يطبّق على الجميع؟... والجواب كلا... لقد شهدنا قبل مظاهرة الطلاب بأيام، وشهد الطلاب أنفسهم، مظاهرة يقوم بها أحد أعضاء هذه الحكومة بالذات، ويطلق فيها الرصاص، فلماذا لم يطبق القانون بحق هؤلاء؟"(59).
وأشار التويني إلى أن النقطة المهمة في الموضوع، هي الحجة المخيفة التي جاءت بها الحكومة إلى المجلس، أنه كان بين المتظاهرين عناصر شغب "... ولا بد من أن يكون ما كان"، "... عناصر شغب!، نريد أن نعرف مرة واحدة من هي عناصر الشغب هذه؟، ولماذا تخيف عناصر الشغب ومن تخيف؟، وإذا كان هنالك عناصر شغب، فلماذا يفسح لها هذا المجال الواسع حتى تخيف السلطة إلى هذا الحد؟، وإذا كانت كما يقال الحزب الشيوعي، فلماذا لا تملك الجرأة الكافية لتسمي الأشياء بأسمائها؟".
واعتبر التويني، أن الشيوعيين مواطنون لبنانيون ولهم الحق في أن يعاملوا في نطاق القانون كما يعامل سائر المواطنين، وأن للمواطنين على الدولة حق مطالبتها بأن تطبق على الشيوعيين القانون الذي يطبق على الجميع ساعة يخرجون على القانون، وأن النظام الاقتصادي، والظلم، والوسائل، والأساليب التي تتبعهما الحكومة هي التي تقوي الشيوعية في البلاد، وأنهى مقدمته بأن ما فعلته الحكومة في حوادث 27 آذار، لا تستطيع عناصر شغب الأرض كلها أن تأتي بمثله. وأشار بأنه لن يتلو التقرير بكامله، وسيكتفي بخلاصته، وبالمذكرة الإيضاحية التي وقّعها مع مقرر لجنة التحقيق النائب ناظم القادري، وحددت اللجنة مسؤولية الحكومة بالتالي:
أولًا- المسؤوليات القانونية بالرغم من أن قرار منع التظاهر كان قانونيًا. 
ثانيًا- المسؤوليات الحقوقية على ضوء الحقوق الطبيعية والحريات العامة:
1-إن الطريقة التي عالجت بها الحكومة قضية التظاهر غير عادلة، تذرعت بالنص القانوني المانع لأي تظاهر في الشوارع والساحات العامة، فيما سمحت لتظاهرات أخرى ولم تمنعها، مما أضعف قيمة النص القانوني، وأبطل صفته الإلزامية.
2-إغفال الحكومة إطلاع المجلس النيابي على ما تجمع لديها من معلومات التي اتُخذ قرار المنع على ضوئها، واتخذت قرارها بمنع التظاهر مكتفية بالتهويل بعناصر الشغب.
3-إهمال الحكومة، إذ لم تحدد للطلاب ما سوف يتعرضون له من جراء مخالفة قرارها. "فقد هددت الطلاب باستعمال المياه، وبالإحالة إلى المحكمة، وبالطرد من المدارس، وبالإبعاد عن البلاد على نحو ما سمعوه سابقًا ولم يطبق..."، فيما أقدمت الحكومة على استعمال وسائل القمع القصوى،"...التي لو هددوا بها جديًا لربما عدلوا عن قرارهم".
4-التقصير باتخاذ التدابير الاحترازية بحق العناصر العازمة على مخالفة القانون، قبل تمكنها من تنظيم المظاهرة.
5-الأخطاء والنواقص التي أدت إلى تطور الحادث وهي:
-عدم توفر المياه بالقدر الكافي لقمع التظاهرة، فقد "شهد بمفعولها مطلقوها وأساتذة الجامعة والطلاب أنفسهم".
-عدم توفر التجهيزات لدى قوى الأمن لقمع التظاهرة وحماية أنفسهم، من قنابل مسيلة للدموع، ودروع، وخوذ، وغيرها، وخصوصًا العصي، "... بل إن العصي الخشبية ذاتها لم يكن كل الشرطيين ينقلونها، رغم نص مذكرة الخدمة عليها"، والتحجج بأن استعمال هذه المعدات في مظاهرة سابقة ارتد على القوى الأمنية، وأظهرها بمظهر وكأنها متجهة نحو الجبهة، مما أدى إلى استفزاز المتظاهرين، وهو ما اعتبرته اللجنة بأنه رأي وجيه، "... ولكن اللجنة لا يسعها قبول هذه السابقة... فإنها مستعملة في كل بلاد العالم وتأتي فيها نتائجها... وإنما الذي لا ريب فيه أنه كان هناك... نقص في التدريب الكافي لمواجهتها...".
-عدم محاولة قوى الأمن اعتقال المتظاهرين، ولا حاولت تفريقهم قبل اللجوء إلى استعمال السلاح.
-إطلاق الرصاص على نحو لا تبرره الأنظمة ولا الحاجة، واعتبار الأمر وكأنه اعتداء عليهم، "ولا أبيح سرًا أن أحدًا من قواد الدرك استطاع أن يقول إنه هو الذي أعطى أمرًا بإطلاق الرصاص".
-عجز القادة عن ردع بعض جنودهم، وعن ضبط النفس، حتى بعد السيطرة على الموقف، "وهذه أيها السادة صورة فوتوغرفية التقطت بعد أن سيطرت قوى الأمن على الموقف تمثل بعض الطلاب جاؤوا لنقل جريح كان ملقى على الأرض، فجاء رجال الأمن وأخذوا يضربون رفاق الجريح لأنهم جربوا نقله".
" أعود وأقول إننا لا نحمّل الحكومة مسؤولية الدم والجراح فحسب، بل نحملها أيضًا مسؤولية وضع الدرك... إن الدرك أيها الوزراء ليسوا انكشارية عندكم... نحن لا ندافع عن دم الطلاب فحسب، بل ندافع عن كرامة سلاح الدرك وعن هيبة هذا السلاح الذي وجد ليستعمل حيث يجب استعماله، لا حيث ترتؤون".
بعد أن أنهى التويني حصر المسؤوليات في النطاق القانوني، عاد ليسأل عن عناصر الشغب، "إذا كانت هذه العناصر موجودة، فلماذا وجدت؟، ومن هو المسؤول عن ازدياد قوتها يومًا بعد يوم؟..."، وأجاب نفسه، بأن السلطة هي المسؤولة عن ذلك بعقليتها التي تحكم بها وتتصرف، وبالنظام الاقتصادي الذي يقوم على الطبقية الظالمة، وأضاف، بأن السلطة لم تعير لحظة واحدة من وقتها للشباب، لتزرع في نفسه الإيمان بالدولة وبالقانون، ورأى أن الطلاب من حقهم أن يتظاهروا، "... وأن يفعلوا ذلك كل يوم، ولو كان هذا الشعب يدرك الحرية، وكان أشد وعيًا لمصالحه، لكان تظاهر كل يوم".
وأنهى التويني كلامه، "... من أجل ذلك ومن أجل هذه المسؤوليات الخطيرة نحجب ثقتنا ويحجب زملاؤنا الثقة عن الحكومة"(60).
ردّ النائب أديب الفرزلي مباشرة على التويني، مدافعًا عن الحكومة، معتبرًا، أن للطالب الحق بأن يتظاهر متى يشاء، ولكن ضمن "القوانين المرعية الإجراء"، وأن التظاهرة جاءت احتجاجًا على المفاوضات العراقية- التركية لدخول الحلف التركي- الباكستاني، وأن الحكومة طالبت المتظاهرين مرارًا عديدة بألا يتظاهروا، لأن العراق بلد شقيق، ولا يجوز المس بالعلاقات اللبنانية- العراقية، ورأى الفرزلي، أن على الطلاب أن ينسجم تفكيرهم، "فيما إذا فكروا بأمر سياسي، مع سياسة الدولة".
وغمز من ناحية الاتحاد السوفياتي، فأشار إلى أن حكومة الاتحاد، بعثت بتاريخ 13/7/1955، بمذكرة احتجاج إلى إيران بسبب الحلف الباكستاني- التركي، رافضة أي تقارب يهدد أمن الاتحاد، "... إذًا، يمكن أن يقال بأن فكرة المظاهرة لم تكن لبنانية، وأن هنالك عناصر شغب اندست بين صفوف الطلاب..."، وشدد على أن الأمر الذي يجب أن يعلم به المجلس النيابي هو أن البلاد مقسومة إلى معسكرين "... معسكر يطلب السلام، ومعسكر يطلب الفوضى وينشر بذور القلق والفساد"، وأكد، أن هناك تدخلًا من بعض العناصر الذين استغلوا الطلاب ودخلوا في صفوفهم وشجعوهم على التظاهر، "... ولكن لم أزل أقول بأنهم على حق في التظاهر".
ورفع الفرزلي من وتيرة كلامه عندما اعتبر أن فكرة المظاهرة هي فكرة سياسية، وكان يجب أن تجري دون استفزاز لرجال الأمن، "... وأنا أتحدى أي نائب أن يقبل أن يكون وزيرًا للداخلية يومًا واحدًا إذا جرت المظاهرة التي جرت أمام الجامعة الأميركية..."، ودافع الفرزلي عن تصرف الحكومة مبررًا عملها في قمع التظاهرة على أنه عمل اضطراري، بعد أن استنفدت جميع الوسائل، "... استعملت الحجة والبرهان فصمّت الآذان واستعملت الطرق السلمية فلم تنجح، فكانت النتيجة كما تعلمون".
وانتقل الفرزلي إلى تشريح تقرير لجنة التحقيق، فاعتبر أن التقرير لم يذكر بصراحة أن الحكومة هي المسؤولة، ويبرر موقفها، "... ويضطرنا بالتالي لمنحها الثقة..."، وطلب من الحكومة أن تشكر لجنة التحقيق. 
وتطرق الفرزلي، لانتقادات لجنة التحقيق، بأن المياه كانت قليلة وغير متوفرة، وأن رجال الأمن لم يكونوا مجهزين بأسلحة حديثة وكافية لقمع التظاهرة، و...، كما انتقد ما جاء في التقرير بأن الحكومة توقع العداوة بين الدرك والطلاب، "... فأنا أقول اتركوهم وشأنهم، والذي يريد أن يترك للطلاب حريتهم، لا يطلب من الحكومة أن تجهز الدرك بالأسلحة الحديثة... فنحن الذين نوقع العداوة بين الحكومة والطلاب عندما نقف موقفًا عاطفيًا مع الطلاب فنطمّعهم ونجعلهم يتمردون على القوانين".
ورفض الفرزلي أسلوب الإدانة، واعتبره مردودًا إلى أصحابه، بعد إدانة لجنة التحقيق للحكومة لأنها لم توافق على رخصة التظاهرة، وسأل: "... ماذا تريدون لو أن الحكومة حمت المظاهرة؟ هل أن عناصر الشغب كانت تقبل...؟"، وأجاب، "ثقوا بأن هذه العناصر كانت سترفض ذلك وكانت تأبى إلا أن يقع القتال بين الدرك والطلاب". 
وفي نهاية كلمته، شكر النائب فرزلي، لجنة التحقيق على جهودها، وحسن نيتها، "... وهي وإن أعلنت أن المسؤولية واقعة على الحكومة، إلا أن التقرير كان بارعًا عرف كيف يرشد الحكومة وكيف يلقي في الواقع المسؤولية على الطلاب"(61).
فيما النائب كامل الأسعد، رأى أن المسؤولية تقع "مئة بالمئة" على الحكومة، ورفض نقاط التقرير كافة التي أعطت الحكومة بعض الحق، لأسباب أهمها: 
-إن الطلاب لا يفترض فيهم أن يكونوا مطلعين على مواد القانون الصادر سنة 1857، كونه صادرًا في عصر يختلف فيه مفهوم الحريات عما هو عليه اليوم. 
-إن هذا القانون لم يطبق في عهد هذه الحكومة، ولا في عهد غيرها، بل كانت الحكومة تارة تطبقه وتارة تتجاهله، "... وهذا يعني أن القضية تقديرية، فالتدبير الذي أدى إلى هذه النتائج كان تدبيرًا اعتباطيًا، لأن الحكومة كان بإمكانها أن تحافظ على الأمن بواسطة رجالها وأن تحمي الطلبة لتفادي الحوادث بدلًا من أن تضطر لتوجيه الرصاص عليهم... سواء أكان الطلبة على حق أو على غير حق، وسواء أكان العراق انضم لمحور تركيا- باكستان أم لم ينضم، فهدفهم وطني قومي وغايتهم وطنية قومية".
وأضاف الأسعد، "... أما في حال إصرار الحكومة على قمع التظاهرة خوفًا من عناصر الشغب، فكان يمكنها على الأقل أن توجه للطلبة إنذارًا بصورة رسمية، وهذا ما لم يحدث، لأنه لو حدث لفضّل الطلبة ولا شك أن ينجوا برؤوسهم من أن يواجهوا الرصاص..."، واعتبر أن محامي الحكومة أديب الفرزلي، "... مهما أوتي من مقدرة وبلاغة، ومهما علا كعبه، فإنه لن يبدل حكم الشعب..."، وأنهى كلمته بححب الثقة عن الحكومة(62).
أما النائب بشير الأعور، فقد اعتبر أن تقرير لجنة التحقيق، لا يمكن أن يتخذ أساسًا للبحث، لأنه فارغ من الوثائق والمستندات، وهذا أمر ضروري للمجلس النيابي لكي يتسنى له أن يعرف أن ما ورد في التقرير هو الحقيقة، وليس استنتاجًا من لجنة التحقيق، كما رأى أن التقرير أعطى الحكومة حق منع المظاهرة من جهة، لأنها عملت ما بوسعها لإقناع الطلاب بعدم التظاهر، ومن جهة أخرى، أكد التقرير أن وزير الداخلية كان على حق فيما يتعلق بعناصر الشغب، خصوصًا، "... وقد أعطت لجنة التحقيق رأيًا شخصيًا أكدت به أن عناصر الشغب هي التي تحرك المظاهرة...".
وأضاف، بأنه يفهم الحرية كما يفهمها غيره، ويريد أن يبقى لبنان مركزًا للحريات، "... ولكن يوجد فرق كبير بين الحرية والفوضى، وليس من مصلحة لبنان أن يخلط بين الحرية والفوضى".
وأنهى كلامه بعدم موافقة لجنة التحقيق على ما ورد في تقريرها فيما يتعلق بتوزيع المسؤولية، "... وإلى أن يأتينا حضرات الزملاء الذين يقولون بنزع الثقة عن الحكومة بحكومة أفضل وأصلح من الحكومة الحاضرة، إنني أمنح ثقتي للحكومة"(63).
رد النائب إميل البستاتي على مؤيدي الحكومة واصفًا ما حصل أمام الجامعة الأميركية بـ"المعركة الكبرى"، معتبرًا أن الرصاص الذي أطلق في ذلك النهار لو أطلق على العدو لربح لبنان المعركة بسهولة، "... ولكن مع الأسف أطلق الرصاص على أكبر معهد علمي في هذا البلد ألا وهو الجامعة الأميركية".
وأضاف بأن هذه الجامعة وإن كانت أميركية بالاسم، لكنها منذ نشأتها جامعة وطنية، وتربي طلابها على حب وطنهم لا على حب أميركا، "... هذه الجامعة لم تستطع تركيا أن تقفلها حتى أثناء الحرب العالمية الأولى... ولكن هذه الحكومة سمحت لنفسها أن تقفلها دون...".
وأكد أنه لا يجوز للطلاب التدخل بالسياسة، ولكن من الجهة الأخرى، لا يجوز أيضًا، أن يستهدف الطلاب بالبنادق، "... وهذا الرسم الذي أحمله بيدي يمثل طالبًا كان يحمل رفيقًا مجروحًا وإذا بأربعة من رجال الأمن ينهالون عليه ضربًا. هل حققتم مع هؤلاء؟..."، (رئيس الوزارة يطلب الرسم فيسلمه إياه النائب البستاني لأجل التحقيق).
وأنهى بمهاجمة النائب الفرزلي لدفاعه عن الحكومة، واعتبر كلمته غير موفقة كالعادة لأنه يدافع عن وجهة نظر لا يؤمن بها، "... فكأني به اليوم وهو محامي الشيطان..."(64).
"... ظننت وكدت أصدق ما قالوا أو أصدق ما ساهمت في كتابته!..."، رد النائب التويني متعجبًا، وأشار إلى أن الحرية لا تتجزأ، والحقوق لا تتجزأ، والديمقراطية لا تقوم على ديكتاتورية الأكثرية، بل على اعتراف الأكثرية للأقلية بحقوقها، "... وإلا أصبحت الديموقراطية ديكتاتورية الأكثرية"، أما فيما يتعلق بتحديد المسؤولية، فقال "إنها تحدد على صعيدين مختلفين":
أولًا: كان للجنة التحقيق الجرأة لإنصاف الحكومة، "... قلنا إن قرار المنع كان قانونيًا، ولكن قلنا كان على الحكومة أن تتخذ تدابير أخرى غير التي اتخذتها لمنع التظاهرة... فإن الخطأ كان في التدابير التي اتخذتها الحكومة".
ثانيًا: كان على الحكومة ألا تتخذ قرار المنع، "... لأن ما كان يمكن أن يترتب من نتائج يبقى أقل خطرًا وضررًا مما حدث؛ وكان يتوجب على الحكومة أن تنتبه لعناصر الشغب...". وأنهى كلمته بدعوة النواب للتمعن في قراءة التقرير مادة مادة للوصول إلى الحقيقة(65).
في نهاية الجلسة، طرح الرئيس الثقة بناء على طلب الحكومة، فنالت أكثرية 28 صوتًا، من أصل 39، وحجب الثقة عن الحكومة النواب، سامي الصلح، جوزف شادر، ريمون إده، بيار إده، أحمد الأسعد، كامل الأسعد، حميد فرنجية، غسان تويني، جان حرب، وإميل البستاني، فيما امتنع عن التصويت النائب دكران توسباط، وتغيب النواب، كمال جنبلاط، سليم حيدر، جورج عقل، وعبدالله الحاج(66).
وعلى المقلب الآخر من ردود الفعل، ذكرت صحيفة الأنباء أن الحكومة رفضت تسليم جثمان الطالب... ريثما "تهدأ الخواطر"(67)، وأرسلت لاحقًا إلى أهله تعرض عليهم نقله إلى بلدته دير بابا، وعلى نفقة الدولة اللبنانية، لكنهم رفضوا العرض، وأصروا على تشييعه في بيروت ودفنه فيها(68)، وإن هذا ما كانت تخشاه السلطة.
رفضت الحكومة تشييع الطالب... في بيروت وقامت بنقل جثمانه إلى قريته رغمًا عن أهله، لكن أهالي بلدة دير بابا، رفضوا استلام الجثمان، وطالبوا بإرجاعه إلى بيروت لتشييعه هناك؛ أمام هذا الرفض، عاد الجثمان إلى بيروت بعد أن زار مسقط رأسه، ووضع في مشفى أوتيل ديو(69).
بعد ذلك، اشترطت الحكومة على أهله أن يقتصر التشييع في بيروت على بضع سيارات، وبمرافقة القوى الأمنية لعدم الإخلال بالأمن، لكن النائب كمال جنبلاط وأهل الطالب وزملاءه، رفضوا شرط الحكومة وأصرّوا على تشييعه سيرًا على الأقدام، وإلاّ فإنهم سيلجؤون إلى تشييع الصورة بدلًا من الجثمان، عندها رضخت الحكومة وتنازلت عن شروطها تاركة لهم حرية التشييع(70).
وخلال حفل التأبين، ألقى النائب كمال جنبلاط كلمة نارية عدد فيها صفات الطالب...، وهاجم تصرفات الحكومة، فاعتبر أن الحكومة "الغاشمة" أبت إلاّ أن تتدخل "... فمنعت عنك الجماهير، ولكن الجماهير أتتك متخطية جميع العقبات التي أقاموها في وجهها على الطرق... جاء البيروتيون والجبليون ليقولوا: هذه الدماء دماؤنا كم قلت أنت: أنا للحرية، أنا للوطن، أنا للنضال، أنا للاشتراكية، أنا ضد الاستعمار، ضد التحالف الذي سيجعل من أبناء البلدان عبيدًا يسيرون في ركاب المستعمرين والصهيونية المجرمة... إذ إن على كل حرّ في هذه البلاد أن يكون طعنة في صدر الاستعمار الذي يريد البعض أن يفرضه علينا..."، وهاجم رئيس الحكومة بعنف واعتبره قزمًا من أقزام الرجال الذين يسعون إلى الزعامة على دم الشهداء، "... شاء قزم من أقزام الرجال في هذا البلد أن يتنطح للزعامة تنطحًا، وأن يلعب دور بعض الزعماء الخالدين... شاء هذا القزم من الرجال، أن يواجه الطلاب العزّل من كل سلاح بسلاح الدرك الذي حوّله إلى عصابة... وليست هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها هذا الجبان الضعيف النفس السلاح الذي وجد من أجل حماية القانون وتنفيذ الدستور... شاء هذا القزم مسخ الدكتاتورية والذي لا يستحق لقب دكتاتور، أن يكون متسلطًا على قوى الأمن التي وجدت للمحافظة على الأمن لالقتل النفوس، في هذا اليوم شاء القزم أن يتصدى لأقدس الحريات الإنسانية التي كان يحترمها ويحافظ عليها السنغالي والمستعمر..."، وأنهى كلامه بالوعد على متابعة النضال إلى أن يسقط "مسخ الديمقراطية"، وأمل أن يلفّ جثمان الطالب بالعلم اللبناني قبل دفنه، "لأن الاحتفال احتفال لبنان"(71).
تابع النائب جنبلاط الهجوم على الحكومة من خلال جريدة الأنباء، التي رأت في افتتاحية تأبين الطالب...، أن العاصمة اللبنانية، لم تشهد يومًا مثل يوم 27/3/1954، فقد أعاد هذا اليوم إلى ذاكرة اللبنانيين صورة من صور القمع التي كان "السنغاليون" يلجؤون إليها لصد حركات التظاهر الوطنية في عهد الانتداب، واعتبرت الصحيفة، "السنغاليون أنفسهم"، لم يقدموا على ما أقدم عليه بعض أفراد الدرك، خصوصًا، عندما كان رجال الإسعاف ينقلون الجرحى، "فاعتدوا بذلك على مبدأ إنساني لا يتعرض إليه أشد الأعداء وحشية في ساحات القتال"، وأكدت على أن الطلاب لم يكن لديهم سلاح، ولم يقوموا بأي عمل مخل بالأمن سوى أنهم حاولوا الخروج من باب الجامعة الأميركية، وتساءلت: هل الشعارات التي أطلقها الطلاب معادية للحكومة(72) لكي تقمع هذه التظاهرة بهذه الوحشية؟، ورأت أن هذه العبارات تعبر عن سخط الطلاب على المحاولات الاستعمارية، وعن تمسكهم باستقلال وطنهم واستعدادهم للذود عنه(73).
بينما رأت صحيفة العمل في افتتاحيتها بتاريخ 30/3/1954، تحت عنوان "كفّارة"، لو أن موقف الحكومة كان واحداّ في التظاهرات الثلاث، لربما كانت تجد لنفسها أسبابًا تخفيفية، "بات من المتعذر إيجادها بعد فوات الأوان"، ولو أن الحكومة أوقفت المعتدين على جماعة النائب أحمد الأسعد في البسطة، ومطلقي النار في طرابلس من أنصار النائب رشيد كرامة، ولو تعاملت، "... بالحزم عينه الذي شاقها أن تلجأ إليه في قمع تظاهرة الجامعة الأميركية، لربما كان من الهين على محبيها ومؤيديها أن يتدبروا لها ما هي في حاجة إليه من مبررات وأعذار، أما وقد كان من تناقض مواقفها هذا الذي كان في فترة لم تتجاوز عشرين يومًا، فقد وضعت نفسها... في الموضع الذي يثير عليها السخط... في عين الرأي العام، على مختلف نزعاته ومشاربه...، والكفارة المطلوبة اليوم، تنحية وزارة ولدت هزيلة..." وتأليف وزارة يكون لها من أركانها ومؤهلاتهم ومناقبيتهم ما يقضي على القلق ويعيد الثقة للنفوس(74).
كما كتب الصحافي في جريدة الأنباء عزت صافي، مقالة تحت عنوان: "رسالة من حسّان"، جاءت معبرة توضح شعور الحزب التقدمي الاشتراكي حول خسارة أحد مناصريه، وجاء فيها:
" لم يكتب حسّان هذه الرسالة على ورقة، ولكنني قرأتها على وجهه بعد أن هدأ:
-أين ابن بلادي... أيها المسؤول عن دمي...
-شكرًا لك... فقد حققت أمنيتي...
-ولكن لم أكن منتظرها على يدك...
-عندما طرق الرصاص رأسي لم أشعر بألمه...
-ولكني شعرت بآلام شعبي تثور كلها دفعة واحدة...
-ذلك لأني ذاهب قبل أن أزيلها...
-تاركًا فوقها ما يزيدها...
-وها إني أحملها... وما أثقل حملها...
-عشت بها... وقضيت عنها..."(75).
وفي عددها الصادر بتاريخ 3/4/1954، وجه النائب كمال جنبلاط عبر مجلة الأنباء رسالة إلى رئيس الحكومة، توضح رأي شريحة كبيرة من اللبنانيين، تحت عنوان: "إلى مضطهد الحريات وجلاّد الأولاد"، رأى فيها أن الشعب والطلاب قد انتصروا على الحكومة بوطنيتهم، كما انتصروا بتضحياتهم على الاضطهاد، واعتبر أن الحكومة ذهبت أو لم تذهب، "يا مضطهد الحريات، ويا جلاّد الأولاد، فقد ذهبت من نفوسنا، لن يعيدك شيء مما كنت عليه من قيمة البقاء إلاّ تصرفك كرجل مسؤول تنصل من مسؤوليته وحاول أن يلقيها على بعض المساكين من رجال الدرك والشرطة المأمورين، فلم يعد له إلاّ أن يمسك هو وصحبه حقائبهم وأن يتوجهوا إلى باب الدار الرسمية التي أضحت لهم... سجنًا لا يتجرّؤون أن ينظروا إلى الناس إلاّ من خلال شبابيكه، إذاك وإذاك فقط يصح لنا الأسف مما حصل، إذ تستيقظ فيكم الرجولة"(76).
ويستحسن أن نختم برأي لشارع آخر يمثل شريحة واسعة أيضًا من اللبنانيين والذي يرى في تحرك بعض الفئات تسترًا بمبادى الحرية والاستقلال، ففي تاريخ 2/4/1954، أدلى الشيخ بيار الجميل، رئيس حزب الكتائب اللبنانية، بتصريح عند خروجه من القصر الجمهوري بعد مقابلته رئيس الجمهورية، أوضح فيه موقف حزبه من الدعوة إلى الإضراب التي أطلقتها بعض الفئات، فرأى فيه أن بعض الفئات تتستر بمبادئ الحرية والاستقلال، "لتقوم بأعمال الشغب الهادفة أولًا وأخيرًا إلى نسف الأسس التي يقوم عليها هذا الوطن"، واعتبر، أن هناك فئات في البلد تستهويها "الديماغوجية الرخيصة"، فلا تتردد في المشاركة في الأعمال التخريبية، وانتهى إلى التأكيد على أن "... الكتائب لم تتعود أن تسلم الشارع لأي كان، نحن نعلم أن هناك عناصر شغب مصممة على أي عمل تخريبي، ولكن أثبتنا نحن أيضًا، في كل مناسبة أننا مستعدون لمجابهة التيار وللسيطرة على الغوغاء، ونحن مصممون الآن على أن نكافح بكل قوانا عناصر الشغب... وسوف لا نترك المبادرة للمخربين، وإننا نعلن بأننا سنلجأ إلى كل الوسائل للذود عن لبنان وعن استقلاله..."، ثم تساءل في نهاية تصريحه، "... إلى أين يكون المصير لو تركنا الحبل على غاربه لجميع هذه التيارات الفوضوية"(77).
طلابيًا، بعد تأبين زميلهم بتاريخ 29/3/1954، تنادى عدد من الطلاب يزيد عددهم على 200 طالب إلى الاعتصام في دور الصحف "الحرّة" (حسب الأنباء)، معلنين مطالبتهم باستقالة الوزارة التي اتهموها بإراقة دمائهم واعتقال بعضهم، وخنق صوتهم، "... ولم يبق طالب أو طالبة في لبنان، إلاّ وأعلن رأيه في حكومة عبدالله اليافي، وهو: يجب أن تستقيل لأنها أصبحت خطرًا على الشعب، تهدد حركاته وحرية رأيه..."، وبعد سلسلة من الاجتماعات، أذاعت لجنة الطلبة بيانها وقد حصرته في النقاط التالية:
"1- تنحي وزارة عبدالله اليافي عن الحكم.
 2- إطلاق سراح المعتقلين من الطلاب والصحفيين.
 3- الكف عن مطاردة الأبرياء ومحاكمة المسؤولين.
 4- عدم إخراج أي طالب عربي من لبنان.
       5- تأليف لجنة برلمانية للتحقيق في الحوادث البربرية..."(78).
وفور إصدار البيان، أضرب بعض الطلاب عن متابعة دروسهم في بعض المدارس والمعاهد والجامعات اللبنانية، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الإخاء، الإنجيلية، حوض الولاية، المعهد الثانوي، العاملية، البرّ والإحسان، واليسوعية (الصفوف العالية)، البطريركية، رمل الزيدانية، الإنجيلية للبنات، والمقاصد، أما معظم المدارس، فلم يكن الإضراب فيها شاملًا(79).
وفي اليوم التالي للدفن، وجهت والدة الطالب، بتاريخ 30/3/1954، كتابًا مفتوحًا إلى رئيس الجمهورية، رأت فيه أن قتل ولدها لم يذهلها، لكن ما أذهلها الطريقة التي تعاطت بها القوى الأمنية مع الطلاب، وتساءلت، "ماذا هتف حتى سدد إليه سهم الموت؟"، واعتبرت أن ابنها هتف لإسقاط الاستعمار، "فسقط شهيدًا"، وأن الطلاب لم يخطئوا، فالخطيئة، "خطيئتنا، لأننا زرعنا في قلوبهم حب البلاد، وغذيناهم حليب العزّة والكرامة، وروضناهم على النضال والاستشهاد في سبيل وطن أعززناه، ومبدأ اعتنقناه، ففي استشهاده فخر لنا، لأننا لهذا أعددناه وللكفاح أرسلناه، فكان له شرف الاستشهاد"(80).
لاحقًا، وتضامنًا مع المعتصمين، زارت والدة الطالب وشقيقته، الطلبة الصائمين بتاريخ 2/4/1954، في مكاتب صحيفة الأنباء التي اعتصموا فيها، حيث استقبلت من الطلاب والطالبات بالشكر والتقدير، فأشادت بموقفهم النبيل الذي يعبّر عن القوة المعنوية في نفوسهم، وأكدت في نهاية اللقاء على دعمهم والوقوف إلى جانبهم في معركة الحرية التي يخوضونها، وقد كانت الزيارة بعد أربعة أيام على صيامهم من أجل تحقيق مطالبهم التي تقدموا بها، بالرغم من سوء صحة بعضهم(81).
في النهاية، كان لابد من عودة البلاد إلى ما كانت عليه، ولابد من مخرج للأزمة كما درجت العادة في لبنان، وفي جلسة مجلس النواب المنعقدة بتاريخ 2/4/1954، لدرس قانون الإيجارات، طلب النائب غسان التويني من الحكومة بضرورة إعطاء تأكيد بالإفراج عن الطلاب المعتقلين، "تعرف الحكومة ولا شك كما يعرف الزملاء أن الطلاب لا يزالون مضربين، وأن فريقًا منهم مضرب عن الطعام منذ أيام ومعتصم في إدارات الصحف، فنود أن نسمع من الحكومة أنها جادة بالإفراج عنهم، وأن تأخير هذا الإفراج يعود إلى أسباب فنية، لم تتمكن الحكومة من إنهائه، فإذا أكد رئيس الحكومة هذا الشيء سهّل علينا معاونة الحكومة في فك الإضراب" وبالتالي إنهاء الأزمة، رد رئيس مجلس الوزراء، "القضية هي قضية وقت، أولت الحكومة القضية عنايتها كما أن النيابة العامة قد نظرت بعين العطف الواسع إلى طلبات إخلاء السبيل المقدمة إليها". 
-غسان تويني (مقاطعًا)، "وهل يمكن اعتبار ذلك مناشدة للطلاب بالرجوع عن الإضراب؟".
-رئيس مجلس الوزراء مجيبًا، "نعم... لأن القضية قد بلغت نهايتها(82).
التزامًا بما وعد به، استدعى رئيس الحكومة بتاريخ 3/4/1954، الوزراء أصحاب الاختصاص: الداخلية، العدل، والتربية، كما دعا مدير وزارة العدل، شفيق حاتم لاجتماع موسّع، وتباحث معهم في وجوب الإفراج عن الطلبة وتصفية هذه المشكلة بصورة نهائية، وطلب من مدير وزارة العدل، تدبر الأمر بأي طريقة والإفراج عن الطلاب(83)، وبتاريخ 5/4/1954، تم الإفراج عنهم بعد استخراج التسوية اللازمة لإطلاق سراحهم(84).

إذا كان الأمن الاستراتيجي لأية دولة يرتبط بحدّي الاختراق الخارجي والاستقطاب الداخلي، فإن الأمن الاستراتيجي للدولة اللبنانية يكون الأكثر هشاشة نظرًا للأزمات الخارجية المختلفة التي عانى ويعاني منها لبنان، وقابلية الداخل للتجاوب مع هذه الأزمات. وقد دفع لبنان، على مرّ التاريخ، غاليًا ثمن أمنه الاستراتيجي الهش، فكان الاختراق الخارجي يصدر له مشاكله ومشاكل الآخرين وحروبهم، والاستقطاب الداخلي يستوردها ويحولها إلى مشاكل وأزمات لبنانية، وذلك نظرًا لانفتاح المكونات الاجتماعية والسياسية والطائفية اللبنانية على الخارج، قريبًا كان أم بعيدًا، حتى يكاد أيّ تطور في السياسة الخارجية لا يخلو من انعكاسات داخلية، وتدخلات خارجية، تدفع بأبناء الوطن الواحد لخوض معارك هذا الخارج وصون مصالحه نيابة عنه، محولين لبنان إلى ساحة عراك، يتواجه فيها اللبنانيون باسم القوى الخارجية.

هوامش:
(1)Behcet Kemal Yesilbursa:The Baghdad Pact: Anglo-American Defence Policies in the Middle East, 1950-  1959. Frank Cass. London. 2005 P.6.
(2) الدور التشريعي السابع، العقد العادي الثاني، الجلسة الثانية المنعقدة في الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الخميس الواقع في 23/10/1952.
(3)Agnes G. Korbani: U.S. Intervention in Lebanon, 1958 and 1982:Presidential Decisionmaking. Praeger    Publishers.  New York.  1991. P. 26.
- Alexander DeConde: A History of American Foreign Policy. Publisher: Scribner's Sons. New York. 1963. P. 750.
أيضًا، راشد البراوي: مشروعات الدفاع عن الشرق الأوسط، مكتبة النهضة، القاهرة 1951، ص45.
(4)Ray Takeyh: The Origins of the Eisenhower Doctrine: The US, Britain and Nasser's Egypt, 1953-1957 Publisher: Macmillan.  England. 2000 P. 63.
- MichaelHudson:The Precarious Republic, Political Modernization in Lebanon, New York 1968, p.282.     
(5) الأنباء، 27/3/1954، عدد 139، ص 2.
(6) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(7) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(8) الموقع الرسمي للملك سعود بن عبد العزيز آل سعود، ص 1.
(9) حزب البعث الاشتراكي العربي السوري، الحزب الديمقراطي العراقي، الحزب التقدمي الاشتراكي.
(10) الأنباء، 27/3/1954، عدد 139، ص 1.
(11) العمل، 25/3/1954، عدد 2435، ص 2.
(12) الوادي، 10/3/1954، عدد 5، ص 1.
(13) الأنباء، 27/3/1954، عدد 139، ص 2.                                                                         
(14) العمل، 26/3/1954، عدد 2436، ص 2. أيضًا، النهار 26/3/1954، عدد 5607، ص 2، الأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص 1-3.
(15) تشكلت هذه الحكومة (الثانية) بتاريخ 1/3/1954، واستمرت حتى تاريخ  16/9/1954، وضمت: عبدالله اليافي، رئيسًا لمجلس الوزراء، ووزيرًا للمالية والأنباء، ألفرد نقاش، وزيرًا للخارجية والمغتربين والعدلية، الأمير مجيد أرسلان، وزيرًا للدفاع الوطني، جبرائيل المر، وزيرًا للأشغال العامة، رشيد كرامي، وزيرًا للاقتصاد الوطني والشؤون الاجتماعية، كاظم الخليل، وزيرًا للصحة العامة والزراعة، نقولا سالم، وزيرًا للتربية الوطنية والبريد والبرق والهاتف، وجورج هراوي، وزيرًا للداخلية.
- مرسوم رقم 4293 تاريخ 1/3/1954.
(16) العمل، 26/3/1954، عدد 2436، ص 2. 
(17) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، النهار 26/3/1954، عدد 5607، ص 2. والأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص 1-3.
(18) العمل، 28/3/1954، عدد 2438، ص 1-4. أيضًا، النهار 28/3/1954، عدد 5609، ص 1، الأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص 3.
-L’Orient  le jour: 28  Mars 1954, P.1
(19) الأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص 3.
(20) العمل، 30/3/1954، عدد 2439، ص 2. 
(21) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، النهار 30/3/1954، عدد 5611، ص 2.
(22) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها. 
(23) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(24) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(25) العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(26) جاء كتاب وزير الداخلية على الشكل التالي: "حضرة رئيس الجامعة الأميركية في بيروت المحترم، أتشرّف بأن أرسل إلى حضرتكم نسخة عن البلاغ الذي أذاعته الحكومة على أثر انعقاد مجلس الوزراء، وحذّرت بموجبه الأهلين من التظاهر والتجمع في الشوارع العامة لأي سبب كان. فأرجو أن تعمموا مضمون هذا البلاغ على جميع التلامذة والطلاب. وأن تحذروهم من عاقبة المخالفة، فالحكومة لن تتوانى عن إحالة المخالفين أمام المحاكم وعن إبعاد الأجانب منهم خارج الحدود اللبنانية. بيروت في 25/3/1954". الإمضاء: وزير الداخلية.
(27) أقفلت الجامعة لمدة أسبوعين، حتى مساء الأحد 11/4/1954، واعتبرتها عطلة عيد الفصح، وطلبت من طلابها الداخليين اللبنانيين العودة إلى منازلهم، ومن غير اللبنانيين العودة إلى بلادهم خلال هذه الفترة. - العمل 30/3/1954، عدد 2439، ص 2.
(28) العمل 31/3/1954، عدد 2440، ص 3-4.
(29) الدور التشريعي الثامن، العقد العادي الأول، محضر الجلسة الخامسة المنعقدة في الساعة العاشرة من قبل ظهر يوم الثلاثاء الواقع في 30 آذار سنة 1954، ص 1. 
(30) الجلسة نفسها، كلمة الرئيس عادل عسيران، ص 2.
(31) الجلسة نفسها، كلمة النائب عبدالله الحاج، ص 3.   
(32) الجلسة نفسها، كلمة الرئيس عادل عسيران، ص 4.   
(33) الجلسة نفسها، كلمة النائب غسان التويني، ص 5.   
(34) الجلسة نفسها، كلمة الرئيس عادل عسيران، ص 5.
(35) الجلسة نفسها، كلمة وزير الداخلية، جورج هراوي، ص 5.
(36) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، الصفحة نفسها. 
(37) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، الصفحة نفسها.    
(38) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، ص 6.   
(39) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، ص 7.
(40) يجزم التقرير أن إصابة مصطفى نصرالله وقعت من أعلى إلى أسفل، دخلت الرصاصة من كتفه الأيسر واستقرت في العمود الفقري في الخرزة الثالثة.  
(41) يجزم التقرير أن الرصاصة اصطدمت بالعمود الحديدي وشظية منها استقرت في رأس الطالب...، ونوع هذه الرصاصة غير رصاص رجال الأمن لأن رصاص الأمن مغلف بالنحاس.
(42) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، ص 7.     
(43) الجلسة نفسها، كلمة النائب أحمد الأسعد، ص 8.     
(44) الجلسة نفسها، الكلمة نفسها، ص 9.     
(45) *حادثة بيت النجادة: بتاريخ 14/10/1953 عقدت الأحزاب والهيئات اللبنانية التقدمي الاشتراكي، النجادة، الجبهة الشعبية، النداء القومي، الاتحاد النسائي العربي، القومي الاجتماعي، الهيئة الوطنية، عصبة تكريم الشهداء، أنصار السلم، جماعة عبد الرحمان، والهيئات الطرابلسية، اجتماعًا في بيت النجادة في البسطة للبحث في قضية مراكش، وأثناء الاجتماع هزت المبنى ثلاثة انفجارات أدت إلى إصابة الكثيرين بجراح مختلفة بينهم عبدالله المشنوق، عبد السلام الجزائري، جورج مجدلاني، والنائب كمال جنبلاط، وانتهى الاجتماع في بيت النجاد ببرقية رفعت إلى رئيس الجمهورية تتهم الرئيس اليافي بتدبير الحادث، وبرقية إلى هيئة الأمم المتحدة بتأييد قضية مراكش. الأنباء 16/10/1953، عدد 117، ص1.
- قضية مراكش تتلخص بإقــدام الاحتلال الفرنسي في مراكش (المغرب فيما بعد) على نفي سلطان مراكش محمد بن يوسف (محمد الخامس فيما بعد) إلى جزيرة مدغشقر وتنصيب محمد بن عرفة مكانه.
* حادثة البسطة: حصلت هذه الحادثة بتاريخ 9/3/1954، على أثر اتهام رئيس الحكومة، عبدالله اليافي، رئيس مجلس النواب السابق أحمد الأسعد، بأنه "سيخرب البلد هو ورجاله"، هذا الأمر دفع جماعة الرئيس الأسعد للتجمهر أمام المجلس النيابي دعمًا للرئيس أحمد الأسعد، وفي طريق العودة وعند مرورها في منطقة البسطة، تعرضت جماعة الأسعد لإطلاق نار، مما أدى إلى سقوط قتيل وهو كامل الطويل، وعدد من الجرحى، عرف منهم: محمد زكي سنجر، مصطفى قاسم وهبه، أسعد الطبل، ومحمد عبد الجليل (ضربة بندقية على رأسه)، اتهم الرئيس الأسعد الرئيس اليافي بأن رجاله وراء الحادث، فيما اتهم الرئيس اليافي الرئيس الأسعد بأن رجاله استفزوه في عقر داره وقاموا بأعمال مخلة بالقانون، وإن من أطلق النار القوى الأمنية وليس رجاله كما يدعي الرئيس أحمد الأسعد، لكن معظم الصحف أشارت إلى أن من أطلق النار هم جماعة الرئيس عبدالله اليافي وليست القوى الأمنية. العمل 10/3/1954، عدد 2422، ص1.
(46) محضر الجلسة الخامسة...، مصدر سابق، كلمة النائب أحمد الأسعد، ص 9.     
(47) الجلسة نفسها، كلمة النائب غسان تويني، ص 11.
(48) الجلسة نفسها، كلمة النائب حميد فرنجية، ص 11.     
(49) الجلسة نفسها، كلمة النائب كمال جنبلاط، ص 18.
لكن صحيفة الأنباء، روت الواقعة بطريقة مختلفة، "وهنا وقف رئيس الوزراء محاولًا مقاطعة الرفيق الأول جنبلاط الذي كان متأثرًا يعبّر وجهه ولهجته عن سخط الشعب اللبناني بأسره على الحكومة، فما كان منه إلاّ أن قذف رئيس الوزراء بكأس الماء، فلفظ الأخير كلمات الاستنكار بينما كان الرفيق الأول جنبلاط يتقدم منه ويصفعه على وجهه. وعندئذ أسرع النواب لتدارك الأمر، وقامت الضجة فأمر الرئيس عسيران بفض الجلسة". الأنباء 3/4/1954، عدد 140، ص3.
بينما روت صحيفة العمل القصة بطريقة أخرى، فكتبت تقول: "ولم تهدأ ثورة النائب جنبلاط، فاتجه مباشرة نحو مقعد رئيس الحكومة وصفعه مرات ثلاث، أصابت الصفعة الأولى جانبًا من كتف رئيس الحكومة، والثانية جانبًا من صدره..."، فراح الرئيس اليافي يصرخ: "اقبضوا على هذا المجرم، اقبضوا عليه، بصفتي رئيس حكومة آمركم بذلك يا بوليس يا رئيس المجلس... ولكن واحدًا لم يتحرك ولم يقبض...". العمل 31/3/1954، عدد 2440، ص1.
(50) العمل، 31/3/1954، عدد 2440، ص1.
(51) العمل، 1/4/1954، عدد 2441، ص 2. أيضًا، الوادي 2/4/1954 عدد 37 ص.2
(52) المادة 109 ـ تتخذ بحق النائب الذي لم يحافظ على نظام الجلسات ونظام الكلام فيها الإجراءات التالية حسب الترتيب أدناه: 
1- التنبيه للرجوع إلى النظام.
2- التنبيه مع تسجيله في محضر الجلسة.
3- اللوم مع تسجيله في المحضر.
4- الإخراج من الجلسة. 
إن العقوبات الواردة في الفقرتين الأولى والثانية ينزلها الرئيس، فيما العقوبات الباقية فلا بد منها من قرار من قبل المجلس. 
(53) الدور التشريعي الثامن، العقد العادي الأول، محضر الجلسة السادسة المنعقدة في الساعة الخامسة من بعد ظهر يوم الخميس الواقع في 1/4/ 1954، ص 21.
(54) الجلسة نفسها، كلمة النائب نعيم مغبغب، ص 30.
(55) الجلسة نفسها، كلمة النائب كمال جنبلاط، ص 31.
(56) الجلسة نفسها، ص 33.
(57) الأنباء، 23/5/1954، عدد 147، ص 4.
(58) الدور التشريعي الثامن، العقد الاستثنائي الأول، محضر الجلسة الحادية عشرة المنعقدة في الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر يوم الأربعاء الواقع في 14 تموز سنة 1954، ص 19.                                                                                     
(59) أقيمت مظاهرة تأييدية للوزير رشيد كرامي، وزير الاقتصاد الوطني والشؤون الاجتماعية، في بيروت وطرابلس أطلقت خلالها العيارات النارية بكثافة دون أن تعترضها الحكومة، وذلك بمناسبة صدور قرار الطعن المقدم بحقه في الانتخابات النيابية.
(60) محضر الجلسة الحادية عشرة...، مصدر سابق، ص 19- 24.
(61) الجلسة نفسها، كلمة النائب أديب الفرزلي، ص 38.
(62) الجلسة نفسها، كلمة النائب كامل الأسعد، ص 41.
(63) الجلسة نفسها، كلمة النائب بشير الأعور، ص 45.
(64) الجلسة نفسها، كلمة النائب إميل البستاني، ص 53.
(65) الجلسة نفسها، كلمة النائب غسان التويني، ص 60-61.                                                                         
(66) الجلسة نفسها، ص 65.                                                                         
(67) اجتمع رئيس مجلس الوزراء، بوزير الدفاع، وبعض الوزراء، للتبصر في الأوضاع الناتجة عن المظاهرة الطالبية، وبحث الموقف المترتب عن المعلومات الواردة بأن الحزب التقدمي الاشتراكي قد دعا إلى الردّ على تدابير الحكومة بدفن الطالب... وسط تظاهرة حاشدة في بيروت، يشارك فيها زملاؤه للقيام بحركة قوية يعربون فيها عن استيائهم وسخطهم على اعتبار أن الطالب كان ينتمي إلى الحزب. وبعد نقاش طويل، استقر الرأي على السماح بإجراء المأتم في بيروت وسط تظاهرة يحرسها رجال الأمن تحت إشراف قيادة الجيش اللبناني التي وضعت فرقة عسكرية في السراي الحكومي تحسبًا لأي طارئ. - العمل 30/3/1954، عدد 2439، ص 2.
(68) الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 5.
(69) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، العمل 30/3/1954، عدد 2439، ص 2.
(70) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(71)الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(72) أطلق الطلاب شعارات مثل: فليسقط الإرهاب والظلم، عاشت الوحدة العربية، فليسقط الحلف التركي- الباكستاني- العراقي الأثيم، حرية إبداء الرأي يجب أن تكون مصونة، فليسقط الحكام الظالمون، نضال الطلبة نضال الشعب، الموت للمستعمرين، فلتسقط الأحلاف الاستعمارية. 
(73 الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 3. 
(74) العمل، 30/3/1954، عدد 2439، ص 1. 
(75) الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 8.
(76) الأنباء، العدد نفسه، ص 1.
(77) العمل، 3/4/1954، عدد 2443، ص 1.
(78) الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 4. أيضًا، العمل 30/3/1954، عدد 2439، ص 2.
(79) الأنباء، العدد نفسه، الصفحة نفسها. أيضًا، العمل، العدد نفسه، الصفحة نفسها.
(80) الأنباء، 4/4/1954، عدد 141، ص 4.
(81) الأنباء، 3/4/1954، عدد 140، ص 1.
(82) الدور التشريعي الثامن، العقد العادي الأول، محضر الجلسة السابعة المنعقدة في يوم الجمعة الواقع في 2 نيسان سنة 1954، ص20.
(83) العمل، 4/4/1954، عدد 2444، ص 2. 
(84) العمل، 6/4/1954، عدد 2445، ص 2.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net