يوسف الأشقر: الشعور بالمسؤولية يملأ كيان منصور عازار
إيلي الفرزلي: حياته زاخرة بالكرم والوفاء وحب الوطن
شيعت بلدة بيت الشعار وقضاء المتن الشمالي والقوميون الاجتماعيون المناضل منصور عازار (93 عاماً) أحد القياديين البارزين في الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي انتمى إليه مع سنوات تأسيسه الأولى وتسلم فيه مسؤوليات مركزية منها رئيس المجلس القومي ورئيس المحكمة الحزبية وعميد المالية، وكان من رجال الأعمال في افريقيا وشغل منصب الأمين العام للجامعة اللبنانية الثقافية في العالم، وأسس مكتب الدراسات العلمية الذي أقام الندوات والمحاضرات وأصدر كتباً، وأصدر مجلة المنبر في باريس لحوالى عشرة أعوام.
شارك في المأتم الذي ترأسه النائب البطريركي المطران سمير مظلوم قيادات في الحزب القومي ونائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي، ونقيب الصحافة السابق محمد البعلبكي، وجمع حشد من كل التنظيمات للقوميين الاجتماعيين وأهالي المنطقة وشخصيات سياسية واغترابية، وقدم وزراء ونواب وممثلو احزاب وفعاليات التعازي بالفقيد الذي لف نعشه بعلم الزوبعة.
وألقى في القداس رقيم بطريركي صادر عن البطريرك بشارة بطرس الراعي، عدد مزايا عازار وانجازاته وعطاءاته ونضالاته.
وبعد القداس ألقى الفرزلي كلمة بالفقيد فأشاد بخصاله ومناقبيته وتضحياته، وتحدث عن الرجل العصامي الذي كانت حياته زاخرة بالكرم والوفاء وحب الوطن والعمل من أجل قضية قوميه.
} الأشقر }
ثم ألقى الرئيس الأسبق للحزب السوري القومي الاجتماعي يوسف الأشقر كلمة ننشرها بالكامل:
ما جئنا اليوم لوداع الحبيب منصور، الرفيق والأمين والصديق والمناضل التاريخي، بل جئنا لاستلهامه. وسنظل نستلهمه دائماً وأبداً. ووجوه استلهامه،على كثرتها وتنوّعها، تصبّ وتتمثّل في قيمة أساسية عنده، هي "المسؤولية".
كان الشعور بالمسؤولية يملأ كيانه. وكانت المسؤولية، له، أكثر من شعور أو حسّ. كانت ثقافة كاملة. كانت نمط حياة فكرية وأخلاقية ونضالية.
كانت المعرفة، له، مسؤولية. وكانت المسؤولية العارفة معنى حياته.
عرفته، بحكم الانتماء العائلي والانتماء الأوسع والأرقى، في سنّ مبكرة. كان جيله قد سبقنا إلى هذا الانتماء الأخير، بعقد من السنين.
ثم عرفته في إفريقيا، وفي أوروبا، وفي أرض الوطن، وهو على هذه الصفة المميّزة. وعملنا معاً في دوائر الحزب العليا في مطلع التسعينيات، ثم تلاحقت لقاءاتنا في العقدين الأخيرين. كان هو هو لا يكلّ ولا يتعب ولا يتردد.كانت المسؤولية تمتدّ في الزمان وترافقه على مدى ثلاثة أرباع القرن. تُعمّر ولا تشيخ، وتزداد غنىً وإشعاعاً وفتوة.
أشهد أنني لم أسمع منه شكوى واحدة من وضعه الصحيّ الشخصيّ الدقيق. كانت الشكوى، كل شكواه، من وضعنا العام ووضعنا الصحي القومي الاجتماعي، والقومي العام، وهو وضع أكثر من دقيق.
كنا ندخل عليه وفي أذهاننا أننا ندخل على ابن التسعين، ثم نجلس معه ونُغادره وهو في عيوننا ووجداننا ابن العشرين. وقد صارحني أحد رفقائنا وأصدقائنا المشتركين أنه كان يخجل بشيخوخة نفسيته هو، وهو ابن الأربعين، أمام الفتوة النفسية التي كان يلاقيها عند حبيبنا التسعيني. واعترف لي أن هذا الشعور كان من أهم حوافزه ليستعيد فتوته في النشاط وتحمّل المسؤولية.
قلت إننا جئنا اليوم، يا حبيبنا منصور، لنستلهمك. لكننا جئنا أيضاً لنُعاهدك، انطلاقاً من أن المعرفة مسؤولية. فماذا نعرف الآن، وماذا يشهد العالم ويُعاني الآن، وماذا يتجلى اليوم من حقائق هذا الصراع الذي تحمّلنا نحن مسؤولياته الأولى.
كنا نقول للعالم إن هذا الصراع الوجودي مع عدونا الإسرائيلي هو صراع حضاري في المرتبة الأولى. وكان العالم لا يصدّق، لأنه لم يكن يُعاني ما كنا نُعاني،ولم يكن يعرف ما كنا نعرف. وحتى الآن، وبعد أن كشف هذا المشروع الحربي عن وجهه وصار مصدر قلق للعالم كله، ما يزال، مع الأسف، ملتبساً على العالم وعلى قسم كبير منا ومن أصدقائنا وحلفائنا. ما يزال ملتبساً من حيث مصدره، ومن حيث عقيدته الحربية، ومن حيث أخطاره الوجودية على العالم كله وليس علينا فقط.
وإذا كان هذا الخطر الوجودي على العالم، يحدث ويتقدّم بدءاً من عندنا وبدءاً منا، أليس جديراً بنا أن نجعل المواجهة معه بدءاً من عندنا وبدءاً منا. أن نكون نحن روّاد هذا الكشف، وأن يكون لنا شرف الريادة في تحمّل هذه المسؤولية التي يتوقف على نجاحها مصيرنا ومصير الإنسانية جمعاء؟
أليس من واجبنا أن نُشرك العالم في هذه المعرفة، وبالتالي في هذه المسؤولية، لا سيما أن واقع التهديد الإنساني صار قائماً في كل بلد في العالم، فصار العالم أكثر استعداداً للإصغاء والتجاوب، وقد أصبح الجمر على كل كفّ، يُدمّر العلاقات، فينشر الأحقاد، ويُغذّي العصبيات التصادمية، ويُعمم الخوف ويستنفر الغرائز المتوحشة.
نُعاهدك يا حبيبنا منصور أن نعمل ليس فقط على توحيد صفوف الحزب، بل على استنهاض وتوحيد كل قوى مجتمعنا الحيّة، كي يقوم مجتمعنا، بدوره، بتوعية واستنهاض وتوحيد القوى الإنسانية كلها في العالم، لمواجهة هذا الخطر الوجودي.
نُعاهدك، يا حبيبنا منصور، أن نجعل المسؤولية التي جسّدتها أنت، قيمة إنسانية عُليا ودليل الطريق.