Tahawolat

كان يمرّ اسمه في ما راجعتُ من وثائق ودراسات عن الحراك العاصف في تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، كمؤمن وباحث وواحد من الأجيال التي لم تكن قد ولدت بعد، حين خاطبها المؤسس سعاده. كان اسماً بين الأسماء أتمنى لو ألتقيهم لتوثيق شهاداتهم بأصواتهم وتقويم مواقفهم بعد عقود مما ارتكب في الحزب وباسمه.


التقيته في تشرين الأول العام 2014، لتقديم جهد يسرّع تدوين مذكراته، بعد أن كان دوّن الكثير في سنوات سابقة، لكن الكتابة باليد كانت تعييه. وكنت في ظرف أقتربُ من انهيار حقيقي.


بعد حوارين تأمّلت. وبيننا فارق أربعة عقود من العمر، أيّنا الأفتى والآخذ في التواري! خجلتُ من نفسي! وأنا المقاتل كلمة ورياضة ونهجاً كيف سمحتُ ليتسرّب إليّ ضعف عابر؟ هذا الخلاص اسمه إكسير منصور عازار!


لم أرَ في وفاته سبباً لتعزية. إنْ زرته بيته يلاقيني صوته الذي لم يغادر أذني ووجداني، خافتاً حيناً أجشّ حيناً آخر ويداعبني ضاحكاً: "قولك منخلّصقبل ما نخلص". فأجيبه بعبرة أن والدتي طالبت مراتٍ أخي ليعود من السعودية لتراه قبل وفاتها، فقال لها سأتوفّى قبلك. وهكذا. توفّى بعد ثلاثة شهور من قوله في حزيران العام 2006 بينما هي مازالت قيد الحياة. فربّما أخلص قبلك. هيّا لنقتنص العمر!! يضحك ونبدأ بالعمل.


عاتبتُه في موقفه بعدم متابعة حكم براءته في محاكم نيجيريا ليستعيد ما كانت صادرته الدولة الظالمة بلا أيّ تعويض، وهو كما قال شهود تمّ بيعُه بمليارات الدولارات. فإذا كانت جيوب الاستخبارات المعادية والطائفية اللبنانية المتحالفة مع أعدائنا دوماً قرّرت اغتيال منصور عازار كاقتصادي ورجل أعمال وحركة تغيير اغترابي ووطني، فلماذا لا نستعيد من شدق النمر الأفريقي (نيجيريا) ما هو حق لنا؟ كان جوابه: لم أفكّر قط باستعادة شيء من إمبراطوريتنا (أربعة مصانع وشركات مالية وبناء ومصرف من مئة فرع) في نيجيريا.


برأيي هنا يخطئ الأفراد بينما تتقدّم المؤسسات لاستعادة الحقوق التي لا يتقادم عليها الزمن.


منصور عازار الفرد التحفَ الترابَ واستراح قلبه المسكين المعذب بروح صاحبه. أخذ جسده المبارك يتفكك فوحاً وضحكاً وطرافة وجذور سنديان وصنوبر. وإن كان يطيب له السكنى بين الأجداد، فإن ثرى جدّته ياقوت بقي ياقوت تراب غانا بعيداً عن شفتيه للشكر الأخير.


إنما منصور عازار المؤسسة هو ما يستمرّ بالجدّيين المستعدّين للحرث الجَلود في بوار العقول ويباس القلوب وأوار الفتن بكلمة حبّ وسواء.


"مؤسسة منصور عازار للإبداع"هي البدء الحقيقي لعمل منظم، ما دام الحزب الذي بدأ به منصور عازار لم يعد حاضنة إبداع وفكر. فتستمر فاعلية الراحل ناقوس نهضة للأجيال، نشراً وحواراً وفكراً وفناً واقتصاداً وإبداعاً.


هكذا لا تكون "منصور عازار.. السيرة" آخر ما كتبه الراحل الباقي.


آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net