Tahawolat
عندما وصلت إلى بيروت هروباً من واقع مرير حلّ على شعبها ووطنها، لم تجد وسادة تشبه وسادتها أو بعلوّها، فكانت تنام على وسادات تفقدها لذة النوم والامان وتشعرها بالضياع، فقررت ذات ليلة أن ترمي وسادتها، حياة أشبه بالتشرد في بلد لم تشفَ جراحه بعد، في بلد مازال الخنجر مزروعاً في عيونه.

زينة العبدالله ترسم بتمكّن وإحساس.. طالما أثارتني تجربتها ولوحاتها المتميّزة، من حيث الأداء والطرح لتكاد أن تنطق لتقول الكثير عن المشاكل، والقضايا، والوطن، والمرأة، والرجل، التي داهموها في آن واحد، فأغرقَها الوجعُ، فأحسنت التعبير لتقول ما لا تستطيع الكلمات البوح به. جسدت واقعاً مريراً يعاني عزلة ووحدة، لامست قضايا مثقلة بالهموم، فأبدعت في وصفها، أرضاً، وسماء، مجسدة آلامها، لترسم احلامها في رسم قصصها وحكايات حولها، كما ابدعت في رسم جسدها، فعلى كل مشاهد أن يفك رموزها، ويقرأ ثيمتها.
 
 
بدأنا حوارنا مع زينة مع علاقته بالفن واللوحة لتقول: "هي اللوحة تبدأ عندي بإحساس كوني قلقة ومضطربة كأن في جوفي كوكباً من الحمم المضغوطة، لم ينفجر ولم يتبلور بعد.
بهذا الإحساس الغامض أبدأ دوماً من دون تخطيط مسبق فكل لوحة كانت ترسم نفسها بنفسها وكان أبطالها دائماً يقررون خاتمتها بطريقة تصيبني بالدهشة.
وربما هي اللوحة مَن تصنع الفنان، من خلالها أكتشف أشياء جديدة بنفسي، في كل مرة عندما أرسم أرى شيئاً جديداً في مزيج الألوان، وضربة الريشة، وحفيفها عندما تلامس القماش.
وعن بدايتها قالت: "ولدت وأنا أتنفس الفن، لا أذكر أول مرة رسمت فيها، لأني أظن أنا ولدت مثل السمكة التي تجد نفسها في البحر تتنفس، فأنا هكذا لا أذكر لحظة أو أول مرة رسمت فيها، لأعرف نفسي سوى بيدي ريشة، أستطيع من خلالها أن أرسم.
أما كيف تختار ألوان لوحاته وأيهما أهم اللون أو الفكرة؟ فتقول: "أنا أبدأ من الفكرة دائماً، يتبعها الخيال لتنتهي باللون، أشبه بعملية معقدة لها ترتيبات إرادية معينة بدون أن تشعر فتتدخل فيها أجهزة معقدة لتتم عملية الرسم، فكما أتنفس مع ذروة الإرادة والتصميم والعطاء، كذلك في الرسم".
 
وعن انتمائها لمدرسة فنية معينة، قالت: "أحب أن أنتمي للسريالية، لكني أحاول أن أدمج بين الواقعية والسريالية، هي في النهاية تصور شيئاً سريالياً بواقعية، أنا أمتلك التكنيك، أمتلك اليد، أمتلك الموهبة، وأمتلك الفكرة المخلوقة بيد ماهرة وسأعمل على الفكرة لأستطيع التعبير بطريقة واقعية عن تجليات اللاوعي بطريقة أو بأخرى.
 
  • وعن مواضيع لوحاتها، قالت: "مواضيعي تخلق نفسها بنفسها. مواضيعي هي مثل تجليات اللاواعي فيه احداث من طفولتي، أحداث من مراهقتي التي كونت زينة الشخصية، وبالمجمل طقسي النفسي هو من يفرض مواضيع اللوحة.
 
وعن المرأة في لوحاتها، أجابت: "أصوّر صراعاً داخلياً بيني وبين نفسي كامرأة شرقية، فأنا علاقتي بنفسي تمثل علاقتي بالرجل، أنا أعرف حدودي في نفسي وأحدد علاقتي بالرجل الآخر سواءً كصديق، أم أعمق. ففي بعض اللوحات أرسم نفسي كلوحة تمثل صراعاً داخلياً بحتاً، كانت الأصوات موجودة برأسي وأنا لا أعرف ماذا أفعل، نوع من الشيزوفرينا موجود عند الجميع، حاولت حل مشاكلي مع نفسي لأعرف كيف أتعامل مع الرجل كمشاكل إمرأة شرقية... صورت الأنثى في بعض لوحاتي بجسد بدون رأس لأن الرجل يطلب من المرأة جسدها وببعض اللوحات تعتبر المرأة ببعض الرموز بالأرض بالخصوبة بالإلهة، رحم المرأة هو الكون وهو الحياة في تعبيري، فرسمي المرأة لا يعني وجود المرأة، ربما تعني لي الحياة الشخصية. تعني مشكلة مررت بها سابقاً، وكانت طريقها الأنسب للتعبير عن جسد المرأة أنه أقرب لكمال وهو رمز الجمال وجميع الآلهة النساء كنّ رموز جمال.
لزينة قصة مع الرجل، تقول: "معظم  المشاكل التي تعانيها المرأة الشرقية هي مع رب الأسرة، ربما تنبع عن خوف أو محبة أو سلطة الأب التي تبدأ مع الأنثى التي يخاف عليها مع المجتمع من سلطة الرجل الآخر. سلطة هي دائماً خائفة على مصيري وعلى مستقبلي بشكل أو بآخر كانت هذه السلطة تمارس ضغطاً نفسياً هائلاً.
وعن عوالم الطفولة تتذكر زينة طفولتها "لتقول بداخل كل منا طفل صغير. أؤمن بهذه النظرية بأن الطفل في علاقته مع نفسه تختلف عن علاقتنا بأنفسنا كما هي الآن فكلما نكبر يزداد اغترابنا عن أنفسنا، أرسم دائماً لنفسي، أرسم لأحصل دائماً عن أجوبة. فكل فنان يرسم من أجل الآخر هو فنان غير أصيل، الأصالة في الفن أن تكون أنت فعلاً تعالج مشكلة من خلال تصويرك لمشكلة معينة.
وعن طرحها تقول: "أنني أروي سيرتي الشخصية، ربما أتكلم عن مشاكلي التي صوّرتها بأبعاد تناسب الجميع، فيقدر كل إنسان يرى مشكلته في لوحة لأنها مستنبطة من البيئة والمجتمع، هي مشاكل شخصية لكنها تنطبق على كل شخصية، فكثيرون يعيشونها، وأنا أجد نوعاً من الذكاء بطرح هذه المشكلة، في أي عمل فني هو الذي يطرح المشكلة وليست المشكلة بحد ذاتها.
وعن مشاركتها بالمعارض، تجيب: "أقمت مجموعة معارض في دمشق أهمها معرض الربيع، في معرض بخان أسعد باشا وهو  مشروع بريطاني سوري، ومعرض ببيروت في غاليري مارك هاشم، والعديد من المعارض خلال الفترة الدراسية.
وعن احتكار الغاليريات للفنانين، تقول: "أصبح موضوع احتكار الفنانين منتشراً، خصوصاً الفنانين السوريين الذين يمتلكون الموهبة، فأنا لا مشكلة لديّ مع الغاليري، مشكلتي مع الفنان لأنه غير مقدّر قيمة فنه. أنا ضد الفنان التاجر الذي يمارس فنه كتجارة، هذا فنان فاشل وبائس، وفعلاً أحزن عليه، أنا عملي وفني غير مرتبط في معرض. أنا عندي فكرة سواء عجبت الغاليري سواء عرضها أو لم يعرضها فأنا سأكون مخلصة لفني، فلست كباقي الفنانين يرسمون ليبيعوا فقط، ومنهم فنانون كبار وصلوا لمكان معين لكن تجاريا فقط. فلم يعد هناك صدق وهذا يعني غياب اللوحة هذا غير مبشر لمستقبل الحركة الفنية التشكيلية.
لكن إلى أي مدى تتأثر زينة بما تعانيه سورية وتترجمه فنياً، تجيب: " في بعض اللوحات كان اللون الأحمر موجوداً ثمة أشياء بقيت موجودة في ذاكرتي لا أستطيع التجرد منها، لكنني رغم كل شيء ضد من يسمّون أنفسهم فناني الثورة. بنظري هم زائلون بزوالها، محكمون بانتهاء الأزمة، التي حكمت على موهبتهم بالعقم، فالفنان بائس لأنه يرصد زمن الانهيار، لكنه عاجز عن قطع خيوط اللعبة، يصور لك المصيبة لكنه غير قادر على تفاصيلها أو التصدي لها.
زينة العبدالله في سطور
فنانة سورية، من مواليد 1990، تخرجت من كلية الهندسة المعمارية (جامعة دمشق) ، آخر معرضها أقيم في  غاليري مارك هاشم في بيروت.
 

آراء القراء

1
26 - 6 - 2012
This introduces a pleasingly rational point of view.

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net