Tahawolat
 للعرب اليوم فلسفة وحيدة ألا وهي فلسفة الحروب. فبعد هزيمة الأيديولوجيات الفلسفية المختلفة في عالمنا العربي , لم نتمكن من أن نتحد في هذه الجماعة أوتلك سوى من خلال حروبنا الداخلية والخارجية.
 
  الحرب هي العامل الوحيد الذي يوحِّد الجماعة العربية أو المجتمع العربي , ولذا الحروب في عالمنا العربي لا تنتهي. المجتمعات العربية في حالة حرب دائمة. فهي إما في حالة حرب ساخنة حيث يتجسد القتال الفعلي مع الآخر وإما في حالة حرب باردة حيث المجتمع يستعد للحرب الساخنة. لكن لماذا الحروب سائدة بشكل مستمر في عالمنا العربي؟ ولماذا ننتقل من حرب إلى أخرى بلا انقطاع؟ ولماذا يغيب السلم عن عالمنا المشرقي؟ يكمن الجواب في التحليل الاجتماعي للجماعات والمجتمعات العربية. إذا نظرنا إلى الجماعات أو المجتمعات العربية , فلن نجد عاملا ً أساسياً قادراً على توحيد الجماعة العربية أو المجتمع العربي سوى الحرب. فمثلا ً, أن تكون لبنانياً أوعراقياً لا يوحِّد اللبنانيين أو العراقيين لأنهم منقسمون إلى طوائف ومذاهب. وأن تكون سُنياً أو شيعياً لا يوحِّد الجماعة السُنية أو الشيعية لأن السُنة كما الشيعة منقسمون. فالسُنة على أربعة مذاهب تاريخية فهُم إما حنبليون وإما شافعيون وإما حنفيون وإما مالكيون بالإضافة إلى التيارات الأصولية كالوهابية والإخوان المسلمين والأحزاب السلفية الجديدة. أما الشيعة فعليهم أن يتبعوا إماماً حياً دون سواه, وبذلك ينقسم الشيعة إلى أتباع أئمة أحياء مختلفين. هكذا لا المذهب السُني يوحِّد السُنة ولا المذهب الشيعي يوحِّد الشيعة. على هذا الأساس, لا الهوية الوطنية قادرة على توحيد الجماعة العربية ولا الهوية الدينية أو المذهبية قادرة على ذلك.
 
  من جهة أخرى, لا يوجد نظام سياسي واقتصادي متفق عليه لكي يتمكن من توحيد أية جماعة عربية لأننا لم نحقق أي نظام سياسي واقتصادي يُرضي هذا المجتمع العربي أو ذاك من خلال احترام الحقوق الإنسانية والحريات. من هنا, الإنسانية بحد ذاتها غير قادرة اليوم على توحيد أية جماعة عربية لأن الإنسانية غائبة عن عالمنا العربي بسبب غياب النظام السياسي والاقتصادي الكفيل بتحقيق إنسانية الإنسان. وإذا نظرنا إلى التاريخ العربي فسنجده منقسماً إلى تواريخ متعارضة؛ فكل جماعة عربية تقرأ تاريخها بشكل مختلف عما تقرأه الجماعات الأخرى. وبذلك التاريخ ذاته لا يوحِّد أي مجتمع عربي. وفي الحقيقة لن نجد أي عامل اجتماعي لتوحيد المجتمع العربي ؛ فلا الوطن ولا العقيدة ولا التاريخ قادرة على توحيدنا. على هذا الأساس, لا يبقى سوى الحرب كعامل توحيد وحيد للمجتمع العربي والجماعة العربية. فالحرب ناجحة في توحيد هذه الجماعة العربية أو تلك لأنها تشير بقوة إلى تهديد خارجي أو داخلي ما يدفع الجماعة العربية المنقسمة على نفسها إلى أن تتوحد في مواجهة الآخر الحقيقي أو الوهمي. من هنا, لا يتوحد الشيعة إلا من خلال صراعهم مع الآخر أكان سُنياً أم عدواً خارجياً, ولا يتوحد أهل السُنة إلا من جراء صراعهم مع الآخر الشيعي أو مع عدو خارجي.
من المنطلق نفسه, لا يتوحد هذا المجتمع العربي أو ذاك سوى بفضل مواجهته لمجتمعات عربية أو أجنبية أخرى. لذلك لا تزول الحروب عن عالمنا العربي ؛ فمن خلال الحروب فقط  نتمكن من أن نتحد في جماعات أو مجتمعات. هذه هي فلسفة الحروب العربية. فالحرب فلسفة جماعاتنا ومجتمعاتنا العربية لأن بالحرب فقط  نستطيع أن نتفاعل ونتّحد ضمن جماعة أو مجتمع. فإن زالت حالة الحروب المستمرة عن عالمنا العربي فستزول أيضاً أية جماعة عربية. هكذا أمست الحرب أيديولوجيا وعقيدة لنا لأن من خلالها فقط  نتمكن من أن نكون.
 
  ظاهرة الحروب الأهلية المتكررة في العالم العربي ظاهرة طبيعية ومتوقعة لأنه يوجد في كل فرد عربي حرب أهلية بين هوياته المختلفة. فمثلا ً, اللبناني لديه هويات متنافسة؛ فهل هو لبناني أم عربي أم مسلم أم شيعي أم سُني أم مسيحي؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى كل عربي آخر. فبما أننا نملك هويات متناقضة, إذن من المتوقع أن نحيا في حرب أهلية داخل كل فرد منا, وبذلك من الطبيعي أيضاً نشوء الحروب الأهلية ضمن المجتمعات العربية. باختصار , لا يوجد ما يوحِّد هوياتنا في هوية واحدة , ولذا نحيا في حروب أهلية مستمرة. لكن من منطلق فلسفة الحروب العربية , الحرب وحدها هي العامل الحقيقي لتوحيد الجماعة العربية أو المجتمع العربي. من هذا المنظور , الحرب أيضاً هي العامل الوحيد القادر على جعل هذه الهوية أو تلك منتصرة على الهويات الأخرى داخل كل فرد عربي ما يقدِّم حالة استقرار نفسي للإنسان العربي وإن لفترة معينة. من هنا , الحرب ضرورية للفرد العربي لأنها تؤدي إلى حل الخلافات والصراعات بين هوياته المختلفة. فمن خلال الحرب تتمكن هوية معينة من الانتصار على الهويات الأخرى والسيادة على شخصية الفرد العربي. مثل ذلك هو التالي : إذا كانت الحرب اليوم هي بين الإسلام والمسيحية فالهوية الدينية ستنتصر على الهويات الأخرى فتحل الصراع بين هويات الفرد العربي المتنافسة. أما إذا كانت الحرب اليوم هي بين العرب والعجم فالهوية العرقية أي العربية في هذه الحالة ستنتصر فتحل الخلاف بين هويات الفرد العربي. هكذا الحرب عامل توحيد للذات العربية فعامل استقرار نفسي كما هي الآلية الأساسية لتشكيل الجماعة العربية وضمان استقرارها. وذلك بسبب أن الحرب توحِّد سيكولوجية الفرد العربي تماماً كما توحِّد هذه الجماعة العربية أو تلك.
 
  الحروب الخارجية والأهلية حروب ضرورية في العالم العربي لأنها تنجح في توحيد الجماعة العربية وتوحيد ذات الفرد العربي. فالحرب هي التي تشكّل الجماعات العربية وشخصية الفرد العربي لكونها تحل الخلاف بين الهويات المتصارعة. من هنا , لا مفر من استمرارية الحروب الخارجية والأهلية في عالمنا العربي. لكن كل هذا يشير إلى الحل الممكن لهذه المشكلة.
الحل الوحيد من أجل الخلاص من حروبنا كامن في تفكيك فلسفة الحروب العربية ونسفها. ولا يتم ذلك سوى من خلال المذهب الإنسانوي الذي يوحِّد الجماعات البشرية وشخصية الفرد. بالنسبة إلى المذهب الإنسانوي , الهوية الإنسانية هي الهوية الحقيقية لكل جماعة ومجتمع وفرد. على هذا الأساس , إذا تمكنا من قبول الفلسفة الإنسانوية فسنتحد تحت راية الهوية الإنسانية ما يضمن زوال حروبنا. رغم أن المذهب الإنسانوي لا يوحّدنا اليوم من الممكن أن يوحّدنا غداً. والفلسفة الإنسانوية هي الوحيدة القادرة على توحيدنا لأننا مختلفون على مَن نحن.
من جهة أخرى , تصر فلسفة الحروب العربية على أن الحرب هي الآلية الناجحة في تشكيل الجماعة العربية والفرد العربي ؛ فبالنسبة إليها , هوية العرب كامنة في الحروب. لكن من الممكن تكوين الجماعة العربية وتوحيدها وتكوين الفرد العربي وتوحيد هوياته من خلال المذهب الإنسانوي الذي يؤكد على أن الإنسانية هي العامل الكفيل بتوحيد الناس وتوحيد سيكولوجية أوهويات الفرد. بالنسبة إلى الإنسانوية , لا هوية للإنسان وللمجتمع سوى هويته الإنسانية المتمثلة في احترام حقوق الفرد وحرياته. وحين تتحقق الإنسانوية في عالمنا العربي يحل السلام لأن الإنسانوية تجعلنا نمتلك هوية واحدة ألا وهي الهوية الإنسانية. لكننا اليوم منشغلون في احتلال أنفسنا وفي الاحتفال بانتصاراتنا التي ليست سوى هزائم أخرى.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net