Tahawolat
  إذا كانت الاحداث الكبيرة التي تروّع الأمة، من فلسطين الى العراق الى الشام، تحجب ما عداها، فلأن لهذه الاحداث سطوة دموية تجعل الخوف على الوجود والمصير يحتل كل مساحات القلق والاسئلة.
 
هذا الخوف الذي دفع البعض الى الهجرة والبعض الآخر الى اليأس، والبعض الثالث الى الصمت أو الى قول خجول في المجزرة التي تستهدف الأمة في وحدتها وحيويتها ومخزونها الانساني الحضاري، هذا الخوف عينه هو الذي حمل جمعاً من السوريين القوميين الاجتماعيين القلقين المؤمنين بالحياة وبالمستقبل، على طرح السؤال نفسه الذي طرحه معلمهم وقائدهم انطون سعاده قبل ثمانين عاما، وهو: "ما الذي جلب على أمتي هذا الويل؟" فرأوا، كما كل بصير، أن الانقسامات في المجتمع عموماً، وفي حزبهم تحديداً، هي من أهم العوامل التي مكّنت المؤامرة من اختراق نسيج المناعة الهش والعبث بأسس المجتمع فرزاً طائفياً ومذهبياً وإتنياً، لا قيامة بعده لوحدة الحياة.
انطلاقاً من هذه الرؤية كان التنادي الى مبادرة "وحدة القوميين الاجتماعيين" رداً على منطق التفتيت الواغل في الجسد والروح.
الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي تأسس لاسترجاع السيادة القومية التي استباحتها معاهدة سايكس – بيكو، ولمنع اغتصاب فلسطين الذي سرّعه وعد بلفور، هذا الحزب اليوم مصاب بمفاعيل سايكس – بيكو، منقسم الى ثلاثة أحزاب تدّعي أن مرجعيتها العقيدة الواحدة والمبادئ الواحدة.
 
واذا كان هذا الانقسام ليس جديداً، فبعضه موروث وبعضه مستحدث، إلاّ أنه، في تداعياته، يفقد الحزب في نظر الناس، صدقيته وشرعية ما ينادي به، إذ كيف يحقق وحدة الأمة حزب لا يستطيع أن يحقق وحدته؟
ومن دون الدخول والغوص والتحليل في أسباب الانقسام وخلفياته، نرى أن من أهم ما يفرضه الواقع الصعب على كل منتمٍ الى فكر الحزب ونهجه، أن ينتفض على هذا الواقع ويبادر الى تأييد مبادرة وحدة القوميين الاجتماعيين، انتصاراً لقيم النهضة، واستعادة لحيوية وقوة لو فُعلت لغيّرت مجرى التاريخ.
 
فمبادرة "وحدة القوميين الاجتماعيين" التي تعدّ لمؤتمر عام، تدعو اليه المسؤولين في الاحزاب الثلاثة، والقوميين الاجتماعيين المنكفئين عن العمل الحزبي لأسباب شتى، ترى أن ما تشهده الساحة القومية من تشظٍ ومآسٍ دموية، لا يسمح بالترف والتنظير وتبادل التهم، ولا يجوز أن تتغلّب ازاءه الانانيات والمصالح الشخصية على المصلحة القومية الأعلى.
إنها فرصة للترفع والعطاء، يأبى الوجدان القومي إلا الاستجابة لها.
 
والمؤتمر العام سيكون الاطار الامثل للمناقشة والنقد والمراجعة في كل شأن من شؤون الحزب، من انبثاق السلطة، الى تنظيم الادارة، الى المشروع السياسي، مع ما يفترضه ذلك من تصويبات وتعديلات، وصولاً الى قيادة واحدة ومؤسسات واحدة لحزب واحد يتنكّب مسؤولية المواجهة مع أعداء الداخل والخارج.
إن مبادرة "وحدة القوميين الاجتماعيين" لا تؤمن بالتسويات الفوقية، فمثل هذه التسويات جُرّبت وفشلت. إنها تسعى الى وحدة تنبثق من ارادة القوميين الاجتماعيين التي هي صاحبة القرار، خصوصاً في أمر مصيري كالذي تنشده المبادرة. ولذلك ننطلق من دعوة الى حل التنظيمات القائمة، وإعداد آلية ديموقراطية تعيد تشكيل القيادتين التشريعية والتنفيذية، ومؤسسات المحاسبة والقضاء تثبيتاً لمبدأ الكفاءة والشفافية.
 
نحن نعرف أننا مقبلون على مهمة شاقة. فالفردية التي دعا سعاده الى وأدها، لم تزل لها فينا رؤوس وأنياب ومخالب. والتعصب الفئوي القاتل ينهش وعي الكثيرين منا، والمصالح الخاصة، لها في حسابات بعضنا مساحات وأبواب، لكن رهاننا هو على وجدان القوميين الاجتماعيين واستشعارهم الاخطار المحدقة بحزبهم وبأمتهم.
 
واذا كانت العواصف القاتلة تشلّ العقل أحياناً، وتطفو وتسطو غريزة البقاء الفردي، فيلجأ الخائفون الى الاقبية حيث الظن بأن النجاة حضن دافئ، فان هذه العواصف نفسها، تشحذ في المؤمنين المنذورين لقضية تساوي وجودهم، همماً وإرادات، لا تقوى عليها شياطين الجحيم.
مبادرة "وحدة القوميين الاجتماعيين" صرخة الى واجب عظيم. والنصر للشجعان دائماً.

آراء القراء

0

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net