بلادٌ لم تجدها على الخارطة كجزيرةٍ مفقودةٍ في محيطِ النسيان نجمةٌ لها هويتُها و ضوءُها..لكن لا تصلُها الأيدي بقيت في منعزلٍ عن التاريخ و المؤرخ و الصارخ و المستصرخ بلادٌ نسيها أهلها في زحمةِ الأنباءِ و القيد بلادٌ و ليالها تملأها السمومُ لتشعلَ الدموع في الاحداق كالجمر و أنا أمشي عشوائياً في الأزقة كحياتي و موتي المرّ فيوقفني أحدٌ و يسألني بلغةٍ مشتقةٍ من لغتي و يظنها الأفصحُ يسألني : ما هو أسمك و ما تفعلُ أجيبه لا أسمي لي أنا شاعرٌ تائهٌ في بلدي أتجوّل تحت ضوء القمر لعلي أجد ذريعةً أكتب فيها قصيدةً و كل شيء تخلى عني فلم يبقى شيءٌ لي سوى هذه الرياح الحارة و الغبار الذي يتجوّل في رئتيّ و أحلامي فهل تشاركني؟ لأقاسمك الغبار و الرياح.... فيضحك مني و يحسبني مجنوناً و ربّما يشفقُ عليَ و يمر بلادٌ و في أحيائها و قبل النطق بالكلام و تفتّح العيون و بين الابواب و الجدران المتعبة من حمل الوجدان و المرهقة كالجفون يعلّمك الزمان إما أن تكون شاعراً و إمّا أن تكون مجنوناً بلادٌ و فيها من الجمال ما يهزم التعب و من اللاشيء و من الهوية و اللاهوية ففيها أشياءٌ.. هوية تصير عند ملامستها و كأنّ من في البلاد استدوعوا الهوية في الأشياء خشية إن ماتوا تتخلدوا الأرواح بلادٌ و فيها مشيت تحت أقواسِ جسرٍ لم يكتملِ القرنُ على عمره لكنه يحمل كلَ العناوين دون إيضاح و عندما صارت خطاي عليه أحسست بأنّ الأقواس ليست أقواس حديد بل أقواس قزح رغم غياب الألوان و هناك.. عند ملتقى الأقواس تصيرُ قاب قوسين أو أدنى من إنتهاء المادة فالأول يحملني إلى الفردوس و في الثاني ملأت من الأبدية الأقداح بلادٌ و فيها جبلٌ شامخٌ شيدته الأيدي رافع الرأسِ ليكون شاهداً على التاريخ منذ ما دُوّن التاريخ و كأنَ معمار الزيغورات كان شاعراً لأني اراه كقصيدةٍ عموديةٍ من خمسة أبيات تُقرأ بالعكس فالبيت الأول ينبت من الأرض ثمَ يعلوه الثاني ثمَ الثالث أمّا الرابع قد ضاع في العدم و الخامس حينها قد ذاب في الدم بلادٌ و فيها نهرٌ ينشعب من الجفون و الشرايين يمتدُ كجرحٍ على جسد البلاد من الرأس حتى القدمين نهرٌ و إن نظرت في إمتداده نحو الأفق تراه لن يستمرَ في زحفه تراه يغيب بينه و بين السماء تراه يصعد الى السماء رويداً رويداً ليسقي أنهار الجنة و يملأ كؤوس الملائكة المقربين بلادٌ و نخيلها كأشباح على الطريق تحدّق في وجهك و بكلّ شيء تنبئك دون أن تتكلم تقفُ كأوتادٍ على الأرض لا شيء يزحزحها عن مكان ولادتها و حتى لو تموت تموت واقفة كسليمان ربّما تخدعك بأنّها لم تموت و ربّما لا تريد بموتها أن تتخلى عن التراب بلادٌ و فيها إذا أردت أن تشير إلى التراب لا تشير إلى تحت قدميك بل عليك أن ترفع رأسك لترى التراب فوقه فهنا لا شيء يقف على طبيعته هنا تصير السماء الأرض و الأرض سماءاً يزينها السكان و كأنّهم كواكب و نجوم بلادٌ و فيها لا تصدّق ما ترى و صدّق ما لا تراه(كلُ شيء لا يعبر عن ذاته) فملامسة أنامل كهلٍ تكفي لتشعرني بملامسة جذع نخلةٍ من الموت و الخلود إقتربت و عطر وشاح جدة يكفي ليملأني برائحة الحقول التي ذهبت و إبتسامات طفلٍ تكفي لتطمئنني بأني ما زلت حياً لحد الآن و أكتبُ لحاضره و مستقبله كلُ شيء هنا متناقض مع واقعه