Tahawolat
قبل الولوج في إبداعات الأب مارون الحايك، خصوصاً، تلك المستنيرة بتألق يتجدّد مع تجاربه الحياتيّة يومياً ومع نبش  مستمرٍّ لكلّ كتابة عتيقة حتى المهترئ منها، أو جديدة حتى الهزيل المبتذل في كتاب أو مجلة أو جريدة، فهو، في مطالعاته،  نهم لا يكلّ الا عندما يدعوه الواجب الى تأدية فرض من فروضه الدينية أو تأتيه خاطرة فيمسك القلم أو يخطفه منك ليسجلها عظة أو قصيدة أو تصحيحاً لما يتأكد من وروده خطأ في كتاب ديني أو تاريخي. 
هذا، وقبل الولوج أيضاً في تحليل عطائه الذي أعتبره وحده يبقى مع مرور  الزمن، لا بد من عرض لنتاجه المكثر في كتابات قد تكون مضافة الى التأريخ في محطاته وخصوصاً في كتابة السيرة التي، وإن أدت واجباً أو وفَّرت معلومة جديدة، فإنها أصبحت بنظري ممجوجة لكثرة ما تناولها ويتناولها بعض المزايدين  والمكثرين،  ومن توقّف عطاؤهم عن الإبداع أو من لا عطاء لديهم.
أما غاية هذه الكتابات وما يشفع بها هو أنها، في اعتباره، جزء من واجباته الدينية في تأريخه للأديرة وإعادة الوجود لرجالات غابوا في طيّ الذاكرة.
 في القليل من لمعات في كتابه "مرايا الذاكرة"، وأقول القليل لأن الدقّة في سرده الذي أراده نوعياً، جاء بنتيجته تفصيلاً كميّاً، والقليل الذي عنيته أيضاً كان تجربة رائعة في محطات إبداعه وأختار منه لوحة بعنوان شرفتنا.
 "شرفتنا" قصيدة من روائع الشعر المنثور، تختصر كلماتها حكاية جبل، بل حكاية متنه الذي تربطه وشائج من الدم البطولي الذي حمى الوطن في مراحل من تاريخه الطويل وبجناحي الوطن في شماله وجنوبه ولا تزال رائحة الشهادة في ترابه تعبق بعبير التراب المقدس تحت كل الشرفات.
"شرفتنا، تعادل الفصول، تهدئ من غضب الثلج، ترقِّق عباءة الضباب، تبرِّد حرارة اللهاب/ ... ترجع أصوات الجولات والبطولات وأخبار الأجداد وأسرار التاريخ. / تعلمنا التشبُّث بالتراب، بالكرامة، بالوطن، فننشد السلام والحرية / شرفتنا! ينبوع أحلامنا انعتاقاً وعبوراً!/
بـهذه القصيدة يعود الأب مارون الحايك أدراجاً الى مطرحه في قصائد كتبها قبل عشرين عاماً في "مزامير للجسد" الصادر في العام واحد وتسعين وتسعمائة وألف  و"النار كان ويليه هذياني" الصادر عن دار الفكر اللبناني بعد ثماني سنوات من مجموعته الأولى.
قد تكون المرايا قد كُتبت في مناسباتها أو يكون لقصصها إيحاءاتها البريئة وكان لا بد من تسجيلها كذكريات تعني عيلة المؤلف وضيعته فحسب.
والشرفة التي اخترتها والتي تتواصل بكتابات الشباب وعنفوانه وحرارة ايمانه حتى الاحتراق، ستبقى صلة للآتي من ابداعاته.
 في "مزامير للجسد" يوغر الكاهن، كاهن الرب، بصلاة في كلمة إهدائه.  فنحن وفي اليقين سنلتقي يوم الحشر، وفي خاطرة أُولى تختصر قدرات الخالق والخلق بجسد كأجسادنا لم يتكون في رحم انثى بل في رحم الأبدية.
مزامير تلتقي بالتوراة  في هذيذ الجسد وتلتقي برسالة الغفران في هواجس الشك واليقين لكن صوفيتها تبقى واضحة برموزها.
مزامير تقترب أحياناً من لجج الجحيم ومن شفير الهاوية لكن الكاتب يعرف كي يلجمها قبل ان تهوي سفاحاً وهي تتمادى بانعتاق محموم ضائع:
/ يا جسداً يعكس المستتر / يا جسداً ينحل من جسد / يا جسد الاله / علمني لحن الخلود / أوتارك تعزف سمفونية الوجودْ / في ارتقاءٍ وتلاشٍ وجمودْ /
يا جسد الاله / داوِ بأرجونك الندي جرح الدهر في جسدي / سكرَ الجرحُ ببعثِ الاله /
وفي المحطات، وهي ايحاء من درب الجلجلة، تتخطّى لاهوتيته في فلسفة الوجود الى ثبت واضح في مجردات (متافيزيك) يصعب اختراقها.
 خطيئة جسدي، يُذنبُ الى الأرض، يألفها، يضاجعها وتنجب أجساداً أخر/ صلاته اختلاء في صومعة التراب / طهارته حشرجة تحت الرماد / ميتافيزيقيته، تخطّي منطقة الماء والتراب / خلوده كنه السر- الحلم الذي فيه / قداسته، هذيذ لا متناه في رموز الأبد / شهوته جوع الى خبز البقاء / ارتواؤه، عطشٌ الى ثمالات الذات المترعة / سرّه، بوتقة العناصر الأربعة في ماهيّة جوهر الله".
وفي ترانيم الهللويا، تتوحد مادية الجسد بروحانيته في ارتقاء وهبوط:
/ لا ينتمي جسدي الى الأرض ولو أنه من جبلتها. / لا ينتمي جسدي الى الشهوة ولو أنه من رغوتها / ويرفع النداء: / بحقي أنا / بحق الصامد في الجسد  أنقذه بي نحو الأبد / لن يبقى جسدي في الأرض / لن يبقى لينعدم / هو ذاهب اليك /.
الهللويا صلاة تحرق الجسد بلهيب الروح عندما يلسعه بنداء النفير فيفنى لتعود الروح بجسد أُلوهيٍّ لا يعرف الفناء.
 وفي "النار كان" من ديوانه الثاني تأخذ لاهوتيته الميتافيزية أبعاداً متمادية بجرأتها وانحرافها عن الشائع فيقول في "الديمومة":
تآلفت مع ذاتها / تصادمت / انصهرت / تولّدت / لم تعرف الاستقرار / تغيّرت ... / لم يكن شيء مما كون في التغيّرات /
ويكمل هكذا في القصائد الأخرى "تحوّل"، "يأتي ... بالنّار" الى آخر المعزوفة عند حدود الهيكل في "هذياني" لينقضه ببضع كلمات!
هذا الهيكل ظلّ يراود أفكاره من الجسد الى الفصول حيث يعلن عن ذوبان العناصر وماذا يبقى بعد انعدام الجاذبية في الدهشة الأبدية؟
هذا الهيكل سيظلّ يلاحقه بانهياره وقيامته ليثبت ثبوت الخالدين.
وهذه الجولات الجريئة في الماورائيات تتميز بمضامين تقترب بأبعادها ورموزها من حدود محرمة لكن شرفة المرايا تعيدها الى مساحة ضوء تنير جوانب الهيكل من جديد.

آراء القراء

2
30 - 3 - 2014
ان الاستاذ عباس بيضون هو أستاذي في اللغة العربية في ثانوية القبيات الرسمية بين عامي ١٩٧٢ و ١٩٧٥ ولم أعد أراه منذ ذلك الحين وانا أكن له احتراما ومودة وعرفانا بالجميل هل من الممكن ان احصل على رقم هاتفه كي أكلمه ؟ وشكرا لكم سلفاً
15 - 8 - 2012
AKAIK you've got the aneswr in one!

أضف تعليقاً



الرسالة البريدية

للاتصال بنا

هاتف +961 1 75 15 41
موبايل +961 71 34 16 22
بريد الكتروني info@tahawolat.net